ربنا، لما كتبت علينا القتال؟

 

سحر أبو حرب

 

أهلاً وسهلاً بكم. كلُّ ما سأتحدث عنه في هذه المحاضرة هو من بنات أفكاري، لن أعتمد لا على غاندي ولا على كريشنامورتي! الوضع العالمي الذي تحدث عنه الأستاذ ديمتري، وآخرون بالطبع، عن أن هناك أزمة عالمية، سواء كانت الحرارة أو القنابل النووية أو البراكين أو المياه... إلخ، بالإضافة إلى إنفلونزا الطيور، إنفلونزا الخنازير، إنفلونزا القرود، والآن هناك إنفلونزا الأسماك في السودان. عندما تكون هذه الأمراض عالمية وتنتشر بسرعة الطيران والبرق – الميكروبات قبل الإنترنت – ويجد شخص من أمريكا مثلاً دواء؛ مثلاً مرضٌ انتشر في جميع أنحاء العالم، وطبيب من أمريكا الجنوبية وجد العلاج، سوف يأخذ الإنسان في أوروبا والإنسان في اليابان هذا العلاج.

حاليًا، خاصة مع هذا التواصل العالمي، لا بأس من أن نسمع ما قاله غاندي أو كريشنامورتي أو أيًّا كان. يأتي أحدهم ويقول: "ماذا عن تجاربنا نحن؟". هذا صحيح، نحن لدينا تجارب، ولكن المهم: "الداء عالمي، ولذلك من أين يأتي العلاج فليأت".

فلانٌ طبيب جراح، ولكن أدواته من بلجيكا، الأدوية المخدرة من اسبانيا، ... إلخ. الأدوات من كل أنحاء العالم. لم يعد من الممكن الفصل والقول أريد علاجًا محليًا. المرض عالمي والعلاج عالمي.

هذا ما خطر في ذهني الآن كمدخل إلى المحاضرة. قال بعض الحضور إنهم يريدون علاجًا محليًا وأنا سأقدم هذا العلاج المحلي: نريد أن نستنبط اللاعنف من القرآن. اللاعنف موجود عند غاندي وعند جان ماري مولِّر، في اليابان، وفي منغوليا،... إلخ؛ السؤال: هل لدينا نحن هنا لاعنف؟

بدأت فكرة كتابي ربنا، لما كتبت علينا القتال؟ العام الماضي عندما قدَّم ولدي امتحان البكالوريا. كان يدرس في كتاب التربية الدينية موضوع رجم الزانية أو الزاني. أنا ذهلت، إذ ليس في القرآن أي شيء عن رجم الزاني أو الزانية، هناك الجَلْد. قلت له ذلك، فقال: "كلا، هذا ما هو مكتوب هنا". ثم وجدت أن هناك شيئًا عن قتل المرتد! لا يوجد في القرآن شيء يقول بقتل المرتد. كلنا نعرف الآيات. يُقال "لا وصية لوارث"، بحثت في القرآن ووجدت آيات تورث الوارث. حديث قصير نسف آيات القرآن!

لي صديق من اليابان كنت قد أهديته كتاب القرآن مترجمًا إلى اليابانية، رأيته بعد عام وقال لي: "ما هذا المكتوب هنا "اقتلوهم حيث وجدتموهم؟"، هل إذا أصبحت مسلمًا يجب أن أقتل جاري؟". بدأت أفكار الكتاب تتوضح.

إذًا، لا بدَّ أن أبحث عن الحقيقة، أن أعي الحقيقة، أفهمها، كي أستطيع تقديم القرآن بكل ثقة لكل الناس. لا أريد مزيدًا من الخوف. قررت أن أتخلص من الخوف، أن أتحرر من التفاسير والتآويل، أن لا أتبع أحدًا، أن أفهم بنفسي، لا أن أعيش على أفكار الآخرين، ولا تحت خيمة أحد. أريد أن أكون السكن الخاص بي. بدأت أنظر في القرآن الكريم، في الآيات بشكل عام. تبيَّن لي أن أفضل طريقة لإيجاد المستقبل، ما أبحث عنه من معاني جديدة للقرآن الكريم، هي أن نخترعه. يستحق مستقبل الناس القادمين على الإسلام، أو الذين سيصل إليهم الإسلام، أن نخطط ونعمل، وبالأخص أطفالنا. لا يحصل أطفالنا على ما يستحقون من أفكار، بل على ما ننجح في تقديمه لهم، أي إن ما ننجح في تقديمه هو ما يحصلون عليه فقط؛ فلنقدم معًا أحسن ما عندنا.

ثقافتنا ثقافةٌ فريدة. أنتم تريدون الحصول على اللاعنف محليًّا. كل ثقافة فريدة أيضًا، كل انتماء جميل، فالذكاء والتحدي إنما يكون باحترام، بل زرع احترام، كل الثقافات حتى لو كنا نرفضها. نحترم حتى لو لم نُعجَب. كما يجب تشجيع الحوار طبعًا، بل ما أسميه لغة الحوار الممتعة، وهي عكس لغة الحوار التصاعدي أو الكارثي.

نحن نعمل ليس سعيًا للكمال، فالكمال ليس صفة إنسانية، فما هو طبيعي وإنساني وصحي ومعقول أن نتحسن باستمرار.

في بحثنا عن المحلية للخروج باللاعنف يجب التركيز على مرونة الإسلام، وعلى أنه تناغم وتوافق وانسجام مع الحياة اليومية. المرونة قوة كامنة لا نستخدمها أبدًا، وهي عكس التشدُّد والتصلُّب والتحجُّر والانكماش.

لا تضخيم للاختلافات بين المذاهب والملل، فكثير من التفاصيل المُختلف عليها ليست من جوهر الدين في شيء. الارتقاء فوق اللَّمم من الأمور وعدم تبادل التهم، بل التركيز على أن الاختلاف والتناقض والتنوع في الثقافات هو ما يجعل العالم جميلاً وشيقًا. أكثر ما أكون سعيدة عندما اكتشف أن طريقة عمل الآخر مختلفة عن طريقة عملي، وأكون في ضيق شديد عندما نتماثل.

هذا الدين، الإسلام، متاح لكل الناس. الدين متاح لكل الخلق دخولاً منه وخروجًا منه. لا إكراه في الدخول ولا قتل في الخروج. لا قتل للمرتد؛ فليرتد من يشاء وليؤمن من يشاء. يقول الله "من يرتد عن دينه فليمت وهو كافر"، فليمت وحده. – ما معنى كافر؟ هذا ما سنبِّينه في فصل المصطلحات –. رب العالمين لا يقول "اقتلوه"، ولا يمكن للرسول أن يتعدى على الله ويأمر بقتل من لم يأمر الله بقتله، لا يمكن.

التغيير يجب أن يكون تغييرًا حضاريًا إنسانيًا اجتماعيًا ثقافيًا وليس سياسيًا وليس إسلاميًا. هل لدينا القدرة على استبدال كلمة إسلام بإنسان أو الإسلامية بالإنسانية؟ أن نُخرج الإنسان من طور العبودية إلى طور الحرية؟ هنا أطرح مشكلة ضياع الهوية نفسها. الهوية، من أنا؟ الأجيال الجديدة الآن تحمل أكثر من مئة هوية. لا نلومها. يستعملون أدوات صينية، يتحدثون الإنكليزية، ثقافة اجتماعية مكدونالدية أوروبية، إعجاب بالآخرين المختلفين عنا، رغبة بالتقليد، أفلام كرتون من كل أنحاء العالم. يجب إيجاد صيغة جميلة يؤمن بها الطفل ليعرف من هو، يجب أن نهيئ له مستقبلاً، أن نجعل حياته أسهل وأجمل، لا أن نقول له "أنت الأفضل والأذكى، ودينك لأحسن الناس، ونحن خير الأمم"، و"الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق!" طيب الأفكار، وليس طيب الأعراق! لا أريد أن أكون أفضل عرق، بل أريد أن أكون طيب الأخلاق، طيب الإنسانية.

إذا فازت أغنية هندية في إحدى برامج ستار أكاديمي أو غيرها فستجد الياباني والأفريقي والأوروبي يرقص طربًا لها. الخروج إلى مستوى الهوية الإنسانية: أنا لا أعتدي على أحد ولا أمسح لأحد أن يعتدي عليَّ، لا أوذي أحدًا ولا أسمح لأحد بأن يؤذيني. لكن، إن تم الاعتداء عليَّ أو أوذيت فهناك دائمًا ما أقوله للمعتدي. هذا هو اللاعنف الذي نتحدث عنه: أنا لا أعتدي على أحد، فأنا إنسان سوي.

هناك جملة أريدها أن تكون قانونًا: "الإنسان السوي لا يعتدي على أحد"، قولاً واحدًا. من يعتدي هو مريض. الإنسان المعتدي إنسان مريض. هذا قانون لا جدال فيه – ليس فرضًا بل هو ما أؤمن به.

لكن، إذا كان الإنسان المعتدي إنسانًا مريضًا والإنسان السوي لا يعتدي على أحد وأنا إنسان سوي وتم إيذائي، ماذا أفعل؟ أولاً، أنظر إلى من اعتدى عليَّ على أنه ليس ندًّا لي، اعتدى عليَّ وأنا لا أريد الاعتداء عليه. هو إنسان مريض وفي حاجة إلى مساعدة. وبالتالي أخرج من مستوى أنه ندٌّ لي إلى مستوى أنني أعلى منه. أصبحَ هو المريض وأنا الطبيب. فالاعتداء خروج عن الإنسانية وعودة إلى إنسان الغاب إلى البدائية الأولى.

عندما يكون هو إنسان بدائي وأنتَ إنسان راشد أمامه فيمكن أن نجد حلاً، أما إذا عدتَ أنت أيضًا إلى بدائيتك كما عاد هو فهناك مشكلة كبيرة. صار هناك قتل وقتل مضاد، نهايات كارثية.

يجب التركيز على مفردة "الإنسان الراشد" أو "الإنسان الحكيم" فقد استُهلكت مفردة "الإنسان العاقل". هنا أطرح موضوعًا مرتبطًا: هل الثبات الأحمق على فكرة، أو الثبات، مقبول؟ هناك قول جميل يقول "إن الثبات الأحمق هو بعبع العقول الصغيرة. الروح العظيمة لا شأن لها بالثبات".

كيف أفهم الغزوات والمعجزات التي قدمها الرسول ص؟ كيف أعيد تصنيع هذه الثقافة؟ أستاذ الرياضيات الأمريكي المسلم جيفري لانغ في كتابه حتى الملائكة تسأل يقول: إن مصير الإسلام في العالم متعلق بالإجابة على هذه التحديات: أولاً: المشكلة ليست في القرآن بل في المسلمين، والمشكلة عند المسلمين ليست في المبادئ بل في طريقة فهم هذه المبادئ، وفهمها عادة مرتبط مباشرة بشرح الفقهاء لها، والفهم متوقف بتوقف الاجتهاد، فلن نستفيد إذًا من أعظم الآيات، وسنمر عليها ونحن معرضون.

يجب تحويل الفهم إلى علم. مشكلة الواقع والنص. الواقع هو النص الحقيقي للمعالجة. يقول كراسيان الحكيم: "إن الحقيقة ترى بصورة عامة ونادرًا ما تُسمع". الواقع يبقى المرجع عند كل خلاف، ودائمًا هناك حركة نفسية بين الواقع والنص.

القرآن منبع للطاقة لا ينضب، ولكننا لم نستهلكه بعد ولم ننفتح عليه، وسيبقى هذا القرآن يمد البشرية بأفكار لا تنتهي.

على كل حال، يختلف المسلم اليوم مع المسلم سواه على أمور وضعها الفقه المعاصر والقديم أسسًا وركيزة لناشئ صغير يعتمد عليها.

نعود للناشئ الصغير، يروننا نتشاد فيما بيننا. الفكرة التي سأطرحها الآن، وأرجو أن لا تكون صادمة، هي: الإسلام ليس دين محمد، محمد لم يأت بالإسلام، فالإسلام قديم قدم إبراهيم ونوح، والعديد من الآيات تتحدث عن قدم الإسلام، وحديث الرسول عن كون الإسلام بناء اكتمل وكان هو اللبنة الأخيرة فجعل الناس يطوفون ويقولون ما هذه اللبنة عندما اكتملت بمحمد.

هذا نقطة هامة، نقطة الفصل، نقطة الضعف والقوة، من تطور وتحدي هذا العصر. محمد لم يأت بالإسلام فالإسلام موجود قبل محمد. قد يتفاجئ الكثير، ولكنها حقيقة، ومحمد يقول "كنت اللبنة الأخيرة في هذه الدار الجميلة" التي جعل الناس يطوفون حولها.

الإسلام مجموعة مبادئ سهلة هينة لطيفة آمنة تكتمل باكتمال الوعي الإنساني. عندما يسمع الغربي، بما أن العالم منفتح على بعضه البعض، المسيحي أو اليهودي أو البوذي أو الهندوسي أو من هو تابع لنبي أو من هو غير تابع لأي نبي، عندما يسمع هذا فأنت تشاركه الماضي، أنت تشاركه التاريخ، تاريخه الفكري الديني، وتقول له نحن من جذور واحدة. لكن فقهائنا الأجلاء وشيوخنا الأكارم وعلمائنا خافوا على الإسلام. الإسلام دين الله وأنا لا أخاف عليه. فليس لنا أن نقدم أنفسنا وكأننا مركب النجاة لكل العالم.

نحن نحتكر فكرة الإسلام لنا. يجب مشاركة العالم تاريخه الديني لتتجدد النظرة إلينا وتتبدد فكرة النفور من الإسلام "فوبيا الإسلام".

العالم ينبذنا الآن. من هنا الانطلاق فقط. علينا أن نطرح هذا المقال على ساحة الإعلام لتختلف النظرة ولتختلف النتائج. وليجرب كلٌّ منا الآن هذه الفكرة حيثما ذهب وسيدهش من النتائج.

ما هو الإسلام إذًا؟ الإسلام – أقول آرائي ولا أعتمد على أحد –، وكما يجب أن يُقدم للعالم وللغرب والشرق، هو فكرة واحدة فقط نؤمن بها وننفذها فنصبح مسلمين. هذه الفكرة ليست "لا إله إلا الله"، فما يضر الله أن يقال عنه إنه واحد أو عشرة أو ثلاثة ونصف، هذا لا يضر الله في شيء، الله في السماء واحد أحد فرد صمد قادر مقتدر عزيز جبار... إلخ. الإسلام ليس توحيدًا، هو فكرة واحدة إن آمنت بها صرت مسلمًا، وهي: إذا آمنت بالإسلام فقد آمنت بعدم الأذى لأي أحد على الإطلاق. لا تؤذ أحدًا تصبح مسلمًا. ليس بالضرورة أن تشهد بأن لا إله إلا الله. أن لا تؤذ أحد وكفى. هناك عشرات ممن يئمون المساجد ويقفون عند الآذان ويقولون لا إله إلا الله ثم يذهبون إلى مكاتبهم فيشترون أرزًا مغشوشًا وسكرًا مغشوشًا فيؤذون من يشرب ويأكل مما اشتروه وباعوه. يؤذون ويقولون لا إله الله مليون مرة، هؤلاء ليسوا بمسلمين.

لا تقل "لا إله إلا الله" واشتر وبع سكرًا سليمًا، فقد أصبحت مسلمًا.

فقط فكرة اللاأذى. لا تصلي، هذا أمر يعود إليك، ادخل إلى بيتك وصلي أو لا تصلي كما تشاء. إن صمت أم لم تصم، هذا أمر يعود إليك. أنا لا أعرف ماذا تأكل، ولا يهمني رصيدك في البنك إن أديت الزكاة أو لم تؤدها. علاقتك مع الله أنت حرٌّ بها، ما يهمني هو أنك عندما تفتح باب بيتك وتلقتي بي لا تؤذيني ولا أؤذيك.

الإسلام فكرة واحدة هي اللاأذى، اللاعنف، اللاإجرام، اللااعتداء؛ فمن اعتدى أو أذى أو أجرم فقد خرج – للأسف – من الإسلام.

هنا وهكذا وبهذا الشكل سنجد الملايين من الناس ينضمون تحت هذا اللواء، سنضع في جعبتنا مليار شخص، ملياريي شخص، ثلاثة مليارات، ونصبح كثرًا. وإذا طرحتَ هذه الفكرة ستُفاجئ بملايين الناس الذين يعترفون بأنهم لا يملكون نية لإيذاء أحد لكنهم يعبدون ما يشأوون. لهم ذلك. أنت وأنا لن يضرنا ما يعبد الآخر، إنها علاقته بالله وحده. لكن، يضرني ويضرك الأذى الذي يسببه لي ولك إن كان مجرمًا بحق الإنسانية أو البيئة أو الحيوان أو الماء.

المعيار هو الأذى، قولاً واحد. هذا ما أقدمه وما أؤمن به.

هل تسببتَ بأذىً لأحد في حياتك اليومية؟ كم مرة دخلت في الإسلام وخرجت؟ كم مرة ترفَّعت؟ كم مرة تكبرت؟ كم مرة تعاليت؟ كم مرة استصغرت العباد؟ كم مرة آذيتهم؟ دعونا ننشر هذا الأفكار الطيبة معًا وسيرتفع من قلوب العباد جميعهم الخوف من الإسلام.

سيقولون عندما تقول لهم هذا الكلام: "هل حقًا ما تقول؟ إذًا أنا مسلم دون أن أدري". الكل يسلم، ونتشارك الأفكار الطيبة.

لا أقصد إسلام المسلمين اليوم، بل إسلامًا آخر. أنا أطرح دينًا مختلفًا هو دين الله. الكل يسلم، نشاركهم أفكارهم الطيبة، كما نشاركهم تاريخهم الطيب.

الإسلام دين الله وليس ديني أو دينك، ولنا أن نقدم دين الله بأجمل وأطيب وأحلى صيغة.

من نحن الآن؟ نحن من جعلنا الناس تحمل فوبيا ضدنا، خوفًا، رعبًا؛ فلننظر ماذا فعلنا!

فكرة جديدة أيضًا لا أطلب من أحد أن يؤمن بها ولكنني أفكر، كما هو مطلوب من كل واحد منا، بطريقة جديدة: التوحيد؛ نقدِّم التوحيد للعالم بأنه "لا إله إلا الله"، ونقاتل لأجل أن يقولها، ولأجل أن تكون كلمة الله هي العليا، ومن لم يقلها لن يدخل الجنة، ومن قالها مرة في حياته دخل الجنة حتى إن زنا وسرق. الزنا اعتداء وأذى، والسرقة اعتداء وأذى. هذا تقديم هزيل للتوحيد. الله واحد أحد فرد صمد لا يتعدد، شئنا أم لم نشأ، رضينا أم لم نرضى، خفنا أم تجرأنا. المشكلة ليست في أن الله واحد، المشكلة في أن أكون أنا واحدًا.

ليست المشكلة أن الوحدانية والواحدية تقوِّم أعمالنا، إن فكرة أن أكون أنا هذا الإنسان واحدٌ هي الأهم. إنها فكرة عدم النفاق، عدم الانفصام الشخصي، عدم تعدد الوجوه؛ أن أكون أمامك وخلفك واحد كما أنا، إنسان طيب، أحمل داخلي الطيب الذي يعرفه من حولي.

أما الإيمان – وهذه فكرة أخرى –: تحدَّثنا عن المسلم بأنه غير المؤذي، والإسلام هو اللاأذى. فما هو الإيمان إذًا؟ من هو المؤمن؟ كيف أقدِّم للعالم، على سبيل التغيير والتجديد والإصلاح، محليًا من عندنا؛ كيف أقدم الإيمان للعالم؟ ما هو الإيمان؟ كيف أؤمن؟ لماذا أؤمن؟ علينا إيجاد الإجابات. هل إن آمنت بالله العظيم أصبحت مؤمنًا وكفى؟ أما من أمور قد تبدو مهمة جدًا، بل لعلها أهم من الإيمان بالله لأغدو مؤمنًا؟ أنْ يأمن الآخر جانبي عندها أكون مؤمنًا. إذا جلس أحدهم قربني فماله، وأطفاله، وبيته، وسمعته آمن. من أمنت جانبه فهو مؤمن.

نور العمري: ما الفرق بينه وبين المسلم إذًا؟

سحر أبو حرب: المؤمن ليس من لا يؤذيك فقط بل من يدافع عنك. ليس فقط أنه لا يؤذي. لقد ارتقت المرحلة من أنه لا يؤمن بالإيذاء إلى أنه يحمي من قربه ويدافع عنهم ويحسن إليهم. لا أخاف على نفسي قرب المؤمن. أن يأمن الآخر جانبي، أن يأمن الآخر قربي – أنت آمن، وأهلك ووولدك ومالك وبناتك وما تملك. إن أمِن الآخر قربي وأمِن قربك فأنا مؤمن وأنت مؤمن. هذا هو الإيمان وليس الإيمان بالله.

ليس لي أن أحاكم أفكاركَ، فماذا يهمني إن كنت تؤمن الله ولكنك مؤذ وأخافك أن تطعن بي؟! الخوف من الآخر شيء مرعب. هناك قول صغير مفاده "أن أموت مئة مرة ولا أُشعر الآخر بخوفٍ مني". ما يهمني إن آمن رجل بالله وكان مؤذيًا أخافه، أخاف أن يؤذيني وأن يغشني.

يجب وضع هذه المصطلحات لأبناء العصر القادم. هناك كلمة صغيرة توضع في المطارات والمسارح وغيرها، كل الناس يعرفونها، هي كلمة "Exit" "خروج". إن لم يصبح الإسلام علمًا بسيطًا هينًا يفهمه التلاميذ كما يفهمون "Exit" فلن يُفتح القرآن. يجب أن تصبح مصطلحات القرآن عالمية؛ إن قلت لأحد إنكَ مسلم عرف فورًا أنه اللامؤذي.

هناك حادثة جرت معي أوردها هنا: زارتني سيدة تريد الهجرة إلى أمريكا مع ابنها الذي بعمر عشر سنوات. سألتُ الولد: "ما اسمك؟"، قال: "محمد"، قلت له: "يعني أنت مسلم"، قال: "نعم"، قلت له: "هل تعرف ما معنى مسلم؟"، قال: "أصلي وأصوم"، قلت له: "أنت مسلم أي أنت لا تؤذي أحدًا وفقط". هاجرت الأسرة، وكلما كان أحد يسأل هذا الطفل ما اسمك كان يقول: "أنا محمد الذي لا أؤذي أحدًا".

بالنسبة لكتابي: ربنا، لما كتبت علينا القتال؟: أعاد لي الصديق الياباني فكرة النظر في آيات القتال. المدهش والمفاجئ الذي وجدته في القرآن الكريم أن آيات القتال مفصولة فصلاً تامًا عن آيات الجهاد. لم أجد آية واحدة فيها كلمتي جهاد وقتال في سطر واحد. عودوا إلى القرآن الكريم وانظروا بأنفسكم. لا يوجد خلط أبدًا بين آيات الجهاد وآيات القتال. لكن، ما خلطها عليَّ هو التفاسير والتآويل. آيات القتال هي آيات قائمة بذاتها، كما آيات الجهاد قائمة بذاتها. آيات القتال تتميز بأن الله عز وجل لم يقل "اقتلوا" إلا مرتين في كل الآيات، وباقي المفردات هي "قاتلوا" – وعملية القتال ليست القتل. القرآن يميِّز هذا ولكن بصعوبة تبيَّن لي ذلك.

يقول القرآن "اقتلوا" مرتين: في سورة التوبة الآية 111، طبعًا لقد شرحت هذا في الكتاب، عندما يكون هناك حرب عالمية "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقًا في التوراة والإنجيل والقرآن". هذا الربط بين القتل والديانات السماوية الثلاث غريب! وبالتالي الموضوع ليس بسيطًا ومرتبطًا بقتلٍ لأجل دين أو فكرة أو غيره. هنا فقط يُسمح بالقتل والقتل المضاد.

الحالة الثانية عندما يكون هناك مجرمون في المدينة، مافيات وغيره، يخيفون الناس فللدولة أن تلاحقهم.

باقي الآيات تتحدث عن القتال وليس القتل، بدليل أن الآيات عندما تتحدث عن القتال تقول فـ"إن غَلبتم أو قُتلتم" – لاحظوا لا يوجد قَتلتم.

هناك موضوع الجهاد: لم أجد كلمة جهاد إلا ومربوطة بجملة "في سبيل الله". جاهدوا بأنفسكم بأموالكم... إلخ، كل هذا "في سبيل الله". مالمقصود بالجهاد إذًا؟ إذا كانت كلمة القتال والقتل لم ترفق أبدًا مع كلمة الجهاد، فما هو الجهاد إذًا؟ ما أقوله أنا: إن الجهاد هو عملية فصل بين طرفين متنازعين. هذا المجاهد يحمل ثلاثة شروط: الأول أن لا يكون واحدًا منهما، لا يميل بقلبه لأحدهما، مساعداته توزع على الطرفين معًا، والشرط الأهم أنه لا يحمل سلاحًا.

في كل آيات الجهاد لا يحمل المجاهد سلاحًا، لأن آيات القرآن بعد ذلك تقول "فإن متم أو قُتلتم"، فهو سيد الشهداء لأنه لا يحمل سلاحًا ولا ينوي في قلبه أن يقتل أحدًا منهما ولا هو في قلبه ميالاً لأحدهما ولا هو واحد منهما.

نور العمري: ما هو حديث سيد الشهداء؟

سحر أبو حرب: الآن سنعطي لسيد الشهداء معنىً جديدًا. سيد الشهداء هو الذي يقتل في فصل بين طرفين متنازعين أو متحاربين، وله ثلاثة شروط: الأهم: لا يحمل سلاحًا، الثاني ليس ميَّالاً لأحدهما، الثالث أن يقدم مساعدات للطرفين. هذا هو موضوع الجهاد في سبيل الله. لماذا في سبيل الله؟ هل من المنطقي أن يكون سبيل الله سبيلاً فيه قاتل؟! وننسبه إلى الله عز وجل؟! سبيل الله هو السبيل الذي لا قاتل فيه ولا مقتول، لذلك رُبط بالجهاد ولم يُربط بآيات القتال.

هذه الملاحظات الصغيرة يضيِّعها علينا الفقهاء والمفسرون ويغطونها، وأثناء حديثهم عن تفسير هذه الآيات يمرون عليها مرورًا سريعًا ونحن نمشي معهم.

هناك فصل بين آيات القتال وبين آيات الجهاد. في آيات القتال لا يوجد قتل يوجد قتال. بالنسبة لآيات الجهاد هي فصل بين طرفين ولها شروط ذكرناها.

هناك الكثير لأقوله، ولكني سأركز على بعض الأفكار الأساسية: عندما نقرأ القرآن الكريم، إذا فهمتُ أن الإسلام هو اللاعنف تتحلحل وتفكفك الكثير من المعاني المغلقة. أرجوكم عندما تعودون اقرأوا هذا الكتاب، ليس فقط ككتاب للمسلمين أو ككتاب مقدس، بل لنقرأه جميعًا، نجده كتابًا اجتماعيًا عالميًا يضع يده على بعض الأمراض الاجتماعية ويدلنا على العلاج. هناك علاج في القرآن الكريم بكلمتين: "فأهلكناهم بظلمهم"؛ علاقة الظلم والهلاك.

فكرة الإيمان: يقول القرآن "الذين آمنو وعملوا الصالحات" ولا يقول "الذين آمنوا بالله". راجعوا القرآن الكريم. وعندما يصر القرآن على الإيمان بالله يربطه بأمر صغير لا نلقي له بالاً. هناك وعيد خطير جدًا في إحدى الآيات ويتحدث فيه عن الإيمان بالله ولكنه يربطه بأمر قد لا يخطر لكم على بال، يقول حول هذا العذاب: "إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين". ربط القرآن التوحيدَ، على أهميته كلها، بالحضِّ على طعام المسكين.

رب العالمين متواضع أكثر بكثير منا، ولا يقدِّر نفسه بهذا الشكل الذي نقدمه نحن للآخرين. الله يقيِّد نفسه بقوانين نحن نتجاوزها. ملئ القرآن بقوانين لا يخرج الله عنها. إنها سنته. ولكن، نحن فوق القانون!

الفكرة الأخيرة: مصطلح الكفار والكافر الذي يختلط بالفاسق والفاجر... إلخ. حتى الشيوخ على المنابر لا يميزون بين الكافر والفاسق والفاجر والآثم والمسيء. الكافر برأيي هو من تخلف عن ركب الحضارة. وإذا دخلت القرآن الكريم بهذا المعنى للكافر فسيبرد قلبك تجاهه، وستقول يجب أن نساعده. من تخلَّف عن ركب الحضارة هو الكافر. وتأتي الكلمة من فعل كَفَرَ الذي جذرها كَفَ، وإذا أعدناها إلى الفعل الثلاثي أصبحت كَفَفَ، وكَفَفَ هي: انكماش تراجع تخلف خوف قوقعة. كَفَ هو من تخلف عن الركب، أيَّ ركب كان، في أي زمان كان. هنا كَفَرَ هي عبارة عن كَفَ زائد حرف الراء، وحرف الراء يضاف دائمًا إلى الأفعال بمعنى التكرار، الراء للتكرار.

طبعًا كل الناس تقول كَفَرَ من الكفر والمغطى، ولكن هذا معنى هزيلاً وغير مجد. الكافر هو من غطى والفلاح يقال له كافر أي أنه يغطي البذور. كَفَرَ ليست غطى.

دخول القرآن من هذه المفردات الصغيرة بمعان مختلفة وتقديمها للجيل الجديد بمصطلحات لطيفة يفهومنها، كأن تقول للطفل "الكافر هو الجاهل"، "المؤمن هو الذي يأمنه الناس"، "المسلم هو من لا يؤذي". ليس للإنسان فضل أن لا يؤذي فهذا هو الحد الأدنى من القبول، ليس الإسلام هو القمة بل الإيمان. ليس فضلاً أن أكون لامؤذٍ، الأهم أن أتحمَّل الأذى إذا أوذيت. المرتبة التالية هي أن أحسن إلى من أذاني؛ فالله يحسن إلينا ونحن نؤذيه.

علينا أن نتدرج من مستوى أنني لا أوذي أحدًا إلى مستوى الصبر على الأذى ثم إلى مستوى الإحسان إلى من أذاني.

وشكرًا جزيلاً للجميع.

*** *** ***

مرمريتا، 3 تموز 2010

تم نقل المحاضرة من التسجيل

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود