|
إيمانويل ليڤيناس
حياته وأعماله: فيلسوف فرنسي من أصول ليتوانية، ولد في 12 كانون الثاني في بلدة كوفنو في ليتوانيا التي كانت تابعة في ذلك الحين لروسيا. ابن عائلة متوسطة وله أخان. توفي في باريس في 25 كانون الأول 1995. مع بداية الحرب العالمية الأولى، هاجرت عائلته إلى كراكوفيا (أوكرانيا) حيث بقيت حتى عام 1920 ثم عادت بعدها إلى ليتوانيا. عام 1923 ذهب إلى فرنسا للدراسة، فدرس الفلسفة على يد موريس برادين، وعلم النفس على يد شارل بلونديل، وعلم الاجتماع على يد موريس هالبواش. وهناك ارتبط بصداقة عميقة مع موريس بلانشو. ما بين أعوام 1928 و1929 سافر ليڤيناس إلى فريبورغ في ألمانيا ليدرس مع إدموند هوسرل. وهناك تعرَّف على هايدغر الذي حضر له دورة. عام 1930 نشر بالفرنسية أطروحته التي كانت بعنوان نظرية الحدس في ظاهرية هوسرل. عام 1931 ترجم ليڤيناس إلى الفرنسية وبالتعاون مع غابرييل بييفر محاضرات هوسرل في السوربون بعنوان تأملات ديكارتية. عام 1932 تزوج صديقة طفولته رايسا هاليفي. عام 1934، نشر تحليلاً فلسفيًا للهتلرية بعنوان تأملات في الفلسفة الهتلرية. عام 1935 نشر في مجلة الأبحاث الفلسفية، محاولة ملفتة للنظر حول علم الوجود التفسيري بعنوان حول الهروب. حصل على الجنسية الفرنسية عام 1939. عام 1940 اعتقل من قبل النازيين وأرسل إلى معسكر اعتقال فالينغسبوتل بينما تمت تخبئة زوجته وابنته من قبل رجل دين مسيحي في أورليان. عام 1947 نشر مؤلفيه الوجود والموجودون والزمن والآخر. عام 1949 وبعد وفاة ابنته الثانية، رزق بابنه ميخائيل الذي أصبح فيما بعد موسيقيًا، ونشر كتابه من خلال اكتشاف الوجود مع هوسرل وهايدغر. عام 1957 قدم أول قراءاته التلمودية. عام 1961 نشر رسالته للدكتوراه وأهم كتبه الكل واللانهاية؛ وهو مقال في الظاهرية. كما أعيد نشر كتابه الزمن والآخر. عام 1963، نشر كتابه الحرية الصعبة: مقالات في اليهودية. عام 1968 نشر كتابه 9 دراسات تلمودية. وكان كتابه ما يتجاوز الكائن. عام 1972 نشر كتابه حول إنسانية الآخر. عام 1973 نشر مؤلفه ما يخالف الكيان، أو ما بعد الجوهر. عام 1975 نشر كتابًا حول موريس بلانشو. عام 1976، نشر كتابًا بعنوان أسماء خاصة. عام 1977 من المقدس إلى القديس. عام 1982 نشرت له ثلاثة أعمال هي: في الإله الذي نتفكر به، ما يتجاوز النص، وحواراته مع فيليب نيمو حول القيم واللانهاية. عام 1984 كان كتابه السمو والوضوح. عام 1987 كان كتابه خارجًا عن الموضوع. وفي عام 1988 كتابه في زمن الأمم. عام 1990 كان كتابه حول الطمس. وعام 1991 أعيد نشر كتاب فيما بيننا؛ وهو تأملات في الآخر. عام 1994 أعيد نشر المحاضرات التي ألقاها ما بين أعوام 1973 و1974. وقد توفيت زوجته في العام ذاته. عام 1995 نشر كتابه التفوق والغيرية. في فكر ليڤيناس وفلسفته: بالإضافة إلى قراءاته المتميزة للتوراة وللتلمود، ومن مجمل أعماله، يمكننا القول بأن فلسفة ليڤيناس هي فلسفة قيم Ethics. لكن، إن كان ما نفهمه بالقيم يعني التزاوج بين التشريع–الذاتي المنطقي والحرِّية Deontology، أو استخدام السعادة (بالمعنى النفعي للعبارة)، أو استثمار الأخلاقيات Virtue Ethics، فإنه لا يمكننا أن نقول بأن فلسفة ليڤيناس هي فلسفة قيم. عام 1961، ادَّعى ليڤيناس أن فلسفته هي فلسفة أولية a First philosophy، وأن هذه الفلسفة ليست منطقًا تقليديًا ولا ميتافيزيائيًا، إنما هي تعتمد على التفسير، إن لم نقل على وصف ظاهرة تصعيد وتكرار اللقاء من خلال المواجهة، بمعنى العلاقة بين الذات والذات، كمحور قبل معرفي: حيث يمكن أن يستدعى الإنسان من قبل الآخر وأن يستجيب له. فإن كانت هذه التجربة هي تجربة ما قبل معرفية فإن هذا يعني أن الحساسية الإنسانية يمكن أن تتميز كمفهوم، وبالتالي يصبح من الممكن فهمها انطلاقًا مما يميزها بشكل خاص: أي كاستمرار للحساسية وللتأثر؛ أو بتعبير آخر، من خلال التفاعل والعلاقة المتبادلة بين الإحساس وبين العاطفة. عام 1967، كتب جاك ديريدا مقوِّمًا ليڤيناس فقال: "إنه لم يرغب في تقديم قوانين أو قواعد أخلاقية... إنما قدَّم قيمًا للقيم..."[1] وهو بهذا أراد استقصاء إمكانيات المصلحة الإنسانية من خلال العمل وفي الحياة. لذلك، ومن هذا المنظور، بوسعنا أن نقول إن ليڤيناس لم يقدِّم قيمًا إنما قدَّم معان للتفاعل وللحاضرية انطلاقًا من ثلاثة منطلقات هي: السمو، الوجود، وإنسانية الآخر. لذلك أيضًا، فإن أهم ما تتميز به الأعمال الأساسية لليڤيناس، والتي كتبها ما بين 1961 و1974، هو وصفه للتلاقي مع الإنسان الآخر. وهو بهذا يلتقي مع المقاربة الظواهرية لهوسرل. لكن، لما كان ما يفتقده هوسرل وفق ليڤيناس هو العنصر الأساسي الضروري لحياة تفاعلية، فإن هذه التفاعلية في العلاقة مع الآخر هي ما يقدمه ليڤيناس الذي يؤكد، من منطلق المسؤولية وكمفهوم أساسي، على عدم التعامل بالمثل. ما يعني السمو تحديدًا. وهذا ما يتميز به ليڤيناس الذي بات يختلف حول هذا الموضوع مع هايدغر الذي كان أستاذه. ونفصِّل قليلاً فنلاحظ أنه في البداية، وتحديدًا في دراسته التي نشرها عام 1930 بعنوان: نظرية الحدس في ظاهرية هوسرل، عبَّر عن فهمه للتسامي من منطلق الحاجة إلى الانعتاق. وفي محاولته التجريبية حول الهروب التي كتبها عام 1935، درس ليڤيناس العلاقة بين الذات المتأصلة وبين تلك المبتغاة من منطلق حالات فيزيائية وحقيقية تتضمن الحاجة والرغبة والخجل والقرف. ثم تطورت كتاباته عام 1940 لتتعارض مع أنطولوجية هايدغر المتعلقة بالكائن. وذلك من خلال التأكيد على مفهوم التسامي الكلِّي الذي يتجاوز مفهوم التسامي الجزئي والمحدود المنطلق من الحاجة واللذة. وفي مؤلفيه الوجود والموجودون والزمن والآخر، اللذان صدرا عام 1947، بيَّن ليڤيناس كيف يتخذ الوجود وجهين هما "النور" وعدم التحديد المظلم؛ وذلك من خلال المقارنة بين الكائن كمخلوق وبين الظلمة التي ولد منها هذا المخلوق. ما يسلط الضوء على الكائن وعلى مصيره. مؤكدًا أيضًا بهذا الخصوص على تباعده الفكري مع هايدغر. وفي عمله الأساسي الكل واللانهاية الذي نشره عام 1961 كأطروحة في دكتوراه الدولة، أكد ليڤيناس على التسامي من منطلق العلاقة التي تتجاوز المنظور النفعي وتؤكد على التجربة المعاشة. وأيضًا في كتابه الزمن والآخر، وفي نفس الفترة، أكد على تمايزه النهائي والعميق مع هايدغر الذي لم يغفر له ليڤيناس موقفه الممالىء للنازية في مرحلة معينة من حياته. وفي كتابه ما يخالف الكائن، المعادة طباعته عام 1968، قدَّم ليڤيناس منظورًا عامًا وسَّع فيه مفهومي الكيان والتسامي فتناولهما من منظور الجوهر واللانفعية. ما يعني في النهاية أنه بوسعنا وصف مشروعه الفلسفي بالمشروع البناء، لأنه يقدِّم لنا وصفًا للظواهر وتفسيرًا للتجارب التي نعيشها في هذه العالم. لذلك نراه يعري مستويات تلك التجارب التي سبق أن وصفها كلٌّ من هوسلر وهايدغر. وهذه المستويات لها علاقة بالعالم الذي نعيش فيه وبالإنسان كآخر. الأمر الذي يعني، في المحصلة، محاولة بناء حياة داخلية تمتاز بحساسيتها ووجدانيتها. أعد المادة: أكرم أنطاكي *** *** *** ملاحظة: للمزيد راجع مقالة إيمانويل ليڤيناس: أنَسيَّة الإنسان الآخر، جان ماري مولِّر، المنشورة في معابر على الرابط التالي: http://www.maaber.org/issue_september10/perenial_ethics1.htm [1] Jacques Derrida, “Violence and Metaphysics” in Writing and Difference, trans. Alan Bass (Chicago, IL: University of Chicago Press, 1980; first published in 1967), pp. 79-153.
|
|
|