إدوارد سعيد الفائز بجائزة لانان الأمريكية

خارج المكان

جدلية الهوية والذات والمكان

 

سليمان بختي

 

فوز إدوارد سعيد بجائزة لانان الأمريكية التي أُعلِنَت يوم الخميس 25 تشرين الأول 2001 – وقيمتها مئتا ألف دولار أمريكي – على مجمل أعماله وعلى سيرته الذاتية خارج المكان* يثير نقطتين:

1.    أهمية الكتاب وما يحفل به من مضامين إبداعية ذاتية وفكرية واجتماعية، كونه شهادة يقدمها فردٌ حرٌّ مبدع حول هوية في مهبِّ الريح والقلق وعالم غاب في النسيان واندثر.

2.    استمرار النظرة الموضوعية لدى بعض الهيئات والمؤسَّسات واللجان الأمريكية في تقويم النصوص والأعمال الإبداعية، بمعزل عن الهيمنة المعادية لكل ما هو عربي ومشرقي.

 

وكتاب خارج المكان من الأعمال القليلة التي تعيد لكتب السيرة والشهادة والاعتراف ألقَها الحقيقي المفقود. فمنذ سبعون ميخائيل نعيمه، والأيام لطه حسين، والجمر والرماد لهشام شرابي، لم تعرف العربية كتاباً جارحاً بصدقه، ومحترقاً في بحثه عن ماضي الوجود والأشياء والأفكار وحقيقتها، كمثل خارج المكان. وإدوارد سعيد يصل كل ذلك بالهوية وبالأمكنة، بقلق تكوين الذات وبناء الشخصية المستقلة وممارسة الحرية واختيار المستقبل.

يحاول في الكتاب معرفة السبب الذي يدفعه إلى الكتابة فيقول: "حاجتي إلى أن أجسِّر المسافة في الزمان والمكان بين حياتي اليوم وحياتي بالأمس [...] أم هي وسيلة ابتني بها لنفسي شيئاً ما بواسطة النثر." وإلى حدٍّ بعيد نرى إدوارد سعيد يتماهى مع الروائي البولوني جوزف كونراد لناحية العلاقة–الأزمة مع اللغة، وقد عاش بلغة وكتب بلغة أخرى. لذا يقول سعيد في مقدمته للطبعة العربية: "الكتابة عندي فعل استذكار؛ وهي، إلى ذلك، فعل نسيان، أو هي عملية استبدال اللغة القديمة باللغة الجديدة."

ولا نستطيع حيال هذه الذاكرة الموثَّقة بالصور والوقائع ودقائق الحالة النفسية (العلاقة مع الجسد، مع الأب، مع الأم) سوى التعاطف معها والتفاعل، بصفتها فصل مقاومة. والكتابة تمسي تظهيراً لهذا الفعل. وبين اللغة والذاكرة، والألم في تبديل الأمكنة، وجدلية الذات والمكان، الذات والآخرين، تأتلف التيارات المتدفقة نحو مصالحة مع الذات والهوية والمكان.

يغوص سعيد، في صراحة وحميمية، على ضوء الوعي النقدي، في أغوار الذاكرة، ضاحكاً، متألماً، ساخراً، عابثاً، ومتأملاً. إنها الذات في مواجهة نفسها، بلا حجب أو أوهام أو أقنعة. كأن توتر الذاكرة يملي الكتابة لكي ينفضح الشعور المقلق أو المتناقض والمتضارب بتعدد الهويات.

كتاب خارج المكان فعل انصهار لتذويب الصخور الصلدة وتدوير زواياها من أجل هوية منسجمة مع نفسها وأمكنتها. كأن المدن التي عبر فيها الكاتب، من القاهرة، إلى القدس، إلى بيروت، إلى صفد، إلى ضهور الشوير، ليست سوى محطات لوصول نهائي صعب ومستحيل. لذا يظهر في خارج المكان المكان–المنفى، ومعاناة الاغتراب والشتات، والهويات المتنوعة في فضاءات جغرافية مختلفة ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالقضية الفلسطينية وظروفها ونتائجها، وبالتاريخ الاجتماعي والسياسي والإنساني للأفراد والجماعات في العلاقة مع مكان يقترب كجمرة، ثم لا يلبث أن يبتعد كهدأة المستحيل.

 

مرة ثانية، يحيي فوز إدوارد سعيد بالجائزة الأملَ في الإبداع، أولاً، وفي العقلانية الموضوعية وأصالة الذات في شهادتها. ولعل تلك العناصر من الأسس التي مكَّنت إدوارد سعيد من أن يكون واحداً من كبار المثقفين في عصرنا.

*** *** ***

عن النهار، السبت 3 تشرين الثاني 2001


* الصادرة بالإنكليزية عن "كنوف"، نيويورك، 1998، وبالعربية عن "دار الآداب"، بيروت، 2000، في ترجمة فواز طرابلسي.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود