|
معجم
مصطلحات الألوان ورموزها
المعاني
المستدامة منذ الإنسان البدائي
وضاح
يوسف الحلو
معروف
عن جان مخايل صدقة جديَّته ورصانته في تناول
الموضوعات المتنوعة. هكذا عوَّدنا دائماً،
وهكذا هو اليوم، إذ نتواصل معه بدقة ميزان
الجوهرجي في مؤلَّفه الجديد معجم مصطلحات
الألوان ورموزها*
الصادر حديثاً ضمن سلسلة الكتب التاريخية–الدينية
التي وضعها المؤلِّف إلى اليوم. والمبحث
الجديد مكمِّل لكتابَيْ رموز وطقوس –
دراسات في الميثولوجيا (1989) ومعجم الأعداد
– رموز ودلالات (1994)، المؤلَّف–المعجم
الذي يوضح أبعاد العلاقة بين الإنسان والعدد
لدى مختلف الشعوب على طريقة الفيثاغوريين (القرن
السادس ق م) الذين اعتقدوا أن الأرقام هي التي
تحدِّد جوهر الأشياء. وقد رأى الباحث، مثلما
رأى الفيثاغوريون، أن تناغم الأرقام هو
القانون الموضوعي الذي يؤثر في جميع مظاهر
الحياة على شاكلة الألوان. جَذَبَ
اللونُ الإنسانَ البدائي بعدما كان مصاباً
بعمى الألوان؛ وأول لون استهواه هو الأبيض،
تلاه الأخضر، قبل أن يلحظ التناقض الكلِّي
بين اللونين الأبيض والأسود. وبعد تلك
المرحلة البدائية (أي ما قبل التاريخ) انغمس
الانسان في لعبة الألوان إلى حدِّ أن
الديانات القديمة اعتبرت اللون رمزاً
مقدساً، حتى أصبح الأبيض رمزاً للعفَّة
وللطهارة، والأسود للحزن وللموت، والأزرق
للوفاء، والأصفر للخبث والحسد، والأحمر
للعنف، والأخضر للرجاء. ومن ألوان قوس قزح
السبعة استخلص الإنسان رقم 7 لحسن الحظ
والطالع الجيد. فالجديد الذي أدخله صدقة على
علم الألوان ربطُه الوثيق بين اللون ورموزه
على أساسِ كونية الألوان، والاهتمام بها لدى
كل الشعوب. والألوان
ترافق أو تواكِب تطور العلم؛ إذ نلاحظ مدى
أهمية اللون في صناعة السيارات أو النسيج،
حيث نرى حزمة لونية خارجة على المفهوم
التقليدي للألوان، تأخذ في استعمالاتها
الشعبية بلاغيةً متداولة مثل: لون جردوني،
لون زهر هندي، لون فوشيا، لون بني محروق، لون
زيتي – وكل ذلك يعني أن لا حدود للغة الألوان.
والألوان متناقضة؛ ولو مُزِجتْ أو خُلِطتْ
بعضها ببعضها الآخر لحُزْنا على لون جديد
تماماً. ويرى
المؤلف أن الألوان تمثل رمزية متعددة مثل:
رمزية كونية، أو رمزية بيولوجية، أو رمزية
فسيولوجية، أو رمزية بسيكولوجية، أو رمزية
وطنية–جمالية، كما هو الأمر بالنسبة إلى
عَلَمَ دولة الكويت المستوحاة ألوانه من بيت
شعر لصفيِّ الدين الحلي القائل: بيضٌ صنائعُنا، سودٌ
وقائعُنا خضرٌ مرابعُنا، حمرٌ
مواضينا ويقول
جان م. صدقة عن عذراء بيروت: "إنها الجدارية
الأولى التي تعود إلى الحياة بالألوان نفسها (أحمر
غامق، أخضر، غيوم عاجية). وقد بدأت العودة
بعدما باشر الفريق الروسي عمله بالمعجون."
ومن ألوان عذراء بيروت نَصِلُ إلى لون كفن
السيد المسيح الذي كان أبيضَ ناصعاً. وفي
الإيقونوغرافيا المارونية نرى أن الأحمر
للاستشهاد. أما في الإيقونوغرافيا
الأرثوذكسية فنرى أن اللون الذهبي يرمز إلى
مجد قيامة العالم. وأما في المعتقد الإسلامي
فنرى أن اللون الأسود يطرد العين الحاسدة،
ويرمز الأبيض إلى النور، والأصفر يرمز إلى
الشمس. كانت
العرب تزهو بالبياض، وتمدح به نساءها
ورجالها، كما قال الشاعر حسان مادحاً آل جفنة: بيضُ الوجوهِ كريمةٌ
أحسابُهم شُمُّ الأنوفِ منَ
الطِّرازِ الأولِ كما
تدَّعي العرب الحمرة، كما في البيت الآتي
لأبان بن خالد الكلابي: ورثنا أبانا حمرةَ اللونِ
عامراً ولا شيء أدنى للهجانِ من
الحُمر ويرى
المؤلف أن "للَّون القدرة على إحداث
تأثيرات نفسية على الإنسان، إذ إن لديه
القدرة على الكشف عن شخصية الإنسان؛ ذلك لأن
كلَّ لون من الألوان مرتبط بمفهومات معينة
ويملك دلالات خاصة. وعن طريق "اختبارات
الألوان" يمكن تحليل الشخصية تحليلاً
يتضمن تقويم القدرات وبيان الحالات العاطفية
والفكرية". واللون
لغة قائمة على نحو مستقل كأن نقول: اللون لغة
السجاد، أو لغة البيوت، أو لغة السيارات، أو
لغة التطريز. وقد اهتم الإيرانيون كثيراً
بلغة السجاد، حتى بلغت هذه اللغة مستوى غير
مسبوق من الإتقان. ويرمز السجاد الأحمر الذي
يُبسَط أو يوضع في المطارات لاستقبال الملوك
أو رؤساء الجمهوريات إلى التكريم والاحترام؛
وهي عادة تسود معظم البلدان. ومثل لغة السجاد،
كذلك لغة الأزهار التي تحمل معاني خاصة
موزَّعة على الألوان الطبيعية المتنوعة.
وتزداد لغة الألوان سطوعاً، خاصة إذا اقترنت
بالموسيقى الصوتية أو الأوركسترالية. وهي،
مثالاً لا حصراً، على النحو الآتي: بنفسجي
يعني سوبرانو خفيف، أزرق يعني سوبرانو قوي،
وأصفر يعني تينور. وتستمر
الألوان لغة مستدامة للطبيعة والإنسان. *** *** *** عن
النهار، الخميس 20 حزيران 2002 من مقدمة صدقة لـمعجم
الألوان [...]
لعل اللون من أكثر العناصر إهمالاً من قبل
العلماء والباحثين، لكنه الأكثر غرابة في علم
الأركيولوجيا. وعلى مثال العدد، يملك اللون
الرموزَ نفسَها والمعاني إياها لدى مختلف
الشعوب القديمة؛ وهي مطابَقة تحمل لغة عالمية
مشتركة ترتبط ارتباطاً حميماً بالدين، من
الهند إلى الصين، إلى مصر الفرعونية، إلى
إليونان وروما. وهذه اللغة الغريبة تترافق
حية مع الحقيقة الدينية عموماً، وفي إيران
الفارسية خصوصاً، حيث يقدم مثنى النور
والظلمة أنموذجاً عن لونين يرمزان إلى الخير
والشر، هما الأبيض والأسود. لعبت
الألوان دوراً رئيسياً في فنون الشعوب
القديمة، ورأت مختلف الديانات إلى اللون
رمزاً مقدساً. فالإيرانيون القدماء نسبوا إلى
الكواكب تأثيراً حسناً أو سيئاً، بحسب
ألوانها ودرجة لمعانها. وألبس المصريون إيزيس
ثوباً يتلألأ بأجمل الألوان. وجاء في العهد
القديم أن الرب الإله قال لنوح: "[...] يكون
قوس قزح علامة بيني وبين الأرض [...]." هكذا
وُلدت الفنون الجميلة من الفكرة الدينية،
والهدف تزيين المعابد والهياكل والأماكن
المقدسة بالألوان الجميلة. فكلُّ لون في أيِّ
رسم يجسِّد فكرة دينية. من هنا يستمدُّ اللون
أهميته باعتباره الأسلوب الأول في التعبير عن
هذه الفكرة وترجمتها. أعطت
المسيحية لغة الألوان انطلاقة جديدة، وأعادت
إليها معانيها الأساسية المنسيَّة، وركزت
على أبعادها ورموزها الرئيسية، فازدانت
الكاتدرائيات بالجداريات البرَّاقة، ولبست
الشبابيك أبهى الحلل الزجاجية الزاهية. ونحا
الإسلام المنحى إياه في لغة الألوان، فجاء في
القرآن الكريم: "وما ذرأ لكم في الأرض
مختلفاً ألوانه وإنَّ في ذلك لآية لقوم
يُذكَّرون" (سورة النحل الآية 12). فالألوان
التي تلمع على الأرض تتطابق مع الظلال التي
يلمحها الرائي في عالم الأرواح حيث كلُّ
الأشياء روحية مفعمة بالمعاني. من
شعب إلى شعب، ومن معتقد إلى معتقد، من حضارة
إلى حضارة، ومن دين إلى دين، صار اللون رمزاً
مقدساً في اللغة الشعبية. فما زال الأزرق
رمزاً للوفاء، والأصفر للحسد، والأحمر
للعنف، والأبيض للطهر، والأسود للحزن
والموت، والأخضر للرجاء. وما زالت رمزية
الألوان حية في الديانات التوحيدية تؤكد نبل
أصلها. فالمسيحية تزهو بها في الأيقونات
والجداريات، فيلبس القديس يوحنا ثوباً أخضر،
ويرتدي السيد المسيح والسيدة العذراء ثياباً
حمراء وزرقاء، والرب الإله ثوباً أبيض. وقد
رفع الإسلام اللون الأخضر رمزاً مقدساً على
مختلف البيارق والرايات. أدهشتْ
هذه المطابقة في رموز الألوان العلماءَ
والباحثين، فاستخلصوا منها نقطة جوهرية، ألا
وهي وحدة الديانات في جوهرها الانساني؛
والدليل العظيم يكمن في معنى الألوان
ورمزيتها، وهو المعنى إياه لدى كل الشعوب في
مختلف العصور. هذه الوحدة في الدين تولِّد
وحدة في التجربة الروحية للإنسان في جوهرها،
منذ البدء وإلى الأزل، وتستدعي الإلفة
والمحبة بين الشعوب، فالله خلق الانسان
بالحب، وبهذا الحب عينه واجبٌ على الانسان أن
يكمل مشروع الله. رأى
بعضهم أن الألوان تمثِّل نقطة يلتقي فيها
الفن، العلم، الفلسفة والديانات، فتشكل
جسراً بين الفيزياء والماوراء، بين الطبيعة
والرب الخالق.[1]
وهو أمر يدعو إلى تمجيد الله تعالى في طريقة
خلقه للكون، وفي الجمال اللوني الذي ابتدع به
مخلوقاته كلها على الأرض، خصوصاً الطيور
والفراشات والأزهار والأسماك. ورأى بعضهم
الآخر أن اللون علم قائم بذاته، تماماً مثل
سائر العلوم. ففي ألمانيا كلية مختصة بعلوم
اللون يترأسها البروفسور Harold Wohlforth،
الأستاذ في جامعة ألبرتا Alberta.[2] لعل
هذا المعجم يعد المؤلَّف الأول من نوعه في
اللغة العربية، فيبحث في العلاقة بين اللون
والفكرة الدينية لدى مختلف الشعوب والحضارات
القديمة والديانات التوحيدية. وهو يختلف
بالتأكيد عن سائر الكتب العربية التي عالجت
موضوع اللون في اللغة فقط من الجوانب اللفظية
والعلمية والفنية والتعبيرية والجمالية
والشعرية، وقدمت النظريات التي تعيِّن سلوك
الاستعمال اللغوي لألفاظ الألوان، وربطت هذا
الاستعمال بالتقاليد والعادات والانطباعات
النفسية، لكنها لم تتعرض مطلقاً للعلاقة بين
اللون ورموزه الإنسانية المرتبطة بالدين؛
وهي الفكرة الرئيسية التي يرتكز عليها هذا
المعجم في مصطلحاته ورموزه [...]. *** *** *** *
صدر في منشورات دار أديفا للنشر،
2002. [1]
Le langage des Couleurs, p.13. [2]
L’ influence de la couleur, p. 7.
|
|
|