|
ماء
كوثر رشيقٌ قوامُ
الصباح، وعبَّادُ شمس، وأشقره أفقتُ على
خَطْوِهِ فوق وجه المياه وقد حال لونُ
النجوم إلى فضةٍ والضبابُ يحاول
تبديلَ أشكالهِ في الطيورِ لكي أتذكَّر فيه
الملائكة الطيِّبينَ ولكني لم أكن
أتذكَّرُ * دعاني إلى نفسه
بالذي يستطيع من النحل والوردِ أهْرَقَ جرَّة
خمرٍ بروحي وسرَّح غزلانه في
سفوحي وتأدى عليَّ
بأوصافه في المرايا وأسمائه في
الصبايا وقصَّ عليَّ من
الحب والموت، قال: المسامير والقدمان وعطر
البغايا * فكان كأنَّ سواه
ينادي سوايا وقال: أقلُّ
وأكثرُ ولكنني لم أكن
أتذكَّرْ - ترسَّب في دمكَ
الليلُ: لا أنتَ حين
تفيقُ تفيقُ ولا أنتَ حين
تنامُ تنامُ * لِقَلْبِك
غفلتُه بينَ بينْ ولا دُرَّ في
صَدَفِ المقلتينْ إلى أين تمضي
بغربانكَ السُّودِ؟ أدعو عليك بقفز
أرانبَ بيضاءَ في الثلج أدعو عليك بومضِ
النجوم الصغارِ ببيض الليالي وأدعو بنهر
النهار الذي يملأ الأولياءُ بأيديهمُ ماءه في
السلالِ وأدعو عليك
بأُنْسَةٍ من هديل الحمامْ تذوِّب في سكر
الشفتين ندى الياسمينِ وتسكبه في كؤوس
الكلامْ لعلك حين تفيق
تفيقُ وحين تنام تنامْ فتذكر دفء الحليب
الذي حين تذكرُ، يشهق فيك
الرُّخامْ *** رأيتُ، ولكنني ما
تذكرتُ نصفُ الحقيقة أني
رأيتُ ونصفُ الحقيقة
أني نسيتُ * أنا لا أدافعُ عن
قمر بعد سبع ليالي، ولا عن وميض
المنارة في ساحل البحرِ تنبض كالقلبِ، حين تضيء وتعتم
للسفن القادماتِ، تغطي
لَوَاعِجُها نصفَها تحت سطح المياهِ، وتبدي مباهِجُها
نصفَها حين تظهرْ * صباحٌ بنصف
الحقيقة للقادمينَ: تلوِّح أيديهمُ
في هواءٍ خفيفٍ، وهم يمرحون غلايين، تبغٌ
عتيقٌ، وعطرٌ، وشمبانيا، ودموعٌ،
ومحترمون يصلُّون، يبتسمون كثيراً، ولا يضحكون. * ونصفُ الحقيقة
أيضاً لباخرة تتحطَّمُ: موجٌ على خشبٍ،
بين أمتعةٍ، في صراخٍ، وبحَّارةٌ
يغرقون، فلا يقرؤون، ولا يكتبونَ، ولا هم إلى أهلهم
يرجعونْ وتوصَف رحلتُهم
أنها لا تُعادْ ولكنَّ نصف
الحقيقة هذا له سندبادْ رأى، وتذكَّرْ وقرَّب فنجان
قهوته في الصباح إلى شفتيه، فألفى بقايا من
الليل سوداءَ من دون سُكَّرْ *** ضحى يعصر النارَ
من برتقالتهِ، فانسَ يا ولدي ما
رأيتْ تناسَ إذا أنتَ
لم تنسَ، هذا نهارٌ لعينين
فانيتين، "الملوكُ إذا
خلوا قرية أفسدوها"، تَسَلَّ بهملت، وقصَّ على بائع
الوردِ بعضَ الأزقَّةِ من "شارع الأربعين" إذا داخ نزِّلْه
عن شجرة الدلب، أدخِلْه في
الكهف، سوِّ له قامةً
ويدين، ليصنع من مثل
عينيه نافذتينِ، يطلُّ عليه
العراء، فيلقاه في شبه بيتْ ودَحْرِجْ عليه
سؤالاً عن الوردِ: هذا الذي لم
يَبِعْهُ وهذا الذي ما
اشتريتْ أفي حفل عرسٍ
سيحملُ، أم في جنازة ميتْ؟ تذكَّرْ... رأيتْ؟ *** - رأيتُ، ولكنَّ
قيظ الظهيرة سيلُ زجاج مكسَّرْ وأنت تحاول
تفريقَ همِّي على الناس، ما لي وما للملوك
وهملت، وبائع ورد الضحى،
والقميصِ الذي قُدَّ من
قُبلٍ في الحرملك؟! يعيش الملكْ مهرِّجه مرتبكْ وحاشية القصر
طقَّت مراراتهم، كالبوالين، من حزنهم والضحكْ على رِسْلِ هذا
المساء الذي صار قابَ الوصولِ، ولن يتأخرْ سيدنو... ويحنو... ويدعو كلينا إلى
حجرة في الظلام، لتظهير هذا
الشريط من الذكريات التي لا أظنها
تتكرَّرْ تعالَ... "تصوَّرْ" *** معاً نحن في صورة
الحلمِ، نهر المجرَّة
سيلُ كواكبَ زرقاءَ، والليلُ أخضرْ على شرفات النجوم
التي لم يَنَمْ أهلها بعدُ غيمٌ رقيقٌ يخالطه من بخار
العقيق أزاهيرُ صفراءُ، تنعسُ أغصانها،
وتنامُ، وتترك ألوانها في
الشبابيك تسهرْ. لمن كلُّ هذي
الأراجيح من ورق الوردِ؟ أولادُ مَنْ
هؤلاء الذين يثيرون في غرفات الهواءِ رنينَ
النحاس الجديدِ؟ وكيف يعلِّق هذا
الضجيجُ فناراتِه الحمر بين أساورَ من ضحكات
البناتِ، ويبني حدائقه في
الكماناتِ، حتى إذا دار حول الفساتين
عرَّشها "تنتنا"، ثم طرَّز من حولها
"صف عسكرْ" *** تذكَّرتُ قلبي تذكَّرت أنِّي
رأيتكِ قلبي تذكَّرْ. تذكَّرت شمسكِ...
عبَّادُ شمسكِ هذا الذي يعتريني. بروح يبلِّلها
النورُ ألثمُ ما يتساقط من رطب الجَمْرِ، حين تُغَطِّين
بالقبلات جبيني سألتكِ: لا تتركي
حجراً نائماً وحده في العراء، ولا تتركي الأرضَ
ترنو إلى زهرةٍ في الإناءِ، ولا تتركي
عاشقاً، ليقول: "كأنِّي غريبُك بين النساءِ" ولا تتركيني. هواءٌ رخِيٌّ غصونٌ يميل على
بعضها بعضُها حياء، فتحبل بالفستق
الحلبيِّ حمائم بيضاء تنقر
حَبَّ النساءِ التقيَّاتِ في باحة الجامع
الأموي أفِقْ يا حبيبي... أفِقْ يا حبيبي
ليزداد عمرك يوماً، وتصبحَ أكبرْ أفق في سريري أنا شمسُكَ
المستفيقةُ قبلكَ، شُمَّ بثوبي
الصباحيِّ عطرَ طريق الحرير ومَسِّحْ قوامي
بزيت يديكَ اللتين تذوبُ على سحرهنَّ يدايْ ولا تتنهَّدْ
بغير شفاهي إذا صرتَ نايْ ولا تتغيَّرْ كفافٌ ليومكَ
خبزي الطريُّ، وهذا شرابيَ من ماءٍ كوثرْ أفِقْ يا حبيبي...
تذكَّرُ... ***
*** ***
|
|
|