|
صخرة
الغيب
(مختارات)
محمد
شديد
محمد
توفيق شديد
ولد الأستاذ محمد توفيق
شديد عام 1919 في قرية علار (قضاء طولكرم)، شمال
الضفة الغربية من فلسطين. نشأ وتفتح ذهنه على
الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 وعلى فشلها
في النهاية أمام قوى الصهيونية والاستعمار
وخنوع الرؤوس العربية التي دخلت طرفاً ثالثاً
(من باب الإخاء العربي الواسع!) للحفاظ على
الحق الفلسطيني – وإذا هي تخون الأمانة بكل
مناحيها. عاش فجائع النكبة عام 1948 وبؤس مهزلة
الرؤوس العربية وجيوشها، ثم ويلات النكسة (مهزلة
المهازل للأنظمة العربية) عام 1967. عمل في لبنان في خمسينيات
القرن الماضي في حقلي الصحافة والتدريس. وفي
بداية الستينيات ارتحل إلى الجزائر بعد
استقلالها مباشرة، حيث ساهم بفعالية عالية في
حملة التعريب والتوعية والتثقيف لأبناء
الشعب الجزائري المجاهد إبان الاستقلال. كانت
له أدوار مميزة في الصحافة والإعلام والإذاعة
الجزائرية، إضافة إلى عمله كمدرس زهاء عشرين
عاماً تقريباً. عاد إلى بيروت في منتصف
العام 1979 لينشط في مجال الصحافة والإعلام،
وليعيش الأحداث اللبنانية المأساوية، بدءاً
من الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وما تلاه من
مجازر همجية في مخيمي صبرا وشاتيلا (التي كان
يسكن على أطرافها)، رافضاً – وبالمطلق –
الخروج من بيروت مع موجة الترحيل في تلك
الفترة العصيبة، وانتهاءً بالحروب الطائفية
اللبنانية المقيتة التي أدمت قلبه، إلى أن
توفي هناك في بيروت عام 1985. كتاباته أ. الشعر:
كتب الأستاذ محمد توفيق شديد الكثير من
القصائد الشعرية الهادفة التي كان ينشرها في
الصحافة الفلسطينية (قبل نكبة عام 1948)
والأردنية واللبنانية والمصرية، علاوة على
الصحافة والإذاعة الجزائريتين. تناول ألوان
الشعر الإنساني متنوعة وشاملة، حيث نجد الشعر
الوطني والسياسي اللامتناهي الجرأة (الذي
يحتاج إلى مساحة واسعة من الحرية لنشره
والتعامل معه)، والشعر الإنساني والوجداني
والإلهيات (التي تحتاج إلى مساحة من الحرية
أكبر وأكبر)، إضافة إلى الشعر الرمزي، وشعر
المناسبات الوطنية والقومية، والشعر الوصفي،
وشعر الأناشيد الوطنية والأطفال، انتهاءً
بشعر الحب والغزل. صدر له في بيروت ديوانان من
الشعر هما: -
ضحكات دامعة صدر (1972) -
سماؤكم... صحراؤكم... قهر
(1979) من العام 1980 ولغاية العام 1985
(عام وفاته)، كتب الكثير من القصائد الإنسانية
الوجدانية التي كان يتوق إلى تعميمها ونشرها
على نطاق عالمي. كذلك في تلك الفترة ذاتها كتب
العديد من القصائد الوطنية والسياسية
والوصفية الهامة. وجميع هذه القصائد لم
يحتوِها أي من الديوانين المذكورين. ب. المسرح:
له العديد من المسرحيات الجريئة الهادفة التي
تنزع إلى الحث على المطالبة بحرية الكلمة
وحرية الإنسان في العالم العربي. فُقِدَ
بعضُها (في جملة مفقوداته الكثيرة)، وبقيت بين
أيدينا منها ثلاث هي: -
علبة الحرية -
مشاكل... مشاكل -
المتمرد طُبِعَت من هذه المسرحيات
اثنتان هما: علبة الحرية ومشاكل... مشاكل. ج. المقالات:
كتب الكثير من المقالات السياسية والأدبية
والتعليمية في الصحافة الجزائرية (في مجلتي الجيش
والمجاهد)؛ وكانت كتاباته متنوعة وهادفة
وشاملة لتتعامل مع كافة أطياف المجتمع من
القراء – علاوة على كتاباته في الصحافة
اللبنانية والفلسطينية. نزار
محمد شديد *** الإله
هو المحبة
لست أفهمكم، وإني بينكم
أحيا اندهاشي وكأني غير ذاتي لا يعي عقلي لكم لغةً وإن عقولَكم لتعافُ معنى
كلماتي عِرفُكم، تقليدُكم، وجميعُ
ما ورثتموه أراهُ مَسخاً لحياتي ما تفخرون به يُنفِرني، وما
أزهو به عارٌ لديكم من صفاتي وحبورُكم، وسروركم، كم زاد
من حزني وأذكى في كياني حسراتي شرقُكم هو مغربي وإلهكم وصلاتُكم غير إلهي
وصلاتي *** إله
وجودي
*** إبليس…
وإبليس
ونظل نلعنُه ونُخزيه،
وأكثرُ نطوي المسافاتِ البعيدةَ كي
نشارك رجمَهُ – في رحلةِ الأوهام، تُزهينا
سعادتُها وتغمرُ – رجمَهُ عن كل ما كنَّا
اقترفنا من مآثمْ لنعودَ أطهرَ من حمائمْ ونعيدَ ما كنَّا عليه،
نكرِّر الماضي فساداً وشرورْ! كيف لا، والحجرُ الأسودُ
صابونٌ يطهِّر من فجورْ؟! سنعود نلمسُه، ونصعدُ نرجم
الشيطانْ – وهو أبو الخطايا بيننا –
ونؤوب بالغفرانْ! ونحجُّها، ونحجُّها، ما
أثقلتْ أوزارُنا أرواحَنا ونموتُ تلقانا على باب
الجنانْ حورٌ وولدانٌ حسانْ! يا روعةَ الإيمان
بالشيطانِ، بالجمراتِ، بالحور الحسانْ! * إبليسُ يحملُ وزرَنا والأضاحي البائساتُ ركائبُ
الفردوسِ ننحرُها على درب السلامةْ لا نحسُّ لنحرها خُسراً،
ولا ألماً، ولا عقبى ندامةْ! من تساءَل: باسم مَن،
ولِمَن، تقام لها مواسمُ من مجازرْ – ولقد غدا استهتارُنا في
نحرها خزياً وبالمخزي نُفاخرْ؟! هل حسبناها خسائرْ؟ ومشاعرُ الأطفال، هل في
نحرها ذوقٌ لتربية المشاعرْ؟ أسِوى جفاءِ الطبع فيها
للنفوس، وموتِ إحساس الضمائرْ؟! * في توهُّمنا لإبليس هروبٌ
من محاسبة النفوس في رجمه – كالنحر – تعويضٌ
لنا عن ضعفنا أن نرجمَ الفسادَ في رؤوسنا أن نرجمَ الفسادَ في
طُغاتنا، أن نرجم السلطانْ من رأى الشيطان في أيِّ
مكانْ؟! قد رأينا، وبَلَوْنا، سطوةَ
السلطانْ كم تجرَّعنا على يده
الهوانْ! لكننا لم نلتقِ الشيطانْ لا ولا يوماً رأينا في
السماء جنانْ! آن أن تستيقظوا يا سادتي وَهْمُ العقول ارتدَّ عما
كان من أمدٍ طويلْ منذ في صحرائنا البدوية
انبثق البديلْ ذلك النفط الذي جمع النقيضَ
على النقيض الخالدَيْنْ – جبريلَ والشيطان – خطاً
واحداً، متعاونَيْنْ ولخدمة البدوي ذي العُثنون،
يأمرُ: كُنْ – فإذا هو كائنٌ في لمح عينْ! * لو نبيٌ عاد يوماً زارهُمُ ورأى بعينيه القصورْ وعُهرَ أسرار القصورْ لانسلَّ منها وهو يفقأ
مقلتيه فلا يرى ولراحَ يصرخُ، كالمروَّع
والمضيَّعِ عقلُه، في الناس أن آن الأوانْ لنبرِّئ الشيطانْ ونصبُّ لعنتَنا على
البترولْ فهو أبو الضلالة والوقاحة
والفجورْ! حتى ليبدو أنما كلُّ القيم كل الفضائل والمثل كل العقائد في المعابدْ كلها – لو أنها اجتمعت –
لما قدرت على غسلِ ما البترولُ خلَّفَ في
نفوس بداوة الحكام والأمراءِ من عمق المفاسدْ! *** لست
أفهمكم... تهان عقولكم
حتى لتُرجِفُكم وتُفزِعُكم
من الماضي خُرافةْ كيف آمنتم وصدقتم بها؟! لا
تسألون قبلتموها، لا رويَّة، لا
حصافةْ مثلما البدوي آمنَ يومَ كان
يعيش في جهلٍ على وهم التطهر والعرافةْ ولذا أراكُم حين يُتلى سطرُ
ماضٍ تعتريكم رهبةُ الغيب المقدس
والمخافةْ لا تفتحون عقولَكم فتشكُّ،
تنتقدُ التراثَ ودونما قدسية، كي لا تخافهْ ولذا أبيتم أن تعيشوا
عصرَكم متحررين من الكهانة
والخرافةْ * لست أفهمكم! مشاعرُكم
تُوتِّرها وتُلهِبُها الصغائر تباعِدُكم عن القصد النبيلْ أديانُكم تتعصبون لها،
تثيرون الضغائن والحروب وتفتكون بشهوة الحقد
الغلولْ والديانةُ حين تغدو مخلباً
أو نابَ حقدٍ واضطهاد فهي غابٌ ربُّها المعبودُ
غولْ ما الفرق في أديانكم –
وجميعُها غيبٌ وليس سوى حقيقة أننا نحن
العقولْ؟! ما لم تعد أديانكم غيثاً
مَشاعاً دورُها مشرعةٌ، ترحابُ حبٍّ
وإخاءٍ وشمولْ ستظل محنةُ عيشكم فتَناً وللمسلَّطين عليكم غلاً
يقيدكم ثقيلْ * لست أفهمُ شاعراً أذناه لا
تصغي لصلصلة القيودِ تكبِّل الحرَّ الغضوبْ ويصوغُ رنَّاتِ الكؤوس على
موائد من طغوا وتجبَّروا لحناً طروبْ لست أفهم ريشةً مطواعةً لا ترسمُ الحرمانَ مرتِسماً
على وجه الطفولة في متاهات الأزقة والدروبْ وتجيد رسمَ محافلِ الأمَّار
والتجار والفجار والمتسلِّطين على الشعوبْ لست أفهمُ فيلسوفاً رأسُه
نحو السماء وعن مشاكل أرضه من حوله
اختار الهروبْ هؤلاء القادرون الواهنون ذنوبهم بجنوحهم، وسقوطُهم
شرُّ الذنوبْ * لست أفهمكم! أراكم تقضمون
الطيرَ أجنحةً وشَدْوا والزهرَ رحيقَها وعبيرَها وبراءةَ البسمات في الأطفال
وهي تموتُ حرماناً وبؤسا ماذا لشرع الغاب خلَّفتم؟
وهل غادرتموه؟ تأملوا، أو سَلوا حضارةَ
عصركم وضميرها كيف أفهمكم؟ تعيشون انتظار
فنائكم ويلٌ... الدمار يطل، ينذر أن
يصيِّر كلَّ الأرض هيروشيما ناقماً متوعداً تدميرَها أين هو شرف الحياة ونبلُها؟
أين انتفاضتكم تهب، تجنِّب الأرضَ،
الحياةَ، مصيرَها؟ أين صرختكم تدوِّي أن على
الأرض السلام؟ وللشعوب – مع الأمان –
الخبزُ، لا نار الحروب سعيرُها. *** أهناك
جدوى؟
*** شؤم
الطائفية
هل
لضميرٍ أن يتساءلَ، للعقل أو الوجدان: ما معنى أن تتعارك في وطنٍ،
فوق صدور الشعب، تفرِّقه فِرَقُ الكهانْ؟! وهل البارئ يمكن أن يغدو
ممتلَكاً لفريقٍ دون سواه كتمثالٍ، دميةِ ماسٍ، أو
عسجدْ كم، يا فِرَقَ الكهان، غدا
ربُّ الكون بِكُم أصغرَ من أن يُعبَدْ كم هو أحرى لو مالَ الإنسانُ
إلى النحلة والزهرة والطفل إلى النجمة والغيمة
والشطآنْ؟ فإلهُ الكون به حبُّ وعطاءٌ
وحنانْ... يسمو، يسمو لا يشعل للخاطئ – مثل إله
شرائعكم وتناحرها – النيرانْ لا أشقى من وطن تغدو الشعب
مللاً وطوائف أديانْ يتعادى فيه على موروثات
الأجداد ومحفوظات الكهانْ فِرَقٌ متبطِّلةٌ،
متمرغةٌ، ما استعرتْ بالكره طوائفُها غمرتْها الفرحةُ وانتعشتْ
وزَهَتْ ريعانْ وطنٌ تتوارى خلف طيالسهم
ذئبانُ الساسة فيه وخبثُ ثعالبة المالْ كلٌّ في الشعب له نابٌ أو
مخلبُ مفترسٍ قتَّالْ * فِرَقٌ شاغلُها أن تغرسَ في
الطائفة الحقدَ على الأخرى وخبيثَ السِّحرِ من المعتقد
الآخر ما أسرع حين كادَ أن تتشنجَ
فيهم أعصابُ الفتنةْ تشعلها نيراناً تلتهمُ
الماضي والحاضر ليفيضَ الوطنُ المنكوبُ
بِهِمُ بمآسي ودموعِ الأحزانْ وهنا أبداً سترى عيناك عناقَ سماسرةِ الدين
وتجَّارَ الأكفانْ لا أشأمُ من وطن تتسابقُ فيه
معابدُهم شاهقةً هذا يزحمُ ذلك كيداً ونكاية حيث يُقامُ هنا ناقوسٌ
تزحمُه مئذنةٌ تهتف: يا عباد تعالوا!
فالدين الحقُّ هنا إن شئتم لله هدايةْ والشعبُ – سوادُ الشعب –
يؤرقُه البؤسُ وخوفُ البؤس على حبلِ تناحُرهم مشدوهاً
لا يدري غايةْ وورودُ الأطفال تجفُّ وتذوي
حرماناً كي تشمخَ مئذنةٌ أو يعلو
جرسٌ فوق قباب المرمرْ وكأن المعبودَ إلهٌ وثني،
يُبهِجُه الأطفالُ على مذبحه تُنحَرْ * لا أشأم من وطن دولتُه مِللٌ
وطوائفُ أديانْ أبداً لن يشعرَ فيه الشعبُ
حياةَ أمانٍ واطمئنانْ أبداً لن يزهرَ غير الشوك،
ولن يثمرَ غير الحنظلِ قوتَ حياةٍ لجماهير بني
الإنسانْ *** رمضان...
كريم
كم
يُهينُ المرءُ باسم تراثه الغيبيِّ عقلَهْ! كم
يمرِّغه ويمسخهْ! ليملأ
رأسَه من بائدات جدوده وقبورهم جهلاً وغفلةْ وكأنما
شغفٌ لدى العربي أن يعشقَ غفلةْ هل
غباءٌ، أم تعوَّدنا على تفكير الاسترخاء في
ظلِّ الغباءْ – مطمئنين
بأننا شمسُ هذا الكون هدياً مثلما
قالت لنا أوراقُنا القديمةُ الصفراءْ؟ وترانا
هكذا أبداً نُجافي منطقَ العصر الذي نحيا لنوغلَ
في القرون الغابراتِ على جناحي طائر العنقاءْ! * رمضانُ
شهرُ الخير والبركات نمضغُه
ونمضغُها مديحاً وثناءْ ونعيدها
منغومةً لحناً نردِّده قصيداً وغناءْ حيث
يغدو الوهمُ بالترديد فينا رقصَ دروشةٍ
لواقعْ هيهات
تمحوه البداءةُ والوقائعْ رمضان
ما أحلاه! يا لجمال طلعته البهيةْ! شهر
القداسة – والقداسة لا تحاورُها العقولُ
العربيةْ! إنها
فوق العقول المدرِكات، وفوق كلِّ المدرَكات أوامرُ
علويةْ عادةُ
استمرار وهم لا تتيحُ لنا التأملَ والرويَّةْ لا
تتيح لنا نحكُّ عقولَنا متسائلين صيامُنا،
هل فيه ما يجدي؟ يُحرَّم فيه قطرُ الماءْ هل
هذا – إلهي – الهويةْ؟ أوليس
شهرُ صيامنا – في نقده التفكير – أردأ
مسرحيةْ كل
يمثلها على قهر ولا يدري لها من غاية مستسلماً
لإرادة بدوية، غيبيةْ * ما
الذي في صوم شهر من فضائل يرتجيها من تدبُّرْ
أو تعقُّلْ؟ شهرٌ
يشلُّ عقولَنا وجسومَنا، ونباركُ الشهرَ
الشللْ شهرٌ
ترانا فيه منهمكين، منهوكين، قد شُدَّت به
أعصابُنا بين
التوتر والمللْ شهر
ترى أعصابَنا ولحاظَنا وأنوفَنا أيَّما
مستنفرةْ بين
انفعال خانق حيناً، وبحث عن لذائذ في اشتهاءْ
كالشَّرَهْ * هاتِ
من عهد البداية فالخلافة صومةً هل
كان فيها غير تبذير وضعف وقعودْ؟ هل
جنى الماضون منه؟ وهل جنينا غير شهوات المآكل
والجمودْ؟ رغم
زعم الزاعمين، ورغم كل مواعظ المتبطِّلين على
الزمانْ من
ألف عام مرَّ أو مذ كان ما
تغير نمطُ عيش الصائمين فهو
فينا – يزعم الوعاظُ – فهو شهرٌ تفرَّغ
للقانتين المؤمنينْ – وهو
للشهوات والمرض الكسول إذا تحرينا اليقينْ! وعن
الحقيقة، سَلْ كروشَ وسَلْ جيوبَ الواعظين! * ونقدس
الكسلَ المريضَ به، لنعبدَ من خلال صيامِه
شهواتنا وإلا...
فما جدوى الصيامْ؟ كان
في عصرٍ مضى من ألف عامْ حين
كان نهارُنا استرخاءَ ذلٍّ في البراري
والمجامعْ حين
لم تكن المدارسُ والمعاهدُ والمعاملُ
والمصانعْ حين
كان العمرُ، مثل الوقت، ضائعْ حين
كنا، ساعة نرقدُ فيها أو نهار، لا نبالي حين
لم يكن استباقٌ للدقائق والثواني ليس
يحتمل الخمولَ ولا ثواني الانتظارْ واليوم
فكِّر – لا عدمتك – أن من عيش الجدود حياتَنا * لو
قد حسبنا ما يسببُ صومُ يوم بائس من نقصِ
إنتاجِ العملْ لو
قد حسبنا ما يضاف إلى موائدنا ليوم واحد منه لمعظمُنا
من البهر انذَهَلْ ونصرُّ
ننعتُه بشهر الخير والبركات شأن
العاطلين ذوي العمائم بيننا والمقعدينْ وهو
المبدِّدُ كلَّ مدخرات لوح العاملين
الكادحينْ فبأي
شرعة منطقُ رمضان يعرونا به مَرَضان: من
شللٍ ومن هدم اقتصادْ والخصمُ
في الأرض السليبة علمُه يبني ويقضم ما
نجا منها بدأبٍ واقتصادٍ وعنادْ *** صخرة
الغيب
يا صديقي، من طفولتنا
البريئة دجَّنونا منذ كنا في المهود ونحن
رضَّعٌ درَّبونا بالإشارة، كيف
للأذقان نصمت كيف نسمعُ ودَرَجْنا للمدارس نبتغي
علماً فكان الغيبُ أول ما تعلمناه
مرجعا علمونا كيف نصغي للطلاسم
ضارعين كيف نقرأها ونخشعُ درَّسونا وثنيات نمارسها،
وألفاظاً نتمتمها ونركعُ كي ننال رضى المغيب يوم نفضي
قبوراً ونشوراً فيُنيلنا جناتِه، بالحور
والولدان نرتعْ حذرونا أن من يعصى ويتبع
هاجس الشيطان – من هو ذلك الشيطان، لا ندري!
– أعد له سعير النار مهجعا خالداً في وقدها. لم يرحموا
فينا براءتنا، ويا... كم ذكرُ نار الربِّ
أرجفنا وأفزعَ * وكبرنا وجذورُ الرعب تضربُ
في شغاف قلوبنا في الوعي والأحلامْ لنعيشها أبداً، ضحايا لصراع
الربِّ والشيطان فوق صدورنا لا ينتهي لها
خصامْ خصمان لا يتهادنان فنستريحْ ولا قويٌّ غالبٌ يلقي
الضعيف له السلاحْ فنطمئن إلى سلامْ خصمان كم بهما شقينا! كم أثارا في نوازعنا
الضغينة والعداء والانقسامْ! خصمان صورناهما من ضعفنا،
من رهبة المجهول يومُ الكهف مأوانا،
ومأمنُنا الظلامْ يومَ كان البرقُ يلمع خطف
جنح لملاك والرعودُ نذيرُ ربٍّ،
والصواعقُ نارُ سخط وانتقامْ وترسختْ أوهامُنا في وعينا
وتجذَّرتْ وإذا الخرافة – وهي نسج
خيالنا – تغدو قَناعات لها في عمقنا التقديسُ
والإجلالُ والإكرامْ ومضتْ قرونٌ وقرونٌ غيَّبتْ
أجيالنا وغيوبُنا تغتالُ وعيَ
حضورنا نحيا حضوراً غائبينْ عشنا نمارسُ في الحضور
حياتَنا لنموت، ننتظر الفناءْ فننال في الأخرى جنانَ
الصالحينْ ليس تعنينا الحياة، وإنها
لمتاعُ غرور لنا الأخرى، وهذي الدار
ملهى المشركين الكافرينْ فوزُنا منها الصلاةُ تخطُّ
فوق جباهنا وأنوفنا سمةَ السجود (كما إله الخلق أوصى
المؤمنينْ) ما يميِّزنا انفعالاتٌ
تفجرِّها حساساتُ القداسة غيرةً نلغي مداركَنا لنحرسَ عرشَ
ربِّ العالمينْ أما ثمارُ العقل إبداعاً
وخلقاً وابتكاراً واكتشافاً فهي ليست ذاتها – إنَّا على
هدي الجدود العابدين الساجدينْ والعقل، يقظتُه لدينا ساعة,
ومنيه، أبداً تنبه للوضوء وللصلاة،
أو الجنابة، أو للَمْسٍ محرَّمٍ ونجاسة...
هو للطهارة حارسٌ أبداً أمينْ! إنا عبادٌ للصلاة، وللصلاة،
وللصلاة، وللصلاة... و... ينتهي اليوم الحزينْ؟ * يا صديقي... محنة نحيا. لهم أن يهذوا
أبداً وليس لنا سوى الإصغاء
مبهورينْ ليس نملك غير أن نحني
الرؤوس، نقول صدَّقنا وآمنَّا وويل للذي يبدي ارتياباً أو
مظنةْ ليس نملك أن نحاورَ، أن نقول:
كفى... أريحونا... فذا كفرٌ وزندقة، وقائلُه
تُصَبُّ عليه كالشيطان لعنةْ يُغتال، يُصلَب. فهو هرطيقٌ
خبيثٌ أو مَسيس بين مرضى العقل يُعزَل... فهو
جنةْ * يا صديقي... حين يغدو الغيبُ فينا صخرةً
صماء فوق العقل، يغدو الربُّ غولاً مفزعاً،
والدين – وهو سلامُ النفس – يغتدي أفدح محنةْ... ***
*** *** |
|
|