|
الأمير
الصغير
أحمد
تموز
كتاب جديد من سلسلة "الكتاب للجميع" (دار
المدى، دمشق) وُزِّع مؤخراً مع أحد أعداد
صحيفة السفير. وخلافاً للكتب السابقة
التي صدرت ضمن السلسلة نفسها، ليس هذا الكتاب
من تراث العرب القديم أو الحديث، إنما من تراث
الأدب الفرنسي الحديث. فكتاب الطيار الفرنسي
أنطوان دوسانت إكسوبيري الأمير الصغير (الذي
كُتِبَ في الأصل للأطفال) صار من كلاسيكيات
الأدب الفرنسي، واشتُهِرَ به صاحبُه كاتب أرض
البشر والقلعة. والأمير الصغير
بالتأكيد واحد من أجمل ما حَوَتْه مكتبة أدب
الأطفال. لكن فتنتَه للأطفال لا تقل عن فتنته
للكبار. فهذا كتاب لكلِّ عمر، يرى قارئه فيه،
طفلاً كان أو شاباً أو شيخاً، سؤالَ نفسه،
وحضورَها في العالم، ومعنى وجودها الرَّحب
والإنساني النبيل. وكواكب سانت إكسوبيري عوالم
وأفكار. فهنا الحب، والصداقة، والسلطة،
والعلم، أي كل ما يتعلق بمصائر الإنسان
المعاصر. الرحلة بين الكواكب رحلة بين مصائر،
وملحمة شفافة، نابضة بالتأمل والمعاناة
والبحث عن سرِّ الإنسان وسرِّ الوجود. كل ذلك البحث هو – في آنٍ معاً –
حكاية بسيطة ودرس فلسفي. طرائف وملحمة وجودية.
لعبة خيال ولعبة فكر. رسالة إنسانية ومتعة
قراءة. قلما نجد كتابا اتَّسع حتى صار للأطفال
بمقدار ما صار للكبار، وكان، في وقت واحد،
فلسفة وخبرة، تعليماً ومتعة. ثم إن له، فوق
ذلك كلِّه، سحره الذي لا يمكن وصفه أو تعريفه.
إلا أن سانت إكسوبيري حوَّل البساطة إلى
فتنة، وإلى سفر خيالي بلا حدود، وإلى متعة
آسرة، وإلى نظرة تُلامِس المصائر والمطلق
والمُشْكِل الإنساني في آن. سانت إكسوبيري في هذا الكتاب (وسواه)
يجعل من الحياة نشيداً، واختباراً عميقاً،
واتحاداً بالكون، وملامسة آسرة للمعنى
المحجوب للعالم والإنسان.
وهذه الملامسة
تتجلَّى أكثر ما تتجلَّى في موت الطيار الذي
عاد هكذا إلى كوكبه الأصلي. أما تجربته فكانت في قرارتها
إيجاباً واضحاً. كانت "نعم" كبيرة للعالم
وللوجود، قبولاً للمصير وتعالياً به وعليه؛
تعالياً إلى بطولة جوهرُها التماهي مع
العالم، نشيداً للمحبة والصداقة والإنسان
نفسه.
نقل الأمير الصغير أول مرة إلى
العربية الشاعر يوسف غصوب في ترجمة عكست لغة
مترجمها. ثم نقلته رزان عابد الأخرس في ترجمة
جيدة جداً صدرت عن دار طلاس بدمشق وضمَّت رسوم
المؤلِّف البديعة الرهيفة (لكنْ بالأسود
والأبيض). والآن ينقله ثالثة (؟) إلى العربية
شاعر كبير هو سعدي يوسف، يعيد خلقه بلغته
الخاصة وتجربته الثرية. ***
*** ***
|
|
|