|
ليست صورتها تلك
عبد
القادر الحصني
ليس بإمكاني أن أصبحَ شخصاً آخر يا
مولايْ فأنا أحدٌ مثلكَ، لكنْ لم يدركني
المعنى، فبقيتُ كما أبناء الناس جميعاً: يسحبني من جفنيَّ نعاسي، ويدلِّيني في بئرِ النومِ، ويغلقُ خلفي بابَ نعيمٍ لا يفنى... فامنحني نعمةَ أن أحلمَ حتى يقتربَ الشيخُ من الطفلِ
ليلعبَ معه، فأنا أسمائي ليستْ حسنى. وأنا حين أحاولُ أن أتضرَّع لا
أرفعُ عينيَّ إليكَ، ولكن ترفعُني عينايْ فامنحني نعمةَ أنْ أحلمَ، وامنحني نعمةَ أن أقصُصَ رؤيايْ *** -
لم
أمنحْ هاتين لأحدٍ من قبلُ: فإما
أن تحلمَ أو أن تقصصَ كيف
تعيدُ الأغنيةَ من أوراقِ الأشجارِ إذا
انحلَّت في ماءِ
الأنهارِ، وكيف تعيدُ الأزهارَ إلى الحقل إذا
صارتْ عطراً
في دكانِ العطَّارِ؟! تأمَّل
وجهكَ في المرآةِ الأجمل من بين مرايايْ لترى
صورتَك على صورة من تهوى وترى
أنكَ لستَ سوايْ *** ليس لوجهي مرآةٌ... وإذا كانت لي مرآةٌ، فأنا مرآتي
ليست أنتْ وأنا أخرج من بين بساتين العاصي، مزداناً بالزعرور، ومصبوغَ الشفتين بتوت العلَّيق، ويستقبلني في حيِّ الغوطة شباكٌ
أخضر وكبيرٌ، وله بيتْ تنفرج غيومُ ستائره عن أطيافِ
سماءٍ زرقاءَ مؤطَّرةٍ بالوردِ، وقد دلَّتْ من أعلاه إلى الأرضِ جديلتَها بنتْ -
اصعدْ... فصعدتْ.. عشرون ملاكاً حفُّوا بي، وأنا
أتسلَّقُ، كيلا يسقطَ قلبي مني، أو تنزلقَ يدايْ. عشرون ملاكاً... كادت كفِّي أن
تلمسَ كفَّ البنتِ الواقفةِ
هناكَ،
وأن ينتهي المقطعُ بالتقفيةِ المقبولةِ من
شفتيها، وهي تشدُّ إلى نهديها رأسي، نادهةً
من فرحتها: يايْ. لكنَّ مقصاً انقضَّ بلمحِ البصرِ،
وقصَّ ضفيرتها، فسقطت، ومتّ كنت أرى، وأنا أتهاوى مرتطماً بنجومِ
الظهرِ، مرايا لا حصرَ لها... إلا أنتْ. ما كان لهذا الولدِ الطائشِ أن
يتجاهلَ سبعةَ ألوانِ الطيفِ المنسابة من جذع الموشور كان عليه أن يصمتَ ليرى، أو أن يغمضَ عينيه لكي يسمعَ... ليست صورتها تلك... وما كان له أن
يسمعَ أو أن يبصرَ لولايْ... خادَعَهُ القصبُ اليابسُ،
واستدرجَه، فهو وحيدٌ وحزينٌ، وبلا نايْ. *** *** ***
|
|
|