|
نقاش محاضرة: هل اللاعنف = "لا" للعنف؟ - بين ج. كريشنامورتي وم.ك. غاندي
هڤال يوسف: يحدث أحيانًا سوء فهم بين، لنضعها بين قوسين، (أنصار) كريشنامورتي الذين يتحدثون ضدَّ النشاط والعمل في الشأن العام لصالح العمل الفردي الذاتي والتحرر الفردي... إلخ. أرجو منك تسليط الضوء على هذه النقطة. وأيضًا، وقف كريشنامورتي ضدَّ الأستذة، ضدَّ مفهوم الغورو. ولكن، ماذا يفعل السيد ديمتري الآن مثلاً؟ كريشنامورتي نفسه في محاضراته ماذا يفعل؟ أظن أن هذا ليس تناقضًا إنما هناك خيط مشترك أرجو منك توضيحه إن أمكن... ديمتري أڤييرينوس: قلتُ أمس في جلسة اليوغا، وفي مقدمة بسيطة، إن في التاوية مبدأ أساسيًا هو مبدأ اللاعمل. هذا المبدأ يساء فهمه جدًا – هو مبدأ موجود أيضًا في المسيحية، مثلاً نتذكر قصة المسيح عندما كان في ضيافة مريم ومرتا، وكانت مرتا تقوم بأعمال المنزل في حين تجلس مريم عند قدمي المسيح وتستمع إليه، حينها أتت مرتا وطلبت منه أن يطلب من مريم أن تساعدها فيجيبها يسوع: "مرتا، مرتا، إنك منشغلة بأمور كثيرة أما الحاجة فهي إلى واحد، واختارت مريم النصيب الأفضل ولن يؤخذ منها". هل هذا يعني أن الموقف التأملي من الحياة متعارض مع الموقف العملي؟ إنه تساؤل كبير. ذهب أحدهم إلى أحد حكماء الهنود وقال له: "أريد أن أقوم بعمل اجتماعي، ماذا أفعل؟" أجابه: "قم به إذا كان صحيحًا لتوازنك الداخلي". ما معنى هذا الكلام؟ معناه أنه إذا كان الموقف الداخلي أساسًا غير متوازن، كما قال كريشنامورتي، فهذا الاختلال في التوازن سينعكس على العمل الاجتماعي، وهو ما سيخلق من الفوضى أكثر مما يخلق من النظام. الفكرة هي أن إصلاح الوعي الإنساني، أو استنارة الوعي الإنساني العام، لا يمكن أن تتم إلا بدءًا من الفرد. والاستنارة الفردية، بحدِّ ذاتها، يمكن أن تترجم، بحسب موهبة الفرد أو ما يجيد عمله، إلى عمل سليم. لعلكم تذكرون يونس أحمد من بنغلادش الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد. فقط قلائلٌ يعرفون أنه كان تلميذًا في إحدى مدارس كريشنامورتي في الهند. الفكرة التي أتى بها يونس أحمد، والتي هي القروض الصغيرة وكيف يمكن من خلال قرض صغير أن نبني اقتصادًا محليًا مزدهرًا متكاملاً مستدامًا منسجمًا مع البيئة، لم تعد فكرة محلية خاصة بالدول النامية، بل بدأت الدول المتقدمة تأخذ بها أيضًا في الأزمة الاقتصادية العالمية. محمد العمار: قروض حسنة حسب المصطلح الإسلامي، أي ليست ريعية. ديمتري أڤييرينوس: نعم. قروض حسنة. من أين أتت هذه الفكرة الخلاقة؟ مثالٌ آخر، إحدى خريجات مدرسة كريشنامورتي أخذت جائزة ملكة بريطانيا عن مفهوم جديد للحفاظ على التنوع الحيوي في المناطق الحراجية في العالم. المقصود: المهم هو الوعي الذي يظهر وليس العمل بحد ذاته. دائمًا هناك شيء ما خلاَّق. أعتقد أنه ما من مجال لوجود سوء الفهم إذا أدركنا هذه الفكرة. هڤال يوسف: ولكن، يقال اعمل على نفسك أولاً كي تتحرر وكي تصبح كاملاً وبعد ذلك... ديمتري أڤييرينوس: لا يوجد "بعد ذلك"... هڤال يوسف: نعم. الأمر الثاني: متى يعرف الإنسان، بينه وبين نفسه، أن عمله في الشأن العام ليس مخرِّبًا؟ ديمتري أڤييرينوس: أعتقد أن قدرتنا، كبشر، على حساب نتائج عملنا على المدى الطويل هي قدرة محدودة. تدخل في عملنا متغيرات كثيرة. نظرية أثر الفراشة معروفة: يمكن لمتغير طفيف في البداية أن يتحول وأن يؤدي إلى تغيير كلي للنتيجة. هذه فيزياء! مهم جدًا أن يكون هناك وضوح دائم من الإنسان أما النتيجة فهي ليست مسؤولية فردية. ما نحن مسؤولون عنه هو التعامل مع نتائج عملنا أولاً بأول. إذا كنا فعلاً يقظين ومبدأ الشك فاعلٌ فعلاً فلن توجد لحظة نهائية أو نموذج مطلق نريد أن نطبقه على الواقع. هناك تعديل مستمر. من منطلق حيوية الحقيقة التي نشعر بها دائمًا هناك تعديل مستمر. كل يوم هو في شأن. محمد العمار: ما أريد الكلام عنه سيبدو كنقد جذري، إنه ليس رفضًا ولكنه نقد جذري لكريشنامورتي وحتى لكل الفلسفة الهندية. أريد أن أسأل: هل كريشنامورتي ممكنٌ من الناحية العملية، بحسب الأشياء التي عرضها في هذه الورشة، أو من خلال ما عرضه الأستاذ ديمتري عنه؟ بتصوري، ولعدة أسباب، أن كريشنامورتي من الناحية العملية غير ممكن كفلسفة. أولاً، لا يمكن أن تتحرر من تأثير البيئة والمحيط، لأنه لا يمكن اجراء فرمتةٍ للذات... كاجو كاجو: من أين هذا الجزم؟ محمد العمار: هذا الجزم من حوران! هذا الجزم بسبب معرفتنا بتاريخ نفس نمو الطفل، أي من علم نفس الطفل. أنتَ لا يمكنكَ البدء من الصفر. لا يمكن لأحد منا أن يبدأ من الصفر. الموضوع الثاني هو موضوع الانتماء: الانتماء ليس اختيارًا. الآن أنا، مهما كان لدي من أفكار أو تصورات أو روئ أو وعي، مرغمٌ، إن كان ليس من داخلي فمنكم كمحيط، أن أُصنَّف مثلاً كسوري، أو كمسلم؛ هناك صورة عن المسلم وُضعتُ فيها مرغمًا. كان السفسطائيون، في تاريخ الفلسفة اليونانية، غير منتمين من الناحية العملية ولكن تمَّ تصنيفهم باعتبارهم فئة. الانتماء ليس اختيارًا. الموضوع الثالث: لدى مجلة معابر تعبير جميل رغم تحفظي عليه هو "منقولات روحية". فعلاً كل تراث البشر فيه نوع من الأشياء المضيئة، وهذا موجود في المسيحية والبوذية والإسلام... إلخ. تحفظي هو: لماذا يحضر الفكر الهندي كثيرًا، ليس الفكر الهندي المنتمي إلى اللاعنف تحديدًا، بل الفكر الهندي عامة، في هذه المنقولات الروحية؟ الآن، كريشنامورتي مثل ماسينيون البارحة؛ نحضر أحدًا ما ونحاول أن نؤنسنه. أشعر أن المنقولات الروحية يجب أن تستحضر المنقولات الروحية المشرقة للحاضرين؛ يجب أن نعيد تعريف محمد من جديد، تعريف الإسلام من جديد، أن نعيد تعريف المسيح، وتعريف المسيحية من جديد، ولا مانع من حضور أي تقليد روحي من أي فئة، ولكن يجب أن نعيد وعي الآخرين بتراثاتهم الروحية. لعلكم تتذكرون كلام جان ماري مولِّر عن أنه يجب أن نعيد تأسيس اللاعنف انطلاقًا من تراثاتنا. ديمتري أڤييرينوس: هل كريشنامورتي عمليًا غير ممكن، بمعنى أننا لا نستطيع أن نعيد صياغة وعينا؟ أولاً، أنا غير مفسِّر، ولست شارحًا، لكريشنامورتي، وقد رفض هو ذاته هذا الشيء خلال حياته، وما ذكرتُه عنه أتحمل أنا مسؤوليته الشخصية، إذ ربما لا يعبِّر عنه إطلاقًا. المهم في النتيجة هو لقاءنا مع بعضنا البعض وحوارنا مع بعضنا حول هذا المفهوم. كلُّ واحد منا هو ابن مجتمعه وبيئته وأسرته، نحمل في أذهاننا، في سلوكنا، في ردود أفعالنا، مجموعة إشراطات ومجموعة قيود بحسب برنامجنا، سواء برنامجنا البيولوجي أو حتى برنامجنا الاجتماعي. هذا شيء مؤكد وهذا تشخيص. هل يمكن أن يُفرمت هذا – حسب مصطلح الدكتور محمد؟ لن أجيب. سأترك هذا السؤال مفتوحًا لكل واحد منا يفكر فيه بهدوء. لن أجيب بنعم أو بلا. إذا أجبت بنعم أو لا أكون قد توقفت. أفضِّل أن يُترك هذا السؤال مفتوحًا، وكلٌّ يجيب عنه بحسب تأمله الشخصي ونقده الشخصي. الجميل في كلام الدكتور محمد هو أنه نقد جذري. هذا جميل. ربما كلُّ ما فكرنا فيه حتى الآن ليس له أساس، ربما نتكلم عن مفاهيم وأوهام... حميدة تعمري: أود أن أقدِّم اقتراحًا: في تقييم الورشة غدًا، إذا أحب أحدكم أن يجيب عن هذا السؤال فليفعل. ديمتري أڤييرينوس: جيد. الشيء نفسه بخصوص مسألة الانتماء. يعني، إذا كنتُ في طريقة شعوري بالانتماء؛ مثلاً بحسب ما تعلمت: قيل لي وأنا صغير "أنت كذا"، "أنت مسلم"، أو "أنت مسيحي"، أو... إلخ، هذه أفكارك وهذا سلوكك وهذه طريقتك في الحياة، وأنا في لحظة معينة أعي أن هذه الطريقة في الشعور بالانتماء هي أساس نزاعي مع الآخرين، هذه الطريقة في فهمي للانتماء، بالمعنى الضيق وبالمعنى الحصري، هي أساس نزاع. إذا وعيت هذا الشيء. هذا باب مفتوح على تحوُّل أو على تغيُّر أساسي. وكما أن هناك إشراط هناك لا إشراط، وهنا حرية الإنسان كما اعتقد، بينما إذا زرعنا في الحيوان مثلاً منعكسًا شرطيًا فمن الصعب جدًا أن نعود ونفك هذا المنعكس، وسيبقى لعابه يسيل بمجرد أن يسمع صوت الجرس. نحن لسنا كذلك. ولكن، بكل أسف، كل الإعلام يجعلنا نتصرف هكذا؛ نسمع كلمة فنقوم باستنفار. مجرد كلمة تُحمَّل شحنة انفعالية معينة بحيث نستجيب لها بمجرد سماعها، وتكون ردة فعلنا محسوبة تجاهها. هذا شيء فظيع إذا لم نكن واعين ومنتبهين. تأسيس اللاعنف اعتبارًا من التراث صحيح، ولكن، كما قال مولِّر أيضًا، مع قطيعة مع التراث العنفي الموجود في تراثنا. قطيعة. بدون ذلك أعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك بداية خيار لاعنفي في الوعي. أرجو أن أكون قد أجبت. نرساي أوشانا: بداية أشكر الأستاذ ديمتري. أنا طبعًا أقارب المحاضر مقاربة شديدة فيما طرح. حسب ما طُرح هنا من تفكير، هناك سمو تفكير أو ربما فلسفة، كما تشاؤون، جاء به كريشنامورتي. هذا الكلام هو قاب قوسين فهناك احتمال، وهذا واقع، أن كل ما قاله كريشنامورتي البارحة، والذي تفضلته بالحديث عن لسانه، قد سمعناه من هنا ومن هناك، سواء من منبر ديني أو من منبر فلسفي أو اجتماعي، أو ربما هناك احتمال ثان بأن هذا الكلام له رؤية جديدة ويجب البحث عنها في غرف مظلمة في نفس هذا الكائن الذي ندعوه الإنسان ولم تستطع النظريات الأخرى إضاءتها. الخلاصة، هل يسعى كريشنامورتي إلى إضاءة هذه الغرف من خلال مبدأ احترام الآخر كما هو، فالنظريات السابقة قد تتحمل هذه النتيجة لأنها أرادت صياغة الإنسان كما تريد؟ بالنسبة لتاريخنا، أنا مع الدكتور محمد العمار، تاريخنا المشرقي غني جدًا جدًا. فشلت زراعة الوردة الشامية في مناطق أخرى، الطبيعة تأخذ قرارًا، بعض النباتات تنمو في الهند ولا تنمو في سوريا وبعضها ينمو في سوريا ولا ينمو في الهند. أجمل مقولة قيلت حتى الآن هي إعادة قراءة كل الشخصيات التي صنعت تاريخ المنطقة ولكن بنظرة جديدة ومن منبر جديد. وإذا كان اللاعنف مبدأ هذا المنبر فسوف لن نحتاج إلى آراء الآخرين. شكرًا. ديمتري أڤييرينوس: كلام جميل، ولكن هل لدينا الوقت لفعل هذا؟! أيها الأصدقاء الأحبة، الكرة الأرضية اليوم على حافة كارثة عالمية، إذا بقينا نحيي التراث ونعيد قراءة التراث و... إلخ، ونقف هنا، أعتقد أن الأفق مظلم جدًا. نحن بحاجة فعلاً إلى وعي جديد يحرك عملاً نوعيًا الآن هنا. منذ هذه اللحظة. هناك إلحاح شديد لشيء مختلف. إذا عشنا هذا الشيء المختلف، إذا عشنا هذا الوعي المختلف واختبرناه، حينها يمكن أن نفهم تراثنا من منظور مختلف. هذا لا يعود شيئًا مهمًا. المهم، وكما تكلمنا أمس، ليس بماذا تفكر وبماذا تعتقد، بل هو عملك، وهذا هو الأساس. مؤكد أن هذه هي الهواجس الشخصية لكل واحد منا، بينه وبين نفسه. كل يوم، يتأمل، يفكر، يفهم، يرى الآفاق والأنفس. الأستاذ جودت يسميهم الحساسين للتفكير الجديد. في النتيجة، المهم هو ماذا نفعل في حياتنا؟ كيف نعيشها؟ بتصوري أن أهم عائق هو الشعور بالانفصال، الانفصالية والتصنيفات الأتوماتيكية التي تعودنا عليها وبُرمجنا عليها، ومن المهم جدًا أن نبطل هذه الآلية. هلا شامية: في ورشة سابقة تحدث جان ماري مولِّر عن سبب اختياره غاندي، أي اختياره شخصيةً لا تنتمي إلى أيٍّ من الديانتين: المسيحية والإسلامية، وقال إن ذلك مهم كي لا يتضايق أتباع أحد الديانتين. ديمتري أڤييرينوس: إذا كنا صادقين فمن المفروض ألا تزعجنا أية فكرة. وأعتقد اليوم أن الفكر العالمي هو حاجة حيوية لنجاة الإنسانية. وليس ترفًا أن نكون عالميين في تفكيرنا. محمد عبد الجليل: شكرًا على المحاضرة القيمة. أولاً، يعلِّم كريشنامورتي عدم اتباع أي منهج، فهو يقول "الحقيقة أرض بلا دروب". السؤال: ما مدى ضرورة المنهج في تفتح الوعي، لأنه لا يمكن الوصول إلى مكان ما بدون طريق؟ أو هل اللامنهج عند كريشنامورتي هو منهج، أو أن كريشنامورتي يقصد أن على كل فرد أن يخلق منهجه الخاص، أي كما يقال في الصوفية "تتعدد الطرق إلى الله بتعدد نفوس بني آدم"؟ ديمتري أڤييرينوس: مرة ثانية، عندما نقارب أي فكر فلنحاول أن نكون متجردين عن المعلومات. هذا مهم جدًا كموقف أولي – أحد كتب كريشنامورتي التي أتمنى ترجمتها قريبًا هو بعنوان التحرر من المعلوم –. هل اللامنهج هو منهج؟ هذا سؤال نظري. إذا بدأتَ أنت من الآن، أو كل واحد منا، في الانتباه إلى كيفية عمل آلية الإنسان، وكيف تقوم آلية ذهنه بالتصنيف والتجزيء والتعنيف و... إلخ، لن يعود سؤال المنهج أو اللامنهج سؤالاً مهمًا. المشكلة هي أن أي منهج – على الإطلاق – يخلق مسافة بين واقع ما هو موجود وبين صورة مثالية نريد الوصول إليها. بينما الانطلاق أصلاً من الواقع؛ هناك فقر، هناك إنسان فقير أمامي، هل أفكر بتطبيق نظرية لإصلاح الفقر، أم أطعمه الآن/هنا؟ هناك أفعى تريد أن تلدغني هل سأفكر... هناك قصة طريفة: أحدهم أصابه سهم مسموم، جاؤوا له بالترياق، فقال: أريد أن أعرف أولاً مما هو مصنوع هذا السهم؟ وهل من ضرب السهم أشقر أو أسمر،... إلخ؟ المنهج يعمل بنفس الطريقة بينما الاستجابة الآنية لحاجة الواقع.... على المستوى العملي التكتيكي يجب فهم الواقع الذي أعمل عليه. لا أستطيع وضع مشروع لمساعدة النساء المعنَّفات، أو مشروع للإرشاد النفسي بدون حد أدنى من دراسة عملية للواقع. هنا الفكر مفيد وفعَّال لأنه يؤدي وظيفته الحقيقية. بينما تدخُّل الفكر في اللحظة التي مطلوب فيها العمل يقضي على العمل، يقتل كل العفوية في العمل. لم أرى أمس ما قامت به جنى في المسرح اللاعنفي، ولكن إن لم تكن متجاوبة في كل لحظة، آنيًا، مع ما يحدث فما معنى مسرح لاعنفي؟ أرجو أن يكون هذا الشيء مسألة تفكُّر جدي. إيمان ونوس: مشكور على ما قدمته. أود أن أشير إلى نقطتين: تفضل المحاضر بقوله إنه لإحداث تغيير... لدينا رواسب وترسبات في التربية والدين والمجتمع لا نستطيع تجاوزها لإنجاز ما نود فعله. ما أتصوره هو أننا يجب أن نبدأ من التربية، إي أن نعيد صياغة التربية. النقطة الثانية: نعرف أنه منذ عام 2000 أصبح لدينا حراك اجتماعي، وكان هناك أمل وتفاؤل. لكن، ما لاحظته هو أن عمل الجمعيات قائم على شيء من البرستيج، لا يوجد دافع حقيقي لإحداث تغيير في أي اتجاه: قضايا المرأة، المعاقين... إلخ. نحن نريد أن نظهر فقط، إن كان في وسائل الإعلام أو غيره. حتى العمل ضمن هيئات رسمية يتم بهذه الطريقة. وهذا ما أريد التأكيد عليه: على كلٍّ منا أن يقف مع نفسه بهذا الخصوص. شكرًا. أكرم أنطاكي: أرجو أن تعذروني لأني سوف أتكلم بشكل فيه بعض الاستفزاز. أبدأ ببيت شعر لشاعر لم أعد أتذكر اسمه الآن يقول: "المجد لأبليس/ معبود الرياح/ من قال لا في وجه من قال نعم". وأيضًا بقصيدة لأراغون قال فيها – وسأوجه هذه القصيدة إلى أحدٍ ما، قد يكون أي واحد فينا، وقد يكون أعز إنسان علينا –: "ربما تكون قد خلقت لتناضل ضدَّ عناصر أخرى وليس مع الرجل والمرأة حيث يسود النفاق ويسود الكذب". ما سأتكلم عنه الآن هو مداخلة سألعب فيها دور محامي الشيطان. لأن ما طرحه هڤال، كسؤال مهم جدًا، يضم نقطتين، تم طرحهما بلطف، هما: أمس، قدَّم هذا الشخص الرائع الذي هو كريشنامورتي، الجالس أمام ألف رجل، ونتساءل حول ماهية هذه الجلسة؟ يقول إنه ليس غورو، ولكن هذه الجلسة ما هي؟ المحاضر نفسه جالس الآن ويقول "أنا لست غورو". أنت غورو في هذه اللحظة، سواء شئت أم أبيت. تقول إنك لا توجِّه أحدًا، ولكنك في الواقع توجِّه بشكل أو بآخر. يجب ألا نضحك على بعضنا في هذه الأمور! إنما علينا الانطلاق من الواقعٍ، ومن مستوى الوعي. "ليس لدينا وقت" أفهم هذا، يجب أن نسرع، يجب أن نعمل على ذاتنا. لست ضد هذا على الإطلاق. يجب دائمًا أن نعمل على أنفسنا، ونفهمها حسب ما ربينا عليه. لكني اليوم أواجه واقعًا معينًا، وانطلق من هذا الواقع، الذي لا يمكنني تجاهله. في نقاش سابق عندما تناقشنا، في سياق نقاشنا عن محاضرتك عن كريشنامروتي وغاندي، وعن إمكانية عقد المقارنة بينهما، وحول أنك أنت من سيقوم بهذه المقارنة – وكانت محاضرتك جميلة جدًا بالطبع –، قرأت بعد حديثنا نصًا لكريشنامورتي بعنوان أبدأ حيث أنت – قمتَ أنت بترجمته ونشره في سماوات، وسننشره قريبًا في معابر في باب اللاعنف أيضًا رغم أني في البداية رأيت أن ننشره في المرصد– رغم أن هذا النص يقول بأن "اللاعنف هراء"؛ سننشره في اللاعنف لأن اللاعنف ليس أيديولوجيا، ولأن اللاعنف يفتح بابًا للنقاش على واقع معين يحدث. لكن، هناك منهج يُطرح عبر كريشنامروتي – رغم إدعاء كريشنامورتي بأنه ليس غورو، فهو غورو. رغم هذا، يبقى أن فكره جزءٌ من هذا التراث الإنساني المطروح الذي يجب أن نعتبر أنفسنا جزءًا منه والذي يجب أن يساعدنا على فهم أنفسنا. هنا بالذات أرى أن هناك مستويي وعي: هناك مستوى وعي يتكلم فيه كريشنامورتي، مثلما كان المسيح يتحدث من مستوى وعي مختلف عن مستوى وعي الآخرين. سألتني مرة امرأة متدينة بشدة: "ألا تعتقد أن المسيح قد زادها قليلاً عندما قال أحبب عدوك، أو من ضربك على خدك الأيمن أدر له الأيسر؟"، فأجبتها، وبلطفي المعهود: "وهل كان المسيح يتحدث هراء إذًا؟". عمليًا، هذا هو جوهر المسيحية، يتم التحدث به على مستوى معين يجب أن يفهمه الإنسان عندما يعود إلى ذاته، يجب أن يحب أولاً ولاحقًا نرى كيف يحدث التغيير. أعود إلى سؤال هڤال: عمليًا، عندما تُطرح هذه الآراء، وتوضع على الميزان وتبسَّط – العدو هو التبسيط، وهو من يتكلم عن التبسيط ومن يسعى إلى ذلك – فهذا خطر. ديمتري أڤييرينوس: تقصد السطحية؟ أكرم أنطاكي: التبسيط يقود إلى السطحية. "يجب أن تفهمه الجماهير!" كما يقال في الأحزاب. افهم أنتَ أولاً ثم أعط الجماهير ما فهمته إن كنت قادرًا على الفهم الصحيح. الشيء الذي طرحته اليوم يُفهم فعلاً، شئنا أم أبينا، بأن هناك من يدعو إلى العمل على الذات ويعتبر الباقي غير ضروري. هذا ما يحدث، وطبعًا هناك من يدعو إلى عمل شيء ما. لا أريدُ محاسبة الناس على نواياها، ولكن حتى من منطلق نفعي، من منطلق شخصي؛ عَمِل غاندي مع كل الناس وتوصل إلى تحرير الهند. لاحقًا لم يكن مستوى البشر على مستوى غاندي وأدى ذلك إلى تدهور، هذا شيء آخر! هنا يصبح ضروريًا فهم كريشنامورتي بأنه يجب أن ندخل في العمق في فهم أنفسنا وغيره... ديمتري أڤييرينوس: هذا ما قلته! أكرم أنطاكي: هذا ما قلته، نعم. ولكن، أريد أن أوضِّح أكثر – ليس لدي لطفك أو طريقتك الناعمة. أنا شخصيًا معروف بأني فج أحيانًا –. المشكلة اليوم هي أن هناك فهم للأمور بشكل خاطئ. مثلاً، ركَّز الدكتور محمد العمار على نقطة مهمة هي باب المنقولات الروحية في معابر – وكما أظن أنتَ من قام باختيار بنود معابر، وأنا أبصم لك بالعشرة، وواحدة من تلك البنود هي المنقولات الروحية –. وهذه المنقولات الموجودة لدى الجميع، عندنا كما عند غيرنا؛ الإسلام، المسيحية، اليهودية، التراث الشرقي، وفي الغرب أيضًا، وربما الغرب أفضل منا في هذه النقطة. ويقال "لا تتبعوا شيئًا"!. بالنسبة لي يجب أن نتبع كل ما نجده مناسبًا. لا أتبع شيئًا يعني أن لا أحدِّد نفسي بشيء... ديمتري أڤييرينوس: هل يمكن أن أعلِّق تعليقًا بسيطًا هنا؟ أكرم أنطاكي: تفضل. ديمتري أڤييرينوس: عندما أقول "لا تتبع أحدًا" أو "لا تتبع غورو"، أعني أن لا يكون أحدٌ ما أو منهجٌ ما أو مذهبٌ ما هو "الـ" مذهب. أكرم أنطاكي: هذا صحيح. وهذا هو ما يجب أن يتم توضيحه... لا يوجد "الـ"دين، هناك أديان فيها جانب من الحقيقة وأتبعها جميعها لأنه: قد صار قلبي قابلاً كل صورة... ديمتري أڤييرينوس: هذا الكلام ككلام لا يعني الكثير. أغلب الناس اليوم يكرِّرون هذا الكلام، حتى كأيديولوجيا. هناك من يعد نفسه أكبريًا، بمعنى أنه متأثر بوحدة الوجود أو بالشيخ الأكبر، ما معنى هذا الكلام؟ القصد من الطرح هو أن ينمي لدينا حس النقد وإعادة النظر لا أكثر ولا أقل. أكرم أنطاكي: صحيح. إنه "من قال لا في وجه من قال نعم". ديمتري أڤييرينوس: إذا كان هذا الشيطان الصغير في داخلنا يوسوس دائمًا، ليس بأن نعمل شرًّا، ولكن يسأل دائمًا: "ما هذا اليقين الذي تحمله؟". لا يوجد يقين. هناك عملية سيرورة مستمرة في اتجاه التفتح. هذا الشيء الوحيد الذي يمكن أن نحس أنه يعطينا في اللحظة التي... كما يقول البسطامي عندما سألوه سؤالاً لا أذكره الآن، ولكنه أجاب قائلاً: "الماء إذا ركد أنتن فكن بحرًا لا تنتن". [حديث متداخل] ديمتري أڤييرينوس: أمس مثلاً شدَّد الأستاذ أكرم في حديثه على العلاقة، وفي حديث كريشنامورتي يتم التشديد بشكل كبير على: ماهية العلاقة الصحيحة، ماهية الإنسان العلائقي... [حديث متداخل] خلود أبو الدهب: مشكور جدًا على الجهد الطيب الذي قمت به. كنتُ بيني وبين نفسي قد قررت أن لا أتكلم في هذه الورشة لأني أفضِّل أن اسمع لأنها مشاركتي الأولى، خاصة وأني أعمل كمرشدة نفسية، ولذلك نحن معتادون على أن تكون نسبة 80 بالمئة لدينا سمع. بداية أود أن أقول "من عرف نفسه عرف ربه"، مع احترامي لكل الناس التي لها جهود طيبة في العالم ككريشنامورتي وغاندي وغيرهما. الحقيقة، أود أن أسمي كريشنامورتي فيلسوفًا انطلاقًا من حديثه عن "لماذا" و"الوعي الذاتي". لكن، إذا أردنا أن نأخذ بما قال فعلينا أن لا ندرسه وأن لا نأخذ به... ديمتري أڤييرينوس: هو يقول ذلك. يقول: أنا مجرد مرآة، إذا رأيت نفسك في هذه المرآة، بمعنى آخر، إذا وعيت لحظةً حقيقة المعنى، فيمكن أن تكسر هذه المرآة. خلود أبو الدهب: نظرًا لضيق الوقت سأذكر النقاط الأخرى بسرعة: أولاً، ما يقوله كريشنامورتي متناقض مع العلم، متناقض مع مبادئ علمية كبيرة. المهم الآن ليس "لماذا" المهم الآن هو "كيف". علميًا هذا هو الشيء المثبت. النوايا مهمة جدًا. ولكن "كيف" هو الذي يثبت ماذا ستعمل والنتائج وغيرها. لا أريد الإطالة في الشرح... استغرب غرامنا بما عند الآخرين وإغفالنا لما عندنا... كاجو كاجو: نحن لا نترك ما عندنا... كما أنه ليس هناك آخرون... خلود أبو الذهب: لا أقصد نترك بل أن لا نبحث بما عندنا. إذا أردنا أيضًا أن نأخذ بما قال كريشنامورتي فعلينا أن نعي ما عندنا، وما عندنا شيء ثري جدًا، إذا كان الله قد قال منذ 1400 سنة "إن الله لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". احترم ما قاله كريشنامورتي جدًا من أن الوعي يبدأ من الداخل... إلخ، ولكن هناك أشياء كثيرة موجودة أمامي أتركها وآخذ بما عند الآخرين. احترم الآخر وأحبه ولا أجد مانعًا من معرفته، أرجو أن لا يفهم من كلامي العكس. النقطة الأخرى التي أود قولها هي موضوع التغيير الذي يبدأ من الداخل: كنتُ في فترة من الفترات أعتقد بذلك، ولكن الآن أرى أنه أحد طرق التغيير، أو لنقل هو أحد نقاط بدء التغيير، وهناك طرق أخرى كثيرة. التغيير يبدأ من أي أي مكان ومن أي زمان، وهذا شيء مثبت تاريخيًا. التغيير لا يبدأ فقط من الداخل. إذا وعيت نفسي من الداخل سيكون الأمر جيدًا، لكن هذا ليس هو الطريق الوحيد وإلا لكنا ننسف النظرية السلوكية ونضعها جانبًا ونقول ليس لها عمل. المعرفي هو الصح، والسلوكي وكل نتائجه وكل ما يعمل العالم عليه ليس له أهمية. التغيير يبدأ من أي مكان. كنت أفكر أيضًا بأن التغيير يبدأ من الأسفل إلى الأعلى، ولكن الآن أقول وأكرر "التغيير يبدأ من أي مكان". النقطة الأخيرة، هناك إشكالية تطرح وتكرر دائمًا وهي ما طرحه الأستاذ أكرم: نحن في أي شيء نتكلم به نؤثر على الآخرين، والتأثير موجود شئنا أم أبينا. هذا شيء موجود. هناك العقل، وعندما نشغِّل عقلنا يمكنك أن تضعنا أينما شئت ولا تخاف. طالما أن عقل إنسانٍ ما يعمل فأنا مطمئنة أينما وضعته، وإلى أي منهج يسمع؛ هو سيأخذ منه ما يناسبه. نحن نسيء للعقل عندما نقول لا نريد هذه المناهج أو هذه الطرق... إلخ. الأستاذ جودت يتحدث عن الرشد، وقد سألت نفسي طويلاً من أين يأتي الرشد، ثم عثرت على كتاب، كأني عثرت على كنز، بعنوان التوافق النفسي، يقول المؤلف فيه إن الرشد هو المحطة التي نقيِّم فيها ما عند الآخرين، ما عند آبائنا، ما عند أسلافنا، ما هو موجود. أنت تختار، وهذه هي الحرية. الحرية ليست عندما يأتي أحد ويقول "يجب أن تكون حرًّا" فيكون الجواب "لا أريد هذا الشيء، وأنا حرّ". المهم أن أعي ما عند الآخرين، ما عند الأسلاف، ولكن يجب أيضًا أن أختار ما هو الأنسب والأنفع لي وللآخرين وللناس. وهكذا يمكن أن يكون هناك تنوع حقيقي وتغيير حقيقي. شكرًا. ديمتري أڤييرينوس: "الشيء الموجود عندنا ثري جدًا فلماذا نأخذ من الآخرين؟!". يجب أن نعي اليوم أن استمرارنا كنوع إنساني على هذا الكوكب أصبح على المحك. سؤال كبير. في مؤتمر كوبنهاجن وضعوا أربعين عامًا فقط أمامنا، إذا لم نصل خلال الأربعين عامًا إلى مجموعة شروط نخفِّض فيها درجة الحرارة، سيبدأ منذ الآن، كل ساعة تمضي، فوات الآوان. التحول الآن مطلوب آنيًا. الوعي الكوني، الوعي الشمولي، وعي كوننا واحد. الإنسانية واحد. وعي الآن. ولنقل: كلُّ أداة تساعدنا على هذا الشيء هي شيء معزز للمسار. وأعتقد أنه ليس بالإمكان الآن أن نقول "نحن" و"الآخرون"، هذا يجب أن يحذف. المهم في النتيجة أن يُعاد النظر جذريًا في مفهوم اليقين. اليقين الوحيد فعلاً في حياة الإنسان هو الطيبة. الإنسان الطيب هو اليقين. محمد نفيسة: شكرًا جزيلاً على المحاضرة. أعتقد أن هناك شيء ضروري جدًا حتى نصل إلى عدم الانتماء. المشكلة ليست في "عدم الانتماء". "عدم الانتماء" كلمة أظنها غير معبرة الأفضل منها هو "الخروج من الانتماءات". المشكلة هي في أن أحدنا عندما ينتمي إلى عقيدة أو مذهب أو دين محدد يظن نفسه الأفضل بسبب انتماءه. الانتقال من الانتماء يكون إلى ما يمكن أن نسميه "الانفتاح"؛ لأن الإنسان يأخذ معناه من تمايزه عن الآخرين، من اسمه المختلف عن أسماء الآخرين، من انتماءه العائلي، من انتماءه إلى لون بشرة معين؛ هذا ليس المشكلة، المشكلة هي عندما يعتقد أنه الأفضل بسبب انتماءه وليس بسبب عمله. في كل الأديان هناك شيء يدل على أنك لست الأفضل لانتماءك بل لعملك "خلقناكم قبائل وشعوب لتعارفوا أن أكركم عند الله اتقاكم"، "بل أنتم بشر ممن خلق"،... إلخ. الشيء الثاني الذي أود الحديث عنه هو عن مقدار تأثر كريشنامورتي بالأفكار الصوفية وبالفلسفات في الهند، في شرق آسيا، التي هي تهذيب النفس عن طريق كبح النزعات أو إلغاءها أو نفي الذات، بينما التقدم الإنساني... مثلاً، الإنترنت ظهر واستفاد منه الإنسان، بينما بدايته لم تكن عمل خير، وليست نفسية طيبة، بل احتاجه البنتاغون وأجهزة الاستخبارات الأميريكة للتواصل بينها ثم تعم تعميمه إلى العالم. لأنه مثل أي اختراع آخر ساهمت الصراعات العسكرية في تطويره. ليست هناك منطقة وسط بين المحبة وعدم المحبة، بين الصدق وعدم الصدق؛ "إما أنت صادق أو لا". أمس سألتنا جنى سؤالاً: "هل أنت عنيف؟" فأجاب أحدهم: "كنت أكره العدو، الآن لا أستطيع محبته ولكني أسامحه". هذه الفكرة "لا أحبه ولكن أسامحه" هي مرحلة. شكرًا. فيليبي دازا: من خلال الجزء الذي سمعناه من حديث كريشنامورتي أمس، ومن خلال ما قيل اليوم، نجد أن مفهوم التحول الداخلي مفهوم أساسي. كلٌ منا، كما نعرف، يحمل هوية، أفكارًا، قيمًا هي في الحقيقة تُبنى من خلال العلاقة مع الآخر، من خلال الأسرة، والمجتمع، والمدرسة، إلخ. وكل هذا يشكل نوعًا من الصورة التي يمكن اعتبارها "هويتي". اليوم، في المجتمع الحالي، أي في مجتمع العولمة الذي يقف وارءه منظور رأسمالي للعالم، يُكرَّس نموذج إرشادي واحد مبني على شيئين: أولاً، الناس جميعًا مترابطين؛ اليوم إمكانيات الاتصال الهائلة تتيح للناس أن يكونوا على تواصل وترابط مستمر، وتتكاثر الشبكات الاجتماعية والشبكات الفكرية والشبكات العملية والمعرفية؛ وفي المقابل تُفرض مجموعة قيم–مفاتيح مبنية على أساس نظرة مادية للعالم، نظرة نفعية للعالم. أيُّ خروج، أيُّ اختيار شخصي لفردٍ ما بالخروج عن مجموعة هذه القيم يعني أنه سوف يهمش، أي أنه محكوم بالمنظومة الموجودة "إذا كنت تفكر بشكل مختلف فأنت مهمش". المسألة معقدة جدًا والسؤال هو: ضمن هذه التركيبة الحالية، ما هو موقع أو مكانة التحول الداخلي الذي نتحدث عنه؟ ديمتري أڤييرينوس: أعتقد أنه من الأفضل الاستماع إلى باقي حديث كريشنامورتي. ولكن، يمكن أن أقول إن التحول الداخلي أشبه، إذا جاز القول، بماء كان راكدًا وتدفق، أصبح جاريًا مع الحياة. أعتقد أن هناك أكثر من إنسانٍ اليوم قادرٍ على الاستفادة من هذه الكوكبية والترابط. هذا الوعي الكوكبي الجديد الذي يتشكل من خلال شبكة العلاقات ويكون خارجًا في نفس الوقت عن نفعية المنظومة الرأسمالية أو نفعية المنظومة العولمية بالمعنى الاقتصادي البحت هو الإنسان الذي يحقق هذا التحول الداخلي، هو المستفيد الحقيقي، وهو الأكثر قدرة على توظيفها بشكل صحيح. مرة قدَّم أديب الخوري محاضرةً، نشرناها على الإنترنت في معابر، عن كون الإنترنت منظومة عصبية كوكبية لكوكب الأرض. اعتقد أن الإنسان الذي يعيش هذا الوعي الكوكبي، هذا التحول الداخلي الكلي، هو أكثر من يدرك ترابط الإنسانية، وكم يعطينا الإنترنت فرصة. من الصعب جدًا أن تُمنع الأفكار الحقيقية الآن، وهذه مناسبة هائلة يمكن الاستفادة منها مقابل كل الفوضى المعلوماتية التي تحدث. هناء النصير: أحببت كثيرًا فكرة الوصال، وعندما سمعتها اليوم من كريشنامورتي لم أشعر بأنها تتعارض مع أي شيء تراثي روحي، بل شعرت بأنه لا تعارض أبدًا مع ما قاله الأنبياء من قبل. لأنه فعلاً عندما نعيش هذا الوصال، أو الصلة، والذي يأخذني لاحقًا إلى علاقة مع كل شيء في الكون: طبيعة أو آخر، لا أعود أشعر بالخطر، لا أشعر بأن هناك شيئًا مختلفًا يقود إلى ما حدث الآن من إثارة موضوع "عندنا وعندهم". أشعر بأن هناك شيء من الأمان تعطينا إياه الأيديولوجيات أو العمل الاجتماعي أو الفئوي؛ هذا يحميني ويغلفني. ولكن، في النهاية يجب أن أعرف أني وحدي، وأن البحث عن الحق هو اختبار فردي، ويجب أن أقبل أن لا أتعلق بهذا الشيء. ما قاله أكرم من أن كريشنامورتي يمكن أن يكون معلمًا، أو هو في مكان المثال، صحيح، ولكن لا أعرف كم هو كريشنامورتي متعلق بهذا الموقع. يمكن أن نلعب الدورين، أي أن نكون المعلم والمتعلم، ولكن كم القلب متعلق بهذا، هذا هو المهم. هنا لا أكون صنمًا. أذكر مثالاً الآن هو أن المسيح كان يعلِّم ويعمل، وكان يهرب عندما يتم التعامل معه كملك. معلم أو غير معلم، هذا لم يكن ذا شأن كبير بالنسبة له. إذًا، كم هو قلبي غير متعلق بالأشياء؟ هنا لا أعود أخاف من كوني أحاضر أو لا أحاضر في الآخرين. هذا فكرة أولى والفكرة الثانية هي فكرة العمل الاجتماعي التي تم الحديث عنها كثيرًا: نبهتني هذه الفكرة إلى أننا غالبًا ما نملأ فراغًا أو قلقًا، نكفر عن ذنوب مثلاً، ما يجعلنا نركض إلى العمل الاجتماعي. كلما كنا مغالين في العطف والإشفاق يجب أن نسأل أنفسنا لماذا نفعل ذلك. وفعلاً، هناك مشاريع كبيرة، والتي خلفها تقف منظمات دولية، تكون هذه الفكرة هي قاعدتها. شكرًا. *** *** *** مرمريتا، 3 تموز 2010
|
|
|