أسِّيزي والصلاة من أجل السلام

البابا: لا حرب ولا إرهاب بعد الآن

هزيم: الإرهاب ظل دموي لحضارة المال

 

لبَّى أئمة وبطاركة ورهبان وحاخامات من كل أنحاء العالم دعوة البابا يوحنا بولس الثاني للصلاة يوم 24/1/2002 من أجل السلام في احتفال استثنائي خُصِّص أصلاً للدعوة إلى وضع حدٍّ للإرهاب والحروب، وللتأكيد أن الدين يجب ألا يُستخدَم يوماً لتبرير اللجوء إلى العنف. وقد انعقدت القمَّة الروحية في بلدة أسِّيزي الجبلية، مسقط رأس القديس فرنسيس الذي عاش في القرن الثالث عشر وارتبط اسمه بالسلام. وقد دعا خلالها البابا إلى "التعاون من أجل تبديد غيوم الإرهاب والحقد والنزاعات المسلحة التي تلبَّد بها أفق البشرية في الأشهر الأخيرة".

وصل البابا [...] إلى أسِّيزي في وسط إيطاليا، يرافقه 220 رجل دين ينتمون إلى 30 ديناً، على متن "قطار السلام" [...]. وتوجَّه البابا بسيارة مصفَّحة [كذا!] إلى كنيسة القديس فرنسيس التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الرابع عشر والتي رُمِّمَت أخيراً بعد ما تضررت بفعل زلزال عنيف ضرب البلدة عام 1997. وفي خيمة بلاستيكية فسيحة أقيمت أمام الكنيسة لاستيعاب المصلين وزيَّنتها شجرة زيتون رمزاً للسلام، ارتفعت التراتيل المسيحية، والأناشيد البوذية، وجلس رجال الدين المسيحيون، من الكاثوليك والأرثوذكس والمعمدانيين واللوثريين والكويكرز، جنباً إلى جنب مع ممثِّلي ديانات أخرى، بما فيها اليهودية والإسلام والهندوسية والشنتوية والأرواحية والكونفوشيوسية والسيخ والزردشتية، فضلاً عن أتباع بعض الديانات المحلية الأفريقية. وقدَّم رهبان من رعية القديس فرنسيس إلى المصلين قناديل مضاءة ترمز إلى شعلة الأمل.

وعلى منصة غطاها سجاد أحمر، جلس البابا مستمعاً إلى دعوات لرجال الدين، بينهم عالم دين إسلامي وحاخام، عبَّروا فيها عن التزامهم "السلام". وبينما ركَّز رجال الدين المسيحيون في كلماتهم على الرسالة التي شاء البابا توجيهها عبر هذا اللقاء، وهي وجوب عدم استخدام الدين ذريعة للإرهاب، تطرَّق آخرون إلى مواضيع أخرى، كالحاجة إلى الحوار بين الأديان وإيجاد عالم أكثر عدالة اقتصادياً.

***

وقال البطريرك المسكوني برتولوميوس الأول أن السلام "هبة من الله وملك مشترك للبشرية جمعاء". وختم ممثل شيخ الأزهر [...] علي صمام كلمته بشكر الفاتيكان على "دعمه المشرِّف للشعب الفلسطيني".

وكان رئيس مجلس المؤتمر اليهودي العالمي الحاخام إسرائيل سنجر رجل الدين غير المسيحي الوحيد الذي تحدث عن اعتداءات 11 أيلول على الولايات المتحدة، واصفاً إياها بأنها عمل "رجل مجنون ادَّعى انه يتصرف باسم الدين". وقال إن من الضروري، من أجل الحصول على السلام "من أجلنا جميعاً"، الإجابة عن سؤال "ما إذا كانت الأرض أو الأماكن أكثر أهمية من حياة الأشخاص".

ووصف رئيس أساقفة نيويورك الكاردينال إدوارد ايغان اللقاء بأنه محاولة من البابا "للفت العالم إلى الحاجة إلى وضع حد للنزاع الذي يقلقنا حالياً".

***

وجاء في كلمة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس أغناطيوس الرابع هزيم: "عندما تنهار أبراج أعظم المدن ويموت الأولاد في فلسطين ندرك أن التاريخ ونهاية العالم يختلطان. إن العلم والتقنية يوحِّدان الأرض. غير أن التوحيد يولِّد تمييزات لا تطاق وردود فعل انتمائية عنيفة. ثمة ظل دموي لحضارة المال: إنه الإرهاب. الإرهاب شكل لأقسى حداثة نعيشها اليوم. في محاكاته العمياء لتوتاليتاريَّات القرن العشرين، صار إلى أن يكون عدمية انتحارية نتقاتل بواسطتها لنقتل [...]." وقال إن "البشر يرون أن لا شيء يمكنه أن يحطِّم لولب الحقد والخوف والعنف. غير أن الأديان وحدها، في لبِّها الناري والعودة إلى التسامي، قادرة على إظهار أن الإنسان يتجاوز الإنسان تجاوزاً لا نهاية له، وأنه يتجذَّر في الأعماق، وفي ما هو كوني، وأنه يستحق، بالتالي، تقديراً لا حدَّ له. بالنسبة إلى المسيحية الأرثوذكسية، هناك في شكل خاص إنسان واحد في أشخاص عدة، لأن ليس كل إنسان خليقة الله وصورته فقط، لكن البشرية كلَّها، في المسيح، بتأثير هبوب الروح، صارت جسد الله.

يقول بولس الرسول: "إن ثمر الروح هو الفرح والسلام." وهو يؤكد بقوله أن ملكوت الله هو العدل والسلام والفرح في الروح. أن نصلِّي من أجل السلام يفترض بالتالي، أولاً، السلام الداخلي الذي هو هدف كل التقشُّفات وتحوُّل الطاقة الحيوية التي تستعملها الأهواء المدمِّرة للقتل إلى طاقة الحب التي تُكثِر الحياة. إنه تحوُّل يسميه الرهبان "فن الفنون وعلم العلوم". في العالم غير المنظور، ليس من يقابل الإرهابي إلا القديس."

وأضاف: "في الآن نفسه يُخصِب هذا الصراع غير المنظور فعلنا في التاريخ. يواكب هذا الفعل بحثٌ عن العدل والرحمة. تقول التطويبات: "طوبى للجياع والعطاش للبرِّ" و"طوبى للرحماء" (متى 5: 6-7). ليس عدلٌ كهذا إلا مشاركة في الحياة وخدمة مشتركة لها، كما يحدث اليوم غالباً بين المسيحيين والمسلمين في بطريركية أنطاكية.

إن أساسات الثقافة نفسها هي الشيء الذي يجب على الصلاة أن تحوِّله: علينا أن نعتاد العيش في الاختلاف وفي التوبة والغفران واحترام الغير واحترام أسلوبه في فهم العالم، وكذلك احترام الطبيعة الصائرة اليوم إلى دمار. يجب أن نحمل في صلاتنا كل تعقيد التاريخ والكون.

قبل كل شيء – وهذا طارئ مستعجل – يجب أن نصلِّي ونعمل جاهدين من أجل شفاء هذا السرطان الذي لا يفتأ يزيد في الأرض المثلَّثة القدسية، والذي في نهاية المطاف يهدد وجود البشرية نفسه، وأن نصلِّي ونعمل من أجل أن تصير أورشليم فعلاً، وللجميع، مدينة السلام".

***

وبعدما استمع إلى الصلوات، أكَّد البابا بصوت خفيض أن "الاستماع بعضنا إلى بعض يشكِّل في ذاته إشارة إلى السلام"، في الوقت الذي "تلبَّد أفق الإنسانية بغيوم الإرهاب والنزاعات خلال الأشهر الأخيرة". وتحدث عن "حالات القمع والتهميش التي غالباً ما تكون سبباً لأعمال عنف وإرهاب". وذكر أيضاً بأن "النزاعات المأسوية نتجت غالباً من الجمع خطأً بين الدين والمَصالح القومية السياسية والاقتصادية وغيرها". ورأى أنه "يجب على المتديِّنين والمجتمعات أن يتبرَّأوا من العنف بكل أشكاله بأشد الطرق وضوحاً وقوة، بدءاً من العنف الذي يسعى إلى الاكتساء برداء الدين ويستخدم حتى اسم الله لإيذاء شخص. إيذاء شخص هو بالتأكيد أذى ضد الله. ليس هناك هدف ديني يمكنه تبرير استخدام العنف من جانب إنسان ضد إنسان".

وباسم رجال الدين المحتشدين في أسِّيزي قال: "نحن المجتمعين هنا نؤكد معاً أن من يستخدم الدين ذريعة لإثارة العنف يخالف روح الدين الحقيقية والعميقة."

وختم: "لا عنف ولا حرب ولا إرهاب بعد اليوم... فلتحمل كل ديانة إلى الأرض، باسم الله، العدل والسلام والغفران والحياة والمحبة."

*** *** ***

عن النهار، الجمعة 25 كانون الثاني 2002

 

للمرة الأولى في لبنان

رجل دين وشبَّان مسلمون يصلُّون في كنيسة

صورة عن لبنان حضارة التلاقي والعيش المشترك

 

ليس غريباً أن يحضر مسلمون قداساً للمشاركة في مأتم أو عرس، ولكن أن يشارك مسلمون في القداس للصلاة فذاك هو الحدث.

غالباً ما كنا نستشهد بالإمام موسى الصدر الذي اعتلى منبر كنيسة الكبوشية محاضراً، وكنَّا نفتقده في ساعات المحن لنؤكد العيش الواحد، وكأننا كنا نخاف أن لا نجد أمثاله من الطرفين ليكملوا طريق الانفتاح التي بدأها الصدر مع المطارنة غريغوار حداد وجورج خضر وسليم غزال وغيرهم.

أما الحدث المتجدِّد فكان مساء أمس الأول، إذ شارك مسلمون في قداس، وصلُّوا، ورفعوا دعاءً إسلامياً من على منبر "العامية" في كنيسة مار الياس إنطلياس. الإمام كان الشيخ محمد الحاج على رأس وفد من جمعية الإشراق ضم نحو خمسين، شباناً وشاباتٍ، رفعوا أيديهم أثناء صلاة الأبانا لربٍّ واحد وأب واحد. وقد تلت واحدة منهم صلاة فردية أثناء الطلبات باسم جميع المشاركين، مسيحيين ومسلمين.

صلاة الأبانا ردَّدها مسلمون مشاركون قراءةً، والمسيحيون ردَّدوا كيرياليسون مرات ثلاثاً عندما تلت المسلمة صلاة ذكرت فيها الإمام علي، وتلا كثيرون الفاتحة.

ويأتي اللقاء الجامع في إطار قداس الشباب الذي تنظمه "لجنة الكلمة" في رعية مار الياس إنطلياس التي أرادته مميزاً، انسجاماً مع لقاء رؤساء الأديان في أسِّيزي، ويأتي بعد أيام من مسيرة السلام التي نُظِّمت في ساحة النجمة في بيروت.

حضر القداس الرئيس العام للرهبانية البندكتية الأب ميشال فامبارس، وترأسه رئيس الدير الأب أنطوان راجح الذي ألقى عظة قال فيها إن الكنيسة "تتلاقى مع سائر الأديان بملكوت الله، وأن كل الأديان تحتوي على عناصر من الله، وهي جزء من فعل الروح في قلوب الناس وفي تاريخ الشعوب. فالسرُّ الإلهي يتجاوز حدود الزمان والمكان ويحقق وحدة العائلة البشرية". ورأى أن "ذلك لا يعني أن الأديان واحدة. فالمؤمن الفعلي، أكان مسيحياً أم مسلماً أم سواه، لا يمكنه أن يعتبر دينه طريقاً من بين طرق أخرى، بل حقيقة الدين، بالنسبة إليه، هي مطلقة. وحقيقة المسيح، بالنسبة إلى المسيحيين، هي مطلقة. لكننا مدعوون جميعا لترك الدينونة لمن جلس على العرش. ومدعوون ليس فقط إلى التعايش، بل إلى الشركة في الحياة".

وفي إشارة إلى إنجيل الأحد حول الدينونة الأخيرة قال الأب راجح إن المسيحية تتلاقى مع الإسلام في الصوم والصدقة، وإن "المسيح يدعونا إلى رؤيته في وجه كل إنسان لأنه موجود في كل إنسان، بغضِّ النظر عن انتمائه".

وبعد القداس، كان لقاء تعارف وحوار بين المشاركين، وكان إصرار على تكرار هذه التجربة، لما فيها من تأثير على الشباب أنفسهم وعلى دفع مسيرة العيش الواحد إلى الأمام.

*** *** ***

عن النهار، الثلثاء 29 كانون الثاني 2002

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود