بكلِّ ملكوت الآن

 

معن عبد السلام

 

(1)

في مستنقع الأملِ الهائلِ لا تتميَّزُ عتمةٌ من عتمة. كلُّ الظِّلالِ موجودةٌ تبحثُ عن ذواتِها.

كلُّ ظلالِ الكونِ في مستنقع الأملِ نغمةٌ تُحاكُ بدقةٍ وفضيلةٍ كبيرة.

في مستنقع الأملِ فرسُ ماءٍ يرقصُ على إيقاع موجةٍ متلاحقة، وحَبَّارٌ يطوي نفْسَه كلَّما اجتاحتْه صعقةُ شوق.

ماردُ المستنقعِ والكائناتُ ببطءٍ تسير، ببطءٍ تولدُ وتموت، تفنى أجسامٌ وتُكسى أجسام، غبارٌ وعناكبُ تشبكُ خلاصةَ التجربة.

وأبي ذاك المستنقعُ الكبير، كبشٌ هاجعٌ في ما بعدَ الظهيرة، يتأمَّلُ الغروبَ وانكشافَ الظِّل، يتأملُ رجوعَ الأنجُمِ والنفسِ العتيَّة.

يحرِّكُ قرنيهِ فتتمايلُ الأعشابُ، يحرِّكُ أنفَه فتموجُ المياه.

أبي – ذاك الأملُ الكبيرُ – وضعَ إصبعَه فوق الجرح... فوق الجرحِ تماماً... وصارَ يبكي، صارَ يختلي بنفسِه ويبكي فوق خشبِ الأرْز.

26/5/1999

***

 

(2)

ليس الأمرُ سهلاً حينما نفسُك تَنزَع.

كان ضجيجٌ وقرقعةٌ كثيرة. كانت ملياراتُ الخلايا تتدافعُ، تتقاتلُ، تلتهمُ الواحدةُ الأخرى.

أمطارٌ غزيرة، مستنقعاتٌ وأزهارٌ لا تكتمل.

ليس الأمرُ سهلاً أبداً حينما التقصِّي لا يجدُ حدوداً لتقصِّيه، حينما التلمُّسُ أعمى. لكن البهجةَ أنَّه حاضر... أعمى وحاضر.

ليس الأمرُ سهلاً حينما لا بدَّ من مكيدةٍ بين خليَّةٍ وأختِها، بين قاتلٍ ومقتول، بين حَمَلٍ وزَرْع.

عرفتُ النصلَ فقتلني، وها أنذا قد عدت. فهلا قتلتَني، هلا أعدتَ الكرَّةَ لأُقتَلَ بحدِّ نصلِك
يا أخي، يا أختي الخليَّةُ السابقةُ إلى العنف... أحببتُ عنفَكِ فقتلني. أحببتُ صمتَكِ فقُتِلت.

ليس قاتلي بمحدود، ليس هو بمُغامِر، وليس له أكثرُ من يد.

قاتِلتي توالَدي تكاثري.

تُفتَحُ زهرةٌ بين حصاتين. غناءُ قبَّرةٍ بعد رحيلِ فراخِها.

كانت عتمةٌ خانقةٌ وكانتِ الفرحةُ مضيئةً كان الحبُّ طريقاً وسهلاً قرميدياً بنفسجاً وسهلاً قرميدياً.

صرنا حزمةَ عشبٍ صرنا طاقةَ وردٍ وخلايا دَمٍ تفورُ تتحرَّرُ تنسى وتتحرَّرُ تنسى وتتكوَّرُ إلى ما لا نهايةَ من الدورانِ والتحرُّرِ والنسيان.

هل كان سهلاً ذاك الذي ركضتُ فيه وقدماي مسيَّجتانِ بالسَّنابل؟!

هل كان فيضاً – فيضاً هائلاً – ذاك الحلمُ تحت شجرةِ جوزٍ كبيرةٍ كإلهة، تمرِّر النورَ ولا تفرشُه تمرِّرُ الحبَّ والروعةَ ولا تبدِّده.

ليس الأمرُ سهلاً حينما نفسُك تنزَعُ للسكينةِ للحبِّ للتحرُّر.

ليس قاتلي بمحدودٍ بل شفقٌ هائلٌ نورٌ وفيضٌ هائل.

26/5/1999

***

 

(3)

وكأني قُذِفتُ آلافَ الأميالِ في الهواء

أدري لا أدري شيئاً بعد الآنَ كلُّ المعارفِ كلُّ الحكاياتِ وقَصَص الكونِ كلُّ الألوانِ باهتةٌ أمام ضميرٍ حي

ما الأنهارُ تفيضُ تفيضُ وقلبي أزرقُ ينتظرُ معونة

أنقِذوهُ دعوهُ يحيا يتجدَّدُ يلبَسُ رِداءَه السَّاحر

دعوا ما أنشأتِ الحياة

حبٌّ بغضٌ وقومٌ لا يتنازلون

أعرفُ الصوتَ عندما يأتي عن يساري فأدركُ ماضيَّ كلَّه أدركُ آلافَ السنينِ من الحرمانِ والتوقِ من التهيُّؤ والتفتُّحِ وأدركُ هذا النبضَ الذي لا يتوانى يدقُّ أبوابَ الحياةِ فتُفتَحُ له الأبوابُ مصاريعُ كثيرةٌ كانت مقفلةً بل أكثر من ذلك حتى غير موجودةٍ مختفيةٌ متَّشحةٌ بالظِّلِ والأخضرِ العاتم

كانت الرغبةُ خطوةٌ أولى رغبةٌ بعدمِ الكسلِ بالوقوفِ والانتصابِ رغبةٌ حميمةٌ أصابتْني برعشةٍ باردةٍ حنون

بدأتِ الشموسُ تشرقُ صارتِ الأرضُ ملأى بالعشبِ والسكَّر

والسماءُ أمطرتْ قلوباً مياهاً وشوقاً غامراً

أمِّيَ الأرضُ هَبيني ذاتي كي لا أعلوَ عن صدركِ أمِّيَ الأرضُ حليبي صمغُ شجركِ

وتوقي تَسامٍ لا تحدُّه سحبٌ لا يحدُّه مدى

وكأني البارحةَ وكأني الغد أكادُ أرى كلَّ الأزهارِ تتفتَّحُ كلَّ الفراشاتِ

تطيرُ ولا يبقى في العالمِ زحامُ أنفُسٍ ومناراتٌ لا حُجُبَ... لا حُجُبْ...

فيضٌ وفيضْ... تاريخٌ منفصلٌ... عن ذاتِه لا ماضيَ له لا مستقبل

تاريخٌ هو الآن... الآن... بكلِّ ملكوتِ الآن... بكلِّ الفيضِ والحبِّ الذي لا ينضب

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود