|
خطيئة
إسرائيل الأصلية مؤرخون
إسرائيليون جدد في إعادة نظر تاريخية وضاح
يوسف الحلو
السؤال:
هل يمكن كتابة رواية نهائية للأحداث
والمسارات الرئيسية في التاريخ الفلسطيني
المعاصر؟ في
نص ارتدادي تغايري يحاول دومينيك فيدال في
كتابه خطيئة إسرائيل الأصلية*
تتبُّع اتجاهات حركة المؤرخين الإسرائيليين
الجدد في نظرتهم إلى عمليات طرد الفلسطينيين
من أراضيهم، مع الإشارة المطولة إلى دور
الدول الكبرى في ذلك (الولايات المتحدة
الأمريكية، الاتحاد السوفييتي، بريطانيا). المؤرخون
الجدد ليسوا جدداً أو مؤرخين فعليين، بل هم
محازبون يسعون إلى إضفاء احترام جامعي–أكاديمي
على آراء قديمة مغلوط فيها، وعلى أحكام مسبقة
قديمة في الصراع العربي–الإسرائيلي. وإذ
يتكلم المؤرخ الصهيوني التقليدي إيلي برنافي
(سفير إسرائيل في فرنسا حالياً) على منظر
الرعب في معسكرات الموت (الهولوكوست)، يرى "أن
هتلر كان بالتأكيد الرافعة الأقوى في إنشاء
الدولة العبرية". وإلى ذلك، هناك التوافق
الأمريكي–السوفييتي المستغرب حول هذه
القضية، وفي عزِّ الحرب الباردة بين
المعسكرين. يدين
إسرائيل بالكثير من وجوده للتفاهم بين واشنطن
وموسكو، خاصة أن هذه الملاءمة السياسية حصلت
عام 1947، تلك "السنة الرهيبة" (بحسب ديغول)
التي طرحت فيها أمريكا نظرية ترومان المعادية
لكل توسع سوفييتي. ففي أجواء مشروع مارشال
اندفع السوفييت، بقيادة ستالين، إلى ضخ
المهاجرين اليهود النخبويين إلى إسرائيل.
وكان المؤرخون الروس، حتى لحظة انهيار الدول
العظمى على يد غورباتشوف، يقولون بأن اليهود
يشكلون قومية واحدة، بينما العرب هم في
طريقهم إلى أن يصبحوا أو يشكلوا قومية
بورجوازية واحدة أو موحدة. ففي
أجواء المكارثية الأمريكية، وإقصاء الوزراء
الشيوعيين عن حكومات أوروبا الغربية، وإنشاء
الكومنفورم، والدعم الأمريكي لبريطانيا في
مواجهة الحرب الأهلية في اليونان، ووصول
الحزب الشيوعي إلى الحكم في براغ، وسط هذا
التصعيد كان غريباً أن تتفاهم الدولتان
العظميان في قضية شائكة مثل قضية فلسطين. كان
لينين، ومن بعده ستالين، محاطين بنخبة يهودية
ممتازة، يتصدرها وزير الداخلية بيريا (الذي
أعدمه خروشوف لاحقاً). كانت الصياغات الأدبية
الماركسية الروسية آنذاك تهتم كثيراً
بالبوند (حزب العمال اليهود)، وكانت تلك
الأدبيات تحلم، من خلال البوند، بإنشاء دولة
اشتراكية وسط عالم عربي يدين سوادُه الأعظم
بالإسلام، أو بالمعاداة للوطن الاشتراكي
الأول. لذا
جاء الاتفاق المستغرب بين أمريكا وروسيا حول
القضية الفلسطينية من منطلقات متباينة
تماماً. فالأميركيون رغبوا في تأسيس رأس جسر
لهم في الوطن العربي، المهووس بتراث الأجداد؛
فيما اندفع الستالينيون متأججين برغبة إنشاء
وطن صغير للاشتراكية الدولية، ولو من خلال
الصهاينة الممقوتين في الأوساط الماركسية
الحقة. وكان
وطن غريب، وكانت دماء لا تزال منبجسة حتى
اليوم... وربما بسبب انثيال الدماء بهذا
الزخم، أقدم المؤرخون الإسرائيليون على
عناوين كبرى مثل "من الإبادة إلى تقسيم
فلسطين"، "هجرة الفلسطينيين الموسرين
أولاً"، "طرد أكبر عدد ممكن من العرب"،
"تشريع عملية الترحيل"، "إسرائيل هو
العامل المعوِّق"، "أمام العرب مهمة
واحدة: الفرار"، "لا أرى في الأمر شيئاً
غير خلقي"، إلخ. فبين قاعدة زائيك العسكرية
التشيكية التي كانت تمول اليهود بالعتاد
وأيامنا الراهنة مساحةٌ في الوطن الصهيوني
الذي نما على عظام الفلسطينيين. فكما يقول
المفكر إدوارد سعيد (ص 204)، حرضت الصهيونية على
إنشاء خصائص قطرية عربية أبعدت هذه البلدان
حتى عن مجرد التفكير في الوحدة العربية. إن
دهشة القارئ العربي أمام كتاب خطيئة
إسرائيل الأصلية ستكون كبيرة، إذ يتبين له
أن نظرة الباحثين الجدد إلى بعض النواحي
الجوهرية من هذه المأساة تتوافق والنظرة التي
لطالما دافع عنها زملاؤهم الفلسطينيون. وقد
استغل المؤرخون الجدد واستخدموا "قانون
الثلاثين عاماً" على سرِّية المحفوظات
ليميطوا اللثام عن مآسٍ لا حدود لها ارتكبتها
الصهيونية في حق عرب فلسطين، وعن الاتفاقات
السرِّية التي عقدتها هذه الصهيونية مع بعض
القادة العرب في أواخر الأربعينات. يقول
محمود درويش: "بين ريتا وعيوني بندقية...".
وهذه البندقية لا تزال تزرع الرعب بين عشاق
فلسطين الحاملين قلوبهم في أيديهم. أهمية
ما قاله المؤرخون الإسرائيليون الجدد يعود
إلى كونهم إسرائيليين، والى محاولاتهم تأكيد
الحق العربي في أرضه – وهي المحاولات
اليهودية الأولى على ما أعرف. وقد هزَّت نتائج
أبحاث المؤرخين الجدد المجتمع الإسرائيلي.
فما إن ظهرت مقالات بنِّي موريس الأولى حتى
أثارت جدالاً أذكى ناره المؤرخون المتشددون،
وترافق هذا القصف الوقائي الإيديولوجي مع
اتهامات لا تحصى. والسؤال:
هل يشكل هؤلاء مرحلة ما بعد الصهيونية؟ الجواب
عسير. الواضح أن ثمة بعض التململ في أوساط
يهود الداخل ويهود الخارج. شارون صوت مدوٍّ من
الحرس القديم للصهيونية، إنما له امتداداته
الخصبة. ثمة نغمة جديدة في الأدب العبري ليس
واضحاً أين ستصب؟ باختصار،
هناك من يحاول مراجعة التاريخ. فهل سنحصد
نتائج إيجابية؟ لا
جواب. ***
*** *** عن
النهار، السبت 13 تموز 2002 *
صدر
عن "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، 2002،
في ترجمة لجبور الدويهي. راجع أيضاً: http://maaber.0catch.com/fifth_issue/new_israeli_historians.htm
|
|
|