|
صَمْتٌ...
في أوْرِدَةِ المَدينَة
رزان
عز الدين
ربَّما مازالتِ
الحياةُ تَجري في أوردةِ المدينة الناسُ مُبهَمو
المَلامحِِ الأبنيةُ ميْتةٌ والأملُ مختبئٌ
في اللَّحظاتِ الحَزينة كانت تجلسُ على
السَّريرِ تمدُّ قَدمَيْنِ
ناحِلتيْنِ، وجسداً يَتوارى خلفَ ترنُّحاتِ
الثوبِ الشاحبِ ، وصدرَها الذي
يفرضُ نفسه بجرأة مرَّتْ بعينيها
عبرَ غبارِ النافذةِ إلى أناسٍ
غارقينَ في أسِرَّةٍ يمارسونَ المرضَ
ويداعبونَ هذيانَ السَّأمِ.
أكياسُ السيروم كثيرةٌ لا تثيرُ
انتباهَ أحدٍ و الممرضاتُ
يتمايلنَ، لا يعنينَ شيئاً غيرَ الموتِ
المنسلِّ خُلسة رجلٌ هَرِمٌ
قابعٌ في زاويةِ الغرفة متعتعاً
بالتعبِ، يبعثرُ رسائلَ لا يردُّ عليها
أحدٌ، دموعُه يابسةٌ تبعدُ نداءاتُه
المؤلمةُ اللامعةُ في عينينِ تبرقانِ
بالانتهاء حملتْ المرأةُ
صمتَها، والنسيانُ لا يتنحَّى عن
أيامِّها الخمسة والأربعينَ
العابرةِ، وأوراقُها الصفراءُ تروي
حكاياتٍ متكسِّرة عندما صَحَتْ في
الثامنةِ صباحاً رتَّبتْ جسدَها
في جينز ضيِّقٍ وقميصٍ متسكِّعٍ.
لم تكن قاسيةً بل مضمَّخةٌ
بالفرح يومَها كانتِ
الشَّمسُ تلقي تحيَّتَها من
الغربِ السماءُ، الأرضُ
تائهان في توليفةٍ
متَّهمةٍ بالمراهقة الناسُ فراشاتٌ
ملوَّنةٌ المآذنُ
الكنائسُ تغنِّي لإلهٍ يصنعُ الزهورَ،
ينثرُها على جسدِ امرأةٍ ورجلٍ امتزجا
معاً برشاقةٍ اتخذتْ
مكاناً في الميكرو – باص. لم يكن يزفرُ
دخاناً أسودَ؛ كان يرسمُ
أقواسَ قُزَحٍ والنوافذُ
تختلفُ كثيراً لم يكنِ
الرِّجالُ يبصقونَ في الشوارعِ، كما
العادةُ، ولم تكنِ النِّسوةُ
يختبئنَ وراءَ سِتاراتٍ سوداءَ
ويصنعنَ سُبُلاً لحمايتهنَّ يعلو صوتُ
المذياعِ العجوزِ. لم يُخبرْ عن
فيضانٍ، ولم يُعلنْ زيادةَ
الأسعارِ، لم يُشِرْ إلى جرحى أو موتى نحن الآن في
كوكبٍ منقرضٍ الصورُ
المرتعشةُ كثيرةٌ تُنعِشُ الزمنَ الهاربَ
وتخلقُ تاريخَها جسدُه معبَّدٌ
غيرُ صالحٍ للعبادةِ عانقَها حتى
تناثرَ منها قلبُها و شفتاهُ جزيرةٌ
تكفي للحياةِ أحبكَ! وأوغلتْ
في العشقِ واعترفَ لها
بالحياة. لكنَّه ظلَّ يتنحَّى النورُ
من الاقترابِ منه أما هي فالصمتُ
والعزلةُ لا ترسمُ سوى ملامحَ
فَقَدَها عندما دخلتِ
الفتاةُ ذاتُ العينينِ الخضراوينِ،
أيقظتْها من صُوَرِها الكثيرةِ. حاولتْ
أن تحوِّر صمتَها. كانت
تعلمُ أنها يجبُ أن لا تأتي؛ فهي
ذاتُ حزنٍ ثملٍ مفقودةٌ – كما
تقول دائماً. ودَّعتْها واختفتْ بعيداً. حملتِ المرأةُ
بدورِها أوراقَها الصفراءَ وغرقتْ
في سريرِها أدارتْ عينيها
عبرَ غبارِ النافذةِ استلقتْ.
وانهمرتْ دمعتانِ محروقتان ***
*** ***
|
|
|