|
الثقافية
الحوارية للقرن الجديد
عبود
كنجو
محمود
منقذ الهاشمي
ركَّز
المحاضر على عدد من التساؤلات التي تشكِّل
صلب الموضوع وهي: كيف يمكن العكوف على خلق
ثقافة حوارية تقوم على التعددية واحترام حقِّ
الآخر في الاختلاف؟ وكيف يمكن أن تكون
للثقافة حواراً؟ وهل نفي الآخر متأصِّل في
طبيعة الثقافة؟ أم هو نتيجة للتحريف
المتعمَّد والتلاعب؟ يرى
المحاضر أن الثقافات جزء من تراث البشرية
المشترك، تتجدَّد وتثرى من خلال الاحتكاك
بقيم الشعوب الأخرى ومنقولاتها. لكن المؤرخ
البريطاني الأشهر أرنولد توينبي يرى أن "تقبُّل
ثقافة أجنبية مهمة مؤلمة ومحفوفة بالمخاطر"؛
إذ يبرهن التاريخ على أن المواجهات الثقافية
كثيراً ما كانت محمَّلة بصراعات السيطرة
والعنف والمذابح حين تحاول ثقافة أن تُخضِع
أخرى، وأن العنف الذي نراه من حولنا هو دليل
أن على البشرية، من الآن فصاعداً، أن تتخطَّى
النماذج التدميرية للمواجهة الفكرية. ويرى
المحاضر أيضاً أن الثقافة تُمَظْهِر وجهين
متغايرين: أحدهما المعنى الأصلي لكلمة "ثقافة"،
وهو تربية الحياة الداخلية للبشر وسموِّهم
الروحي؛ والآخر فرضٌ عدواني غزوي، ينشر
الاستياء ويبذر بذور الصراع المستقبلي.
والجانب الغزوي العدواني هو الثقافة
الإمبريالية التي انجَدَلَتْ مع السياسة
الاستعمارية في عصر الحداثة التي تزيِّنها
وتقدم التسويغ لها. إنها مثال على الكامن
العنيف للثقافة، في القصد وفي التطبيق على
السواء، بوصفه النذير الأساسي التصوري للحرب
وعنف الهيمنة الاستعمارية. ويحلِّل
المحاضر النسبوية الثقافية cultural
relativism – هي من
المواريث الفكرية الهامة للنصف الأخير من
القرن العشرين – التي تفكِّر محاوِلةً
الحكمَ في شأن ثقافة بقيم ثقافة أخرى، أو
لترتيبها وفقاً لمخطَّط هرمي، بحيث لا تزدري
الثقافات الأخرى، كما هو الأمر عند
الإمبرياليين. لكن المحاضر يردُّ على أطروحة
النسبويين بأن مجرد الإقرار السلبي أو القبول
الضنين بالثقافات الأخرى لا يكفي للتعامل مع
السمات التدميرية للثقافة الإمبريالية التي
أبقت، على مرِّ الزمن، على منطق الاستعباد
والمجابهة. إن هذه النسبوية تضلِّلنا بمقدار
ما تضلِّلنا التوتاليتارية المتطرِّفة؛ وهي،
بالتالي، ترفض مهمة الإسهام في تعايش الشعوب
المختلفة. تحت
فقرة "من العالمية الثقافية إلى العمومية
الثقافية المتبادلة"، يرى المحاضر، من
خلال إيراد فقرات من كلام القائلين بعمومية
الثقافة، إن وقائع عالم كهذا يمكن أن تُفهَم
فهماً أفضل بالتركيز على مسائل الهوية
الثقافية الأعمق بدلاً من الطبقات الأشد
سطحية للتحديدات والهموم السياسية. ويستشهد
بمقولة توينبي حول مصطلح "حركات التاريخ
الأعمق والأبطأ" التي ليست قابلة للعلاج
بمجرد الوسائل السياسية، حيث إنه يجري على
هذا المستوى العميق استدعاءُ تحوُّل في
الأنموذج paradigm
نحو منظور ثقافي تبادلي، ضمن إطار المجتمع
المدني الكوكبي، كالمنظمات غير الحكومية
التي تدفعها روح طوعية قوية تسري بين الناس
أنفسهم. فهناك إمكانات كبيرة لتفاعل هذا
النوع من العمومية الثقافية التبادلية مع
المبادرات السياسية المتطلِّعة إلى الأمام،
ودعمها على أساس تقدير دور كلٍّ منها وقوته
والاعتراف به. وتحت
فقرة "قدرة الشخصية" يرى المحاضر أنه لا
ينبغي أن يغيب لنا عن بال أنه، مهما بلغت
تكنولوجيا الاتصال من التقدم، يظل يُحسَب
للناس حسابُهم. فالفرد هو العامل الحاسم
بوصفه مبدع الثقافة والمدافع عنها. وهنا تطرح
مسألة نفسها: هل يمكن للحركات الشعبية أن تكون
ناجحة في إحداث ثقافة حوارية تنجح في تخطِّي
التعلق المفرط بالاختلاف ذي الجذور العميقة
في نفسانيَّة الأفراد، ومن ثم إدارة الحوار
على أساس إنسانيتنا المشتركة؟ يجيب
المحاضر: في القرن العشرين تبارت
الإيديولوجيات المختلفة تبارياً عنيفاً من
أجل السيطرة، زاعمة أن محو الاختلاف هو
السبيل الأنجع لاستئصال الشرور وحلِّ
تناقضات المجتمع. وقد كُتِبَ تاريخ القرن
العشرين بدماء ضحايا هذه المثل الوهمية. فلكي
تكون الإصلاحات فعالة لا بدَّ أن تدعمها ثورة
في الوعي، مفادها نشوء نوع من الإنسانية
الشمولية التي تتخطَّى الاختلافات من الداخل.
وهيهات أن يتحقق الحلم بالمساواة الحقيقية
قبل أن يضرب الإدراك المتجدد لإنسانيتنا
المشتركة بجذوره في أفراد المجتمع كلِّه. وفي
النهاية فإن القوانين والمؤسَّسات يخلقها
البشر، والبشر هم الذين يصنعونها، وينفذونها.
فإذا أهملنا القيام بتعميق الشخصية الداخلية
للأفراد وبتطويرها ليس من المتوقَّع لأرقى
نظام أن يؤدي وظيفته. ويرى
المحاضر أن الحوار موقفٌ من العالم المتعدد.
والتعددية، برأيه، هي أن يعتقد المرء أن
الحقيقة والقيم متعددة الأبعاد، بحيث لا يجوز
لأيِّ فرد أو جماعة الإدعاءُ الواعي بامتلاك
أكثر من بضعة وجوه لأيٍّ منها. وعلى هذه
التعددية أن تتوصل إلى فهم مؤدَّاه أنه برغم
كل التنوعات الثقافية يجب أن تكون ثمة معايير
عبرثقافية trans-cultural
(= تتخطَّى الثقافات) وتتعامل جوهرياً مع
الحياة وسلامة كلِّ البشر – وإلا فليس هناك
معنى لكوننا بشراً. وهكذا تختلف التعددية عن
كلٍّ من النسبوية الثقافية والشمولية
المتطرِّفة، فتتصف التعددية بالشمولية
النسبية، حيث هناك مجال للتقاطع تلتقي فيه
الاتجاهات المتعددة من مختلف الثقافات. وقد
خَلُصَ المحاضر إلى نتيجة مفادها أن الأمم
المتحدة أطلقت على عامنا الحالي "عام
الحوار بين الحضارات"؛ ولكن الذي يجب أن
يسترعي الاهتمام هو أنها أطلقت عليه كذلك "عام
التحرك ضد العنصرية والتمييز العنصري ورُهاب
الأجانب وما يرتبط بذلك من التعصُّب". لقد
أدركت الأسرة الدولية تلازم المسارين. فالعمل
من أجل حوار الحضارات يجب أن يسير يداً بيد مع
محاربة العنصرية بكلِّ مظاهرها، والخوف
المرضي من الأجانب، وكلَّ أشكال التعصب. فلا
مجال لتحقيق الحوار دون المضي قُدُماً في
طريق محاربة التعصب والعنصرية. *** *** ***
|
|
|