|
صورة الطبيعة عند
غوته*
فيرنر
هايزنبرغ
إن
صورة الطبيعة عند غوته وعالم التقنية والعلوم
الطبيعية موضوع قديم مثله كمثل مساعي غوته
وجهوده الرامية إلى فهم الطبيعة؛ كما أنه
موضوع قديم قدم بحوثه العلمية؛ إذ إن غوته
نفسه عاصر بدايات عالم التقنية والعلوم
الطبيعية الذي نعيش فيه الآن. ولقد قيل الكثير في
هذا الموضوع بدءاً من غوته ومعاصريه إلى
علماء طبيعيين وفلاسفة جاؤوا بعده. ونحن نعرف
منذ زمن طويل أنه كان لهذه المسألة دورها
المهم في حياة غوته. كما نعرف أيضاً كل ما أصبح
في عالمنا الحديث موضع الشك والتساؤل. وكثيراً ما أشير إلى رد الفعل الذي أبداه غوته
بحدة وانفعال حيال الهوة الفاصلة بين علم
الألوان الخاص به وعلم الضوء لدى نيوتن، مع
أنه تم الاعتراف بهذا العلم بعامة. كما أننا
نعرف أيضاً كم كان جداله ضد نيوتن عنيفاً
وذاتياً بين الحين والحين. ولوحظ أيضاً أن نقده
للرومانسية وموقفه الرفضي من الفن الرومانسي
ينمان على نوع من الصلة الروحية بجداله ضد علم
الطبيعة السائد. ولقد قيل وكتب الكثير
في هذا الموضوع، كما سلطت الأضواء من شتى
الجوانب على المشكلة الكامنة وراء هذا كله
بحيث لم تعد هناك أية إمكانية أخرى إلا تتبُّع
الأفكار التي طُرِحت مراراً وتكراراً
وتفحَّصها انطلاقاً مما توصل إليه عالم
التقنية والعلوم الطبيعية الحديث من معرفة
وعلم، وعلى الأخص إعادة النظر في أحدث
التطورات على صعيد العلوم الطبيعية. وهذا ما
ينبغي التطرق إليه فيما بعد. وإننا، في أثناء ذلك،
لن نميل إلى الرأي المتشائم كما فعل كارل
ياسبرز[1]
وهو أن غوته لم يعد لديه أي شيء يقوله لنا، لا
لشيء إلا لأنه أعرض عن عالم التقنية الصاعد
ولأنه لم يدرك المهمة بأن يجد في هذا العالم
الجديد الطريق إلى الإنسان. على أننا نريد أن
نسلِّم بمطالب غوته ونعدَّها سارية المفعول،
كما أننا نريد أن نواجه بها عالمنا الحديث، إذ
إننا لا نعتقد أن ثمة ما يدعو إلى التشاؤم. وفي المئة والخمسين
سنة التي خلت، ومنذ أن فكر غوته بالظاهرة
الأصلية لنشوء الألوان وكتب فيها القصائد،
تطور العالم تطوراً يختلف أَّيما اختلاف عما
كان غوته يتوقعه. على أن الشيطان الذي
كان فاوست قد أبرم معه العقد الخطير لم يجرّ
هذا العالم إلى الهاوية جراً نهائياً. وهذا ما
ينبغي أن نواجه به نقاد عصرنا الأشداء، في حين
ينبغي علينا أن ننظر مرة أخرى إلى الجدل
القديم بمنظارنا العصري. كان غوته يرى أن كل
النظرات إلى الطبيعة وكل فهم وإدراك لها يبدأ
بالانطباع الحسي المباشر، أي بالحادثة
الطبيعية الحرة المكشوفة مباشرة أمام الحواس، وليس بالظاهرة الفردية التي غربلتها
وصفَّتها أجهزة واستُخلِصت من الطبيعة قسراً
بحسب الظروف. ولنقبس أي موضع نختاره من فصل
"ألوان فيزيولوجية" من كتاب غوته في علم
الألوان. فالهبوط من جبل
البروكين (الهارتس) المكلل بالثلج في مساء
شتائي دفع بغوته إلى أن يدلي بالملاحظة
التالية: "ولما كانت ثمة ظلال بنفسجية
خفيفة واضحة مرئية في النهار عند صبغة الثلج
الضاربة إلى الصفرة كان لابد من أن يؤكد المرء
بأنها ذات لون شديد الزرقة وذلك حين انعكست من
الأجزاء المضيئة صفرة متزايدة. ولكن حين أذنت
الشمس بالغروب ونفذت بأشعتها المعتدلة من
خلال الضباب الكثيف وغمرت الكون المحيط بي
بأجمل الألوان الأرجوانية، عندها استحال
اللون الظليل إلى أخضر كان بالإمكان مقارنته
في صفائه بخضرة البحار وفي جماله بخضرة
الزمرد. ثم صارت الظاهرة أكثر حيوية. وحسب
المرء نفسه أنه في عالم الجنِّيات، إذ إن كل
شيء قد ازدان بلونين متوهجين متناغمين تناغماً
جميلاً إلى أن اختفت أخيراً ظاهرة
البهاء مع غروب الشمس في الغسق، ثم في ليل
القمر والنجوم." على أن غوته لم يقف
عند حد الرصد المباشر. ولقد عرف حق المعرفة أن
الانطباع المباشر يمكن أن يستحيل إلى معرفة
أيضاً وذلك عن طريق علاقة تقوم في بادىء الأمر
على الافتراض ثم لا تلبث أن تستحيل بالنجاح
إلى يقين. ولسوف أقبس على سبيل
المثال شاهداً من مقدمة علم الألوان مفاده
"إن مجرد النظر إلى شيء ما لا يمكن أن يسدي
إلينا أي عون أو خدمة. فكل رؤية تصير إلى تأمل،
وكل تأمل يتحول إلى تفكير، وهذا بدوره إلى ربط؛ وعلى هذا كان بوسعنا القول إننا نضع
نظرية لدى كل نظرة فاحصة في الكون. ولكي نقوم
بذلك ونعتزم فعله عن وعي ومعرفة للذات وبحرية
وتهكُّم، إذا ما جاز لنا استخدام هذه الكلمة
الجريئة، لابد إذن من مثل هذه المهارة حين
يصير التجريد الذي نخشاه غير ذي ضرر وتصير
نتيجة التجربة التي نتوخاها حية ونافعة." وبعبارة "التجريد
الذي نخشاه" يستبين لنا تماماً أين ينبغي
أن تفترق طريق غوته عن طريق علم الطبيعة
السائد. ويعرف غوته أن كل معرفة تحتاج إلى
الصور والربط والبنى المعبِّرة. ومن دون ذلك
فإن المعرفة محال. على أن الطريق إلى هذه
البنى سيؤدي لامحالة إلى التجريد. وكان غوته
قد عرف هذا وهو منكب على بحوثه في مورفولوجيا
النبات. ففي الأشكال المتنوِّعة للنباتات
التي شاهدها غوته وأنعم النظر فيها، لاسيما
أثناء رحلته إلى إيطاليا، ظن أن دراسة دقيقة
شاملة قد تهديه، بمزيد من الوضوح، إلى معرفة
قانون أساسي موحَّد. وتكلَّم على "الشكل
الأساسي الذي تمارس الطبيعة لعبتها معه أبداً
وعلى نحو كما تبدع، وهي تلهو، شتى ضروب الحياة".
وعلى هذا توصل غوته إلى تصوُّر ظاهرة أساسية،
أي أنه اهتدى إلى البنية الأصلية. ويقول غوته:
"إنه بهذا النموذج وبهذا المفتاح أيضاً
يستطيع المرء أن يوجد نباتات لا حصر لها، وحتى
ولو لم يكن لها وجود يمكن أن يكون لها عندئذ
وجودها وحقيقتها وضرورتها." وهنا، وبهذا يقف غوته
عند حدود التجريد الذي كان يخشاه. فهو نفسه لم
يفلح في تجاوز هذه الحدود. وكان قد حذَّر أيضاً وأشار على الفيزيائيين والفلاسفة بأن
يلتزموا هذا الحد أيضاً. "فلو تم اكتشاف مثل
هذه الظاهرة الأساسية لظل الشر قائماً في أن
المرء يأبى الاعتراف بالظاهرة كظاهرة، وأننا
نجد في البحث عن شيء آخر يكمن وراء هذه
الظاهرة أو فوقها على حين نجدنا مضطرين إلى أن
نعترف بأن للنظر حدوده. وما على العالم
الطبيعي إلا أن يترك الظاهرات الأساسية
وشأنها في عظمتها الخالدة وسكونها الأزلي." وعلى هذا فليس بضروري
تجاوز الحدود المؤدِّية إلى التجريد. ومتى تم
بلوغ حدود الرؤية لابد أن تكون عندها نهاية
الطريق حين يستبدل المرء الرؤية بالتفكير
التجريدي. وكان غوته على يقين بأن التحرُّر من
عالم المحسوسات الواقعي والدخول إلى عالم
التجريد اللامتناهي لابد أن يقود إلى الشر
أكثر منه إلى الخير. على أن علم الطبيعة
كان قد سلك منذ عهد نيوتن سبلاً أخرى. فعلم
الطبيعة هذا لم يخش التجريد منذ البداية.
فالنجاح الذي أحرزه علم الطبيعة، سواء في
إيضاحه نظام الكواكب السيارة أو بالاستعمال
التطبيقي للميكانيكا أو بتصميم أجهزة وآلات
بصرية أو نجاحه في أمور أخرى عديدة، هذا كله
أثبت صحة هذا العلم وشرعيته؛ وسرعان ما أدى
هذا النجاح كله إلى أن تحذيرات غوته لم تلق
آذاناً مصغية. على أن علم الطبيعة
هذا تطور تطوراً هادفاً منطقياً بدءاً من
مؤلف نيوتن الضخم المبادىء الرياضية للعلوم
الطبيعية والفلسفة إلى يومنا هذا، في حين
غيرت نتائج علم الطبيعة على صعيد العلوم
التقنية صورة الأرض تغييراً جذرياً شاملاً. هل
استهان غوته بالخصم؟ يكتمل التجريد في علم
الطبيعة الشائع في موضعين مختلفين بعض الشيء.
على أن الواجب يقضي أن ندرك الشيء البسيط في
شتى أنواع الظواهر. وعلى هذا كان ضرورياً
بأن يسعى الفيزيائيون إلى الكشف عن حوادث
بسيطة في نسيج الظواهر المعقد المحيِّر. ولكن
ما هو البسيط؟ ويأتينا الجواب، بدءاً من عهد
غاليليه إلى عهد نيوتن، بأن البسيط هو الحدث
الذي يمكن تصوير مجراه المنتظم بكل تفاصيله
تصويراً كمياً ورياضياً من غير ما مشقة أو
صعوبة. فالحدث البسيط. إذن، ليس ذلك الحدث
الذي تقدمه لنا الطبيعة المباشرة؛ بل ينبغي
على الفيزيائي أن يفصل بادىء ذي بدء خليط
الظواهر المتنوع بواسطة أجهزة جدّ معقدة، كما
ينبغي عليه أيضاً أن يخلِّص الشيء المهم من كل
الملحقات الفرعية لكي يظهر الحدث "البسيط"
وحده بجلاء فيستطيع تجريدها. وليس هذا إلا
ضرباً من ضروب التجريد. ويرى غوته بهذا الصدد
أن الطبيعة نفسها أبعِدَت بذلك وانتفت فيقول:
"حسبنا أن نواجه الزعم الجزئي القائل بأن
هذا لايزال يشكل طبيعة، وذلك بابتسامة هادئة
على الأقل أو بهزة رأس خفيفة. ثم ألا يخطر في
بال المهندس المعماري بأن يدّعي أن قصوره مآوٍ أو
نُزُلٌ جبلية وغابات." وتكمن الصورة الأخرى
للتجريد في استخدام الرياضيات لتصوير
الظواهر ورسمها هندسياً. ولقد اتضح في
ميكانيكا نيوتن للمرة الأولى – مما كان السبب في
نجاحه العظيم – أنه بالإمكان
الجمع بين ميادين تجريبية واسعة جمعاً
متشاكلاً بالوصف الرياضي. وبهذا يكون
بالإمكان فهمها أيضاً ببساطة. وما قوانين
غاليليه في سقوط الأجسام ودوران القمر حول
الأرض وحركة الأجرام السماوية حول الشمس
وذبذبات نابض ومسار حجر مقذوف إلا ظواهر يمكن
اشتقاقها من المعادلة التي تنص على أن الكتلة
× السرعة = الطاقة. يضاف إلى هذا أيضاً قانون
الجاذبية الأرضية. فالمعادلة الرياضية
المتشكلة كانت، إذن، المفتاح المجرد للفهم
التام لميادين طبيعية في غاية من الاتساع.
ولقد ناهض غوته من غير طائل الركون إلى الطاقة
المنتشرة لهذا المفتاح. ولقد كتب غوته في إحدى
رسائله إلى تسيلتر[2]
قائلاً: "إن الشر الأعظم للفيزياء الحديثة
هو أن المرء عزل التجارب عن الإنسان على نحو
ما، ويريد أن يدرك الطبيعة في الشيء الذي تكشف
عنه أجهزة اصطناعية، ليس غير؛ لا بل إنه يريد
بذلك أن يحدَّ مما يمكن للطبيعة أن تقوم به
مقدماً الدليل على ذلك […] وتلك هي الحال أيضاً
مع الحساب، والحق أن هناك الكثير مما لا يمكن
حسابه، كما أن هناك الكثير الذي يتأبى على
التجربة المحددة الواضحة." ألم يدرك غوته حقاً
القوة المنظمة أو ما أنجزه منهج العلوم
الطبيعية من معرفة على صعيد التجربة
والرياضيات؟ وهل استهان بالخصم الذي قاومه
بلا كلل في علم الألوان ومواضع أخرى؟ أم
أنه لم يرغب في معرفة هذه القوة لأن القيم
كانت في نظره مهددة ولم يكن على استعداد
للتضحية بها؟ ولسوف يجد المرء نفسه مضطراً
إلى أن يجيب بأن غوته رفض أن يسلك هذا الطريق
المجرد المؤدي إلى الفهم الكامل لأن هذا
الطريق كان في نظر غوته محفوفاً بالمخاطر. أما المخاطر التي كان
غوته يخشاها فلم يحددها في أيَّما موضع
تحديداً تاماً. على أن فاوست –
أعظم الشخصيات في أدب غوته وأشهرها –
يجعلنا نحس ما هي المسألة. وفاوست، عدا عن
أشياء أخرى كثيرة، فيزيائي خاب فأله. ونجده في
حجرة المكتب، وقد أحاطت به أجهزة وآلات،
يخاطبها قائلاً: "أيتها الآلات! الحق أنك
لتهزأين مني بالعجلات والأمشاط، بالأسطوانة
والذراع. ولقد وقفت بالباب. وكان عليك أن
تكوني المفتاح. ولئن كان اللسان لولبياً، إلا
أنك لن ترفعي المزلاج."[3] ولعل العلامات
الغامضة التي يبحث عنها في كتاب نوستراداموس[4] مماثلة للرموز
الرياضية. ثم إن عالم الرموز والآلات وذلك
التعطش الشديد إلى معرفة تزداد عمقاً
وتجريداً يدفعان باليائس القانط إلى أن يبرم
عقداً مع الشيطان. إذ إن الطريق الذي يقود من
وسط الحياة الطبيعية إلى المعرفة المجردة قد
ينتهي عند الشيطان. وكان هذا هو الخطر الذي
طبع موقف غوته من عالم العلوم الطبيعية
والتقنية. ولقد أحس غوته بالقوى الشيطانية
التي صار لها مفعولها في هذا التطور. وكان على
يقين من أن الواجب يقضي عليه بأن يتفاداها.
على أنه قد يأتي الرد بأنه ليس من السهولة
بمكان تجنب الشيطان وتحاشيه. وكان غوته نفسه
مضطراً منذ البداية، وفي وقت سابق، إلى أن
يلجأ إلى حلول وسطية. وكان أهم هذه الحلول هو
التسليم بمذهب كوبرنيكوس في الحياة. حتى إنه
لم يستطع أن يصمد أمام قوة الإقناع التي اتسم
بها هذا المذهب. وهنا عرف غوته أيضاً أن هذا
الموقف لابد أن يكلف تضحيات كثيرة. وأعود
لأقبس من كتاب علم الألوان حيث يقول: "الحق
أنه لا مثيل لمذهب كوبرنيكوس بين جميع
الاكتشافات والمعتقدات في تأثيره البالغ في
العقل الإنساني." وما إن تم الاعتراف
بأن العالم دائروي وتام في ذاته حتى كان عليه
أن يتنازل عن الحق المكتسب الهائل بأنه محور
الكون. وربما لم يحدث إلى الآن أن طُلِب من
الإنسانية مطلب أعظم. إذن فأي شيء لم يذهب
هباء؟ هذا الاعتراف: عالم الفردوس الآخر
وعالم البراءة والفن والتقوى وشهادة الحواس
والاقتناع بإيمان ديني شعري. ولاعجب في أن المرء
لم يرغب في التخلي عن هذا كله وعارض في
الأحوال كلها مثل هذا المذهب الذي يحرم
معتنقَه الحقَّ في حرية فكرية لم تكن متوقعة
من قبلُ ولم تخطر ببال أحد أو لم يمكِّنه من
خلق "عظيم ولم يستحثه إلى أي منهما".
ونجدنا مضطرين إلى أن نجابه بهذا الشاهد
أولئك الذين يحاولون في عصرنا الحاضر أن
يشكِّكوا بصحة علم الطبيعة الحديث
والتزاماته وذلك لكي يكونوا بمنجاة من
الأخطار التي كان غوته يخشاها. وعلى هذا لابد
من الإلماع إلى أن علم الطبيعة هذا قد يغير
أيضاً من آرائه على مدى الأيام أو قد يعدِّلها
وأنه، على سبيل المثال، لم يعد معترفاً بصحة
ميكانيكا نيوتن وأن النظرية النسبية ونظرية
الكم قد حلَّتا محله وأن هناك مسوغاً للشك في
ادعاءات علم الطبيعة هذا. على أن هذا الاعتراض
ينهض على سوء فهم، وهو أنه كيف السبيل إلى
المعرفة من السؤال عن مكانة الأرض من نظام
الكواكب. ولئن كان عين الصواب أن نظرية
أينشتاين في النسبية لم تُسقِط من الحساب
إمكانية اعتبار الأرض ساكنة وأن الشمس لا تكف
عن الحركة حول الأرض، فإن هذا لم يغير شيئاً
في الفرضية الحاسمة لنظرية نيوتن بأن الشمس
تحدد مسار الكواكب بتأثير جاذبيتها القوي.
وعلى هذا فليس من سبيل إلى فهم نظام الكواكب
فهماً حقيقياً إلا بالانطلاق من الشمس كمركز
لقوة الجاذبية. ولابد من التأكيد أيضاً أنه لا
يمكن الخلاص من نتائج علم الطبيعة الحديث إذا
ما قبلنا بمنهجه القائل بالرصد الذي يتطور
إلى تجربة وبالتحليل العقلاني الذي يتخذ شكله
الدقيق في صورة رياضية. وليس بوسع المرء أن
يرتاب بجد في صحة النتائج إذا ما قبل بالتجربة
والتحليل العقلاني. وربما كان بوسع المرء أن
يطرح سؤاله عن القيمة فيتساءل عما إذا كانت
المعرفة المكتسبة بذات قيمة. وإذا لم يحاول
المرء أن يجيب على هذا السؤال بمفهوم غوته، بل
بما يناسب روح عصرنا الحاضر أو أن يسلِّم بحجة
النفع ولو بقليل من الشك، عندها يمكن التنويه
إلى منجزات العلم الحديث والتقنية الحديثة
والإشارة إلى العلاج الفعال لكثير من العلل
وإلى تخفيف آلام المريض بالدواء الحديث وإلى
راحة النقل والمرور وغيرها. ومما لاشك فيه أن
غوته الذي أراد أن يقف من الحياة وقفة الرجل
الفعال ما كان ليجابه مثل هذه الحجج إلا بمزيد
من الفهم. ومتى انطلق المرء من موقف إنسان هذا
الوجود ومن الصعوبات التي تنغِّص عيشه أو من
المطالب المترتِّبة عليه، قدَّر عندئذ عالي
التقدير إمكانية النشاط العملي الفعال
ومساعدة الآخرين وتحسين الظروف المعاشية
بعامة. وحسب المرء أن يقرأ
لغوته أجزاء كبيرة من رواية فيلهلم مايستر
سنوات التجوال أو أن يقرأ الفصول الأخيرة
من مسرحية فاوست ليدرك مدى اهتمام غوته
بهذا الجانب من مشكلتنا. ومما لاريب فيه أن
الناحية العملية كانت مفهومة لدى غوته أكثر
من غيرها من النواحي المختلفة لعالم العلوم
الطبيعية والتقنية. على أن غوته لم يستطع رغم
ذلك، أن يتخلص من الخوف بأن للشيطان ضلعاً في
الأمر. وفي المشهد الأخير من مسرحية فاوست
ينقلب نجاح الحياة العملية وغناها إلى شيء
تافه وسخيف وذلك بمقتل فيليمون وباوكيس.[5]
وحتى هناك أيضاً، وحيثما لا يتدخل الشيطان
مباشرة تبقى الحادثة معرضة لخطر تأثيره. وعلى
هذا، عرف غوته ما كان وشيك الحدوث. كما فكر
ملياً بالأثر الذي ستحدثه هذه الحادثة في
السلوك الإنساني. وفي مراسلاته مع تسيلتر كتب
قائلاً: "إن الشيء الذي يستحوذ على إعجاب
الناس والذي يطمح إليه كل إنسان هو الثراء
والسرعة. فالسكك الحديدية والبريد السريع
والسفن البخارية وكل تسهيلات وسائل الاتصال
هي غاية ما يطمح إليه العالم المثقف بغية
التنافس المتبادل والتفوق، على حين يبقى هذا
العالم المثقف في حدود المعدل المتوسط. والحق
أن هذا القول هو قول العقول المتمكِّنة
والموهوبة وقول البشر العمليين السريعي
الفهم الذين تزودوا بشيء من المهارة والبراعة
مما يجعلهم يشعرون بالاستعلاء على العامة،
هذا إذا لم يكونوا هم أنفسهم على جانب عظيم من
الذكاء والنبوغ." وفي رواية سنوات
التجوال يقول: "أما الآن فإن هذا العصر هو
عصر التحيُّز وضيق الأفق. وطوبى لمن يدرك هذا
من أجل صالحه وصالح الآخرين ويعمل بهذا
المفهوم." وعلى هذا استطاع غوته
أن يرى أمامه جزءاً كبيراً من الطريق، كما نظر
بقلق بالغ إلى ما كان ينذر بحدوث شيء. وفي أثناء ذلك مضى
نحو قرن ونصف القرن ونحن نعرف إلى أين قادت
تلك الطريق حتى الآن. إن آخر المعالم التي
شاهدناها على جانب الطريق كانت الطائرات
النفاثة والآلات الحاسبة الإلكترونية
والأقمار الصناعية والقنابل الذرية. أما
العالم الذي حدَّده علم الطبيعة النيوتوني
وتوقع غوته أن يبتعد عنه، فقد أصبح واقعاً لنا
لاجدوى البتة من التفكير بأن للشيطان يداً في
ذلك. وما على المرء إلا أن
يسلِّم بالأمر الواقع كما سلَّم بذلك على مر
الأزمان، على حين لم نصل بعد إلى نهاية هذا
الطريق. والأرجح أن الوقت بات قريباً لتشمل
عملية التطور التقني هذه علم الأحياء شمولاً
تاماً. ولقد سبق الكلام بين الحين والحين على
أن الأخطار تكثر، حتى حيال التهديد بالسلاح
الذري. وربما وجدنا ذلك في غاية من الحدة في
الصورة الكاريكاتورية لعالم مستقبلي رسمها
هكسلي[6] بعنف وقسوة تحت
عنوان عالم جديد جَسور. وباستنتاج مرعب،
يضع موضع السخرية إمكانية تربية البشر
من أجل الأهداف المعينة لهم، كما بين سخف
إمكانية تنظيم الحياة كلها على الأرض تنظيماً
عقلانياً، أي بالسعي نحو خدمة الأغراض
والمنفعة، وبهذا يكون تجريد الحياة من كل
معانيها. على أنه ليس من حاجة إلى المضي إلى
أبعد من ذلك لكي يدرك المرء أن خدمة الغرض
ليست بقيمة البتة، بل إنها أزاحت السؤال عن
القيمة من مكانه موضعاً واحداً، ليس غير،
وذلك من أجل المسألة الأخرى التي مفادها ما
إذا كان الغرض الذي تلائمه المعلومات
والإمكانيات الخاصة بذلك والتي من شأنها أن
تخدم هذا الغرض بذات قيمة أصلاً. أما الطب الحديث فقد
استأصل على نطاق واسع شأفة الأوبئة الخطيرة
التي تفشت على الكرة الأرضية، كما أنقذ حياة
الكثيرين من المرضى وخفف عن الكثيرين من
الناس الآلام المبرحة. على أن الطب الحديث أدى
أيضاً إلى ذلك الانفجار السكاني فوق الكرة
الأرضية. ثم إن هذا بدوره لابد أن يسبب كوارث
مخيفة إذا ما تعذر إيقاف هذا الانفجار والحد
منه على نحو ما وفي وقت عاجل، وذلك باتخاذ
إجراءات تنظيمية سليمة. ومن ذا الذي يستطيع أن
يعرف إن كان الطب الحديث سيحدد أهدافه
تحديداً صحيحاً وسليماً في كل مكان في الدنيا.
وعلى هذا فعلم الطبيعة الحديث يمدُّنا
بالمعلومات الصحيحة المنزهة عن الشك. ثم إن
التقنية المنبثقة عن هذا العلم تتيح استخدام
هذه المعلومات لتحقيق أهداف عريضة ومآرب
كبيرة أيضاً. على أنه لم يتم الفصل أبداً فيما
إذا كان التقدم الذي أحرزه العالم بذي قيمة.
وسيتقرر هذا قبل كل شيء بالتصورات عن القيمة،
تلك التصورات التي ينقاد إليها الناس أثناء
تحديد الأهداف. على أن هذه التصورات لا يمكن
أن تصدر عن العلم نفسه، وعلى أية حال فإنها،
إلى الآن، لم تنجم عنه. أما احتجاج غوته
القاطع ضد مفاهيم العلوم الطبيعية المستخدمة
منذ عهد نيوتن فهو موجَّه ضد انهيار مفهومي
"الصحة" و"الحقيقة" في هذه المناهج.
وكان غوته يرى أنه لا يمكن الفصل بين الحقيقة
ومفهوم القيمة. ثم إن مفهوم "الواحد الأحد
والخير والحق" كان في نظر غوته والفلاسفة
القدامى بمثابة البوصلة التي استطاعت أن تهدي
الإنسانية عبر العصور في أثناء البحث عن
مفهوم "الحقيقة". ومن ثم إذا لم يعد
النظام الإلهي يحدد في العلم الاتجاه
تلقائياً فإن هذا العلم محفوف بالأخطار
الجسيمة، وهو، على حد تعبير غوته في مسرحية فاوست،
واقع في قبضة الشيطان. وعلى هذا، رفض غوته
القبول بهذا العلم، حيث إن عالماً مظلماً
حالك السواد لم يعد يضيئه النور المركزي، نور
"الواحد الأحد والخير والحق"، لهو عالم
لا قيمة فيه لأي تقدم علمي تقني، إلا أن يكون
هذا التقدم مجرد محاولات يائسة لتجعل الجحيم
مريحاً للإقامة، كما عبر ألبرشت هاللر ذات
مرة بهذا الصدد. ولابد من توكيد ذلك
أمام هؤلاء الذين يعتقدون أنهم قادرون على أن
يخلقوا الشروط الأساسية لعصر ذهبي وذلك بنشر
حضارة العلوم الطبيعية والتقنية في أقصى
أرجاء المعمورة. وبمثل هذه السهولة لا يمكن
الإفلات من قبضة الشيطان. وقبل أن نبحث فيما
إذا كان كل من "الصحة" و"الحقيقة"
منفصلاً عن الآخر انفصالاً تاماً، كما بدا
إلى الآن، علينا إذن أن نسأل سؤالاً آخر.
والسؤال هو: هل كان لزاماً على غوته أن يستعين
بعلم الطبيعة الخاص به وبطريقته في رصد
الطبيعة ليجابه بشيء ذي فاعلية عالم العلوم
الطبيعية والتقنية الذي تكون بعد نيوتن؟ ومع أن أدب غوته
أثَّر تأثيراً كبيراً في القرن التاسع عشر
فقد عرف أن أفكاره وآراءه في علم الطبيعة لم
تكن معروفة إلا عند فئة معينة من الناس وأنها
لم تؤت أكلها. لكنها ربما احتوت على البذرة
التي ربما لها أن تنمو بالعناية الدقيقة،
وذلك حين تراجع الإيمان الساذج بالتقدم أمام
نظرة واقعية عقلاني. وعلى هذا، نجدنا مدفوعين
إلى السؤال مرة أخرى عما تمتاز به نظرة غوته
إلى الطبيعة، وعما يميز طريقته في النظر إلى
الطبيعة من طريقة نيوتن ومن جاء بعده. وعلى
هذا، وفي المقام الأول، لابد من الإشارة إلى
أن نظرة غوته إلى الطبيعة تنطلق من الإنسان
وأن مركز كل شيء هو الإنسان وتجربته المباشرة
للطبيعة. وانطلاقاً من هذا المركز تنتظم
الظواهر في نظام منطقي سليم. ولئن كانت هذه
الصياغة التعبيرية صحيحة وصائبة، ولئن
بيَّنت بوضوح شديد أن ثمة فارقاً كبيراً بين
نظرة غوته إلى الطبيعة ونظرة نيوتن، فإنها،
مع هذا، أغفلت نقطة أساسية، وهي أن النظام
الإلهي، على اعتقاد غوته، يتجلى للإنسان في
الطبيعة. إن غوته الشيخ لم يعد
يرى في التجربة الذاتية أمراً ذا بال، مع أنها
كانت قد ملكت عليه نفسه وهو شاب؛ إن ما يهمه هو
النظام الإلهي الذي يمكن معرفته في هذه
التجربة. فالمسألة بنظر غوته ليست مسألة مجاز
أو استعارة فنية فحسب، وذلك حين يتأثر المؤمن
في قصيدة "تركة عقيدة الفرس القدامى"
بمنظر الشمس حين شروقها فوق الجبال مما يدفعه
إلى أن "يبصر الإله وقد استوى على عرشه
ويسميه ربّ منابع الحياة وأن يسلك مسلكاً
جديراً بهذا المنظر السامي الرفيع ويطوف في
هذا الضياء". ويعتقد غوته أنه لابد أن
يتلاءم المنهج العلمي مع مضمون التجربة في
الطبيعة. وبهذا ينبغي أن ينظر إلى البحث عن
الظاهرة الأصلية بأنه بحث عن البنى التي هي
أساس للظاهرة والتي كوَّنها الله. وهذه البنى
لا يمكن تكوينها بالعقل فحسب، بل بالإمكان
رؤيتها مباشرة فضلاً عن الإحساس بها مباشرة. ويبيِّن غوته بأن "الظاهرة
الأصلية لا يمكن مساواتها بقاعدة أو مبدأ
تتمخض عنه شتى النتائج، بل ينبغي عدها ظاهرة
أساسية يمكن من داخلها العام النظر في
الينبوع وتأمله جيداً. والحق أن الرؤية
والحدس واليقين وجميع حواس اللمس التي
يستخدمها الإنسان في هذا الكون يجب أن تتعاون
معاً إذا ما أردنا أن نؤدي رسالتنا الجلية رغم
كل صعوبتها." ويرى غوته بوضوح أن
البنى الأساسية يجب أن تكون متشاكلة بحيث
يصعب البت فيما إذا كانت تنتمي إلى العالم
الذي تمَّت معرفته الموضوعية أم إلى النفس
الإنسانية، على حين تشكل هي الشرط لكليهما.
وعلى هذا يتوقع غوته أن هذه البنى ستكون ذات
فاعلية في "الرؤية والحدس واليقين". على
أنه لابد من السؤال التالي: من أين لنا أن نعرف
أو كيف يعرف غوته أن أعمق الصلات الحقيقية
يمكنها أن تبرز مباشرة بحيث إنها تبدو صريحة؟
ألا يحتمل أن يمثل أمامنا بوضوح تام، في أعلى
مرحلة من مراحل التجريد، ذلك الشيء الذي أحس
به غوته وأدركه كنظام إلهي للظاهرة الطبيعية؟
أليس بإمكان علم الطبيعة الحديث أن يعطي
الجواب على ذلك مع أنه استطاع أن يثبت أمام
مطلب القيمة لدى غوته؟ قبل أن نتناول مثل
هذه المسائل العويصة لابد من أن ننوه بكلمة
إلى رفض غوته للرومانسية. فكثيراً ما تناولها
بإسهاب، سواء في رسائله أو مقالاته أو
أحاديثه، على حين كانت تمثل بحق الاتجاه
الفني لعصره. ولطالما أخذ على
الرومانسية المآخذ نفسها التي تتمثل في
الذاتية والاستغراق في أحلام اليقظة
والإيغال في التطرف واللامتناهي والحساسية
المريضة والغموض والهيام بالماضي والورع أو
التأمل الروحي الواهي ثم أخيراً المجاملة
والزيف والمداجاة. وقلما استطاع غوته أن يجبر
نفسه على ألا يغض الطرف عن منجزات الرومانسية
على صعيد الفن أو على أن يقر بها ويعترف، ليس
غير، ذلك لأنه كان ينفر نفوراً شديداً مما هو
مرضي في الظاهر –
وهذا ما اتصفت به الرومانسية –
فضلاً عن هاجسه القوي بالتطور اللامجدي
المحتمل. إن الفن الذي يبتعد
عن العالم، كما هي الحال لدى الرومانسية، ثم
لا يسعى ليعبر عن الوجود الحقيقي، بل عن
انعكاس هذا الوجود في نفس الفنان، لهو مثل أي
علم لا يتخذ الطبيعة الحرة موضوعاً له، وإنما
يلتفت إلى الظاهرة الفردية التي أعِدَّت على
نحو ما ثم صير إلى عزلها بالأجهزة والآلات. وبالإمكان أن تعد
الرومانسية، ولو في جانب منها، بمثابة رد فعل
على عالم هبَّ يحول نفسه من خلال العقلانية
وعلم الطبيعة والتقنية إلى شرط تطبيقي ومنطقي
من شروط الحياة الظاهرية، بحيث إن هذا العالم
لم يمنح الإنسان الفرد في كامل وجوده مكاناً
مناسباً لآماله وأمانيه. وعلى هذا لجأ الإنسان
الفرد إلى عالمه الداخلي ليركن إليه. وربما
كان ثمة انفصال عن الواقع العياني المباشر
حيث تؤدي أعمالنا إلى نتائج وعواقب ينبغي
علينا مجابهتها. ولئن أحس المرء بهذا
الانفصال على أنه ضياع، فإن الإنسان الفرد،
كما خشي غوته، هوَّن الأمر كثيراً، إن لم يكن
قد ارتاح له أكثر، ليهرب إلى عالم الأحلام
وليستسلم إلى نشوة العاطفة وينفض عنه وعن
الآخرين عبء المسؤولية ويقصف في عالم
الأحاسيس اللامتناهي؛ ناهيك عن أن غوته لم
يستطع أن يحبذ فناً يسعى إلى أن يصوغ الوجود
المباشر في صورة فنية، كما أنه لم يحبذ تهويل
الأغوار في النفس الإنسانية والغلوَّ في ذلك،
ولم يحبذ الخطوة إلى التجريد التي كان لابد
لعلم الطبيعة من أن يقوم بها. إن رفض غوته في كلا
الحالتين يعود إلى دوافع متشابهة. وهذا
التشابه يقود إلى أبعد من ذلك. فإذا كان غوته
قد خشي التجريد في علم الطبيعة وذُعِر من هول
اتساعه فإن ذلك لم يكن إلا لأنه اعتقد أنه يرى
في ذلك قوى شيطانية لا يريد أن يكون عرضة
لأخطارها. وكان قد جسَّد هذه القوى الشيطانية
في شخصية الشيطان (ميفيستو). كما أنه رأى في
الرومانسية القوى نفسها والفاعلية نفسها.
ويطالعنا من جديد الاتساع اللامحدود
والانسلاخ عن الواقع والانصراف عن معاييره
الثابتة الصحيحة ثم خطر السقوط فيما هو مرضي.
وفضلاً عن ذلك فإن الشيء الذي ربما كان له
دوره في مواقف غوته وتصرفاته هو أن الصيغة
الفنية العليا لتلك المرحلة كانت غريبة عنه
نسبياً. فالرياضيات التي يمكننا أن نعدها
الصيغة الفنية للتجريد لم تستطع أن تأسر غوته
أو أن تجذبه قط، مع أنه كان يحترمها. أما على
صعيد الموسيقا، كما يبدو لي، فإن الرومانسية
الألمانية قدمت أعظم الإنجازات الفنية. على
أن غوته لم يتأثر بهذه الموسيقا كما تأثر
بالشعر أو بفن الرسم. ونحن لا نعرف أية
أفكار كانت ستدور في رأس غوته عن الرومانسية
لو استطاعت اللغة التي تنطق بها خماسيات
شوبيرت[7]
الخماسية أن تبلغ مسامعه. على أن غوته لابد أن
يكون قد أدرك أن القوى التي كان يخشاها وكانت
تعمل عملها في هذه الموسيقا أكثر بكثير مما
كانت عليه في المؤلفات الأدبية الرومانسية
الأخرى لم يعد مصدرها الشيطان (ميفيستو) ولا
تبشر بسلطانه، ولكنها تبشر بسيطرة ذلك الوسط
المنير الذي جاء منه لوسيفر [إبليس] ومنه طرد. ومما لا غرابة فيه هو
أن الخلف لم يأبه لنصيحة الشاعر الألماني
الأعظم في تقويم الرومانسية وأن الفن قد
انصرف، إلى حد كبير، إلى القضايا والموضوعات
والمهام التي كانت الرومانسية قد أولتها
اهتمامها لأول مرة. فتاريخ الموسيقا والرسم
والأدب في القرن التاسع عشر يري مدى خصب
الرومانسية في البداية. وطبيعي أن هذا
التاريخ يرينا أيضاً، لاسيما حين نتتبَّعه
حتى عصرنا الحاضر، كم كانت هموم غوته
واعتراضاته صحيحة، كما هي عليه فيما يتعلق
بعلم الطبيعة والتقنية. ولسوف يرى المرء على
صعيد الفن بعض ظواهر التحلل التي كثيراً ما
كانت عرضة للاتهام، كما سيجدها على صعيد
التقنية كاستخدام الأسلحة الذرية. وعلة ذلك
هو ضياع تلك البيئة التي كافح غوته طوال حياته
لكي يصونها ويحافظ عليها. الشيء
الذي يجمع الكون ويربطه لنعد، إذن، إلى
السؤال عما إذا كانت المعرفة التي بحث عنها
غوته في علم الطبيعة الخاص به، أي معرفة آخر
قوى الخلق والتكوين ذات الطابع الإلهي في
عالم الطبيعة، قد اختفت نهائياً من علم
الطبيعة الحديث الذي هو صحيح، قبل كل شيء،
وسليم، ليس غير. "لما كنت أعرف بالحدس ما
يجعل الكون متماسكاً ومترابطاً في الصميم
فإني أرى القوة الفاعلة والعناصر الأساسية
ولن أكون، بعد الآن، في حاجة لأن أنبش في
الكلمات." هذا ما كان غوته قد دعا إليه. وعلى هذا الطريق إلى
هذا المطلب كان غوته قد توصل في نظراته في
الطبيعة إلى النبتة الأصلية. ومع أن هذه
الظاهرة الأصلية لا يمكن أن تكون مبدأ تستمد
منه شتى الظواهر، وإنما هي ظاهرة أساسية نرى
في داخلها المتنوِّع، فقد أوضح شيللر للشاعر
غوته في يينا في عام 1794، وفي أول لقاء ربط
بينهما بروابط الصداقة، بأن الظاهرة الأصلية
لديه ليست في الحقيقة ظاهرة، وإنما فكرة. ونود
أن نضيف إلى ذلك بأنها "فكرة" بمفهوم
الفلسفة الأفلاطونية. ولما كان مدلول الـ"فكرة"
قد اتخذ طابعاً ذاتياً غير موضوعي، فإننا
نميل الآن في الوقت الحاضر إلى أن نستبدل بهذه
الكلمة لفظة آخر هي "بنية" أو "شكل".
فالنبتة الأصلية، إذن، هي الشكل الأصلي أو
البنية الأساسية أو مبدأ النبتة الخلاق الذي
لا يمكن إنشاؤه بالعقل فحسب، بل يمكن
التأكُّد منه مباشرة في المعرفة الحدسية. أما
الفرق الذي أولاه غوته أهمية كبيرة، فهو ذلك
الفرق بين المعرفة المباشرة وبين الاستنتاج
العقلاني المحض الذي يكاد يطابق المطابقة
كلها ذلك الفرق بين نوعي المعرفة في الفلسفة
الأفلاطونية، أي بين الـإبيستيمي وبين
الـذيانويا. فالإبستيمي هي ذلك اليقين
المباشر الذي يستطيع المرء أن يرتكز عليه ولا
يحتاج البتة إلى البحث فيما وراء ذلك. أما
الذيانويا فهي إمكانية التحليل الكلِّي
ونتيجة الاستنتاج المنطقي. ومن الواضح لدى
أفلاطون أيضاً هو أن النوع الأول من المعرفة (الإبستيمي)
فقط يقوم بدور الربط بين ما هو حقيقي وجوهري
وبين عالم القيم، على حين يصنع النوع الآخر (الذيانويا)
المعرفة على أنها معرفة خالية من كل قيمة.
والشيء الوحيد الذي حاول شيللر أن يوضِّحه في
طريق العودة من محاضرة في علم الطبيعة حضراها
معاً لم يكن في الحقيقة فلسفة أفلاطونية. بل
كان فلسفة كانطية، حيث إن "الفكرة" لدى
كانط شيء آخر ذو مدلول فيه الكثير من الذاتية. ومهما يكن من أمر،
فالفكرة منفصلة عن الظاهرة انفصالاً شديداً،
حتى إن تعبير شيللر بأن "النبتة الأصلية
ليست إلا فكرة" أقلق غوته في الصميم، فجاء
رده: "إنه ليسرني أن تكون لدي أفكار من دون
أن أعرف وأن أراها بأم عيني." ويروي غوته أن
النقاش الذي جرى بعد المحاضرة كان نقاشاً
حاداً. ولقد رد شيللر في أثناء ذلك قائلاً: "من
أين لنا بتجربة تكون مطابقة لفكرة ما؛ إذ إن
في ذلك ما هو مميز للفكرة بحيث لا يمكن أن
تطابقها أية تجربة البتة." وفي ضوء الفلسفة
الأفلاطونية لا يدور النقاش حول موضوع الجدال
فيما هو فكرة، وإنما هو جدال يتناول أداة
المعرفة التي بواسطتها تنكشف لنا الفكرة.
فإذا ما استطاع غوته أن يرى الأفكار بالعين،
فإن هذه العين، إذن، هي عين تختلف عن العين
التي يتحدث الناس العاديون عنها. ومهما يكن فإنه محال
أن نستبدل بهذه العين مجهراً أو رقاقة ضوئية
فوتوغرافية. ومهما تكن نتيجة الجدال فإن
النبتة الأصلية فكرة وتثبت بأنها فكرة، على
حين يستطيع المرء أن يتخذ منها أو، كما يقول
غوته، من البنية الأساسية مفتاحاً لإيجاد
نباتات لا حصر لها. وبذلك توصل المرء إلى فهم
بنية النبتة. ويعني "الفهم" الرجوع إلى
مبدأ بسيط متشاكل موحَّد. ولكن كيف يبدو هذا
في علم الأحياء الحديث؟! إذ إن بنية أساسية
أيضاً توجد في هذا العلم. وهذه البنية
الأساسية لا تحدد شكل النبات كله فحسب، بل شكل
الكائنات الحية كلها جمعاء. إنه ذلك الشيء
الصغير البالغ الدقة؛ إنه السلسلة المفتوحة،
أي السلسلة المزدوجة المشهورة للحامض النووي.
وإننا الآن لفي غنى عن ذكر اسمه الكيميائي
الكامل الذي لا يزال معقداً، مع أن العالمين
الأمريكيين واطسن وكريك كانا قد شرحا بنيته
وتركيبه منذ خمسة عشر عاماً [قبل إلقاء
المحاضرة]. وهذه البنية تحمل الإرث الكامل
للكائنات الحية المعنية. وبحكم تجارب لا حصر
لها في ميدان علم الأحياء الحديث لم يعد
بوسعنا أن نشك في أن هذا الجري الدقيق هو نفسه
يحدد بنية الكائن الحي، ومنه تنبثق، على نحو
ما، تلك القوة الخلاقة التي تحدد بنية الكائن
العضوي. وطبيعي أنه لا مجال هنا للحديث عن
التفاصيل. وبالنظر إلى سداد هذا القول يصح
أيضاً ما قيل من قبل عن صحة الأقوال في علم
الطبيعة بعامة. وتنهض الصحة على منهج
العلوم الطبيعية وعلى الملاحظة والتحليل
العقلاني. ولئن تم التغلب على أولى مراحل الشك
في تطور علمي متخصص فإن الصحة تنهض على تلازم
شتى الوقائع الفردية في عمل مشترك، كما ترتكز
أيضاً على نسيج معقد كبير من التجارب يضفي على
القول صحة وسداداً منزَّهين عن الطعن والشك. فهل في الإمكان الآن
مفاضلة البنية الأساسية أو السلسلة المزدوجة
للحامض النووي بالبنية الأصلية لدى غوته؟ إن
الضآلة أو الدقة اللامرئية لهذا الشيء لا
تسمح بادىء ذي بدء بعقد أية مقارنة. ولما كان
هذا الجزيء الصغير يقوم بالوظيفة نفسها في
نطاق علم الحياة، كالنبتة الأصلية لدى غوته
في نطاق علم النبات، فسيكون من الصعب الجدال
في ذلك. والمسألة في كلا
الحالتين هي مسألة فهم القوى الخالقة المصورة
في الطبيعة الحية، وهي أيضاً مسألة إرجاع هذه
القوى إلى شيء بسيط، إلى شيء تشترك فيه
الأشكال الحية كلها. والحق أن هذا هو
الشيء الذي أنجزته البنية الأصلية لبيولوجيا
الجزيء في يومنا هذا، مع أن هذه البنية
الأصلية لاتزال على شيء من البساطة والروح
البدائية لكي تسمى بالكائن الحي الأصلي، ذلك
لأنها لا تملك بعد كل الوظائف التي تعود إلى
كائن عضوي كامل. على أن هذا يمنعنا أن نصفها
بشيء من هذا القبيل. فلها ما يجمعها أيضاً
بالبنية الأصلية لدى غوته، ذلك أنها ليست
بنية أساسية أو فكرة أو تصور أو قوة مكونة
للشكل فحسب، بل إنها أيضاً شيء مدرك بالحواس
أو ظاهرة. ومع أنه لا يمكن رؤيتها بعيوننا
العادية، فلن يكون بالإمكان الاستدلال عليها
بطريقة غير مباشرة. وفي الإمكان معرفتها
بواسطة آلات مجهرية ذات قوة تحليلية عالية أو
بوسائل تحليل عقلاني. وعلى هذا فهي حقيقة
قلباً وقالباً وليست مجرد وهم أو خيال. من هنا
فإن هذا يكاد يفي بكل مطالب غوته التي طرحها
على الظاهرة الأصلية. "قد يبدو الأمر
مريباً فيما إذا كنا بقادرين على نبصرها
ونحسها وندركها بالحدس"، كما يقول غوته، أم
تستحيل إلى موضوع للمعرفة الخالصة بالمفهوم
الأفلاطوني. وعلى أية حال، فإن البنية
الأصلية في علم الحياة لا تدخل في نطاق هذه
النظرة. ولا يسعنا إلا أن نتصور أنها قد تظهر
لأول مرة أمام أعين المكتشفين على هذه الصورة. وحين نسأل عن العلاقة
بين الصحة والحقيقة في علم الطبيعة الحديث
فلابد لنا عندئذ من أن نؤكد، من الناحية
البراغماتية، على انفصال كل من المفهومين
بعضهما عن بعض انفصالاً تاماً. لكنه لن يكون
بمستبعد أن يلحظ المرء شيئاً من الاقتراب
هناك وحيث يدور الموضوع، كما في علم الأحياء،
حول إدراك أو معرفة علائق جد كبيرة وقائمة
وموجودة في الطبيعة منذ الأزل وليس للإنسان
يد في صنعها. ثم إن هذه العلائق الكبرى سوف
تظهر في البنى الأساسية والأفكار
الأفلاطونية المتجلِّية. ولما كانت هذه
الأفكار تعلن عن النظام الشامل الكامن
وراءها، فلربما كان بالإمكان تلقي هذه
الأفكار، لا من العقل فحسب، بل من ميادين أخرى
للنفس الإنسانية ذات صلة مباشرة بهذا النظام
الشامل. وعلى هذا تكون أيضاً على صلة مباشرة
بعالم القيم. وسيتضح هذا، لاسيما
حين ننتقل إلى القوانين العامة التي تشمل
ميادين علم الأحياء والكيمياء والفيزياء ولم
تستبن علاقتها بفيزياء الجزئيات الأساسية
إلا في العقود الأخيرة. فالموضوع هنا يدور،
إذن حول البنى الأساسية للطبيعة أو الكون
بعامة. وهذه البنى لاتزال موغلة في العمق أكثر
من البنى الأساسية في علم الحياة. وعلى هذا
فهي لاتزال أكثر تجريداً مما يجعل إمكانية
الوصول إليها مباشرة عن طريق الحواس أقل
بكثير مما هي عليه البنى الأساسية في علم
الحياة. لكن مهمتها تصوير ما هو عام لا ما هو
خاص، وعلى حين ينبغي على البنية الأصلية في
علم الحياة ألا تمثل الكائن الحي لذاته فحسب،
وإنما عليها أيضاً أن تميز بين شتى الكائنات
الحية التي لا حصر لها وذلك من خلال شتى
التصنيفات الممكنة لبعض المجموعات الأقل
كيميائية على السلسلة. فإن البنى الأساسية
للطبيعة كلها لا تحتاج إلا لتصور وجود هذه
الطبيعة وحدها، ليس إلا. وتتحقق هذه الفكرة في
الفيزياء على النحو التالي: إذ إنه يصاغ
باللغة الرياضية قانون طبيعي أساسي أو صيغة
كونية، كما تسمى بين الحين والحين. وعلى جميع
ظواهر الطبيعة أن تفي بحاجة هذا القانون الذي
يرمز، على نحو ما، إلى الإمكانية وإلى وجود
الطبيعة. وإن أبسط الحلول
للمعادلة الرياضية هو ذلك الذي يمثل شتى
الجزئيات الجوهرية (والأساسية) التي هي
بدورها، وبالمفهوم نفسه، صيغ أساسية للطبيعة
مثلها مثل الأشكال الهندسية للطبيعة كالمكعب
والرباعي والسطوح التي عددها أفلاطون صيغاً
أساسية للطبيعة. وإذا تذكرنا النقاش الذي دار
بين غوته وشيللر رأينا أنها، فضلاً عن ذلك،
"أفكار" مثلها مثل البنية الأصلية لدى
غوته، حتى لو لم يكن بالإمكان رؤيتها بالعين
المجردة. وإذا ما كان بالإمكان معرفتها
بمفهوم غوته فإن هذا سيكون وقفاً على وسائل
المعرفة التي نقدم بها على الطبيعة. ومما لا جدال فيه
البتة هو أن هذه البنى الأساسية ذات ارتباط
مباشر بالنظام الكوني الكبير. على أنه ما زال
لنا الخيار فيما إذا كنا راغبين في أن نستحوذ
على جزء محدود من هذا الارتباط الكبير يكون
بالإمكان إدراكه عقلياً. فلنلقِ مرة أخرى نظرة
على التطور التاريخي. فالعالم، سواء في علم
الطبيعة أم في الفن، سار من عهد غوته فصاعداً
على الطريق نفسه الذي كان غوته قد حذَّر منه
ورآه محفوفاً بالمخاطر. أما الفن فقد انسحب من
الواقع العياني المباشر ولجأ إلى عالم النفس
الداخلي، على حين حثّ علم الطبيعة الخطى نحو
التجريد وأحرز تقدماً هائلاً على صعيد
التقنية الحديثة وتوصل إلى البنية
البيولوجية الأصلية وإلى الأشكال الأصلية
التي تطابق في علم الطبيعة الحديث الصور
الأفلاطونية. وفي الوقت نفسه باتت
هذه الأفكار تنذر بالشر كما كان غوته قد تنبأ.
وما علينا إلا أن نتذكر تشييء العمل وتجريده
من كل روح. وعلينا ألا ننسى أيضاً سخف الأسلحة
الذرية ومحالها أو الهروب إلى الهوس الذي كان
قد اتخذ شكل حركة سياسية. فالشيطان صاحب حول
وطول. على أن المنطقة النيِّرة التي سبق
الكلام عليها في أثناء الحديث عن الموسيقا
الرومانسية والتي استطاع غوته أن يراها في كل
مكان في الطبيعة: هذه المنطقة النيِّرة باتت
أيضاً في علم الطبيعة الحديث واضحة،
وبالتحديد في المكان الذي يعلن فيه علم
الطبيعة الحديث عن نظام كبير متشاكل موحِّد
للوجود... ... وسيتأتَّى لنا أن
نتعلم من غوته أبداً أن لا نترك الوسائل
الأخرى كلها تتضاءل وتفنى من أجل أداة واحدة،
ألا وهي التحليل العقلاني، وسنتعلم منه أن
الأهم من ذلك هو أن نستحوذ على الواقع بكل ما
لدينا من أدوات وأجهزة ووسائل وأن نطمئن إلى
أن هذا الواقع يعكس ما هو جوهري أيضاً، أي "الواحد
الأحد والخير والحق". ولنأمل بأن يفلح
المستقبل في هذا خير مما أفلح عصرنا وخير مما
أفلح الجيل الذي أنتمي أنا إليه. *
هذا هو النص الكامل للمحاضرة التي ألقاها
البروفسور فيرنر هايزنبرغ (1901-1977)
في مدينة فايمار في ألمانيا الديموقراطية
وذلك يوم الأحد 21 أيار (مايو) 1967 أمام جمعية
غوته في اجتماعها الرئيسي في فايمار. وتمثل
هذه المحاضرة ذروة الاجتماع. كما أن هذه
الجمعية هي إحدى المنظمات القليلة التي
يلتقي فيها ممثلون عن الفكر والأدب في
الألمانيتين وأعلام يعملون في ميدان الأدب
الألماني. أما المحاضر هايزنبرغ فغني عن
التعريف لذيوع صيته وطول باعه في ميدان
العلوم الفيزيائية. إذ إنه نال في عام 1933جائزة
نوبل. كان قبل أن توافيه المنية مديراً
لمعهد ماكس بلانك في ميونيخ. صلاح
حاتم (المترجم) [1]
كارل ياسبرز (1883-1969) فيلسوف ألماني وجودي.
وهو من أوائل الذين طلعوا على الملأ
بمؤلفات ذات اتجاه وجودي. مارس في السنوات
الأولى الطب النفساني وألف كتاباً بعنوان علم
نفس النظرات العالمية، ثم اتجه إلى
الفلسفة وألف كتاباً بعنوان الفلسفة
(1932) في ثلاثة مجلدات ناهيك عن مؤلفاته
الأخرى العديدة. يكتب بلغة سهلة تنم على
موهبة عالية وذوق رفيع في التحليل الممتاز.
(المترجم) [2]
كارل فريديريش تسيلتر (1758-1832) من مدينة
برلين. كان موسيقياً وصديقاً حميماً لغوته
الشيخ. لحن الكثير من شعر غوته الغنائي كما
أنه كان مرجع غوته في المسائل الموسيقية. (م) [3]
مسرحية فاوست، الجزء الأول، مشهد "الليل"،
الأبيات 668-671. وكان مفروضاً أن يرد المفتاح
مزلاج القفل، في حين أراد فاوست أن يفتح
بأجهزته العجيبة الباب المؤدي إلى عالم
الغيب ومغاليق الطبيعة. [4]
إشارة إلى الفرنسي ميشيل دو نوتردام (1503-1566).
كان طبيباً جراحاً وعالماً في الفلك
والأرصاد الجوية وكان يمارس التنبؤ. كتب في
عام 1555 تنبؤاته شعراً فكانت محطّ الاهتمام.
ومع أن المصادر لا تشير إلى أن فاوست
التاريخي كان قد وقع على كتاب نوستراداموس،
فليس بمستبعد أن يكون فاوست قد حصل على
مخطوط بيد المؤلف نفسه. ويزج غوته باسم
نوستراداموس الرنان في المسرحية (420-421)
مستخدماً إياه رمزاً لمنجِّمين خياليين. (م) [5]
فيليمون وباوكيس، هما العجوزان، الزوج
والزوجة، اللذان يعيشان في كوخهما على
الشاطىء. ومن هناك يطل المرء على الأراضي
الجديدة التي استصلحها فاوست. فهي صورة
فردوسية، على حين يقوم قصر فاوست في الجوار.
أما فاوست فإنه يريد أن يقتني الكوخ لأنه
يستطيع أن يلقي نظرة شاملة على أملاكه. على
أن العجوزين، لاسيما الزوجة باوكيس،
يريدان البقاء حيث هما ويرفضان التخلي عن
المكان لقاء مسكن جديد يعرضه فاوست عليهما،
ويكلف فاوست الشيطان (ميفيستو) بتدبير
الأمر فيوعز هذا إلى ثلاثة رجال أشداء
بالمضي إلى العجوزين لترحيلهما عن المكان.
على أن المشهد ينتهي بحرق الكوخ والعجوزين
وقتل ضيفهما الذي حاول الدفاع عن الكوخ.
ويحزن فاوست لما حل بالشيخين ويزجر الشيطان
على فعلته الشنعاء. (م) [6]
ألدوس هكسلي (1894-1963) كاتب إنكليزي تتسم
كتاباته بالسخرية اللاذعة والطابع
الأخلاقي. فهو يعري عالم الشهوات والمتع
المزري بغية الإقناع بأن الأهم هو التحرر
من قيود الذات لتحقيق الخلاص من الأهواء
والشهوات والتحرر من الذات هو تجاوز هذه
الذات. من مؤلفاته: عالم جديد جَسور (1932)،
يجب أن يكون للزمن نهاية (1945)، فضلاً عن
مقالاته ومنها: الأدب والعلوم (1963). (م) [7]
فرانز شوبيرت (1797-1828) مؤلف موسيقي نمساوي.
لحن الكثير من القصائد التي نظمها كلوبشتوك
وغوته وغيرهما. وألف هو نفسه أكثر من ستمائة
أغنية، من بينها مجموعة الأغاني "الطحانة
الجميلة" و"رحلة الشتاء" ثم "أنشودة
البجع"، فضلاً عن مؤلفاته الموسيقية
الرائدة الأخرى في مجال السمفونية. |
|
|