|
الأسابيع الحزينة حياة
أبو فاضل
أعرف
أنك حزين اليوم، يا سيد، كما كنتَ من قبل.
فالاختبار هو هو، ولو أن زمناً أرضياً طويلاً
مرَّ، أنت الذي خارج الزمان والمكان ساعة
تشاء، وداخلهما ساعة تشاء. أعرف
أن كثيراً من كلامك الجميل عن الإنسان
وعلاقته المصيرية بالعناصر لم يصلنا بعد،
وأعرف أن بشارتك بوحدة الوجود لم توضَّح بعد.
أعرف أنك أسير طقوس تودُّ لو تمحوَها من رؤوس
أبناء البشر ليتحرَّروا، ليخلعوا عن بصيرتهم
حجاب الأمس المنتمي إلى ما استوعبه عقل إنسان
الأمس القديم ونام. أعرف أنك تنتمي إلى كلِّ
العصور، وأن على من يأتي ليختبر الحياة
فَهْمَ رسالتك على قدر وعيه، لا على قدر من
وعاها قبله وحُكِمَ عليه بالأسر المؤبَّد. أعرف
أن حباً وفرحاً كبيرين فاضا من قلبك حين وطأتْ
قدماك أرضَ فلسطين، وأن رجاءك بتناغم فريسيي
ذاك الزمان مع نبض معرفة قلبك سيحرِّرهم
وينقذ الزمن الآتي من فكرهم المغلق. وتغيَّر
الإنسان – ولو قليلاً – في العالم كلِّه،
بينما استمر الفريسيون على تحجُّرهم، ضامرين
السوء، ساعين أبداً في إفناء الآخرين. قبضوا
على حلمك وعلى فكرك. كم تألَّمتَ لجهلهم، وكم
وبَّختَهم وثُرتَ على غبائهم، حتى قبضوا عليك
وصلبوك، فغدوتَ رمزاً للنور والمعرفة
المهدورة على يد الجُهَّال، وغفرت لهم لأنهم
جهلة لا يفقهون من الحياة إلا شهوتهم الحارقة
للمال وللتسلُّط وللدم، ولقسوة قلوبهم، كما
قلت لهم مراراً. أعرف
أنك حزين اليوم، يا سيد، لأن شعب فلسطين، مثل
شعب جنوب لبنان بالأمس، يدفع ضريبة الدم مرة
أخرى، واقفاً في وجههم الشرس الذي لم تلطِّفه
نسائمُ الأرض الطيبة السليبة ولا ماؤها ولا
شمسها ولا أثيرها. وحدهم بين شعوب الكوكب لا
يرقُّون ولا يعرفون ولو بعض حنان، ولو بعض
علاقة أخلاقية بالإنسان وبالأرض. حزين
اليوم، وأنت في قلب كل كائن بشري تطرق بابه
قائلاً: "لنتعارف من جديد خارج العصبية
الدينية والتكرار لظلام الزمن القديم."
وأسمعك تردِّد: "أنتم في وحدة مع كلِّ
الوجود... اعملوا على إيقاظ وعيكم فرداً
فرداً، وستدركون كم أن الحقيقة تجمعكم فرداً
فرداً وكلَّ عناصر الحياة." لعلَّ
الفريسيين يدركون حينئذ أن عليهم، لو شاؤوا
الانتماء إلى المجموعة الإنسانية، كسرَ جدار
التوحُّش الدموي المدمِّر المعدي – فالعدوى
انتقلت إلى أمريكا –، ذاك الجدار الذي يغلِّف
قلوبهم، فيتوقفون عن صلب البشرية جمعاء على
مرِّ العصور. يا
سيد، أعرف أنك حزين اليوم. فهل ستغفر لهم
بعدُ؟ *** *** ***
|
|
|