التدريب العملي: يوغا
المجموعة الأولى
طرائق التحكم بالجسد والعقل

العقل، إن بسطنا التشبيه، يتألف من عدة طبقات تتدرج من الخارج إلى الداخل حيث المركز الذي هو الذات أو الكمال أو الألوهة.

باتاينجالي: ما إن يعي اليوغي أو المريد طبيعة "الجسم-العقل" حتى يبدأ في تطوير الطرق التي تمكنه، بشكل منهجي، من التحكم بها ومن تطهير مستوياتها. سنتحدث عن هذه الطرق استنادًا إلى التعليمات التي وضعها، منذ ما يقارب الـ2500 سنة، معلم كبير كان يدعى باتاينجالي، وهو الذي نظم هذه الممارسات ضمن منظومة تتألف من 8 مستويات عرفت بالأستاونغايوغا أو الراجايوغا أو اليوغا الملكية، وهي خطوات تبدأ من الجسد متدرجة خطوة خطوة نحو الداخل أو المركز.

الخطوات العملية للتحكم بالمستوى الأول الذي هو الجسم المادي: تتم الاستنارة عبر الجسد الذي إن كان طاهرًا ومتوازنًا وقويًا يمكنه إنجاز الكثير. والعكس صحيح.

الأساناس (أو وضعيات اليوغا الضرورية لذلك): الميزة الوحيدة لهذه الوضعيات هي في التحكم في تأثير الغدد الصم، وموازنة الهرمونات في الجسم، ما يجعلنا أقل عرضة للغضب وللإنفعالات السلبية الأخرى. كذلك، من خلال تطهير وتقوية أجهزة الجسم تزيل الأساناس العوائق، كالمرض والضعف الجسدي، من طريق التأمل. ومن خلال توجيه مجرى الدم واللمفاويات وسيالات الطاقة الحيوية، فإن الأساناس تساعدنا على التحكم بغرائزنا الحيوانية وتقوي خصالنا النبيلة. وهي، من خلال الدمج بين التوازن والتنفس، تقوي التركيز، كما أنها، عن طريق الاسترخاء العميق، تساعد الجسم والعقل على تجديد نفسيهما. لقد بينت الأبحاث الحديثة أن مجرد الجلوس في وضعية اللوتس يحول الأمواج المتدفقة للممارس من موجات بيتا المضطربة إلى موجات ألفا الهادئة.

النظام الغذائي: يجب أن يكون النظام الغذائي نباتيًا من أجل تنقية الجسد والعقل.

الصيام: أهمية الصيام تتركز في تنظيف الجسد من السموم العالقة به.

الخطوات العملية للتحكم بالمستوى الثاني الذي هو العقل الواعي: هي عبارة عن عشر مبادىء تعرف بالياما والنياما.

المبادئ الخمسة للياما، أي تلك التي لها علاقة بعلاقتنا مع الآخرين:

1.    الأهيمسا: وتعني اللاأذى (اللاعنف) في الفكر والكلام والعقل. إن اعتماد هذا المبدأ يؤدي إلى زوال ما في الإنسان من طبائع عدوانية.

2.    الساتيا أو الثقة الخيرة: وتعني استعمال العقل والكلمة من أجل الخير العام، ما يجعل الكلمة كمونًا قابلاً للتحقق.

3.    الآستيا أو عدم السرقة: فكل ما تستحقه من ثروة يأتي في أوانه.

4.    الراهماشاريا أو التفكير الكوني: لأنك حين تنظر إلى كل الأشياء كتعبير عن وعي كوني فإنك من هذا المنظور تتعلم الحب وترفض الفروقات.

5.    الأباري غراها أو بساطة العيش: أي عدم اقتناء أكثر مما هو لازم لتأمين مستوى حياة لائق.

المبادئ الخمس للناياما، أي تلك التي لها علاقة بعلاقتنا مع ذواتنا:

1.    الشاوكا أو طهارة العقل ونظافة الجسم: ما يعني النظافة الجسدية والتفكير الإيجابي الذي يستبعد كل تفكير سلبي.

2.    السانتوسا أو بساطة التفكير والقناعة.

3.    التابا أو الخدمة الاجتماعية والعمل من أجل الخير العام.

4.    السفادهيانا أو القراءات الملهمة، بمعنى تلك التي تقرب الإنسان من السمو.

5.    الإيشفارا برانيدهانا أو التأمل بالوعي الكوني، الأمر الذي يقود المرء إلى التحقق والامتلاء.

الخطوات العملية أو المبادئ للتحكم بالمستوى الثالث الذي هو العقل اللاواعي – أو التحكم بالتنفس: عندما يضطرب الذهن يصبح التنفس متقطعًا وسريعًا. وعلى العكس، عندما يكون الذهن هادئًا ومركزًا، يكون تنفسنا أبطأ. لا يمكن الفصل بين التنفس والعقل، لذلك فإننا حين نتحكم بتنفسنا، نتحكم بعقلنا. لقد فهم اليوغيون هذا ووضعوا من أجله تمارين كثيرة تساعد على التحكم بالعقل. وهذه التمارين تعرف بالبراناياما.

الخطوات العملية للتحكم بالمستوى الأول من اللاوعي – أو الترفع عن الأحاسيس: يشبه العقل بناءً متعدد الطوابق، حيث لا يكون بوسعك، حين تقف في الطابق الأرضي، التمتع بمجال واسع للرؤية. يمكن تشبيه النظرة المادية، أي من خلال الحواس، بالوقوف في الطابق الأرضي للعقل، حيث مجال الرؤية من هذا المستوى محدود جدًا. لذلك، إذا أردنا الارتقاء إلى مستويات أعلى، فإن أول ما يتوجب علينا فعله هو الارتقاء بالذهن عن مستوى الحواس، وهذا يتم عن طريق التصور أو التخيل، لأن العقل حين يتحرر من اختناقات الحواس يصبح بوسعه التمدد إلى المجال الواسع للحدس.

الخطوات العملية للتحكم بالمستوى الثاني من اللاوعي – أو التركيز: هل تأملتم مليًا في صورة ثلاثية الأبعاد؟ في البدء حين تنظرون إليها تشاهدون منظرًا بسيطًا، لكن إن أمعنتم النظر لمدة أطول سرعان ما تنبثق منها صور أخرى؛ كذلك هو الواقع. هناك مستويات ومستويات من الواقع لا يمكن ولوجها من دون تركيز عميق، فالمستويات، أو الطبقات الداخلية، تحجبها دومًا ستائر فكرنا المضطرب، ما يعني أنه عبر التركيز نتمكن من تلمس المستويات الأعمق للواقع. التركيز مهارة أساسية يجب إتقانها من أجل الانتقال إلى مستويات أعلى من الوعي. يبدأ تمرين الذهن على التركيز بالتركيز على شيء واحد فقط، لنقل شمعة، أو نقطة من الجسم، أو التنفس، أو كلمة، أو فكرة، أو على مجموعة من هذه الأمور لفترة محدودة من الوقت.

الخطوات العملية للتحكم بالمستوى الثالث من اللاواعي – أو التأمل: عندما يتمكن الذهن من التركيز على شيء واحد لمدة 12 ثانية، يكون الذهن في حالة تركيز. لكن حين يتجاوز المرء هذا الحد تحدث نقلة في الوعي، والأشياء التي لم تكن مرئية تصبح مرئية. أما حين يركز الذهن على شيء واحد لمدة تتجاوز الـ 12*12 ثانية، يحدث تحول آخر في الوعي، وهذا ما ندعوه بالتأمل. فما هو هذا التحول؟ هو زوال الفرق بين المتأمل وموضوع تأمله، زوال الجدار الفاصل بين الذات والموضوع، زوال الثنائية والبدء باختبار الوحدانية. إذًا يستطيع الإنسان، من خلال التأمل، اختبار الوحدانية المستورة للأشياء، وهذا ليس ممكناً إلاّ حين يتمكن من ولوج المستويات العليا من اللاوعي.

من أجل تحقيق الذات الداخلية المتجاوزة للوعي – السامادهي – أوحالة اللاثنائية: حين تندمج الذات بالموضوع نكون قد حققنا حالة اليوغا – التي تعني اللاثنائية. بوسعنا القول إن تجربة السامادهي تغير الإنسان بالكامل، إذ يفقد اهتمامه بمحدودية أشياء عالمنا المادي، ويرتقي برغباته إلى مستوى أعلى من حالات الغبطة، ليصل في النهاية إلى ما نسميه بـ"السعادة المطلقة".

الخلاصة:

إن تفهم طبيعة الذهن المؤلف من طبقات كقشرة البصلة هو خطوة هامة لتحقيق الذات، مع ملاحظة أن المعرفة وحدها عاجزة عن تحقيق الذات الحقة، لأنه، من أجل هذا التحقق، علينا بذل جهد حقيقي ومنهجي وصادق لتطهير وضبط كل مستوى من ممستويات العقل، وهذا ما يعنيه التدرب على الأوستانغا يوغا، حيث يشعر المرء الذي يسير على هذا الدرب بنمو مشاعر محبته تجاه كل الأشخاص وكل المخلوقات، ما يجعله يحقق ما أسميناه بـ"الوحدانية". حين يصل الإنسان إلى الوحدانية، إلى طبيعته الحقة، إلى السلم، يصبح إنسانًا لاعنفيًا يخدم العالم من خلال محبته وحكمته.

10 - 11 تموز 2009

ترجمة: أكرم أنطاكي

*** *** ***