|
تقارير مجموعات العمل حول فلسفة اللاَّعنف
وُزِّع المشاركون على أربع مجموعات، يتألف كل منها من خمسة أشخاص، تُناقش أفكار محاضرة جان ماري مولِّر اللاعنف: المبادئ الفلسفية، وذلك لاستخلاص نقاط متفَق عليها ونقاط مختلَف عليها، بالإضافة إلى تساؤلات (نقاط ظلت غير محسومة) يطرحها ناطقٌ باسم كلِّ مجموعة على المُحاضر. وبعد حوار دام ساعة ونصف الساعة، قدمت المجموعات تساؤلاتها وتعليقاتها، إيجابًا وسلبًا. في البداية، حاول المحاضر الإجابة عن تساؤلات كلِّ مجموعة على حدة قبل الانتقال إلى أسئلة المجموعة التالية؛ ولكن تبين، بعد الإجابة عن تساؤلات المجموعة الأولى، أن هذا الأسلوب يستغرق وقتًا طويلاً، فطرحت المجموعات الثلاث المتبقية تساؤلاتها وتعليقاتها دفعة واحدة، وأجاب المحاضر عن جزء منها مساء اليوم الأول للورشة، ثم تابع الإجابة صبيحة اليوم التالي. دارين أحمد * * *
تساؤلات المجموعة الأولى وتعليقاتها أولاً: ليس النضال اللاعنفي هو الذي أسقط جدار برلين، بل انتصار الرأسمالية على الشيوعية. ثانيًا: قلتَ إنه، في التربية، يجب أن نعلِّم الأطفال كيف يعيشون النزاع؛ ولكي يعيش الطفل النزاع يجب أن يتعلم كيف يُعمِل عدوانيته. السؤال هنا: كيف نحرِّض "عدوانية" الطفل في صفٍّ يضم 40 طالبًا مثلاً (كما في مدارسنا)؟ أي ما هي إمكانية تطبيق هذه النظرية في التربية وكيفية ذلك؟ ثالثًا: هناك نقاط ظلت معلَّقة، منها: - هل من الضروري الربط بين فلسفة اللاعنف وبين المأثورات الدينية؟ إننا نعتقد بضرورة تحرير فلسفة اللاعنف من اللغة "الميتافيزيقية" التي تُتَداول بها الآن، أي تحرير اللاعنف من اللغة الدينية. - تقول إن اللاعنفي روحاني، والروحاني إنسان قطيعة؛ وإذن فاللاَّعنفي هو إنسان قطيعة. أرنولد توينبي يقول: "اللامنتمي إنسان قطيعة." فهل اللاعنفي "لامنتمٍ"؟ - ما السبيل إلى الحيلولة دون تحوُّل اللاعنف إلى عقيدة أو دين أو إيديولوجيا؟ - هل الهندوسية والمسيحية ديانتان لاعنفيَّتان، بينما الإسلام دين عنفي؟ المفارقة هي: إذا كانت المسيحية ديانة لاعنفية فكيف نفسِّر ارتكابها العنف؟ والمقصود أن الكثير من الانتقادات الموجَّهة إلى الإسلام اليوم تُجمِعُ على أن لغة القرآن هي لغة عنيفة، ولذلك فهناك إرهاب إسلامي؛ في المقابل، فإن لغة الأناجيل ليست لغة عنيفة، ومع ذلك، كانت المسيحية عنيفة. ما رأيك؟ جان ماري مولِّر: واضح أنه لدينا جلسة ستستغرق الليل بطوله! أولاً، تقولون إن سقوط جدار برلين هو انتصار للرأسمالية على الشيوعية، وليس انتصارًا للاَّعنف على النظام التوتاليتاري! هل يعتقد الجميع في مجموعتكم بهذه النتيجة؟ پريهان قمق: للتوضيح، لا نؤيد الرأسمالية، بل نحن ضدها! جان ماري مولِّر: في رأيكِ، إذا فسَّرتِ سقوط جدار برلين بانتصار الرأسمالية، وإنْ لم تبرِّريها، ألستِ بذلك تُسبغين عليها شرفًا لا تستحقه؟! پريهان قمق: نحن الآن في مأزق عالمي بسبب الرأسمالية... جان ماري مولِّر: لا شكَّ أن النقاش يمكن له أن ينطوي على خلاف. قطعًا لا أريد أن تكون لي الكلمة الفصل. ولأنني أعتقد بأن اللاعنف ليس إيديولوجيا فأنا أبعد ما أكون عن رغبة فرض رأيي على أحد. المهم هو أن نتفاهم. أولاً: الرأي الذي تطرحينه يحرِّضني – فهو رأي مفكرين فرنسيين كُثُر، وهو رأي الكثير من أستاذة العلوم السياسية، وهو رأي مثقفين فرنسيين لا يودون أن يفهموا شيئًا عن اللاعنف! في لقاءات أو مؤتمرات في فرنسا، كثيرًا ما يحتدم النقاش حول هذه النقطة بالذات. أنا على خلاف مطلق مع هذا الرأي! ففي رأيي أن الرأسمالية لم تناهض الشيوعية ولا في أية لحظة؛ حاولتْ فقط أن تتقي "شرَّ" الشيوعية، فتماهت مع الإيديولوجيا المعادية للشيوعية. الرأسمالية دافعت دومًا عن مصالحها، ولم تحاول أبدًا أن تقاوم الجانب التوتاليتاري من الشيوعية – ولعلنا قد نختلف على هذه النقطة أيضًا. الشيوعيون الفرنسيون، إبان فترة ازدهار الشيوعية في الاتحاد السوڤييتي، لم يقروا قط أن الشيوعية توتاليتارية. عندما ذهبت إلى موسكو لحضور مؤتمر للسلام في العام 1972 مع عدد من الأصدقاء البلجيكيين اللاعنفيين، وزَّعنا منشورات مُفادها أن المنشقين هناك كانوا يوضعون في مصحات عقلية، ووجدت نفسي وحدي من الوفد الفرنسي أدين هذا الدليل على توتاليتارية النظام الشيوعي. لذا فإن العديد من الشيوعيين في الوفد أضمروا لي الكيد! تحليلي الشخصي هو أن المجتمع السوڤييتي كان قطعًا مجتمعًا توتاليتاريًّا. الگولاگ goulag، مثلاً، ليس اختراعًا رأسماليًّا! الگولاگ [من الروسية: "الإدارة العامة للمعسكرات"] هو ملايين البشر الذين نُفوا وتكبدوا الأهوال. مختبر الثورة على التوتاليتارية في العام 1989 هو پولونيا. هناك نضال ينبغي له أن يُدرَس، أن يحلَّل ويُعمَل النظرُ فيه، هو نضال المجتمع الپولوني ضد النظام التوتاليتاري.
بدأ هذا النضال منذ العام 1976، والاسمان اللذان سوف أذكرهما هما اسما اثنين من كبار قادة المعارضة الپولونية (وقد أتيح لي حظ كبير بلقائهما): آدم ميشنك Adam Michnik وياتشك كورون Jacek Kuroń. ميشنك صرف ست سنوات من عمره في السجن، وكورون حوالى تسع سنوات. يجب ألا نستهين – هكذا ببساطة! – بنضال هؤلاء الرجال الشجعان الذين ضحوا والذين كان تأثري بالغًا عندما قابلتهم. نُظِّمَتْ نقابة "تضامن" Solidarność في مدينة جدانسك Gdańsk فيما بعد [أيلول 1980] باستعمال منهجية الإضراب اللاعنفي، في تحالف رائع بين المفكرين والشباب والعمال. أود أن أؤكد أنه كانت هناك فعلاً مقاومة من الشعب الپولوني للنظام التوتاليتاري، وأظن أن مقاومة الشعب اللاعنفية هذه هي التي وضعت حدًّا للحرب الباردة.
ليس لي أن أدَّعي لنفسي شرفًا من أيِّ نوع في هذا الأمر. ولكن بما أننا نتحدث حديث الأصدقاء، يجوز لي أن أقول إن بعض أصدقائي الپولونيين أرادوا أن يترجموا إلى الپولونية كتابي إستراتيجية العمل اللاعنفي، وقد تُرجِمَ هذا الكتاب سرًّا. ولا بدَّ أن نشير هنا إلى الكتابات الكثيرة المتنوعة التي نُشِرَتْ في الخفاء إبان المقاومة الپولونية. كانت هناك آداب جوفية ("تحت الأرض" underground)، نشرت ثقافة مقاومة حقيقية بين الناس. دام الأمر بضع سنوات، ثم وقع انقلاب الجنرال ياروزلسكي Jaruzelski. يومذاك قال محلِّلون كثيرون إن ياروزلسكي كسر شوكة المقاومة الپولونية، إذ كان جميع قادة نقابة "تضامن" في عهده مرميين في السجن. وقد بيَّن التاريخ أن انقلاب ياروزلسكي لم يحطِّم المقاومة، إذ نُظِّمَتْ إضراباتٌ جديدة. ولِخْ ڤاليسا Lech Wałęsa، رئيس النقابة، استعاد فكرة غاندي التي تقول: "لا نستطيع أن نضع شعبًا كاملاً في السجن."
وقد شرح لي ميشنك السببين الرئيسين اللذين دفعا الپولون إلى اختيار اللاعنف: السبب الأول هو أنهم لا يملكون أدوات العنف. في پوزنام Poznań، مثلاً، كانت هناك محاولات عنفية قام فيها العمال بإشعال حرائق في مقرات الحزب الشيوعي؛ وجرت في پوزنام مواجهات مسلَّحة (وهذا قديم جدًّا يعود إلى العام 1956). تذكروا أيضًا أحداث بوداپشت [المجر] في العام 1956: كلما وقع عنف كان الأمر ينتهي إلى إخفاق تامٍّ للمقاومة. من خلال استقراء التاريخ، إذن، تبيَّن لميشنك أنه كلما لجأ الشعب إلى العنف كان ذلك يحرِّض المزيد من العنف من قِبَل الدولة، مما كان يؤدي إلى إخفاق المقاومة. الپولون اختاروا اللاعنف، إذن، بدافع عملي. الفكرة الثانية الأساسية التي عبَّر عنها ميشنك هي أنه كان يريد لپولونيا أن تصير مجتمعًا ديموقراطيًّا، وكان، مع رفاقه، يعتقد بأن هناك عدم توافق مطلق بين الديموقراطية والعنف.
آدم ميشنك والجنرال ياروزلسكي بعد مفاوضات "المائدة المستمرة" مشروع المجتمع الشيوعي كان مشروعًا رائعًا في الأساس. لكن اعتبارًا من اللحظة التي اعتقد فيها لينين أنه ينبغي إزالة الديموقراطية من أجل تسريع الثورة – كانت هناك قطيعة في ثورة أكتوبر عندما فُكِّكَتْ مجالس العمال وقمع الجيشُ الأحمر تمرد كرونشتاد Kronstad بأمر من لينين [1921]، وكان هذا خطأ تاريخيًّا فادحًا – قُمِعَتْ الحريات بذريعة تسريع تطبيق العدالة! إبان الحرب الباردة، كانت هناك مجابهة بين كتلتين، كان هناك توازن الرعب النووي. بعضهم يقول بأن سقوط الشيوعية كان من جراء قوة ردع السلاح النووي الغربي – وهذا، في رأيي، خطأ مطلق! كان من شأن سباق التسلح النووي أن يُبقي على الوضع الراهن. والحركة اللاعنفية الفرنسية عارضت، كلما استطاعت ذلك وبحسب قدراتها، التسليح النووي الفرنسي. في العام 1973، قمنا بعملية تسلَّلنا فيها في زورق صغير إلى ما تحت القنبلة النووية التي كانت ستُختبَر في الجو. لم نكن مدركين أننا كنا نخاطر بحياتنا! كنَّا خمسة فرنسيين وفريقًا دوليًّا من حوالى عشرة مناضلين أمريكيين. كنَّا نعرف تمام المعرفة أنهم لن يفجِّروا القنبلة ونحن نقف تحتها. الذي حدث أننا استقطبنا البحرية الفرنسية؛ أي أن زورقًا صغيرًا فيه خمسة عشرة مناضلاً لاعنفيًّا قد استنفر بَحرية جنوب المحيط الهادي برمَّتها! حتمًا انتهى الأمر إلى اعتقالنا وإيداعنا السجن. وصدقوني إذا قلت لكم إن فرحتي كانت هائلة عندما دخلت السجن، لأننا كنَّا نعرف أن اعتقالنا سوف يهز الرأي العام الفرنسي. كان من واجبنا أن نبين لشعب جنوب المحيط الهادي أن الرأي العام الفرنسي يعارض هذه التجارب النووية، وأن إنفاق الملايين من أجل بناء سلاح نووي هو في الواقع فضيحة. كان رأينا، من خلال التحليل، أن نهوض شعوب أوروبا الشرقية من خلال منهجية العمل اللاعنفي هو الذي سيساعد على تحررها. ولكي يكتمل تحليلي، سوف أضيف نقطة لعبت دورًا في لَبرَلَة libéralisation النظام السوڤييتي هي "أثر غورباتشوف". غورباتشوف لم يُرِدْ قطعًا أن يستنفر الجيشَ الروسي ضد الشعب الپولوني – ولعله لم يكن يستطيع ذلك – وموقفه الإجمالي في الپيرسترويكا ["إعادة الهيكلة"] كان ذا تأثير إيجابي على تطور النظام. ما أنصح لكم به هو دراسة مقاومة الشعب الپولوني. ادرسوا كذلك مقاومة الشعب التشيكوسلوڤاكي، فكر هذا الرجل الرائع الذي كانه ڤتسلاڤ هاڤل Václav Havel؛ اقرؤوا ڤتسلاڤ هاڤل، هذا المفكر الرائع الذي صرف سنين طويلة من عمره في السجن هو الآخر. عندما التقيناه في العام 1990 – وكان منتخَبًا رئيسًا للجمهورية – قال: "عندما كنت مرارًا ما أودع السجن كان الصحافيون الغربيون يأتون ويقولون لي: ما الجدوى من دخولك السجن؟ لا جدوى من ذلك على الإطلاق!" فكان يجيبهم: "الجدوى من ذلك هو قول الحقيقة!" استُنفِرَ الشعبُ التشيكي بأسره؛ وهذا ليس نصرًا للرأسمالية، بل نصر للشعب التشيكي ضد النظام التوتاليتاري. وكان من المذهل أن نرى ڤاتسلاڤ هاڤل، المناضل اللاعنفي، يُنتخَب رئيسًا للجمهورية! لا أريدكم أن توافقوني الرأي، بل فكروا ما شئتم. لكن خذوا في حسبانكم، ولو جزئيًّا، نضال هؤلاء الناس الذين صرفوا أعمارهم، بكلِّ شجاعة وتضحية، في سبيل الحرية.
ڤتسلاڤ هاڤل (1936- ). سأورد الآن مثالاً آخر. أرجو ألا أطيل، ولكن الأمر مهم. في پولونيا [1984] شكَّلت مجموعة من الشباب حركةً باسم "حركة حرية وسلام" Ruch Wolność i Pokój. وإحدى ممارساتهم كانت أن يرفض الشباب الذين يؤدون الخدمة العسكرية تأدية القسم؛ وبذلك دخل كثيرون منهم السجن، وغُرِّموا أحيانًا مبالغ باهظة، وقاموا بإضرابات عن الطعام، وقُيِّض لي أن أزور بعضهم وهو صائم أو مضرب عن الطعام. وبذلك حصلوا على أول منزلة "معترضي ضمير" objecteurs de conscience بوصفهم رافضين للخدمة العسكرية في العالم الشيوعي. وبُعيد تشرين الثاني 1989، كتبتُ مقالاً بعنوان "تحرُّرهم لا يَدين لليبراليتهم بشيء". كنت أعرف أن في فرنسا تضامنًا حقيقيًّا مع نقابة "تضامن"، لكني كنت أعرف أن كثيرًا من المفكرين الفرنسيين لا يفقهون شيئًا عن اللاعنف، وبالتالي، كانوا غير قادرين على تحليل مقاومة الشعب الپولوني. لا أفرض موقفي، لكني أود أن أحدِّده. أتفهَّم أنكم ضد الرأسمالية، ولكن عندما تنسبون إليها إسقاط جدار برلين، فأنتم تسبغون عليها شرفًا أعظم من أن تستحقه! ثانيًا: العدوانية في التربية: سيكون لنا لقاءٌ غدًا مساءً حول اللاعنف في التربية مع هيلين روسييه؛ وهي قد عملت مدرِّسةً مدة أكثر من أربعين سنة، وتوفرت على دراسة مسألة العنف في المدارس منذ سنوات طويلة. سأترك لها، إذن، الإجابة عن هذا السؤال. ثالثًا: النقاط المعلَّقة: سؤال يهمني كثيرًا – هذا سؤال بثلاثين ألف دولار! – العلاقة بين اللاعنف والفلسفة والدين. من الممكن أن نصرف لياليَ طويلة في الكلام على هذا الموضوع. سأباشر بالإجابة على التعليق الثالث: لم أقل بأن المسيحية تأسَّست على اللاعنف، لكننا نستطيع أن نناقش هذه النقطة. الصحيح أن يسوع قد رفض الصيغة اليهودية لقانون "العين بالعين" loi du talion: "قيل لكم: عينٌ بعينٍ وسنٌّ بسنٍّ (وانتبهوا للترجمة، إذ لا أعرف كيف تُرجِمَتْ هذه العبارة في النص العربي)، أما أنا فأقول لكم (بحسب الترجمة): لا تقاوموا الشرير"، وفي صياغة أخرى: "لا تقاوموا الشر" [إنجيل متى 5: 38]. هذه عبارة فيها تناقُض: كيف يقول لنا يسوع: "لا تقاوموا الشرير"؟! كأنه بذلك يأمرنا بعدم المقاومة! وإذا كان يسوع قد قال: "لا تقاوموا الشر" فهذا غير معقول أيضًا! القديس جيرونيموس [جيروم، 347-420] هو الذي قام لترجمة الكتاب المقدس إلى اللاتينية (في بيت لحم أروني المكان الذي تُرجِمَ فيه الكتاب) فيما يُعرَف بالـVulgata؛ وظنِّي أنه أخطأ، ربما، في ترجمة بعض العبارات. إذا عدنا إلى النصِّ اليوناني – وهو النص الأكثر أصالة بين أيدينا – نلحظ مباشرة أن الترجمة مختلفة، وأنها يجب أن تكون: "أما أنا فأقول لكم: لا تقاموا الشر بمحاكاة الشرير" – وبذا تعود إلى يسوع فطنته، ونستعيد معه فطنتنا، ويستقيم المعنى. طبعًا يجب مقاومة الشرير، لكنْ ليس بوسائل الشر والشرير. والفكرة هي أننا إذا قاومنا الشرير بمحاكاة شرِّه "صرنا مثله" – ولعل والد ديمتري الذي قال له هذه العبارة بعينها قد أحسن ترجمة الإنجيل! يمكن لنا أن نعود إلى نصوص أخرى من الإنجيل. ولا في أية مناسبة يبرِّر يسوع العنف. ولكن المسيحيين كانوا عنيفين قطعًا: كانوا عنيفين إبان حروب الفرنجة، كانوا عنيفين في حروبهم القومية، وكانوا عنيفين للغاية في الحروب الدينية فيما بينهم، كالحروب بين الكاثوليك والپروتستانت، كمجزرة سان بارتلمي la Saint-Barthélemy – مجزرة وحشية لا تُصدَّق [ليلة 23-24 آب 1572، وقع ضحيتها حوالى 3000 پروتستانتي]. كيف يصل بنا الأمرُ إلى حرق إنسان حي؟! كيف يجرؤ إنسان "مؤمن بالله" على مجرَّد تصوُّر حرق إنسان آخر حيًّا؟! لعلهم أرادوا أن يستَبِقوا نار جهنم! المشكلة في المسيحية أنها أبقت على العهد القديم نصًّا مقدسًا. فالله في العهد القديم مطروح بوصفه "رب الجيوش" Dieu des Armées – ولعل الأصح أن يقال: "الإله المنزوع السلاح" dieu désarmé [تلاعُب لفظي]. هناك قطيعة أحدثها المسيح مع الموروث اليهودي (وقد تحدثنا عن مفهوم "القطيعة" هذا الصباح). يسوع يهودي المنبت والنشأة، وليس مسيحيًّا؛ لكنه يهودي أحدث مجموعة قطيعات مع اليهودية، وبالذات مع قانون "العين بالعين والسن بالسن". يسوع أحدث قطيعة مع السبت [اليوم المقدس عند اليهود] أيضًا: "إن السبت جُعِلَ للإنسان، وما جُعِلَ الإنسانُ للسبت" [إنجيل مرقس 2: 27]، وقطيعة مع شعائر الطهارة والتطهر [إنجيل متى 15: 1-20]، وقطيعة مع التضحية بالحيوان: "أريد الرحمة، لا الذبيحة" [إنجيل متى 12: 7]. تعرفون أيضًا قصة طرد يسوع الباعة من الهيكل: دخل إلى الهيكل ورأى فيه باعة البقر والغنم والحمام والصيارفة جالسين إلى موائدهم، فجدل سوطًا من حبال، وطردهم من الهيكل مع الغنم والبقر، ونثر دراهم الصيارفة وقلب موائدهم [إنجيل يوحنا 2: 13-16]. هناك لاهوتيون كُثُر يقولون إن يسوع كان "عنيفًا" وهو يطرد الباعة؛ أما أنا فأرى في عمل يسوع في الهيكل كَمال العمل اللاعنفي المباشر: إنه لا يعنف بالباعة أنفسهم، إنه يصب جام غضبه على المال الذي ينثره أرضًا، ويطلق الحمام ويحرِّر الحيوانات... كاجو كاجو: لقد شتم الباعة... جان ماري مولِّر: أخذ سوطًا، لكن لكي يطرد الصيارفة وباعة الحيوانات... كاجو كاجو: قال لهم: "يا أولاد الأفاعي"! جان ماري مولِّر: قال ذلك في سياق آخر. صحيح أنه تَرِدُ في النص لعنات تفوَّه بها، لكننا نتساءل هنا: هل هناك تناقُض عند يسوع نفسه؟ كانت هناك قطيعة أساسية هي رفض التضحية بالحيوان في هيكل أورشليم؛ وقد قيل إنه وعظ في هذا الهيكل نفسه أكثر من مرة، وذكَّر أحيانًا بأقوال بعض الأنبياء حتى. في العهد القديم هناك وصية بذبح الحيوانات، وهناك أقوال أخرى لأنبياء آخرين تدين التضحية بالحيوان، حيث جاء في النص: "الذبيحة التي أريدها هي أن يجري الحق كالنهر." القطع مع التضحية بالحيوان في هيكل أورشليم كان عمل قطيعة أساسيًّا؛ واعتبارًا من تلك اللحظة قرر كبار الكهنة موت يسوع. معظم المؤرِّخين مُجمِعون على أن السبب الرئيسي الذي حدا بالكهنة إلى اتخاذ قرار موت يسوع هو أنه جدف على الشريعة في هيكلها الحرام! فيما يتعلق بالقرآن، يجب أن نتوخى دقة شديدة. فالقرآن يقر قانون "العين بالعين السن بالسن"، لكنه يدعو المؤمن إلى التخلِّي عن هذا القانون، إلى تجاوُزه في الصفح والمغفرة – وهنا بالذات توجد إمكانية للتلاقي. الذي يصفح ويغفر هو أكثر كمالاً من الذي يطبق قانون "العين بالعين". هناك آيات في الكتاب تدعو المؤمن إلى الردِّ على السيئة بالحسنة: "ولا تستوي الحسنةُ ولا السيئةُ ادفعْ بالتي هي أحسنُ فإذا الذي بينكَ وبينهُ عداوةٌ كأنَّه وليٌّ حميمٌ" [فصلت 34]. عندما نقول بأن القرآن لا يعلِّم إلا العنف فهذه إهانة في حقِّ القرآن وحقِّ المسلمين! منذ زيارتي الأولى للبنان، في مستهل التسعينيات، انكببتُ على دراسة القرآن، وأستطيع القول إني أعرف عنه أكثر مما أعرف عن الكتاب المقدس! فيما يتعلق بالصلة بين اللاعنف والدين، على كلٍّ، في دينه (إذا كان مؤمنًا)، أن يهتم لما يقوله دينُه بالذات حول اللاعنف. وهذا ليس مشروعًا فحسب، بل هو أمرٌ على غاية من الأهمية. على المقتنع باللاعنف أن يتجذَّر في دينه، لعله سيضطر إلى القيام بشيء من القطيعة. سُئلت قبل يومين عن موقفي الشخصي من الدين. لم تسألوني بعدُ هذا السؤال، لكني سأجيب عنه (فهذه مسألة شفافية بيننا وأمانة فكرية). وقعت في الكاثوليكية وأنا صغير – وهذا ليس بخطئي! – واعتنقت طوال سنوات طويلة الإيمان الكاثوليكي، ثم اكتشفت اللاعنف. وقد اكتشفت اللاعنف اعتبارًا من بعض أقوال يسوع حصرًا، لكن عبر وساطة غاندي أيضًا. ثم وجدت نفسي على خلاف عميق مع كثير من المواقف اللاهوتية الكاثوليكية، خصوصًا فيما يتعلق بالعنف، حتى قادني ذلك إلى قطيعة مع الكاثوليكية – وكانت قطيعة مؤلمة! لكني بإحداث هذه القطيعة مع الكاثوليكية أحسب أنني كنت أشد إخلاصًا للمسيحية. وطبعًا وضعني موقفي هذا في موقع "الزنديق" hérétique في نظر الكنيسة. (ومن حسن حظي أن الهراطقة لم يعودوا يُحرَقون في فرنسا!) بالطبع، ليس على المؤمن أن يتخلَّى عن إيمانه، لكنه يجب أن يجرد الدين من سلاحه. أحب مفهوم "نزع سلاح" désarmer العنف: اللاعنف هو نزع سلاح عنفنا بالطبع؛ لكننا يجب أيضًا أن نجرد جميع الإيديولوجيات من سلاحها، مثلما يجب تجريد الأديان من سلاحها. إذا وجدت ناشرًا فإن عنوان كتابي المقبل سيكون نزع أسلحة الآلهة Désarmer les dieux. كان عندي إغراء بأن أقول "نزع سلاح الله"، ثم تبين لي خطأ هذا التعبير، لأنه إذا كان الله موجودًا فهو ليس "مسلحًا"! ليس علينا أن نجرد الإله الحق من سلاحه، بل علينا أن نجرد كلَّ التمثيلات الذهنية البشرية عن الإله من سلاحها. سيمون ڤايل، الفيلسوفة نفسها التي أعشقها ووضعتُ كتابًا عنها، قالت: "ليس من شأننا نحن أن نؤمن بالله، بل ألا نولي محبتنا لآلهة باطلة [كاذبة] وحسب." يجب، إذن، أن نلحد بجميع الآلهة الباطلة [الكاذبة]. وما هو "الإله الكاذب" بنظر الفيلسوف؟ الإله الكاذب، بنظر الفيلسوف، هو الإله الذي يرتضي عنف البشر، يبرِّره؛ والأسوأ من ذلك، يأمر البشر بارتكاب العنف؛ والأسوأ من هذا وذاك الإله الذي يكون هو نفسه عنيفًا! ولكن بعد أن نجرد أدياننا من أسلحتها، لا بدَّ لنا من ابتكار لغة مشتركة بين البشر من أصحاب النية الطيبة les hommes de bonne volonté من جميع الشعوب والفئات في العالم – وهذه اللغة هي لغة الفلسفة على ما أظن. اللاعنف والإيديولوجيا: اللاعنف، بطبيعته نفسها، لا يمكن له أن يتحول إلى إيديولوجيا. اعذروني إذا اقترحت عليكم قراءة مقطع من كتابي قاموس اللاعنف، بما أنه مترجَم إلى العربية (وإذا لم تستطيعوا شراء الكتاب فاسرقوه – وأنا واثق من أن أصدقاءنا في معابر لن يجرجروكم إلى المحاكم!). هذا المقطع هو مادة "الإيديولوجيا" [ص 56-58]. الإيديولوجيا هي التأكيد على مبادئ مجردة مطلقة. أما اللاعنف فلا يقوم على مبادئ مجردة ومطلقة. أصررت على قولي بأن حقيقة اللاعنف هي حقيقة علاقتي بالآخر. أما الإيديولوجي فيستعمل العنف لكي يفرض عقيدته. مَن اختار اللاعنف – اللهم إلا إذا خان اللاعنف خيانة تامة – لا يستطيع، بطبيعة الحال، أن يلجأ إلى العنف لكي يفرض اللاعنف! فاللاَّعنف يتضمن، في طبيعته نفسها، "الأجسام الضدية" anticorps التي تقيه داء الإيديولوجيا. اللاعنف لا يماري مع العنف، لا يهادن معه؛ لذلك فإنه يذهب بنا إلى احترام كبير للأشخاص لدى مقارعة الظلم الذي يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يتورطوا فيه. للتسامح حدود، وحدود "التسامح" [الطاقة] tolérance هي "ما لا يُتسامَح فيه" ["ما لا يُطاق"] lʼintolérable! أحب هذه العبارة من نصٍّ بعث به الفيلسوف الفرنسي جاك ماريتان Jacques Maritain إلى بعض أصدقائه: "على المرء أن يتحلَّى بذهن قاسٍ وبقلب حنون"، في حين أن الإغراء هو أن يكون ذهنه رخوًا وقلبه قاسيًا. في جانب ما، هناك "قسوة" dureté في اللاعنف. نيتشه يقول عبارة بديعة: "الفحم ينذهل أمام قساوة الماس." السؤال الأخير: الإنسان اللاعنفي هو إنسان قطيعة، لكنه يجب ألا ينعزل عن مجتمعه. إنه يواصل انتماءه، لا إلى المجتمع فحسب، بل وإلى جماعته أيضًا، إلى أمَّته؛ إنه يُحدِثُ قطيعة مع بعض التقاليد الموروثة في جماعته، لكنه لا يُحدِثُ قطيعة معها. كما أنه لا يود أن يفتش عن طهارة مطلقة خارج المجتمع، كالرهبان الذين يتنسكون في البراري – لعلها "دعوتهم"، نداؤهم الداخلي vocation، لكن هذه ليست دعوتي أنا على الأقل! اللاعنف الغاندي يندرج في التاريخ. في الهند هناك مرشدون [روحيون] gourous كُثُر يعلِّمون الحياة الروحية خارج المجتمع، خارج حالات النزاع؛ هناك في فرنسا وغيرها أيضًا معلِّمون يعلِّمون الروحانية خارج حالات النزاع، خارج مجال السياسة – ولا أجد نفسي أبدًا في هذه المساعي. هناك عبارة ملتبسة، برأيي، في قول أحدهم: "أنا أفتش عن السلام مع نفسي." وكثيرون يقولون: يجب أن تبدأ بالسلام مع نفسك قبل أن تهتم للسلام مع الآخرين. السلام لا يتحقق إلا مع الآخر، ولا يُقتبَل السلام إلا من الآخر. وعندما أكون في سلام مع الآخر يمكن لنا، عندئذٍ، – ربما، فلست متأكدًا من ذلك – أن نضفي معنًى على عبارة "السلام مع النفس". إذا كنت أنتظر أن أكون في سلام مع نفسي قبل أن أعمل من أجل السلام مع العالم، فقد أموت قبل أن أعمل سلامًا مع نفسي، ولا أكون قد عملت شيئًا من أجل السلام في العالم! كاجو كاجو: هذه نقطة خلافية... جان ماري مولِّر: ربما هناك سوء تفاهُم، ويجب أن نتوسع في الحديث عن هذا الموضوع. سأتوقف الآن عن الإجابة عن تساؤلات المجموعة الأولى، وأنا مستعدٌّ لتخصيص الوقت ذاته للمجموعات الأخرى. مرمريتا، 20 حزيران 2008، الجلسة المسائية * * *
تساؤلات المجموعة الثانية وتعليقاتها أولاً: نقاط اتفاق: - إدراك "العالمي" وفهمه حتى الآن هو إدراكه عبر الغزو أو الفتح. - الوسيلة العنيفة تحوِّل الغاية أو القضية العادلة إلى قضية غير عادلة. ثانيًا: تساؤلات: - قال مولِّر إن غاندي جسر بين الشرق والغرب، بين المسيحية والإسلام. فهل كان يقصد المماهاة بين الشرق والإسلام وبين الغرب والمسيحية؟ نود هنا أن نشدِّد أنه لا يجوز إنكار انتماء غاندي إلى الشرق. - قال مولِّر إن "قوة المحبة" و"قوة الحقيقة" غير قادرتين دومًا على مواجهة قوة الظلم لأنهما قوتا إقناع؛ إذ لا يجدي الإقناع أحيانًا، فيجب الإكراه. هل يمكن للإكراه أن يفلح دون وجود قاعدة مرتبطة بالمحبة؟ ثالثًا: نقاط خلافية: - طرح مولِّر تقسيم فلسطين. ولكن، كما قال، بما أن الأرض "موعودة مثنى" فكلا الطرفين لن يقبل بجزء منها فقط. نود أن نعرف رأيه بفكرة الدولة ثنائية القومية.
تساؤلات المجموعة الثالثة وتعليقاتها أولاً: نقاط اتفاق: - اللاعنف هو الطريق الأوحد لحلِّ المشكلات حلاًّ عادلاً ونهائيًّا. - اللاعنف وسيلة فعالة في العمل السياسي والاجتماعي والثقافي. ثانيًا: تساؤلات: - قال مولِّر: "في البدء كان النزاع" – وهذا ما نعترض عليه أو نتساءل عنه. - سؤال خاص بالدكتور محمد العمار: على الرغم من وضوح دور اللاعنف في الكفاح الفلسطيني فإن موقف جان ماري فيما يتعلق بحقيقة هذا الصراع يشوبه بعضُ الغموض. ثالثًا: نقاط خلافية: - هل الإنسان يولد خيِّرًا بالضرورة، ثم يصير الشر جزءًا منه بعد ذلك؟ (هذه كانت نقطة خلاف بيننا كمجموعة.) - هل نقول إن اللاعنف فريضة أخلاقية؟ أم أنه سلوك وموقف؟ رابعًا: توصية: تبسيط المفاهيم التي وردت في جمل قصيرة مؤثِّرة يمكن نقلها إلى الأطفال وحديثي العهد باللاعنف.
تساؤلات المجموعة الرابعة وتعليقاتها أولاً: نقاط الاتفاق: - لاحظنا أن لهجة جان ماري، لغته، إيحاءاته، حركاته، صوته الجهوري، يترك انطباعًا بأن معتنق اللاعنف هو شخص قوي؛ ولذلك اتفقنا على أنه – أي مولِّر – يقدم نموذجًا جميلاً للإنسان اللاعنفي. - ورد فيما تفضل به الأستاذ المحاضر أن المهم هو الحوار العالمي فيما بيننا، وأن أكبر تحدٍّ للقرن الواحد والعشرين هو معرفة ما إذا كان في إمكان البشر ابتكار لغة عالمية مشتركة هي لغة اللاعنف. - يجب خلق النزاع في حالات الجور أو الظلم. ثانيًا: نقاط خلافية: - مسألة القطيعة مع التراث: وردت فكرة القطع مع التراث ذي الطابع العنفي. نحن نتفق مع ضرورة القطع مع التراث ذي الطابع العنفي، لكننا نعترض على عدم التركيز على الوصل مع ثقافة التسامح الموجودة فيه التي لا يمكن إنكارُها. - طرحت هذه النقطة المجموعة الثانية، لكننا نريد إعادة طرحها وفق صياغة أخرى. قال مولِّر ما معناه: النزاع يتركز على الغرض، وليس على الطرف الآخر، الخصم؛ وعلينا أن نبتكر تسوياتٍ لكلِّ حالة. وهذا ينطبق على الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، فيتم حل النزاع باقتسام الأرض؛ والمطلوب التوصل إلى اتفاق حول اقتسام الأرض. هذه نقطة خلافية. وقد طرح رجا ديب رأيه في هذه النقطة كما يلي: "الأرضية التي نطرح منها هذا التساؤل مختلفة عن الأرضية التي طرحتْه منها المجموعة الثانية؛ ذلك أن المجموعة الثانية طرحته كحلٍّ سياسي. لكني، هنا، أرى الجانب الآخر الذي أعتقد أنه أهم، وهو: عندما يُقدَّم اللاعنف فإنه يقدَّم كمنهج أو كوسيلة عمل، وليس كإيديولوجيا. ولكن عندما طرحه جان ماري حلاًّ لمسألة النزاع الإسرائيلي–الفلسطيني على أساس اقتسام الأرض، فأنا أعتقد أنه انتقل من حقل معرفي إلى حقل معرفي آخر – وهنا مكمن الخطورة. مولِّر كان يتحدث في البداية عن المنهج، ثم انتقل إلى الحل. فهل نريد من خلال "سياسة" اللاعنف الترويج لحلٍّ سياسي ما، أم أننا نتحدث عن المنهج فقط؟" - نقطة أخيرة للنقاش حول قانون الضرورة الأسود الذي تحدث المحاضر عنه؛ وقد طرحت هالة الفيصل سؤالها كما يلي: "موضوع قانون الضرورة الأسود موضوع حساس، يدخل في جميع تفاصيل حياتنا. فنحن، لضرورة العيش، كثيرًا ما نزاول عملاً في مجال لا نحبه؛ وأنا، كفنانة، لا أستطيع العيش من رسمي، فأضطر إلى مزاولة عمل لا أحبه – وهذا ضد تفكيري. هناك أيضًا ضرورة أن نلتقي أشخاصًا لا نحبهم ونتكلم معهم، وقد يكونون من العائلة وتجبرنا الضرورة على الحديث معهم! أريد أيضًا أن أسأل المحاضر عن رأيه في العلاقة بين الجنس والعنف." جان ماري مولِّر: اسمحوا لي بإبداء ملاحظة أولية. هناك نوع من "الظلم" في الطبيعة: فابتسامة المرأة، على الأغلب، فيها من الإغراء أكثر بكثير من كلِّ ما يمكن للرجل أن يفعله! سعيد للغاية بهذا الحوار الذي يجري بيننا؛ وأنا محبط بعض الشيء، لا لأنه لن يكون عندي الوقت الكافي للإجابة عن هذه التساؤلات كلِّها، بل لأنكم لن تستطيعوا تقديم مداخلات أخرى ضمن الوقت الضيق المتاح. إذًا فنحن لن نكون قد أنهينا حوارنا عندما سنترك بعضنا بعضًا غدًا؛ والأغلب أننا سنطرح من الأسئلة أكثر مما نؤكد من الأجوبة. ولكن هذا الحوار هام جدًّا لكي نتجنب أنواع سوء الفهم حول بعض النقاط التي مررتُ عليها مرور الكرام؛ وما أتمناه هو أن يتيح لنا الحوار الذهاب إلى أبعد من سوء الفهم. أولاً: مسألة القطيعة مع التراث: ليس الأمر أن نكتفي بالقطيعة كقطيعة. لقد تحدثتُ عن القطيعة، من جهة، وعن الوفاء، من جهة أخرى؛ قلتُ في وضوح – وهذه ليست نقطة خلافية – إنه يجب القطع، من جهة، ويجب الوفاء، من جهة أخرى. أما فيما يخص مسألة "اللاانتماء"، ليس المقصود أن نتنحَّى، أي أن نعتزل الجماعة. ومن المؤكد والصحيح أن في تقاليدنا قيمًا إيجابية أيضًا؛ هناك دعوات إلى احترام الإنسان هي، من الآن، بذور للاَّعنف. ثانيًا: الخير والطيبة في الطبيعة البشرية: من الطبيعي أن تكون لنا مقاربات مختلفة – فلا أسوأ من الفكر الموحَّد! لم أقل إن الإنسان يولد خيِّرًا وشريرًا في الوقت نفسه؛ قلت إن الإنسان يولد وفيه إمكان بأن يكون خيِّرًا وإمكان بأن يكون شريرًا. أي أن الإنسان يولد حرًّا. يجب أن نتكلم على الحرية الأصلية. لا أستسيغ، مثلاً، العقيدة المسيحية في "الخطيئة الأصلية" le péché originel. الإنسان حر، قادر على أن يكون خيِّرًا وقادر على ألا يكون البتة. على الإنسان أن يختار بين العنف والطيبة (أو الخير). ليس المجتمع هو ما يجعل الإنسان شريرًا. طبعًا نحن نتأثر، وحريتنا نفسها خاضعة للتأثير. ونحن نعلم من التحليل النفسي أن سنوات الطفولة الأولى كثيرًا ما تكون حاسمة. إذا أحيط الطفل بالحنان أو لم يُحَطْ، قد تكون لهذا عواقب على حياته كراشد. وأعتقد بأن أساس الطبيعة الإنسانية هو الحرية: أنا حريتي. ثالثًا: مسألة الدين: أود هنا أن أقدم إضافة انطلاقًا من فكر غاندي. قيل إن غاندي إنسان متدين. كان غاندي "متدينًا" على طريقته؛ وقد قلتُ بالأمس إنه أحدث قطيعة مع بعض سمات الهندوسية. غاندي كان يعتقد أن جميع الأديان صحيحة بدرجات متفاوتة، صحيحة إلى حد. فلأن البشر ناقصون تراهم يلوثون كلَّ ما يلمسونه أو ينقلون نقصهم إليه. ولهذا قال: "الأديان تتسم بنواقص البشر أكثر منها بكمال الله." قد لا نوافقه الرأي، فنقول مثلاً إن دينًا بعينه هو الكشف التام عن الألوهة، الوحي الكامل من الألوهة الذي لا يأتيه الباطل. هذا لم يكن موقف غاندي – وهو ليس موقفي كذلك. غاندي كان يعتقد بأن على كلِّ إنسان أن يحاكم دينه. وقد قال إن على كلِّ إنسان أن يبدأ أولاً بالإصغاء إلى "الصوت الهامس في الداخل" the still small voice within. غاندي، إذن، يؤكد أولوية الضمير على الدين؛ إنه يطلب الحكم على النصوص الدينية بمقتضى الضمير. أرى أن المؤمن يستطيع أن يتقبل هذه الفكرة تمامًا، لأن المؤمن يعتقد أن الإنسان مخلوق "على صورة الله" à lʼimage de Dieu. فالإنسان، بمعنى ما، حين يصغي إلى ضميره، فإنه يصغي إلى "صوت الله". وقد آل قولُ غاندي: "الله هو الحقيقة" إلى قوله: "الحقيقة هي الله". هناك اختلاف بين هاتين الصياغتين: إذا قلت بأن "الله هو الحقيقة" فهذا قد يُفَسَّر بأن "ديني" هو الحقيقة؛ أما قولي بأن "الحقيقة هي الله" فهو يعني أنني في بحث مستمر عن الحقيقة. وأخيرًا، قال غاندي: "لا دين آخر سوى الحقيقة." وبما أنه قال بأن الحقيقة تتماهى مع اللاعنف فقد آل قولُه ذاك إلى أنْ "لا دين إلا اللاعنف"؛ بل وصل حتى إلى التشديد على هذه العبارة: "الوسيلة الوحيدة لمعرفة الله هي اللاعنف." غاندي اقترح علينا هذه العبارة؛ ولكلٍّ أن يكوِّن رأيه الخاص.
ليڤ نيكولايڤتش تولستوي (1828-1910). وفي النهاية، حاكم غاندي الأديان جميعًا من وجهة نظر المقتضى اللاعنفي. ولهذا فقد انتقد المسيحية انتقادًا شديدًا – وهذا هو تأثير تولستوي على غاندي، هذا هو تأثير تولستوي المسيحي على غاندي الهندوسي. في أثناء وجود غاندي في جنوب أفريقيا، قرأ كتاب تولستوي ملكوت الله في داخلكم. والحق أن تولستوي هو من آباء اللاعنف المؤسِّسين. في حوزتنا حوالى عشر رسائل متبادلة بينهما؛ ومن المذهل أن نرى هذا التواصل بين الحكيمين: تولستوي الروسي وغاندي الآسيوي. والحقيقة أن تولستوي قرأ الإنجيل قراءة لاعنفية جذرية، حتى ضربتْ عليه الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الحرمان excommunication؛ إذ كان يتهم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، بالأخص، بأنها تبارك الجيش الروسي، جيش القيصر. ومن غير أن يحرِّض الشباب على العصيان، كان يرى في اعتراض الضمير مثالاً مسيحيًّا رفيعًا. رابعًا: غاندي وسيطًا (أو جسرًا) بين الشرق والغرب: يمكن لنا أن نناقش هذه المقولة. ولكن في ظني أن غاندي ليس شرقيًّا، بل آسيوي. بالطبع، نستطيع أن نضع آسيا ضمن الشرق، لكني أعتقد أن هذه نقطة خلاف. أجل، أعتقد أن غاندي يستطيع أن يكون وسيطًا بين العالمين العربي والغربي. خامسًا: "قوة الحقيقة" و"قوة المحبة": صحيح، قوة المحبة وقوة الحقيقة ليستا قوتا إكراه؛ فالمحبة والحقيقة تستدعيان حرية الآخر. رهيبٌ أن تكون المحبة قوة إكراه! صحيح أن غاندي قال بـ"هداية" convertir الإنكليز، لكنه قال أيضًا: إذا لم أقدر على هدايتهم يجب عليَّ إكراهُهم. لكلمة "محبة" معانٍ كثيرة؛ لذلك فأنا أتجنب استعمالها. على أية حال، لكلمة "محبة" [أو "حب"] amour بالفرنسية أكثر من معنى. الحب قد يكون حب الأخذ، حب التملك، الهوى؛ وهذا لا علاقة له بما نتحدث عنه. لا أقبل أن تكون المحبة مفهومًا فلسفيًّا. المفهوم الذي أقبله في اللاعنف هو الاحترام، بمعنى تنظيم العدالة في مجتمع ما؛ لا تنظيم الحب بين المواطنات والمواطنين، بل تنظيم الاحترام. "الاحترام" كلمة قوية جدًّا: احترام شخص الآخر، احترام رغبات الآخر، احترام حقوق الآخر. يقترح اللاعنف نظامًا عادلاً تُحترَم فيه حقوقُ الآخر. من الصعب أن نطلب من شخص مضطهَد أن "يحب" مَن يضطهده (لا يجوز لنا أن نطلب من الفلسطينيين، مثلاً، أن يحبوا الإسرائيليين)، لكننا نستطيع أن نطلب احترام إنسانية الخصم. إكراه العمل اللاعنفي يتم من خلال الاحترام. أستطيع أن أتفهم مَن يقول إنه حتى في إكراه العمل اللاعنفي يجب أن أحب خصمي. لا أريد أن أعارض مَن يقول: "أريد أن أحب خصمي"؛ لكن سيكون هناك شيء من اللبس إذا كان اللاعنف بالضرورة قائمًا على المحبة. سآتي هنا بتلوين على الفكرة: أقول بأن المحبة هي اصطفاء. كثيرًا ما يجري الحديث على "محبة القريب". عندما يقول أحدهم لي: "أحب البشر أجمعين" فأنا أشكِّك في قوله. فالمحبة علاقة امتياز، علاقة مخصوصة بين الأشخاص. ولهذا أتكلم على محبة "القريب" واحترام "البعيد". لكن من الطبيعي أن يكون لكلٍّ منَّا تعبيرُه الشخصي، المختلف عن تعبير الآخر. سادسًا: مشكلة فلسطين: هنا أود أن أتوسع بعض الشيء. بالطبع، أعبِّر عن فهمي لقضية فلسطين بوصفي غربيًّا، وأعبِّر عن نفسي بالتحاور مع سوريين، وأعتقد أن حوارنا يجب أن يتم في جوٍّ من الاحترام. يبدو أن هناك سوء فهم قد وقع من جراء ذكري تقسيم الأرض. بدايةً، أعتقد أن إيجاد دولة إسرائيل في العام 1948 هو ظلم فادح في حقِّ الشعب الفلسطيني – وهذه مسألة جوهرية. اليهود تعذبوا كثيرًا طوال تاريخهم، وبالأخص إبان الحرب العالمية الثانية؛ ولكن عذابهم هذا لا يسوغ أبدًا الظلم الذي وقع على الفلسطينيين. الفلسطينيون ليسوا مسئولين عن "محرقة" Holocauste اليهود. يبدو أنه حدث، ربما، تواطؤ بين بعض السلطات الدينية الفلسطينية [مفتي القدس] وبين النازية؛ لكن ليس هذا هو العنصر الحاسم في المسألة. هناك ظلم أصلي في إيجاد دولة إسرائيل، يسمِّيه دومينيك ڤيدال بـ"خطيئة إسرائيل الأصلية". شاركتُ في اجتماع، في سويسرا، بين مسئولين فلسطينيين ومسئولين يهود، وكان عدد من الغربيين حاضرًا. الفلسطينيون واليهود اتفقوا على تصريح مشترك جاء فيه: "لكلٍّ منا الحق في أن يطالب بحقٍّ ما في مجموع الأراضي الفلسطينية، ولكن، لأسباب واقعية، لأسباب عملية، يجب نقر بأن علينا اليوم أن نتفاوض على ميثاق مشترك." بالطبع وجهات النظر مختلفة تمامًا في خصوص فلسطيني يطالب بحقِّه في الأراضي الفلسطينية كاملة ["من البحر إلى النهر"]. أنتم وأنا سنتبنَّى وجهة النظر هذه؛ لكن في اللاعنف بالأخص يجب أن نتفهم وجهة نظر الآخر. وجهة النظر الإسرائيلية تقول إن لليهود حقًّا في مجموع الأراضي الفلسطينية. بعض الفلسطينيين يعتقد أنه لا يجوز التفاوض مع الإسرائيليين حول تقسيم الأرض – وهذا رأي متطرف، أتفهمه طبعًا، لكنه رأيٌ لا يسمح بالسلام –، وبعضهم يقول بأن الحل هو في رمي الإسرائيليين في البحر... رجا ديب: ما مصدر هذا الكلام؟! جان ماري مولِّر: سمعت هذا الحديث من بعض مؤيِّدي الفلسطينيين، وحتى من بعض الفلسطينيين أنفسهم. إذا لم يكن هذا الرأي موجودًا فهذا أفضل قطعًا! نحن سنتخذه "فرضية عمل" hypothèse de travail. أعرف أن حركة "حماس"، مثلاً، في ميثاقها، لا تعترف بدولة إسرائيل... رجا ديب: هناك فرق كبير بين عدم الاعتراف بدولة إسرائيل وبين رمي الإسرائيليين في البحر! فأنا يمكن أن أطرح، ضمن مشروع دولة فلسطينية، التعايش مع الإسرائيليين، وليس رميهم في البحر! أكرم أنطاكي: أعتقد أن في طرح رجا نقطة إشكالية، ألا وهي عدم الاعتراف بالدولة – ما يعني، عمليًّا، البقاء في حالة حرب... [جدال حول هذه النقطة. وقد اقتُرِحَ أن يناقَش الموضوعُ في وقت يُخصَّص له حصرًا. لكن جان ماري مولِّر أراد أن يوضح بعض الأفكار.] جان ماري مولِّر: أحب أن أدقِّق بعض الأمور. مبدأ الواقع يجبر الفلسطينيين والإسرائيليين على إيجاد تسوية ما. عندما ذكرت "اقتسام الأرض" عَرَضًا لم أحدِّد أبدًا كيفية هذا الاقتسام؛ لم أقل، مثلاً، دولتين مستقلتين، ولم أتكلم، مثلاً، على دولة ثنائية القومية حتى. ففي هذه النقطة بالذات أعتقد أنه لا يحق لي أن أتخذ موقفًا. أعتقد أن على الفلسطينيين والإسرائيليين أنفسهم أن يتوصلوا إلى اتفاق. ليس من حقِّي أصلاً، كفرنسي، أن أفرض حلاًّ على الفلسطينيين. هناك طبعًا فكرة الدولتين (وهذا موقف الشرعية الدولية)، وأعرف أن هناك عددًا من الفلسطينيين والإسرائيليين يتمنون أن تقوم دولة واحدة ثنائية القومية، ديموقراطية، وربما عَلمانية أيضًا. أنا، حُكمًا، لا أوصي بأية كيفية. بوصفي فرنسيًّا غربيًّا متضامنًا مع الفلسطينيين، أعمل كل ما في وسعي لكي يستطيع الفلسطينيون والإسرائيليون إيجاد فسحة ومجال للِّقاء والتفاوض. المأساة اليوم أن النزاع يُعاش بكيفية عنيفة. ورأيي أن العنف لا يمكن أن يُوجِد أصلاً هذه الفسحة للِّقاء والتفاوض. عندي تحليل درامي لهذا الوضع: واضح أن إسرائيل، على صعيد العنف، أكثر تسليحًا بما لا يُقاس من الشعب الفلسطيني، والإسرائيليون على أرض الواقع يفرضون سيطرتهم يومًا بعد يوم: يستمر بناء المستوطنات التي تتحول، عمليًّا، إلى مدن جديدة؛ والجدار سيزيد من صعوبة إنشاء دولة فلسطينية على الأرض؛ كذلك من المشكلات الأساسية مشكلة شبكة الطرق: فالطرق المنفَّذة حتى الآن تفرض فصلاً طُرُقيًّا (هذه الشبكة مصنوعة بحيث تسمح للإسرائيليين وحدهم أن يتجولوا ضمن الأراضي)؛ استيطان القدس الشرقية يزداد تفاقمًا: وإذن، حتى القدس الشرقية، التي هي بيد الفلسطينيين حاليًّا، تفلت منهم؛ عنف الصواريخ الفلسطينية المطلَقة من غزة لا يفعل سوى أن يبرِّر لإسرائيل حشد طائراته ودباباته وصواريخه. ليس من شأني أن أعترض على حقِّ الفلسطينيين في المقاومة المسلحة؛ وفي كلِّ الأحوال، لا أستطيع إلا أن أحترم خيارهم. ولكن لا بدَّ لي من القول بأن الخيار الحالي هو خيار عكسي المفعول، ينقلب على الشعب الفلسطيني ويزيد من عذابه. وأعتقد أنه إذا الشعب الفلسطيني أراد في مجموعه أن يتخلَّى عن الخيار العنفي لكي ينخرط في كفاح لاعنفي لربما استطعنا أن نقترب من حل. العنف يباعد بيننا وبين الحل. لا يوجد تفاوُض فعلي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. يريد الأمريكيون أن يوهِموا بوجود "مفاوضات" بين رئيس الوزراء الإسرائيلي ورئيس السلطة الفلسطينية، وابتسامة السيدة رايس تحاول أن تغري رئيس الوزراء الإسرائيلي ورئيس السلطة الفلسطينية كليهما. أخشى ما أخشاه أن يستسلم كلاهما لإغراء هذه الابتسامة! بكلِّ أسف، الرئيس محمود عباس يعدم أية سلطة للتفاوض... أكرم أنطاكي: أعترض على هذه النقطة... جان ماري مولِّر: والدليل أنه لا شيء يحصل على أرض الواقع... پريهان قمق: اللاعنفيون مازالوا خارج المفاوضات... جان ماري مولِّر: لا توجد أصلاً عملية مفاوضات! المسألة تبدو وكأنها "مفاوضات" على صعيد الإعلام فقط؛ هناك صورة تُعطى للإعلام... پريهان قمق: يُخشى أن يؤدي هذا الترويج الإعلامي إلى ثمن يدفعه الفلسطينيون فقط! [جدال مرة أخرى.] جان ماري مولِّر: سأورد نقطة واحدة فقط نستطيع أن نتفق عليها جميعًا، وهي تمت بصلة إلى موضوعنا. ليس لنا نحن أن نقرِّر ما هو القرار السياسي الأفضل في خصوص الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. الأمل اليوم هو في هذه الخلايا الموجودة في المجتمع المدني الفلسطيني والمجتمع المدني الإسرائيلي التي ترفض العنف وترفض الاحتلال. أعود إلى الصورة التي ذكرتُها عن الجدران والجسور: الأمل اليوم في أن يجتمع الفلسطينيون والإسرائيليون على بناء جسور، وأن يريد الإسرائيليون بناء جسور مع الفلسطينيين، وأن يقوِّضوا جميع جدران الحقد وعدم الفهم والاحتقار. أي أننا يجب أن نحلحل عقدة النزاع، بينما العنف يزيد من تعقيد هذه العقدة؛ وإذن، فهو يبعدنا عن الحل. هاهنا محط الرجاء والأمل في المستقبل. مرمريتا، 21 حزيران 2008، الجلسة الصباحية *** *** ***
|
|
|