حوار محاضرة: ربنا، لما كتبت علينا القتال؟

 

نرساي أوشانا: بداية أشكر الأستاذة سحر على هذه المحاضرة التي حمتني أنا، كمسيحي، قبل أن تحمي المسلم. أشعر الآن بالراحة.

أولاً، حول منهجية تعليم الأطفال: ليس لدينا منهج لتعليم الأطفال، لدينا منهج لتدمير الأطفال – وهي صناعة أقبح من المعامل النووية، في كل الأديان بدون تمييز.

ثانيًا، ما ذكَرَته المحاضِرة عن أن محمد لم يأت بالإسلام لم يكن انعكاسه علينا كالصاعقة، فأمس كنا نتناقش، أنا والأستاذ محمد، وطرحتُ فكرة مفادها أن كلمة الإسلام، إذا عدنا إلى اللغة العربية، تعني من سلَّم أمره لله في الدنيا والآخرة، وقلتُ له: هناك من سلَّم نفسه لله على شريعة موسى وهناك من سلَّمها على شريعة عيسى وهناك من سلَّمها على شريعة محمد. هناك آية في القرآن تقول "وما كان ابراهيم إلا مسلمًا حنيفًا"، هذا يعني بالدليل القاطع أننا كلنا مسلمون. من الأصح، مثلما نستعمل التسمية الموسوية والتسمية المسيحية، أن نستعمل التسمية المحمدية، و"الإسلام" يكون شاملاً لكل هذه التسميات.

أود أخيرًا أن أقول إن مثل هذا التفكير خطر على الغرب الذي لا دين له إلا النفط والبترول، لأنكِ تحاولين تقديم الوعي على طبق من ذهب للمشرقيين من مختلف الأديان، حتى نفهم أنفسنا ونقول "هذا عدو خارجي".

المهم، لا بد من دعم هذا المنهج من كل أبناء الديانات الأخرى، حتى في أحاديثنا الجانبية.

سحر أبو حرب: فكرة أن الإسلام يمكن أن يكون مسيحيًا ابراهيميًا... إلخ! هي فكرة تفرقنا أيضًا. ما أدعو إليه هو أن تؤمن باللاأذى، وليقل من يشاء ما يشاء. المهم الإيمان بفكرة اللاعنف.

لتعليم الأطفال نحن بحاجة إلى تعديل بعض المصطلحات التي ترد في كتب التربية الدينية المختلفة والتي من المهم أن تصل بالتلاميذ إلى جذر مشترك. إن لم نصل إلى جذر مشترك فسنبقى نقتل بعضنا بعضًا.

محمد العمار: بداية أود أن أشكر مدام سحر على اجتهادها، وأقول إن ما كنا نبحثه خلال يومين، وقد طرح مرارًا، هو كيف نحرر الأديان من المؤسسات؟ كيف نعيد للدين طاقته كقوة تحرير بدل أن يكون أداة قمع؟ بحسب تصوري السيدة سحر عرضت رؤيتها الشخصية ولم تتمكن من تجذيرها أو ربطها بشكل مباشر بالدين لأنني أشعر بأن هناك نوع من "التدليس"، إن كان من الممكن استخدام هذه الكلمة، عندما نقول إن الإسلام هو كف الأذى. هناك حديث يقول "المسلم من سلم الناس لسانه ويده"، ولكن، ماذا صنعت المؤسسة بهذا الحديث؟ المؤمن مثلاً "من أمنه الناس" – حديث عن الرسول ص –، ولكن، أين وضعت المؤسسة هذا الحديث؟ المقصود أن الإشكالية ليست أن نتحدث عن تصوراتنا ولكن أن نعيد لما نعتبره منقولات روحية الوهج والضياء.

موضوع الدين: القرآن الكريم يتحدث ويقول "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه". عندما علق الأستاذ ديمتري عن كريشنامورتي بأن الدين وَصْلٌ، هو وصل لإقامة علاقات بين أشياء مختلفة

[حديث متداخل].

عندما تحدثت السيدة سحر عن "من شهد، وزنا وغيره"، هذا موضوع يجب أن يعاد فهمه على أسس إنسانية تنتمي إلى التراث. تسفيه الآخر وتتفيه شيءٌ مستغربٌ صدوره عن لاعنفي، خاصة أنه في تاريخه الفكري يؤمن بـ"لا تكن كابن آدم"، عندما تقول "إن ابن آدم الذي قال لئن بسطت يدك لتقتلني" كان مستفز ومحرِّض. السيدة سحر عندما تقول كَفَرَ لها معنى مختلف من ناحية اللغة، مع تحفظي على علاقة اللفظ بالمعنى، تقول من يقول بمعنى مختلف هو "تافه وسخيف"! هذا غاية الإقصاء، والإقصاء هو أول المراحل. شكرًا.

سحر أبو حرب: شكرًا لك. أنت تقول إني لم أتمكن من تجذير الفكرة. جميعكم لديكم جذور وتفهمون تمامًا ما أقصد، خاصة المسلمون المتدينون الذين يقرأون القرآن. أنا اعتمد على جذوركم في فهمي. بالنسبة لإعادة الفهم، نعم نحن نعيد الفهم في بعض المصطلحات ونريد أن نعيد الفهم في كثير من المصطلحات التي يتبادلها الناس فيما بينهم.

أخيرًا عن موضوع الإقصاء: عندما قلتُ "تافه وسخيف" عن موضوع الفهم المغاير، لم أقصد القائل بل أقصد القول الذي جعلنا في وضع ضبابي. لم نفهم ما علاقة الكفر بالآيات القرآنية. أقرأ القرآن وأجد كلمة كافرون، من هم هؤلاء؟ لا أجد سوى غطى، وهذا التأويل – غطى – قد غطى على القرآن الكريم معان كثيرة. لا بأس إن تزلزلنا لأجل مصطلح فقد يأتي يوم تتصل بي وتقول لي ربما كنتِ على صواب بعض الشيء.

دارين أحمد: لدي سؤال صغير ناتج عن حادثة صغيرة: أحد الشباب المنتمين إلى إحدى مذاهب الإسلام المتعددة، وكما نعلم هناك الكثير من هذه المذاهب، قال ما قالته السيدة سحر في محاضرتها من أن الإنسان الذي لا يؤذي والذي يتعامل بشكل جيد مع الآخرين هو "وسمى مذهبه" لنقل اسماعيلي أو علوي أو درزي أو سني أو شيعي ... إلخ، كيف يمكن حلُّ ما ينشأ عن ذلك من نزاع؟

سحر أبو حرب: طلب الحاضرون أن نقدم لاعنفًا محليًا، وسألوا لماذا نستحضر أفكار كريشنامورتي وغاندي وغيرهم من أشخاص؟ القرآن يحمل فكرة اللاعنف في كل طياته، في كل آياته. أنت انظري من منظار اللاعنف في القرآن الكريم فستجدين هذه المعاني...

دارين أحمد: ألا يمكن البحث عن مشترك لا يحمل هذا المدلول التاريخي. الإسلام كلمة محملة بالتاريخ.

سحر أبو حرب: حتمًا. أنا أقدم هذا الدين الإسلامي الجميل الطيب الذي أؤمن به وأؤمن بالله العظيم الذي أرسله. لدينا أربعون عامًا حتى ذوبان الجليد كما تحدث الأستاذ ديمتري، وفي ظلِّ هذه الأزمة ليس لدينا وقت. نريد أن نقدِّم الإسلام بشكل بسيط سهل هين ولين يؤمن به الخارج والداخل، وبخاصة الأطفال بشكل يصبحون فيه مسلمين لاعنفيين مؤمنين بالله العظيم طيبين ويحبون الآخرين. ليس لدى الأطفال وقت لقراءة كل الكتب التي قرأناها. بالنسبة لهذا الجيل يجب تقديم شيء يفهمه بسرعة وبسهولة بما يشبه المعادلات الرياضية: هذا يؤدي إلى هذا. مثلاً آية "أفنجعل المسلمين كالمجرمين، مالكم كيف تحكمون"، هذه آية مفتاحية في القرآن الكريم، "مالكم كيف تحكمون؟" هذا ما يقوله لنا الله عز وجل بكل صراحة ووضوح: وفق الطريقة التي أريدها سنقول: "المسلمون ليسوا كالمجرمين" هذا قانون، "المسلم ليس بمجرم" "المسلم هو الذي لا يجرم". ماذا تعني جَرَمَ؟ جَرَمَ تعني اقتطع أو قطع، عندما اقتطع من حقك أصبح مجرمة. الإجرام خفي، العنف خفي كصوت دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء. هذا هو العنف، والإجرام جزء منه. "المسلم ليس بمجرم على الإطلاق" من هنا نستطيع أن نستنبط عبر علاقات رياضية بسيطة يفهمها ابنك وابنتك. ليس لديهم الوقت لقراءة الكتب التي قرأتها ليؤمنوا بما آمنت به. علينا أن نقدم لهم إسلامًا هينًا لينًا، وجهًا أبيض يستطيعون من خلاله أن يسافروا إلى كل أنحاء العالم بدون أن ينبذون أو يُفتشون. إن لم نقدم الإسلام على الشكل الذي اقترحه – وهذا ليس لأنه لدي الحق، ولكن خذها فكرة مني وامش بها – سيُغلق علينا. الإسلام بهذه الترتيبة المنطقية التي عرضناها منذ قليل بحيث يؤمن بها الطفل تصل إلى نتيجة أن الإسلام هو اللاإجرام واللاإجرام هو بطبيعة الحال اللاعنف أو اللاأذى. بالتالي الإسلام هو فكرة اللاعنف جاء بها ابراهيم واُمتحن بقتل ابنه – ملة ابراهيم حنيفًا وليس ملة ابراهيم عنيفًا – امتحن بعنف وجريمة قتل.

نادية ظاظا: أردت أن أنبِّه إلى أن مسؤولية كل مسلم هي أن يعلم مرونة الإسلام. هذه مسؤولية كل مسلم.

إيمان ونوس: بداية أشكر الأستاذة سحر على هذه المحاضرة القيمة. في اعتقادي أن من أساء إلى الإسلام هو الإسلام السياسي، وهو المسؤول عن المناهج الدينية في المدارس. فمثلاً، أنا أحد الأشخاص الذي يؤمنون بأن كتاب التربية الدينية يجب أن لا يُدرج في المناهج على الإطلاق، أيًا كانت الديانة. في مناهجنا التعليمية يجب أن نكون أبناء هذا البلد فقط. للأسف لم نصل حتى الآن إلى نتيجة بخصوص هذا الأمر. الإسلام السياسي يتدخل حتى في منهج التربية الدينية. طيب! إذا أرتم الإبقاء على مادة التربية الدينية فليكن ولكن بدون تدخل الإسلام السياسي. أعيد: الإسلام السياسي هو من أساء إلى الإسلام.

سحر أبو حرب: أنا لا يهمني لا إسلام سياسي ولا إسلام اقتصادي ولا إسلام تاريخي. ما نربي عليه أطفالنا في المنزل هو المهم. عندما نعلِّمهم وهم صغار حتى الخامسة أن يحترموا كل الأديان ولا يؤذون أحدًا يمكننا أن نأخذهم إلى الكنيسة بأيدينا ونصلي معهم ونقول لهم إن كل الكتب مقبولة وإن اتباع الديانات الأخرى هم بشر مثلنا يتألمون كما نتألم ويحزنون كما نحزن ويأكلون كما نأكل ونعاني من نفس الإشكاليات: الفقر، الجوع،... إلخ. من ثم، لا يهم ما يدرسون في المدرسة. لماذا لم يؤثر الإسلام السياسي فيَّ؟ لقد تعلمت كما تعلم ابني.

عندما يكون لدى الأطفال هذا اللقاح الداعم، هذه المقاومة لكل الأمراض الفكرية، لن يصابوا بأذى. عندما يكون هناك دعم داخلي، قدرة على الانتقاء والفهم، لا تؤثر فيك الأوبئة والأمراض الفكرية.

جمال جمال الدين: في الواقع غيرت رأيي أكثر من مرة حول ماذا أقول. ولكن، في اختصار، أنا متعاطف جدًا مع السيدة سحر، متعاطف مع محاولتها. فهمُ الإسلام في الواقع الحالي سيء جدًا لدرجة أن الواحد منا يريد فقط أن يخرج من نطاق هذا الفهم السائد. محاولة الفهم وحدها تُقدر من قبلي. محاولة الطرح والرد الإيجابي من قبل غير المسلمين على هذه المحاولة أراحتني. ولكن، السؤال هو: كيف نقدم هذا الكلام للمسلمين أنفسهم؟ مع تقديري للمحاولة، هل كان هذا الخروج صحيحًا؟ عندما سافرت للمرة الأولى إلى الغرب، إلى هولندا، دعوني إلى المركز الثقافي الهولندي الذي يدعى رئيسه عبد الواحد فان بول، في آخر اللقاء سألني "من أين أنت؟" قلت له "من سوريا"، فقال لي "أنتم العرب، ليس هناك أمل أن تفهموا الإسلام". فوجئت في ذلك الوقت، ولكني اليوم وصلت إلى نتيجة مفادها أن دين الله جاء إلى إبراهيم ومن بعده لمحاربة الدين الذي يُنشر باسم الإسلام، ولمحاربة رجال الدين الذين يتكلمون باسم الله.

أنا مع السيدة سحر في محاولتها، لأن الوضع القائم وضع قاتم مزر، نريد الخروج منه. لكن، لندع خروجنا هادئًا متأنيًا. أنا متعاطف مع محاولة السيدة سحر ولكني غير متعاطف مع تسرعها في اطلاق الأحكام. كلامك، سيدة سحر، بحاجة إلى تقييم، إلى أن يُقال أمام الناس من مختلف الأديان. المشكلة فقط هي في التسرع في الاستنتاج. محاولة تقدَّر ولكن تحتاج إلى تشذيب. وشكرًا.

سحر أبو حرب: شكرًا لك. هناك ما يسمى "الإسلام في سوريا" مثلاً، والذي أخذته معكَ وذهبت. هناك أيضًا "إسلام أهل الشام"، وهناك أيضًا "إسلام أهل المهاجرين" مثلاً أو "أهل الميدان"... إلخ. هناك الكثير من الإسلامات.

بالنسبة للمحاولة، هذا ما أطرحه، وبالطبع أريد الاستماع إلى آراء الناس. طبعًا هذه محاولةٌ لطرح الأفكار وتقديمها بغرض إيصالها للآخرين. هناك من سيغضب وهناك من سيرضى. هي تجربة و"ما كان سينفع الناس سيمكث في الأرض"، إن كنتُ زبدًا فسأذهب مع الريح، كما يقول الأستاذ جودت، لا مشكلة.

خلود أبو الدهب: الكثير مما كنت أود قوله قد قيل، ولكني سأزيد فقط أنه من المهم أن نسعى لأن نكون مؤمنين وعلميين في نفس الوقت. شكرًا.

هڤال يوسف: مكارمُ الأخلاق التي قدمتها السيدة سحر لا خلاف عليها. المشكلة، في اعتقادي، هي في المنهج. في فلسفة التأويل هناك قواعد صارمة وواضحة، وقد أكدها نقاد الأدب ونقاد ما بعد الحداثة، بأن كل قراءة للنص هي إعادة كتابة له؛ فمثلاً لو كان لدينا الآن محاضرٌ آخر غير مدام سحر مؤيدٌ للجهاد المسلح كان سيأخذ من نفس الكتاب ما يدعم فكرته، بالإضافة إلى أحاديث شيوخ وغيره.

أظن أن موضوع اللاعنف، وما تم الحديث عنه عن كريشنامورتي ومعظم مشاكل العالم الإسلامي، ونعرف أن العالم الإسلامي يعيش الآن حالة كارثية، هو عدم فهم هذا الشيء واستخدام الكتاب المقدس، أو ما يعتبر مقدس على أنه كلام الله بإطلاق، كمرجع وحيد، وبالتالي أنا شيخ وتأويلي للمقدس يصبح مقدسًا بدوره ولا يحق لأحد الاعتراض عليه. إذا عدت إلى القرآن شخصيًا فأنا اعتبرهم يتبعون الظن، الأهواء...

سحر أبو حرب: هو أحسن العلم ظنًا...

هڤال يوسف: ما أقصده أن مدام سحر تقول بكل تواضع إن ما عرضته هو رأيها، وهذا شيء جدير بالاحترام، ولكن إذا توقفنا عند الآراء لوجدنا أن لدينا آراءً بعدد سكان الكرة الأرضية. الرأي ليس له قيمة كبيرة عندما نريد التحدث بمفهوم الحق والرأي...

كاجو كاجو: تقصد الأيديولوجيا...

هڤال يوسف: كلا. لنقل "هذا قلم" حقيقة هذا الشيء أنه قلم، لن يأتي أحد ليقول "كلا، أنا رأيي أن هذا إبريق أو كرسي". أحيانًا في الحوار يرد أحدنا على الآخر بقوله "هذا رأيك". في موضوع القلم لا يكون الأمر على هذا الشكل. القلم ليس رأيًا. الاختلاف يحدث في الكلمات، هذا هو الفخ الأساسي، وحتى نجد مرجعًا واحدًا ومشتركًا لا يوجد داع لأن أقول "هو الذي أنزل من السماء ماء"، كما تقول إحدى الآيات القرآنية، فأنا أرى ذلك بنفسي.

بالعودة إلى كريشنامورتي: قابله أحد الأشخاص الباحثين عن مرجع فقال له كريشنامورتي "ألا تعرف أنه لا يجوز قتل الإنسان؟ هل أنت بحاجة إلى عقيدة تقول لك لا تقتل؟". بمعنى، إذا ألغينا العقل وألغينا الحواس ألغينا البراءة وعدنا إلى تآويل النصوص المقدسة، وإذا عدنا نحن، لوجدنا أن أقبح الجرائم التي ارتكبت في التاريخ ارتكبت بسبب الاختلاف على التأويل. المشكلة هي، كما في الأيديولوجيا، في وضع النتيجة أولاً؛ مثلاً مدام سحر لاعنفية وبالتالي هي تبحث عن الآيات التي تؤكد رأيها في كتابها المقدس، لو كنتُ أنا عنيفًا لبحثت في نفس الكتاب عن ما يدعم رأيي.

عندما توضع الأيديولوجيا في المقدمة، وهذا ما يسمى في الفلسفة المحيط الرائج، والرائج هو السهل، ولكنه بالضبط مجال الخطأ.

سحر أبو حرب: أستاذي الكريم، إن كان عندك خير من هذا فقدمه للعالم أرجوك، وليكن رائجًا مائجًا لا مشكلة. قدم للعالم ما لديك بمنهجية أو بغير منهجية. من عنده خير من هذا فليتقدم للعالم بأفكاره، ولتكن أفكارًا ولتكن آراءً إلى أن تثبت حقيقتها.

هڤال يوسف: أريد التعليق على هذا الكلام بالضبط. العالم يعيش أزمة قد تؤدي إلى دمار كلي، وهذا شيء جديد. ما يُطرح هنا ليس متاعًا شخصيًا. يجب أن نتعامل بجدية. ليست القضية قضية تنافس: ما عندك أو ما عندي...

سحر أبو حرب: أضف عليه وأجعله يذهب زبدًا...

هڤال يوسف: سيدتي، العالم ليس ملكًا لي وليس ملكًا لك. فلنكن جديين بقدر ما نستطيع.

أكرم أنطاكي: لن آخذ وقتًا طويلاً. بعض الملاحظات الصغيرة. أولاً، إلى الأخ، مع محبتي الكبيرة له، الذي تحدث عن الاستعمار والامبريالية والسي آي أي وكذا... تذكرت، بمناسبة كلامه، جملة جميلة للنفري تقول "يا عبد إن رأيتني في الضدين فقد اصطفيتك لنفسي".

بمناسبة حديث السيدة سحر، أجمل ما تكلمتْ به هو أنها أعطت تأويلها الخاص، وهذا حقها. أنا شخصيًا قد لا أشاركها في بعض الآراء، لكن هناك شيء تحدث عنه ديمتري في محاضرته وقد أكدنا عليها، وأنا شخصيًا أود التذكير به، وهو التبسيط. تقولين نريد تقديم إسلام بسيط، فليكن إسلامًا بسيطًا لبعض الناس الذي يريدون ذلك، ولكن هناك شيء يتم إغفاله في الإسلام وهو روحانية الإسلام، وروحانية الإسلام عميقة جدًا وجميلة جدًا، وإذا أردنا لاعنفًا فعليًا فعلينا الغوص في روحانية الإسلام كما في روحانية أي دين آخر.

ومع الأسف أجد انعكاس هذه الروحانية، وخاصة عند إخواننا المسلمين، وخاصة من منهم اليوم أكثر تقدمًا من غيرهم، ضعيفًا – وهو ضعيف أيضًا في المسيحية اليوم.

كاجو كاجو: أريد أن أقرأ هذه الجملة: إذا كان معيبًا أن نموت على دين آباءنا وأجدادنا فعلى الأقل أن ننظر فيه ونمعن النظر فيه جيدًا بوعي وحرية تمامًا كما فعلت الأستاذة سحر.

حميدة تعمري: بداية أشكر السيدة سحر. أود أن أبدأ بجملة ربما من المفترض أن أقولها غدًا أثناء تقويم أعمال الورشة، ولكن لأن محاضرة سحر أوحت لي بالفكرة فأريد أن أقولها الآن: إذا ربطنا المحاضرات الثلاث التي سمعناها حتى الآن نجد خيطًا أساسيًا يجمعها، بغض النظر عن الاتجاهات الفكرية وخصوصًا اليوم؛ الصدمة – بمفهومها المحبب – التي خلقتها محاضرة ديمتري صباحًا تبعتها صدمة الآن نتيجة محاضرة سحر. ما ذكره ديمتري عن كريشنامورتي يجد أحد تجلياته في محاضرة سحر. بمعنى، هذا ما عمل عليه كريشنامورتي ومن المفترض أن نتعلمه، ولا أقصد الحديث عن كريشنامورتي فقط بل أريد الربط بين المحاضرتين اللتين سمعتهما اليوم، وهذا كان مصدر متعة بالنسبة لي وأنا استمع إلى محاضرة سحر.

المعنى الآخر، أولاً علينا قراءة الكتاب لفهم الموضوع جيدًا، ولكن بالنسبة لمقدمة سحر: لقد أثارت في ذهني مسألتين، الأولى: كنت أراقب ردود الأفعال واختلافها بين الرجال والنساء بمعزل عن الاختلاف الديني. أخيرًا محاولة سحر في هذه المقدمة لها علاقة فعلاً بالدخول في فكر جديد ليس له علاقة بالأديان حتى لو أصرت هي على غير ذلك، وهذا ما ذكرني بمشروع الأب فرانس في أحد أجزاءه وهو بيت السلام وهو بيت يضم ثلاث قبب كل منها تمثل دينًا بالإضافة إلى الأديان الأرضية حيث يمكن لمن يريد أن يصلي ويقوم بشعائره أن يقوم بها على طريقته. بمعنى، الأخلاق التي تحدثت عنها سحر، من له دين أرضي أو سماوي أو من لا يؤمن بأي دين، هي أخلاق مشتركة. وشكرًا.

سحر أبو حرب: بالنسبة للمنهجية في المحاضرة. أنا لم أقدِّم محاضرة بل تقديمًا لكتابي. أنا لم أقدِّم منهج عمل أو محاضرة كاملة أو رسالة دكتوراه بل قدمت لكتابي فقط.

اللاعنف المحلي: لقد تحدَّثت مع جان ماري مولِّر عن الثورة الفرنسية وقلت له بأن هذه الثورة أفرزت قانون "كل إنسان له حق الدفاع عن النفس"، وإني لست مؤمنة كثيرًا بهذا القانون، فشعر بتوتر شديد – يبدو أن القانون موجود حتى الآن في القانون الفرنسي –، لكنه قال جملة أعجبتني وهي: "كل مكان له الحق أن ينبت أو يخرج أو يؤلف أو يؤسس منهجًا لاعنفيًا خاصًا به، فما قد يصلح في هذا المكان قد لا يصلح في مكان آخر". ولذلك نحن بحاجة أن لا نخلط إسلامنا، أن لا نخرجه من هنا وندخله هناك، ننتقي بعض الآيات كما يُدرَّس الطفل الصغير لأننا ما زلنا في بدايات البشرية. أنا أصر: نحن بحاجة إلى هذا كله لأننا ما زلنا في البدايات، لم نصل إلى ذلك الإنسان الراشد العاقل القادر على العيش دون قانون. عندما نصل جميعًا إلى إمكانية العيش دون قانون أقول لك "ارم هذا الكلام وامح هذه الكتب". ولكن نحن بحاجة إلى أن نقونن حياتنا لأننا جميعًا نظن أننا فوق الإسلام.

روحانية الإسلام: نعم أستاذ أكرم للإسلام روحانية قد تجدها في بعض الأشخاص وقد تجدها ميتة أي لا روح فيها في بعض الأشخاص. روحانية الإسلام تتجلى فيما نفعل.

نور العمري: لم أكن أريد الكلام ولكن هناك نقطتين ألزماني الحديث بما أن أحدًا لم يتحدث عنهما: أولاً، أعجبت كثيرًا بالصدمة الذي صنعتها مدام سحر. ولكن، بما أننا نعرف بعضنا فنحن معتادين على طرح بعض الآيات القرآنية بطريقة مخالفة. لكن الذي حز في نفسي كثيرًا هو ما قالته المحاضِرة في النهاية من أننا يجب أن نصل إلى مرحة نطرح فيها الإسلام بهذه الطريقة حتى لا نكون المعذبين في الأرض وحتى لا نُفتش،... إلخ.

السيد فيليبي تحدث عن العالمية: لو كان لدي مال كثير ونفوذ كبير في هوليوود وقمت بمجموعة أفلام ومسلسلات عن الاحتلال الأميركي للعراق وباكستان وأفغانستان والأسلحة الغريبة التي استعملت، وتحدثت عن الشيء المنتشر بكثرة هذه الأيام – لا أدري أن كنتم قد اطلعتم عليه – والذي هو الإشارات المسيحية الدينية الموجودة على الأسلحة والقنابل المستخدمة، وأظهرت الرجل المسيحي على أنه رجل إرهابي يستخدم الدين المسيحي لكي ينهب خيرات الشعوب وأراضيها؛ كنتم أنتم الآن في موقف من يُفتش ويتعرض للمواقف المذكورة. كل ما حدث هو "سبوت لايت" على رجل أصبح معروفًا، وأول من تحدث في الموضوع هم الغرب وليس نحن. كم هو هذا الرجل ممول؟ وكيف يظهر في الأوقات التي تحتاج إليه فيها أمريكا، وعندما لا تكون أميركا في حاجة إليه يصمت؟ بغض النظر، القرآن موجود عند الجميع ويستطيع أيًا كان قراءته والآيات تشرح بعضها بعضًا، أين آيات الإخاء وأين آيات القتال، ونحن لا يمكن أن نفسر ديننا بناء على خوفنا من الناس أو بناء على حاجة أن يعترفوا بنا. نحن لسنا بحاجة إلى اعتراف من أحد!

النقطة الثانية: اختزال الإسلام إلى كلمة اللاعنف، بغض النظر إن كان الإسلام يهودي أو مسيحي أو إسلامي، أيُّ دين يختزل إلى فكرة يخرج من إطار المعنى الديني، لأن كلمة دين في كل اللغات تعني طريقة حياة، وفي اللغة العربية كلمة دين تعني طريقة في الحياة. الآن أنا أرتدي هذا اللباس، مدام سحر ترتدي لباسًا آخر، وأخرى ترتدي لباسًا مختلفًا. الإنسان بحاجة إلى تحديد شخصيته، تحديد تميزه حتى لا يشعر بالضياع. هذه غريزة وضعها الله فينا. الإشكالية الكبيرة هي، كما قال في محاضرته الرائعة الأستاذ أكرم، عندما يعني تحديد شخصيتنا إلغاء الآخرين أو أن الشخصية، كما قالت مدام سحر، تكبر وتكبر حتى لا يستطيع الشخص رؤية أحد آخر. عندما أختار دينًا لا أريد إلغاء أحد.

البارحة قال الأستاذ محمد نفيسة كلمة رائعة وهي: "من حقي أن أختار شيئًا أريده ولكن ليس من حقي في اختياري هذا أن اعتبر نفسي أفضل من الآخرين"، أي أني لا اعتبر نفسي، بما أنني ألبس هكذا، أكثر أناقة من الآخرين. ولكن، من حقي أن أرتدي ما أحبه ومن حقي أن أكون مختلفة. الآية في القرآن تقول "يا أيها الناس إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم" – شوفوا الربط شو رهيب – أي تعرَّفوا على بعضكم البعض ولكن لا يظن أحدكم أنه أفضل من الآخرين لأن دينه كذا، مع أن الذي يقول ذلك قال إن الإسلام هو الدين الأخير ومع ذلك قال إياكم وهذا الخطأ، إن "أكرمكم عند الله أتقاكم".

سحر أبو حرب: عندما نختزل...

نور العمري: الدين طريقة حياة، الدين ليس اختزالاً فقط. أنا أصلي بطريقة معينة، أقرأ دعائي بطريقة معينة، أتعامل مع الناس بطريقة معينة. لي الحق في اختيار طريقة حياتي، وهذا لا يعني أني أفضل منكم.

سحر أبو حرب: هذا متفق عليه، خاصة من الحاضرين هنا. عزيزتي، عندما أقول إن الإسلام يساوي اللاعنف أو اللاأذى فأنا لا أختصر الإسلام بل أحدِّدك وأقيدك وأجعله شديدًا جدًا. أي، منذ اللحظة التي تستيقظين فيها – طريقة حياة، اللاأذى طريقة حياة إن آمنت بالله أم لم تؤمني – تأخذين على نفسك ألا تقومين بإيذاء أحد...

نور العمري: كريشنامورتي يقول الشيء ذاته...

سحر أبو حرب: الفضلاء لا يختلفون. الحكمة لا تختلف. إذًا، عندما نقول إن الإسلام هو طريقة حياة، اللاأذى هو طريقة حياة أيضًا، طريقة حياة كاملة منذ الاستيقاظ صباحًا وحتى النوم ليلاً. تحاولين ألا تؤذين أحدًا. لك الحرية أن تصلي أو لا تصلي، تصومي أو لا... عندما وضعوا لنا الأولويات أخطأوا وأخطأنا نحن بالفهم. لك الحق أن تصلي أو لا تصلي وأن تذهبي وتأتي، الفكرة الأهم، والتي تهم كل العالم، هذا الدين الذي نحب، فكلنا متدينون، أن لا نؤذي أحدًا. إن اختزلت الإسلام، أقصد ما سميته أنت اختزالاً، إلى اللاأذى أو سميتُه كسرًا لكل القيود ووسعته إلى اللاأذى فهو اللاأذى. وستقرأين القرآن بعد ذلك وتنظرين إلى الإسلام وهو يدعو إلى اللاأذى وإلى اللاعنف.

نور العمري: نحن فقط نساعدك كل لا تكون هناك إشكاليات.

سحر أبو حرب: أنا أوسِّع عليك. اللاأذى هو...

نور العمري: لا أريدك أن توسعي عليَّ...

سحر أبو حرب: اللاأذى هو منهج حياة مفتوح، ويقيِّد، وأخطر مليون مرة من التوحيد.

هلا شامية: شكرًا على المحاضرة. تقول نور بأننا غير مطالبين بتبرير ديننا. هذا صحيح، ولكننا عندما نعطي قدوة للآخرين عبر تصرفاتنا فهذا يؤثر على نظرتهم إلينا. نحن لا نقول ديننا بل نقول ما نحن ومن ثم هم يستنتجون. عندما أتعرف على أحد لا يسألني ما دينك بل يقول لقد أعجبت بهذه الإنسانة كشخصية ومن ثم يعرف ديني فأنا هنا أعطي مثالاً...

نور العمري: وما الذي قلتُه أنا ويخالف ما قلتِه الآن؟

هلا شامية: أنا أقول أننا يجب أن لا نبرر فيما يتعلق بموضوع التفتيش الذي تحدثت عنه مدام سحر...

[حديث متداخل]

سحر أبو حرب: الغرب ينتظر منا خيرًا. والله، لديهم رغبة شديدة بمعرفة ما الذي يدور وما الذي يجري. الآن، في أميركا جميع الجامعات عادت لتدرس الأديان، هل عندنا دين طيب جميل نقدمه لهم؟ إنهم يبحثون في الكتب فيترجمون الكتب الموجودة، وانظري ماذا يوجد في الكتب. وأين وأين إلى أن يدرس أحدهم كل الكتب مثلك ليعرف ماذا يقرأ. نحن بحاجة إلى هذا الأمر. الآن الغرب مستعد لتلقي أفكارنا، فلنقدم الأفضل.

نرساي أوشانا: هناك جملت تم تأويلها خطأً قرأتها السيدة سحر وأكدت عليها الأستاذة نور. لقد توقفت العام الماضي ثلاث ساعات في مطار أطلنطا، وأنا مسيحي، لمجرد الانتماء للمنطقة. ولذلك نقول لا تجزؤا لا تستخدموا لغة التجزيء لا تدمروا، نحن جميعًا واحد أمام الغرب.

هناء نصير: أيعقل أن الله قد عجز عن إيجاد طريقة أخرى غير المقاتلة لحلِّ النزاعات؟ وهل هناك فرق كبير بين القتل والقتال خاصة أن القتل هو نتيجة عفوية من نتائج المقاتلة؟ وماذا يهم ذلك إن كنت أصلاً أؤمن بالمعركة؟

سحر أبو حرب: هذه أسئلة مشروعة، ولكن بعد أن تقرأي هذا الكتاب قد تجدين الجواب.

أحدٌ ما سألني عن الشهادة، وهذا ما سأختم به: هناك آية في القرآن الكريم توقفتُ عندها كثيرًا، وهي: "وأشرقت الأرض بنور ربها وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون". غريب! أشرقت الأرض بنور ربها وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق؛ هناك قضاء ومحكمة؛ هذا لم يفهم على هذا، وهذا لم يفهم على هذا. النبيين والشهداء سوف يحاسبون، وكلمة "وهم لا يظلمون" تعني أن هناك مظالمة، أي هناك سوء فهم، حتى بالنسبة للأنبياء وللشهداء، من شاهد ومن مات في سبيل فكرة، هناك سوء فهم والموضوع كله بحاجة إلى مراجعة. وشكرًا لكم.

*** *** ***

مرمريتا، 3 تموز 2010

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود