الإبداع والنقد في العلم

 

غونار أندرسن

 

أثمَّة أوجه شبه بين الطرق العقلانية لحلِّ المشكلات في مجالين مختلفين كالعلم والسياسة؟ إن هدف العلم هو وصف العالم بطرق افتراضية وإخبارنا بما يوجد. وهدف السياسة إحداث نظام اجتماعي مرغوب فيه. وفي هذا المجال تكون المشكلات المتعلقة بـ"ما ينبغي أن يكون" مهمة. ومن ثَمَّ فإن للسياسة بعداً أخلاقياً يتجاوز العلم. وثنائية "يكون" و"ينبغي" بين الوقائع والقيم توجِد فكرة أن ثمة أوجُه شَبَه مهمة بين إشكالية العقلانية العلمية والعقلانية السياسية. وهذه الفكرة غالباً ما تُعَدُّ تعبيراً عن العلموية scientism، عن الوهم الحديث أن كل المشكلات من الممكن أن يحلَّها العلم والتكنولوجيا.

إن الثنائية بين الوقائع والقيم تجعل من المتعذَّر حل المشكلات الأخلاقية والسياسية بالعلم والتكنولوجيا وحدهما. فالعلم يصف العالم افتراضياً وبوسعه أن يساعدنا على إيجاد الوسائل التكنولوجية الفعالة من أجل تحقيق أهداف محددة. ومن ثَمَّ على العلم والتكنولوجيا أن يرتبطا بعقلانية الوسائل وأن يزيدا قدرتنا على تحقيق الغايات. كيف يجب أن تُستخدَم هذه القدرة؟ وما هي الغايات التي يجب أن تتحقق بوسائلنا التكنولوجية؟ إن هذه المشكلات الأخلاقية والسياسية تتجاوز ميدان العلم والتكنولوجيا، ولابدَّ أن ترتبط بعقلانية الغايات.

وعقلانية الغايات أهمُّ من عقلانية الوسائل. فالوسائل الفعالة يمكن أن تُستخدَم بطرق مختلفة. ووضعنا الحاضر، بما فيه من وسائل التدمير الفعالة ومن وسائل الإنتاج ذات الآثار الجانبية البيئية السلبية الكبيرة، يجعل غموض الوسائل العقلانية شديد الوضوح.

لقد حَدَتْ الثنائية بين الوقائع والقيم بالكثير من الفلاسفة الحديثين إلى الاعتقاد بأن العلم والسياسة ينتميان إلى بعدين مختلفين كل الاختلاف. فيركز بعض الفلاسفة على المشكلات العلمية ولا يعتقدون أنه يمكن أن يقال الكثير حول المشكلات الأخلاقية والسياسية. ويعتقد فلاسفة آخرون أن التركيز الحصري على العقلانية العلمية والتكنولوجية أدَّى إلى وضع تُستخدَم فيه وسائل الإنتاج والتدمير الفعالة بطرق غير عقلانية. وهم يعتقدون أن البعد المهم جداً للأخلاق والسياسة صار نسياً منسياً أو طرده النقد العلمي السطحي والوضعي.

وفيما يخص مشكلة كيفية وجوب حلِّ المشكلات الأخلاقية والسياسية، يؤكد جلُّ الفلاسفة الحديثين أنها تُحَلُّ جوهرياً بـ"قرارات" قبول بعض القيم والمعايير والغايات. وتتفق المدارس الفلسفية المحورية كالوضعية والوجودية في هذه النقطة. وفي الفلسفة الوضعية يكون التأكيد منصباً على الصفة الانفعالية وغير العلمية لمثل هذه الخيارات؛ أما في الفلسفة الوجودية فعلى صفتها المستقلة والملتزمة. وإنها لإشكالية في كلتا المدرستين، مسألة بأيِّ معنى يمكن أن يقال إن الخيارات السياسية والأخلاقية عقلانية.

ويؤكد العقلانيون النقديون، كأكثر الفلاسفة الحديثين، أن المشكلات الأخلاقية والسياسية تُحَلُّ جوهرياً بالقرارات. غير أنهم ينكرون أن هذه القرارات يجب أن تكون اعتباطية أو غير عقلانية. ويزعمون أن القرارات ضرورية، لا في السياسة وحسب، بل كذلك في العلم. وبما أنه لا يوجد منهج علمي يفضي إلى الحقيقة المطلقة، فعلى العلماء أن يختاروا الفرضيات التي يقبلونها. وهذه الخيارات يمكن أن تتم بطريقة عقلانية على أساس الفحص العلمي عن الفرضيات المتيسرة ونتائجها القابلة للاختبار. إن نقد النتائج وتقصِّيها مهمان كذلك في السياسة من أجل القيام بخيارات عقلانية. وهناك في العلم والسياسة فارق شاسع بين "الاعتباطية" و"الاختبار الأعمى" وبين "الاختيار المعقول" الذي يتم بأعين مفتوحة وبإدراك للنتائج والإمكانات المختلفة.

وهناك تشابه ثانٍ بين العلم والسياسة. ففي العلم لا يوجد منهج يفضي آلياً إلى الفرضيات الجديدة، ولكن المخيِّلة الإبداعية creative imagination ضرورية لإيجاد شيء جديد. والإبداع في السياسة ضروري كذلك لإيجاد حلول للمشكلات السياسية، وللقدرة على خلق المقترحات السياسية.

إن الطريقة العقلانية لحلِّ المشكلات في كل من العلم والسياسة تكمن في التفاعل بين الإبداع والنقد. فالحلول الممكنة للمشكلات توجدها المخيِّلة الإبداعية، ومن الممكن نقدها بالفحص عن نتائجها. فالإبداع والنقد ليسا متعارضين، بل يتمِّم أحدهما الآخر؛ وتفاعلهما أساسي لتطور أي فرع من فروع الثقافة. وفيما يلي سوف يُفحص عن أوجه الشبه بين الطرق العقلانية لحل المشكلات في العلم والسياسة بشيء من التفصيل.

العقلانية في العلم

حاول الكثير من العلماء عبثاً إيجاد منهج للقيام بالمكتشفات العلمية. وقد ظن الفلاسفة الاستقرائيون طويلاً أن التعميم الحَذِر من ملاحظات كثيرة هو هذا المنهج الذي من شأنه أن يجعل الإبداع في العلم زائداً تقريباً. وتحت تأثير هذه الرؤية الاستقرائية للعلم انصبَّ التأكيد على أنه من أجل اكتشاف فرضيات جديدة فإن المطلوب هو العمل الشاق لا ومضات الروح. ووفقاً لهذه الرؤية النثرية كان المطلوب في العلم هو نوع من أخلاق العمل الدؤوب، وهو العَرَق وليس الإلهام.

وفي فلسفة العلم الحديثة ميَّز كارل ر. بوبِّر (1959) بدقة بين سياق الاكتشاف وسياق التسويغ، بين عملية تصور الأفكار الجديدة وعملية امتحانها نقدياً. وفي هذا النقد للاستقرائية يُظهِر بوبِّر أنه من المتعذَّر أن تُستمَدَّ الفرضيات العلمية العامة من التعبيرات الفريدة للملاحظات. وليس هناك منهج يفضي إلى الفرضيات الجديدة، ولكن المخيِّلة الإبداعية ضرورية. والعمل الشاق والعَرَق غير كافيين في العلم. إنك تحتاج كذلك إلى الإلهام والمخيِّلة الإبداعية.

ومفهوم الفرضية الجديدة عند نوروود رَسِّل هَنْسُن (1958) وتوماس س. كُهْن (1962) هو نتيجة تحوُّل غشتالتي يجعل رجل العلم يرى العالم بطريقة جديدة. إن هَنْسُن وكُهْن يحسبان المعلولات عللاً. وإنه لصحيح أنه بالفرضية الجديدة يمكن أن يُرى العالم بطريقة جديدة. ولكن من أجل أن نرى بطريقة جديدة فإن الفكرة الجديدة ضرورية. وهذه الفكرة لا تُحدِثها الملاحظة تلقائياً، ولكنها نتيجة المخيِّلة الإبداعية. ويؤكد كُهْن أن أزمة اليقين، أي الشعور بأن شيئاً ما قد جرى خطأ، ضرورية للثورة العلمية. ولكن لولا المخيِّلة الإبداعية في ذهن العالِم القلق لانتظر عبثاً الاستنارة الفجائية في شكل الإلهام بالتحوُّل الغشتالي المفضي إلى إطار نظري جديد.

وينبغي للفرضيات التي توجِدها المخيِّلة الإبداعية أن تُمتحَن نقدياً. وهذا يتم في العلم باختبار نتائجها التجريبية. وهذه العملية أشد تعقيداً مما يُفترَض في تفسيرات الطريقة الدحضية المفرطة في التبسيط. فالفرضيات الإضافية ضرورية في جُلِّ الأحوال لاستخلاص النتائج القابلة للاختبار. وعبارات الاختبار حول الملاحظات والتجارب غير معصومة عن الخطأ. ويظن توماس كُهْن أن هذه التعقيدات تجعل الامتحان النقدي للفرضيات الأساسية متعذَّراً؛ ومن ثَمَّ فإن الأمثلة يجب أن تكون مقبولة من غير نقد بوصفها أجزاء من الشكل العلمي للحياة وشروطاً ضرورية مسبقة للبحث. والثورات العلمية والتغييرات في النماذج paradigms عند كُهْن ليست نتيجة البحث العقلاني، بل نتيجة الإقناع والدعاوة، وهي، من هنا، شبيهة بالاهتداءات الدينية والثورات السياسية.

إن الرأي القائل بأن بعض أجزاء العلم يجب أن تكون مقبولة دوغمائياً رأي مخطئ. فمن الممكن أن يكون لدى المرء موقف نقدي من الفرضيات الأساسية أيضاً وأن يمتحنها نقدياً. ولذلك فإن الفكرة القائلة بأن الإطار النظري يجب قبوله من غير نقد تعتمد على الأسطورة، على ما دعاه بوبِّر (1970) "أسطورة الإطار".

ليس هناك مقدار من الاختبار النقدي بوسعه أن يُظهِر أن الفرضية صحيحة أو قريبة من الصحة بالمعنى الموضوعي. وهكذا ليس هناك "منهج تسويغ" لصحة الفرضيات العلمية. والحقيقة بجمالها المطلق والعاري غير مكشوفة لنا. ولذلك نَوْلُنا أن نستخدم خيالنا الإبداعي لابتكار الفرضيات التي تُختبَر بما يمكن من الصرامة. ولكن الفرضيات، حتى بعد أشد الاختبارات صرامة، تظل غير معصومة عن الخطأ.أي

لقد كانت الريبيَّة نتيجة انهيار المفهوم المفرط في التفاؤلية والمفرط في التبسيط حول قدرة الإنسان على المعرفة. ولكن إذا لم تكن الحقيقة واضحة، فليس علينا أن نرتدَّ إلى النسبوية relativism، أو الريبيَّة، أو الدوغمائية. إذا لم تكن الحقيقة واضحة علينا أن نستخدم مخيِّلتنا الإبداعية وفكرنا النقدي لكي نتعلم ولكي نحاول الاقتراب من الحقيقة. وعلى هذا النحو فإن الجرأة على النقد، التي كانت فخر عصر التنوير، تؤدي إلى التعلم القائم على توحيد الإبداع والنقد.

العقلانية في السياسة

أضرورية هي القيم المطلقة لتفادي الريبيَّة الهدامة والعدمية الخطرة؟ لقد كان مايكل بولانيي (1958) في هذه الفلسفة ما بعد النقدية قد حاجج بأن الفكر النقدي مدمِّر ويؤدي إلى الريبيَّة والعدمية. وبولانيي ينصح أن يكون العلاج هو الحدس والإيمان. وهو يجادل برترند رَسِّل الذي كان بعد اختباراته لروسيا ما بعد الثورية قد أدان البلشفية التي هي دوغمائية بمقدار ما هي إكليروسية وقال إن: "من شأن الشك العقلاني، إذا أمكن له أن يحدث، أن يكفي لدخول العصر الألفي السعيد." (أورده بولانيي، 1958: ص 297) فالنقد والشك العقلاني عند بولانيي لن يؤديا إلى الريبيَّة التي تفتح الأبواب للالتزام الدوغمائي. ومادام معظم الأشخاص يتجنبون الريبيَّة بالهروب إلى الالتزام، فهو لا يعتقد أن الشك العقلاني علاج لمساوئ عصرنا: "إن التعصُّب الحديث متجذِّر في ريبيِّة متطرفة يمكن لها أن تقوى، لا أن تهتز، بجرعات إضافية من الشك الشامل." (1958: ص 298)

إن الفكرة القائلة بأن الشك والنقد خطِران ترجع إلى ردة الفعل الرومانسية على عصر التنوير. وعند الرومانسيين أن العقل والنقد اللذين يفكِّكان يؤديان إلى الريبيَّة وإلى رؤية للعالم عقيمة وسطحية. وقد اقترحا بدلاً منهما أسساً أخرى كالتراث، أو الشعور، أو الحدس، وعدُّوها مصادر للحكمة الأعمق التي يتعذَّر على العقل بلوغها. وهذه الميول واضحة كل الوضوح في الفلسفة الاجتماعية الرومانسية في القرن التاسع عشر، حيث كان التوق إلى مجتمع مغلق لا يعكِّره الشك وله تقاليد ثابتة وصلبة. وأحلام رومانسية كهذه هي غير واقعية. فلا سبيل إلى العودة إلى نمط قديم من المجتمع التقليدي باستقراره، وقيمه الثابتة، وانسجامه المزعوم. وخيارنا ليس بين المجتمع المفتوح والنمط القديم من المجتمع التقليدي، بل بين المجتمع المفتوح والمجتمع المغلق في شكله المختلف الحديث: الدولة الاستبدادية التوتاليتارية. والحنين إلى العودة إلى المجتمع المغلق قد يكون خطراً: فالمقصود هو الماضي المُمَثْلَل idealized، وما هو متحقق هو الدولة الاستبدادية التوتاليتارية. وكما لاحظ بوبِّر (1945: ص 200) فإننا ما إن بدأنا بالاعتماد على عقلنا حتى لم تعد هناك عودة إلى الحالة المتناغمة للطبيعة أو المجتمع التقليدي المتناغم والمغلق: "لأن الفردوس مفقود بالنسبة إلى من أكلوا من شجرة المعرفة. وكلَّما حاولنا العودة إلى العصر البطولي للقبلية، وصلنا بالتأكيد... إلى "البوليس السري"، وإلى حالة قطَّاع الطرق وقد أُضفِيَت عليها الرومنسية."

إن الريبيَّة في فلسفة العلم كثيراً ما تكون نتيجة خيبة أمل في الإيمان المفرط في التفاؤل بقدرة الإنسان على المعرفة. وشبيه بذلك الوضع في الفلسفة الأخلاقية والاجتماعية. ولكن إذا لم يكن هناك وحي بالحقيقة المطلقة أو القيم المطلقة فعلينا أن نحمل ما كان يسمى عبء الحضارة وأن نحاول أن نتعلم، بتوحيد المخيِّلة الإبداعية مع الفكر النقدي، أية فرضيات حول العالم ينبغي أن نحافظ عليها، وأية قيمة نقبل، وأيَّ نظام اجتماعي نحقق.

والمخيِّلة الإبداعية ضرورية، لا في العلم وحسب، بل كذلك لحلِّ المشكلات الأخلاقية والسياسية. والأخلاق والسياسة أبعد عن عالم الوقائع من العلم. فهما ليسا محاولتين لوصف ما "يكون"، بل محاولتان لإيجاد ما "ينبغي" أن يكون. وهما، من ثَمَّ، يتطلبان درجة في الإبداع أعلى من العلم الذي يتألف من الفرضيات حول ما يكون.

والمقترحات الأخلاقية والسياسية يجب أن تُمتحَن نقدياً. نَوْلُنا أن نحاول العثور على نتائجها والطرق الممكنة في العمل. ولابدَّ، دفعاً لسوء الفهم الممكن، من الإشارة إلى أن توحيد الإبداع والنقد وثيق الصلة بالموضوع، ليس لاختيار الوسائل المعقولة وحسب، بل كذلك لإيجاد الغايات ومعايير القيم. وأهميَّته أكثر من ذرائعيَّة pragmatic؛ فلا يجوز أن يكون اختيار الوسائل، ولا اختيار الغايات، وثبة وجودية عمياء في الظلام.

ويرتكز المجتمع المفتوح والعلم على الاستعداد لمناقشة المشكلات وأخذ المجادلات بجدية، أي على قبول "الإطار النقدي". إن المجتمع المفتوح وإطاره النقدي الموازي له هما إنجازان حديثان في التاريخ البشري. فهما يقتضيان الموقف الأخلاقي للتسامح، لإدراك أنني قد أكون مخطئاً وأنك قد تكون مصيباً. وأولئك الذين لديهم امتياز العيش في مجتمع مفتوح لا يدركون دائماً أنه إنجاز نفيس نادر، لا نحصل عليه بصفته شيئاً متوقعاً ونتيجة طبيعية، بل على كل جيل أن ينتزعه بالتغلب على العقبات من جديد. وتراث الفكر النقدي معرَّض للخطر على الدوام. فليس الموقف الفطري للإنسان أن يناقش ويحاجج، بل أن يرغم الآخرين على اتِّباع مشيئته. ولهذا السبب كان المجتمع المغلق والاستبدادي التوتاليتاري أكثر أنماط المجتمع شيوعاً في التاريخ البشري. والمجتمع المفتوح نمط متطوِّر من النظام الاجتماعي يفترض مسبقاً مستوى رفيعاً من الثقافة؛ مستوى بحجم تعرُّضه لخطر الميل الشديد إلى القوة ولخطر الفوضى المتساهلة.

وهناك أساس أخلاقي للمجتمع المفتوح، هو أحد الأسباب التي تفسر لنا لماذا على الفلاسفة الأخلاقيين ألا يناقشوا المشكلات الشكلانية والرياضية وحسب، بل أن يقترحوا كذلك الأنظمة الأخلاقية وأن يمتحنوها. وهذه الأنظمة هي مقترحات تثير المخيِّلة الأخلاقية والتأمل في الأفراد الذين تواجههم المشكلات الأخلاقية. وعلى الفرد أساساً أن يقرر بنفسه كيف يتصرف. وهذا لا يجرد الأنظمة والمقترحات الأخلاقية من الأهمية. فهي، إذ تجعله يدرك الإمكانات والنتائج، تساعده على أن يقرر بطريقة عقلانية.

والمنقولات مهمة في العلم وفي الأخلاق. والعلماء يعملون في موروث المعرفة العلمية النقلية. ومهمة العالِم الفرد، في معظم الأحوال، محددة بالامتحان النقدي وتعديل الفرضيات التي اقترحها الآخرون. ففي حال روبنسن كروزو لن يبدع أشد العلماء إبداعاً العلمَ بنفسه من جديد، بل سيرتد إلى المفهوم البدائي عن العالَم. ويصحُّ الأمر نفسه على الأخلاق. فلولا الموروث الأخلاقي لارتدَّ الأفراد والمجتمعات إلى البدائية. وهذه مجازفة خطيرة في وضع قد تُستخدَم فيه القوة التي يضعها العلم والتكنولوجيا تحت تصرف الإنسان بطريقة تدميرية، من شأنها أن تخيِّب كثيراً الآمال التفاؤلية الممعنة في القدم.

واليوم يؤدي الفكر العقلاني دوره على نحو جيد في العلم، من دون شك، ولكن على نحو رديء، من دون شك، في الأخلاق والسياسة. ونحن، لكي نحل مشكلات هذا الوضع الغريب والمرَضي، لسنا بحاجة في الأخلاق والسياسة إلى ولاء دوغمائي لمنقول ما، ولا إلى الطوباوية السياسية، ولا إلى النسبوية المتساهلة، بل إلى موقف عقلاني يوحِّد كل قدراتنا الإبداعية والنقدية.

*** *** ***

ترجمة: محمود منقذ الهاشمي

 

المراجع

-          Albert, Hans (1968), Traktat über kritische Vernunft, Tübingen.

-          Anderson, Gunnar, J. C. B. Mohr, ed. (1984), Rationality in Science and Politics, Dordrecht (Holland).

-          Kuhn, Thomas S. (1962), The Structures of Scientific Revolutions, Chicago University Press.

-          Mohr, J. C. B. (1978), Traktat über rationale Praxis, Tübingen.

-          Polanyi, Michael (1958), Personal Knowledge: Towards a Post-critical Philosophical, London: Routledge & Kegan Paul.

-          Popper, Karl R. (1845), The Open Society and Its Enemies.

-          ------------------- (1959), The Logic of Scientific Discovery, London: Hutchinson.

-          ------------------- (1966), The Spell of Plato, 5th rev. ed., London: Routledge & Kegan Paul.

-          ------------------- (1970), “Normal Science and Its Dangers,” in Criticism and the Growth of Knowledge, Edited by I. Lakatos and A. Musgrave, London: Cambridge University Press.

-          Hanson, Norwood Russel (1958), Patterns of Discovery: An Inquiry into the Conceptual Foundations of Science, London: Cambridge University Press.


*  Gunnar Anderson, “Creativity and Criticism in Science”, in Rationality in Science and Politics.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود