ملاحظات على ورشة "اللاعنف، الثقافة، التربية"

 

كاجو كاجو

 

على الرغم من إعجابي الشديد بما عَرَضَه السيد جان ماري مولِّر في محاضراته حول نظرية اللاعنف وإستراتيجيته، أراني أختلف مع طرحه على ثلاث نقاط أساسية:

1. ضرورة "السلام الداخلي" في العمل اللاعنفي:

عندما تحرِّض على العنف من أجل مجابهة سلطة احتلال أو قمع أو ظلم اجتماعي فإنك تركِّز في تحريضك على "الأنا" المسلوبة المنتهَكة الحقوق، وبذلك تنمِّيها كمرجعية للعنف. وقد اعتمدت جميع الحركات النضالية العنفية على استثارة غرائز "الأنا" ونوازعها لإنجاز ثورتها. وإذا دققنا النظر في محتوى الثورات المنجَزة بالعنف وقيمها وحيثياتها، نجد أن قيم "الرعاع" هي التي انتصرت في النهاية وسادت، لا القيم المعلَنة للثورة وأهدافها النبيلة.

تريد هنا أن تحقق أهدافًا نبيلة أيضًا. فلكي لا تنحرف، ماذا ستطلب من "الجماهير"؟ كيف ستحرِّضها وتهيئها؟ عندما تطالبها بمواجهة الظلم والعدوان عليها فإنك تدفعها إلى المزيد من التوتر؛ وحين تمنعها من استعمال العنف، أي تفرض عليها ما يناقض طبيعة "الأنا"، فأنت تطالبها بالكبت، أي بأن تكبت غرائزها ونوازعها. عندئذٍ نكون في صدد "كبت" جديد، يزيد الكائن تشويهًا على تشويه!

لذا لا مناص من العمل على الذات. وهذا يجب أن يسبق مسار الحركة اللاعنفية ويواكبه. وبرأيي المتواضع، فإن التربية اللاعنفية أهم من النتائج "العملية" لتحقيق الأهداف. فما لم تُنجَز تلك التربية فلا قيمة للنصر، لأنك بذلك تتيح للقطعان البشرية المكبوتة أن تنتقم من ظالميها، ليس غير.

القوة المطلوبة للشخصية اللاعنفية لا يجلبها سوى التحقق الداخلي وما ينجم عنه من اتساع في الوعي، وثبات في العزيمة، وتعزيز لحسِّ المسؤولية، وإنجاز "كائن الواجبات والمهمات"، وليس "كائن الحقوق والشراهة" (العنيف أو المكبوت).

2. مفهوم "الثورة الدائمة":

هل نحن هنا إزاء يوتوپيا جديدة تعلن نهاية التاريخ، أي نهاية الإنسان؟ هل هو ملكوت المسيح الجديد؟ أم هي شيوعية جديدة تنهي الصراع الاجتماعي؟ إنه بالحري "إغواء شيطاني" يطل علينا بلبوس اللاعنف! ألا يقودنا فقدان السلام الداخلي إلى جحيمنا، بل يعيدنا إليه؟! لعل الرأسمالية المتوحشة أرحم من "الثورة الدائمة"، لأن الثانية تخالف قانون "المشيئة" الطبيعي، كونها إرادوية، رغبوية. لماذا نصادر من الآن حقَّ الأجيال في المعاناة والتمرد على الظلم؟ لِمَ العجلة في اجتثاث الشر؟ وهل اجتثاث الشر ممكن أصلاً؟! لِمَ ننزع دائمًا إلى الاسترخاء والكسل ونسارع إلى إسدال الستارة؟ لِمَ نمضي إلى حتفنا بأقدامنا؟!

من ناحية أخرى، فإن من شأن "الثورة الدائمة"، كما طرحها المحاضر القدير، أن تقوِّض بنية الدولة الحديثة، دولة القانون والمواطن، التي هي، على علاَّتها الكثيرة، حصيلة نضالات اجتماعية وحقوقية، تتيح آلياتها (الانتخابات، الحركات الشعبية المطلبية) إمكانات التصحيح والتعديل وسن قوانين جديدة، قد تكون جذرية أحيانًا (كإلغاء عقوبة الإعدام، مثلاً لا حصرًا).

"الثورة الدائمة" قد تتحول إلى شعبوية؛ وهي عرضة لتحكم الرعاع بالقرار، وخاصة في غياب العمل على الذات، كما حصل في جميع الثورات الراديكالية في التاريخ، سواء كانت عالمية أو محلِّية.

وقد يعجِّل شعار "الثورة الدائمة" في تحويل الحركة اللاعنفية إلى حركة إيديولوجية تُخمِد النبض الإنساني الحيوي في عروقها، وخاصة في مجتمعنا، حيث لا يزال الهوس بالإيديولوجيا قائمًا (إذ لم تتمكن الحداثة من تفكيك البنى العقائدية)، كما لا تزال قيم الحرية عندنا ضبابية.

3. البرنامج المستقل للحركة في البلد:

برأيي، لن نستفيد في بلداننا من إستراتيجية وتكتيك أهم حركتين من حركات اللاعنف (حركة غاندي لتحرير الهند، وحركة الحقوق المدنية للسود في الولايات المتحدة، وربما في بلدان أخرى) سوى في العموميات، وذلك لأن بريطانيا دولة قوانين وقيم اجتماعية، تحافظ عليها وتعمل من خلالها، وكذلك أمريكا. هذه من الدول التي تحترم قوانينها وقيم شعوبها وتصونها. وقد استندت الحركة اللاعنفية في هذين البلدين إلى خرق بعض هذه القوانين الجائرة، متوخية تأييد المجتمع، كحامل لهذه القيم، لمطالبها الحقوقية والتحررية.

في بلداننا، تمكَّن الطغاة، يؤيدهم الرعاع، من إلغاء القوانين واستبدال "القرارات الحزبية" بها، وفُكِّكت بنية الدولة والترابط المجتمعي، مما أسقط القيم الاجتماعية والأخلاقية والوطنية. فعندما تطالب بتصحيح أوضاع معينة، قد تؤيدك طائفة وتعاديك أخرى، تؤيدك محافظة وتعاديك محافظات، ويتفرج عليك بعضها الآخر. والأخطر من ذلك أنهم ليسوا في حاجة إلى استعمال أجهزة القمع علنًا لإخماد "فتنتك"، بل يلجئون لردعك إلى جماهيرهم أو منظماتهم "الجماهيرية"!

نحن إزاء وضع خاص لا شبيه له – ولعلكم أدرى به منِّي – ولا حاجة للاستفاضة فيه. أردت فقط أن أذكِّر بخطورة استنساخ التجارب والحركات الأخرى، حتى في البلدان المجاورة لنا.

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود