احتمالات 1

 

أميرة سلامة

 

 (1)

من طرقٍ ليست سويَّةً

وعْلٌ أعمى طلعَ

عن غيرِ قصد

طرقتْ فروعُه الفضِّيةُ

جرارَ الغيمِ

فجَأَرَ

خوفاً غصَّتْ به حنجرةُ السماء

وسالتْ خواطرُ جرارِها

حروفاً مفكَّكةً

بلغَتْ أذنَ المدينةِ

قابليةَ نارٍ وثلجٍ

وتفاريقَ عواطفِ مطر

 

(2)

لم يكن يصلُ ما بينك وبيني غيرُ ظنِّ هواء،

وعلى جسدي المسيَّجِ بالعتمةِ بصمةُ ضوءٍ

وأربعةُ قمصانٍ من فصولٍ تتكرَّر.

ولما على بعضي التويتُ، امتدَّ رداؤك الشَّفيفُ البنفسجيُ، لعزلةِ خطوتي، جسراً خشبياً، وشعلتين، من بينهما سبقتَني ومرقْت.

لم أرَ إلا ظهرك، ويدُك تشيرُ إليَّ كي أتبعك.

كأنك قرَّرت التوغُّل في دهاليزي البعيدة، جاذباً ما لك فيَّ، فتحوَّل إصبعُك في الهواء جبلاً شاهقَ الحزنِ والفرح.

اختفيتَ...

فشدَدْتُ سهامَ مائي إلى قوسِ الرِّيح، ونمتُ خِفْيةً في سريرِ سَحابِك.

 

(3)

بمكرٍ

كان الهواءُ يقلِّب براحتيهِ

ذاكرةَ مائي

خجلةً من مَكْرِه

من حدودِ الرِّمال

أنها ليست تكفي

زبدَ روحيَ المتناثر!

 

(4)

مائدةٌ مفتوحةٌ

هو الكونُ

فهل تنتقي؟

 

(5)

ثوبُ سلحفاةٍ وذاكرةٍ

إذا غابتْ في أعماقِها

فالسلحفاةُ تلك والشاعرُ

قصيدةٌ واحدةٌ

من وَجَعِ العودةِ

أبياتُها

من قلقِ الخروجِ

القافية

هل سبقتْني

إلى رحمِ أمِّي ذاكرتي؟

هل تَكَوْكَبَ أولاً ثوبُ السلحفاةِ؟

ها هي ببطءٍ فريدٍ تجرُّه أينما تذهب

ربما كان عزلتَها

أو ذروةَ عزائها

ذلك التَّرحالُ تحت انحناءاتِه

وفواصلِه الوهمية

بدايةُ الخطوةِ عتمةُ شرودٍ

الثانيةُ حزنٌ عميقٌ

الثالثةُ سفنٌ من أسئلةٍ

عنيفةٍ توغلُ فيَّ

كسوسٍ تنخرُ خشبَ طفولتي

تقرضُ أثوابي العتيقة

فأعودُ عاريةً إليَّ

 

(6)

شاعرةٌ ومدرَّبة

أتُرى سئمتْ كلماتي

فسحةَ البياض؟

انظروا إليها تنزلُ من سطوري حافية

وتصوَّروا كيف سيكونُ الأولادُ

فوق ورقةِ الملعبِ

قصائدَ ملوَّنة

أبياتُها

تمريناتٌ وصفَّارةٌ حازمة

واللهاثُ القافية

 

(7)

رحلَتْ...

ولم تأخذْ معها

عباءةَ صلاتِها البيضاء...

الكلمات!

 

(8)

أصابتِ اليومَ سفينةُ الشِّعْر

إذ ترنُّ خلاخيلُها

ترحلُ فيَّ

فما أنا سوى موجٍ

تزوَّجتْه الرِّيح

عبثاً يبحث عن وجهكَ

لا يستريح

إلا إذا غمسَ إصبعَه

في حبرِ ليلك قمر!

 

(9)

وَهَبْ أني شيطانٌ

تقنَّع بملاك

أيعمى عن الحقيقةِ

من تشبَّه بالإله؟

كفَّ عن غربلةِ وجوهٍ

تفيض بالضَّوءِ

بالماء

وجوهٍ حيناً تلامسُ الجليدَ

حيناً تضجُّ بالنَّار

وأنتَ لا هذا ولا ذاك

بل حرفٌ فاترٌ بين اللُّغات!

 

(9)

ابتعد أكثر أيها المرفأ

لأظلَّ فيَّ أرحل!

 

(10)

أيُّها العشَّاقُ

دعوا ليَ النَّوافذَ مشرَّعةً

افتحوا الأبوابَ

خلُّوا لي رشفةَ نبيذٍ

وقضمةَ تفَّاح

سيجيء بعد قليلٍ

الغروبُ

فهل لي على أرضِكُم مكان؟

 

(11)

ذكرى

 

كانت مثل العلامة

بين صفحاتِ كتابِها المغبرَّةِ

فراشةٌ برتقاليَّة

والبنِّي الغامقُ بشدَّة يرقِّشها

رغم كلَّ شيء

كأنَّها ما تزال ناضجةً

عيناها

جناحاها

حتَّى قرناها وأطرافها

فقط...

لو تدبُّ فيها الحياة

آه...

كم كانت جميلةً... جميلة

خلف موتِها!

 

(12)

عشق

 

أعيش مع خيط أرقَّ بكثير

من شفتي رضيعٍ

تتفتَّح على المعنى للمرَّة الأولى

خيطٍ لا شكلَ له

ولا اسم

ينسلُّ خُلسة

في سقوطٍ حرٍّ

مجهولِ الهوية

جميلٍ مثل نومٍ عميق

يصافح بُعْداً موشوماً

باحتمالاتِ تغيِّر الفصول

لغة مباغتة

لا تستثيرُ مرارةً ولا حلاوة

لا رفضاً ولا قبولاً

صدى خائن لتوأمه

ماذا يريد أن يقول؟

لحظةٌ عالقةٌ ما بين خريفٍ ناقصٍ

وربيعٍ مجنون

يصرُّ ألا يُطلقَ على صدري الفَراشَ

حتَّى يقرعَ، بلا رنين، أجراسَ الطفولة

 

(13)

قُيِّدت ضدَّ مجهول

 

قبَّعة من عتمةٍ يلبسُ هو

هي تلبسُ عباءةَ المطر

التقيا بالأمس

في حفلٍ أقامَه الهواء

ضحكا ورقصا

حتَّى غرقتِ البيوتُ

انقطعتْ أسلاكُ الكهرباء

وتدحرجَ حَجَر

ولمَّا أتى الصُّبحُ قاضياً

افتتحَ بعرفِ ديكِه الجلسةَ

استدعى الأشجارَ شهوداً

قرعَ أجراسَ الطُّيور

كلِصَّينِ على رؤوسِ أصابعهما

كانا انسحبا

في ليلة لا تتوسَّمُ ضوءَ قمر

 

(14)

تعرَّ يا صبحُ

وبطيفِها النَّائي التحفْ

فرحي،

إذا أقبلَ عصفورٌ

جرَّ بذيلِه منديلَها

وعَقَدَهُ على غصنٍ

مولَعاً بالثَّمر

فرحي،

إذا أقبلَ الغسقُ ساهياً

مَدَدْتُ جسدي خيطاً

في إبَرِ انتظارها

أنسجُ حولها خياماً ريثما تأتي

لكنَّها لم تأتِ

فعرفْتُ أن وجهَها

قد سبحَ بفضاءٍ غيري

وفي علبةِ الخياطِ

توارى زغبُ خيطي

توارتْ صدئةً جميعُ الإبر!

 

(15)

محاكمة

إهداء إلى صديقة

 

لستُ شفَّافةً

بل كثيفةٌ كالضباب

ماكرةٌ كالذِّئاب

ضميري أشبهُ

بيهوذا يفضِّل الانتحارَ

على الاعترافِ بالأخطاء

لي عشقٌ عتيقٌ

بالتسلُّطِ

فأطلقتُ من رأسي أفاعي ميدوسا

فتحتُ صندوقَ الشُّرورِ مثل باندورا

قصائدي هروبٌ في هروب

صديقتي شقراءُ حتَّى الجنون

هل تحبُّني أقصى الصَّحارى؟

هل تكرهُني إلى حافَّةِ الفتور؟

ليكنْ ما يكون

غيَّرْتُ اسمي

شكلي

أمام مذبحِ تيهي

ركعتُ

قرأتُ النُّذور

فاعتمرَتْ هي قبَّعةَ شرطيٍّ بيضاء

أوقفَتْني

والإشارةُ خضراء

كتبَتْ بحقِّي محْضَرَ ضبطٍ

تمنعني أمام عينيها

الجافَّتين من المرور!

16/12/2001

***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود