الحياة والموت في الحضارات الشرقية

 

د. قيصر زحكا

 

إن سبب اختيار هذا الموضوع هو أنَّنا كلنا نعرف حتميَّة الموت، وأنه قدر لا مهرب منه، ومع هذا نثابر ونجتهد في إنكاره وعدم التفكير به، ونعتبر كل من يفكِّر به أو يتبادر إلى ذكره بأنه مصاب بالاكتئاب أو القلق أو الوسواس المرضي... الخ، وعندما يحدث الموت، نتعامل معه بسطحية بالغة، وبشعائر وفروض جوفاء، هدفها الحفاظ على مظهر اجتماعي لائق، وتطبيق قوانين معيَّنة لا تفيد شيئًا أمام قدسيَّة الموت وأهميَّته البالغة على المستوى النفسي والروحي.

ساعدت الحياة العصرية وسرعتها على إهمال الجانب القدسي والنفسي والروحي للموت، وأصبحت مجرَّد واجبات دينية واجتماعية عديمة الفحوى. أعطت الديانات السماوية اهتمامًا خاصًا للموت وقدسيَّته، ولكن مع الوقت وللأسف، ركَّزنا على النواحي الشعائرية والطقسية وأهملنا الجوانب الروحية والنفسية.

اهتمت معظم الحضارات القديمة بالموت ومعناه اهتمامًا خاصًا، نرى ذلك في كتابات السومريين وحضارات بلاد الرافدين والشام والإغريق والفرس والهند والصين واليابان، ونرى الطقوس الغريبة في حضارات أوروبا الشمالية أيام الفايكنغ وغيرهم، ونرى عمق الطقوس عند الأفارقة والهنود الحمر، وللأسف نقول إن معظم الحضارات تعاملت مع الموت بشكل أفضل بكثير مما نفعله اليوم، أما قمة العمق النفسي والروحي في هذا الموضوع، نجده عند الفراعنة وأهل التيبيت.

قبل البدء في الكلام عن الموضوع الأساسي، لا بد من التمهيد ببعض المفاهيم الأخرى.

الثنائية والأرقام:

تعتمد معظم الحضارات الشرقية على فكرة أساسيَّة ألا وهي وجود مبدأ واحد أساسي (مرجع رقم 2، 3)، انبثق منه كل الكون، بشكل مشابه لما نراه في نظرية وحدة الوجود والفيض لابن عربي. هذه الوحدة قد تختار عدم التعبير كرقم الصفر أو 0 أو الدائرة، وتكون عندها في حالة كمون، كمون يحتوي على طاقة عظيمة جدًا قادرة على التعبير في أية لحظة، وقد تختار التعبير وهنا يظهر رقم الواحد، هذا التعبير يفيض ويفيض باستمرار ويعطي وجودات متنوعة باستمرار وذات اهتزازات متناقصة باستمرار، فيظهر المستوى الروحي ثم العقلي ثم العاطفي ثم الطاقي ثم الجسدي الفيزيائي (صورة رقم 1). تبقى كل هذه العوالم والوجودات والتكوينات على صلة دائمة بالواحد وجزءًا منه.  طالما حدث التعبير، ظهرت فكرة الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسيَّة، ومن ثم تتالت الأرقام الأخرى. ظهر قطبان أسماهما الصينيون باسم اليانغ والين (صورة رقم 2)، فاليانغ هو المبدأ الذكري أو التعبيري التوسعي، هو تحول اللاتعبير إلى التعبير، والين هو المبدأ الأنثوي أو التقلصي الانكماشي أي عودة التعبير للاتعبير، وتظل الحركة مستمرة بينهما لا تتوقف.

 

 

صورة 1

صورة 2

كل ما هو ساكن وهادئ وبارد وقاتم هو ين (مرجع رقم 2، 3)، وكل ما هو حركي وانفعالي وحارٌّ ومليء بالنور هو يانغ، والحياة والموت هو تفاعل أبدي بين اليانغ والين اللذان يتداخلان باستمرار ولا يتواجد الواحد دون الآخر، ويوجد بينهما توازن مستمر، فكلما ازداد أحدهما عن حدٍّ معين، بدأ يظهر الآخر، كما أن في داخل كل واحد منهما إمكانية التحول للآخر، كما توضحه الدائرة الصغيرة في كل منهما (صورة رقم 3). على المستوى الفيزيائي نرى اليانغ والين في الذكر والأنثى، الشهيق والزفير، الحرِّ والبرد، الصيف والشتاء، النهار والليل، اليقظة والنوم... الخ.

على المستوى العقلي، (مرجع رقم 4، 5) نرى اليانغ والين في الرغبة في معرفة العالم الواسع حولنا، والامتداد للخارج، نحو الأجرام والكواكب والفضاء، وبنفس الوقت العودة للداخل ومعرفة تفاصيل الذرة والنواة والخلايا، الرغبة بالاستكشاف والرغبة بالهدوء والراحة والاستكانة، الرغبة بالرياضة والسفر والنشاط والرغبة بالراحة والهدوء والقراءة وسماع الموسيقا.

على المستوى العاطفي، الرغبة بالتلاقي ومشاهدة الآخرين والكلام والضحك والتواصل الاجتماعي، وبنفس الوقت، الرغبة بالوحدة والهدوء والعودة للمنزل والنوم.

على المستوى الروحي، نجدها في الرغبة بالامتداد والتوسع والانطلاق، والرغبة بتجميع الشتات والتركيز والتقليص.

أتت الثلاثية من الكمون والتعبير وآلية أو عملية الانتقال بينهما، نرى هذه الفكرة بشكل واضح في الحضارات الهندية والطب الهندي الأيورفيدي من خلال مبدأ الكافا والفاتا والبيتا، الكافا kapha هو المبدأ السكوني، الفاتا Vatta هو المبدأ الحركي، عملية الانتقال، والبيتا Pitta هو المبدأ الطاقي التعبيري (صور رقم 4، 5، 6)، والمرتبطة بالعناصر الخمسة على مستوى أخفض، أو من خلال مبدأ الآلهة المتكاملة، فالإله براهما هو إله الخلق، هو عملية الخلق والتعبير والتكوين، الإله فيشنو هو المحافظ على العوالم، هو التعبير، والإله شيفا هو المدمِّر، اللامعبّر، الثقب الأسود الذي يعود بالجرم السماوي إلى حالة اللاتكوين واللاتعبير والكمون.

 

 

 

صورة 4

صورة 5

صورة 6

نظرت الثلاثية إلى عملية التحويل من كمون لتعبير، بالدرجة الأولى، أي ركَّزت على انتقال الروح لمادة، لذلك اعتبر رقم ثلاثة هو رقم الخلق والتكوين، ولكن في حال أضفنا عملية التحويل من التعبير للكمون، هنا تظهر الرباعية التي تشكل دعامات التكوين، فالثلاثة هي عملية التكوين والأربعة هي دعامات وأساسات التكوين، والتي عبَّرت في مستوى أخفض من خلال العناصر الأربعة (صورة رقم 8)، فالريح أو الهواء هي عملية الانتقال من كمون لتعبير، والنار هي التعبير الكامل، والماء هو عملية الانتقال من تعبير لكمون، والتراب هو اللاتعبير أو الكمون (صورة رقم 9)، حيث نُدفن عندما نموت، حيث تقبع البذرة غير مرئيَّة، حتى تعود من جديد وتعبّر عن نفسها. وعبَّرت في مستوى أخفض عن الفصول الأربعة، الهواء يصبح ربيع، والنار صيف، والماء خريف والتراب شتاء. علينا ألا ننسى أن الهواء والنار تنتمي لليانغ الذكري، والماء والتراب تنتمي للين الأنثوي (مرجع رقم 7).

 

 

صورة 8

صورة 9

عندما ننظر لهذه الأقطاب الأربعة ونتذكر الوحدة الأساسية التي تشمل هذه الأقطاب، يتراءى لنا رقم الخمسة الذي يذكِّرنا بالوحدة الأساسيَّة وهو أساس العناصر الخمسة في الطب الصيني (صورة رقم 10) وأساس النجمة الخماسيَّة التي يجب أن تكون ذروتها للأعلى. هذا العنصر الخامس هو عنصر التوازن بين قوى اليانغ الذكريَّة والين الأنثويَّة في العلوم الصينيَّة وهو عنصر الفراغ أو الأثير في الأيورفيدا الهنديَّة (صورة رقم 11) وهو عنصر الأثير في العلوم اليونانيَّة والعربيَّة والهرمسيَّة (صورة رقم 12)، فهو العنصر الذي يتسامى بالعناصر الأربعة الأخرى نحو الوحدة من جديد. وعندما نأخذ مثلث التعبير بين كمون وعملية تعبير وتعبير، ومثلث اللاتعبير من تعبير وعملية العودة للكمون وكمون، يظهر لنا رقم الستة من خلال هذين المثلثين المتداخلين، الرمز القديم المتواجد عند الهنود وعدة حضارات قديمة وسمِّي لاحقا بنجمة داوود (صورة رقم 13).

صورة 10

 

صورة 11

صورة 12

صورة 13

عملية التكوين الثلاثية وتكوُّن العناصر الأربعة أعطت الرقم سبعة (صورة 14 للهرم)، الواحد هو الكمون، ذروة الهرم، الطاقة الكامنة، الشمس، يوم الأحد Sunday. الاثنين هو عمليَّة التعبير، الانتقال من الكمون للتعبير، الهبوط من ذروة الهرم باتجاه القاعدة، القمر، الثلاثاء يوم النار، المريخ، أحد زوايا قاعدة الهرم، الأربعاء يوم التراب عطارد، زاوية أخرى من قاعدة الهرم، الخميس يوم الريح، كوكب المشتري، إله الريح والعواصف، الجمعة يوم الماء، كوكب الزهرة وعشتار إلهة الخصب، وهنا نكون قد عبَّرنا عن العناصر الأربعة المتمثِّلة في الزوايا الأربع لقاعدة الهرم، والسبت هو العودة من التعبير للاتعبير، للفناء، الكمون، كوكب زحل. أي أن قمة الهرم هي 1، الهبوط هو 2، نقاط الارتكاز الأربعة هي العناصر الأربعة، والتصاعد هو سبعة، أمَّا الرقم ثمانية مثلاً فهو يمثِّل رقم التوازن الطبيعي، عدد أضلاع الهرم (مرجع رقم 6).

بالمقابل، فإن كل عنصر من العناصر الأربعة تكون في حالة كمون وعملية تحوُّل وتعبير، ومن هنا يأتي الرقم 12، عدد أشهر السنة، والأبراج السماوية الـ 12، التي تقسم إلى ثلاثة مائية، ثلاثة ناريَّة، ثلاثة ترابية وثلاثة هوائيَّة (صورة رقم 15).

 

 

صورة 14

صورة 15

الأرقام هي أنماط أصلية، بدأت على المستويات العليا منذ بداية التكوين وعبَّرت عن نفسها من خلال تظاهرات معيَّنة على المستويات الأخفض، وهذا ما نراه من خلال عدد أيام الأسبوع وعدد أشهر السنة ودورة الليل والنهار ودورة الفصول الأربعة، عدد الفقرات الرقبية السبعة والظهرية 12، والقطنية خمسة... الخ. عدد مراكز الطاقة أو الشاكرات السبعة، الحواس الخمسة، المذاقات الخمسة، الألوان السبعة، نوطات الموسيقا الأساسية السبعة ومع الخمسة الفرعية تصبح 12.

من هنا نرى أنه بمجرَّد الانتقال من الكمون للتعبير، تظهر الأرقام المختلفة معًا دفعة واحدة أي يظهر مفهوم الصفر والواحد والاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة بنفس الوقت، مكوِّنة قوانين مختلفة، لكن بمجرَّد العودة للكمون، لا يعود للأرقام أي وجود وأي معنى، فهي تتعلق بالوجود على مستوى معيَّن، وهذا ينطبق على الألوان، الأصوات والنوطات الموسيقية، حاسة الشم والذوق وكل الحواس والمظاهر الأخرى.

الأنماط الأصليَّة والقوانين البدئيَّة Archetypes and Universal Laws:

هي فكرة مستعملة في علم السلوك ونظريات علم النفس الحديثة، فهي قد تعني سلوكًا معينًا أو نمطًا تبنى عليه أنماط أخرى من السلوك والتصرفات، وقد تعني رمزًا معينًا ورد كثيرًا في الأدب والأساطير والرسوم، أما هنا فأعني بها الفكرة الأفلاطونية بوجود مفاهيم معينة نقية من العوالم الأعلى والتي تتظاهر بأشكال معينة على المستوى المادي والفكري والعاطفي، أو الفكرة اليونغية (نسبة لكارل يونغ) بوجود فكرة أو نمط أو صورة في اللاوعي الجمعي، موجودة بشكل كوني، وتعطي تظاهرات مختلفة متكررة في عالمنا المادي.

كل هذه الأنماط والتعبيرات أتت من مبدأ بسيط جدًا هو الوحدة المطلقة التي عبَّرت عن نفسها.

نفس هذا الشيء ينطبق على المبادئ الأساسية (مرجع رقم 12، 13)، فمبدأ المحبَّة مثلاً، يأتي من عملية التكوين الفذَّة وإعطاء الذات من أجل كل هذه التكوينات، والتي تعبِّر عن نفسها في كل أشكال المحبَّة الموجودة، نفس الشيء ينطبق على قانون الاهتزاز، فكل شيء يهتز في الكون ولا يوجد شيء ساكن، لأن العمليَّة مستمرَّة دائمًا ولا تتوقف. كل شيء يهتزُّ في الكون، وتكون الاهتزازات بطيئة على مستوى المادة وأسرع كلَّما ارتفعنا بالمستوى. قانون السبب والنتيجة، قانون النسبية، قانون الانجذاب، قانون القطبية، قانون الإيقاع، قانون التحوُّل، قانون التبرعم بمعنى أن الشيء والفكرة والشعور تدخل في مرحلة كمون إلى أن يحين الوقت المناسب وتعبِّر عن نفسها. كل هذه القوانين نشأت وتكوَّنت من فكرة الكمون والتعبير أي الصفر والواحد. نجد هذه القوانين على كل المستويات الروحية والعقلية والعاطفية والفيزيائية: "كما في الأعلى كذلك في الأسفل، كما في السماء كذلك على الأرض".

النموذج الأصلي للمحبة، نجدها روحيًا بمحبة الله والكون والطبيعة، وعقليًا عاطفيًا بمحبة الآخرين والحيوانات والنباتات والطبيعة والألوان والموسيقا والسفر والاكتشاف، وجسديًا فيزيائيًا بمحبة الأشكال والألوان والجنس... الخ.

مبدأ الحركة: على مستوى الأفكار يوجد حركة، على مستوى الزمن، يوجد حركة، حتى على مستوى العواطف يوجد حركة، والحركة يقابلها سكون وهذه ثنائية. عواطفنا وأفكارنا أحيانًا تكون قاتمة وحزينة وأحيانًا نيرة وفرحة وهذه ثنائية. الحياة والموت ثنائية ولكن الأسمى منهما هو الواحد الأحد الذي لا يعرف الثنائية.

مبدأ الإيقاع: يعتمد على أن لكلِّ شيء مدٌّ وجزر، أي أن أي شيء يبدأ بالظهور من حالة كمون ويعبِّر عن نفسه تدريجيًا ويزداد نموًا وتوسُّعًا، ثم يبدأ بالانكماش والتقلُّص ليختفي من أمام أنظارنا (هذا لا يعني أبدًا أنه اختفى، ولكن طريقة تعبيره في هذا المستوى اختفت) ولكلِّ شيء إيقاع معيَّن. اليوم إيقاع والشهر إيقاع والسنة إيقاع. الحياة إيقاع والفصول إيقاع ومشاعرنا إيقاع وأفكارنا إيقاع وجسدنا إيقاع وقيام الدول وهبوطها إيقاع، الكواكب لها إيقاع والمجرَّات لها إيقاع... الخ.

كل هذا يعبر أن هناك نماذج أصلية ومبادئ أساسية أتت من عوالم أعلى وعبرت عن نفسها في العوالم الأدنى بتعبيرات متعددة جدًا وأشكال مختلفة، لكن من خلال الصلاة والتأمل والأحلام والطرق الروحية المختلفة نستطيع لمس هذه النماذج الأصلية وإدراكها.

الحياة والموت: كما أنَّ كل شيء ثنائي وثلاثي ورباعي وخماسي... الخ، وكما أنَّ لكل شيء اهتزاز وإيقاع ومدٌّ وجزر ودورة معيَّنة، كذلك كان للحياة والموت نفس الشيء (مرجع رقم 2، 3).

علينا ألا ننسى أن طول الدورة قد يكون مختلفًا بين المستوى الجسدي أو العاطفي أو العقلي أو الروحي. اليانغ في الحياة هو فترة التوسع والنموِّ، فهو على المستوى الجسدي يكون حتى عمر الـ 15- 20، بينما يكون على المستوى العاطفي حتى العشرينات وربَّما أكثر حسب الأشخاص. على المستوى العقلي قد يكون للثلاثينات وأكثر، وعلى المستوى الروحي قد يكون الحياة الأرضية بأكملها، بينما يكون الين فترة التقلُّص والانكماش هو الفترة التالية. اليانغ هو النهار والين هو الليل.

من ناحية أخرى، تكون فترة الطفولة هي فترة النمو الجسدي الأكبر موازية لعنصر الريح، والمراهقة والشباب فترة نمو العواطف والمشاعر واتقادها موازية لعنصر النار، والعنصران عنصرا يانغ، وتكون فترة الأربعينات والخمسينات عنصر الماء انسيابية، ثم تأتي المرحلة الترابية في الستينات وما بعدها. إذا أخذنا فكرة العناصر الخمسة بدل الأربعة كما في الطب الصيني، تكون الثلاثينات والأربعينات هي العنصر الإضافي المسمَّى بالأرض وهو التوازن بين اليانغ والين، وتصبح الخمسينات والستينات هي الفترة المائية، والسبعينات وما بعدها هي الفترة المعدنيَّة أو الترابية. أيضًا على مستوى اليوم نفسه، يكون الفجر هو الريح، الظهر هو النار، المغرب هو الهواء والليل هو التراب. إذا أضفنا العنصر الخامس، يكون في فترة ما بعد الظهر حتى المغرب، ثم يأتي الماء في المساء والتراب في الليل.

اعتبر الإغريق إله النوم Hypnos وهو عند الرومان Somnos الشقيق التوأم لإله الموت Thanatos وهو عند الرومان Mors وأولاد إلهة الليل Nyx (عند الرومان Nox). قد يفيدنا إذًا النظر لمراحل النوم من أجل استشفاف مبسَّط لمراحل الموت. يقسم النوم حاليا إلى 4 مراحل:

-       مرحلة سطحية جدًا، تتميَّز بوجود مزيج من أمواج ألفا وثيتا وأحيانا بيتا، ويمكن للإنسان في هذه المرحلة الاستيقاظ بسهولة في حال سماع أي صوت. تشبه عنصر النار إلى حدٍّ معيَّن لأنَّها الأقرب لليقظة وأكثرها حركة ظاهرة (صورة رقم 16).

-       المرحلة الثانية وهي مرحلة سطحية أيضًا ولكن أكثر عمقًا من الأولى، وتتميَّز بتباطؤ أكبر وظهور مغازل النوم، مشابهة لحدٍّ ما لعنصر الماء.

-       مرحلة النوم العميق وتتميز بأمواج دلتا البطيئة، ويغيب الوعي تمامًا بمفهومه المألوف ولا نعرف تمامًا ماذا يحدث، وهي موازية لعنصر التراب.

-       مرحلة النوم العجائبي أو الأحلام، وتتميَّز باسترخاء جسدي كامل، ولكن مع نشاط ذهني متّقد، ومن هنا جاءت تسمية النوم العجائبي، وتعود أمواج الدماغ للسرعة، ويستعد الإنسان للاستيقاظ تدريجيًا، وهي تقترب من عنصر الريح (صورة رقم 17).

 

 

صورة 16

صورة 17

إذا أخذنا فكرة العناصر الخمسة بدل الأربعة، نعود عندها للتصنيف السابق لمراحل النوم إلى خمسة، حيث يقسم النوم العميق عندها لمرحلة ثالثة ورابعة. في هذه الحال تكون المرحلة الثانية مرحلة مغازل النوم هي الأرض عنصر التوازن بين اليانغ والين، ويصبح الماء المرحلة الثالثة والمعدن أو التراب الرابعة.

بما أن الحضارات الشرقية تؤمن بمبدأ دوريَّة الحياة والموت تمامًا مثل دوريَّة حياة الشجرة والبذرة ودوريَّة أي شيء آخر، يمكن الاستشفاف أن عملية الاحتضار موازية للمرحلة الأولى من النوم، البرزخ يوازي المرحلة الثانية، ما بعد الوفاة هي الثالثة، والتحضير للحياة القادمة توازي مرحلة الأحلام.

من ناحية أخرى، يمكن جمع الحياة والموت سويَّة في دورة واحدة كما يحدث في الليل والنهار، وعندها تكون اليقظة والحياة الأرضية هي النار، الدخول في النوم والنوم السطحي والانتقال من الحياة للموت ماء، النوم العميق والموت تراب، مرحلة الأحلام وعملية بداية حياة جديدة والحياة الجنينية هواء.

التيبيت ومفهوم الباردو: (مرجع رقم 1) تعني كلمة باردو في التيبيت انتقال أو الفجوة ما بين انتهاء حالة معيَّنة وبداية حالة جديدة، وتتألف من مقطعين: بار وتعني ما بين، ودو تعني معلَّق أو مقذوف، وبالتالي فباردو تعني حالة المعلَّق بين فترتين. ذُكر مفهوم الباردو في كتاب الموتى التيبيتي، وبالحقيقة فاسم هذا الكتاب ليست ترجمة دقيقة، فقد اعتمد المترجم الأميركي Y.W. Evans- Wentz على هذه التسمية إسوة بكتاب الموتى المصري، أما الاسم الحقيقي فهو Bardo Tödrol Chenmo أو Bar Do Thos grol Chen Mo وهو يعني التحرُّر الأكبر من خلال الانتباه والإصغاء في المرحلة الانتقاليَّة أو الباردو، ويعتقد التيبيتيون أن هذه التعاليم جاءت من البوذا الأساسي، المسمَّى بالسنسكريتية samantabhadra  وبالتيبيتية kuntuzangpo، وهو يمثِّل طبيعة العقل المطلقة البارَّة العارية الأساسيَّة الصافية مثل السماء.

قسَّم أهل التيبيت وجودنا إلى أربعة مراحل أو حقائق: الحياة، الاحتضار والوفاة، ما بعد الوفاة، والعودة من جديد، وعليه فكانت أسماء الباردو كالتالي (صورة رقم 18):

-       الباردو الطبيعي لهذه الحياة: يستمر هذا الباردو من الولادة للوفاة. قد يقول الكثيرون: ولكن هذا أطول بكثير من فترة انتقال، ولكن إذا أمعنَّا النظر مليًّا، سنجد أنه بالمقارنة مع الفترة الطويلة لتاريخنا الكارمي، تعتبر الفترة التي نقضيها في هذه الحياة قصيرة جدًا. تشير التعليمات بوضوح أن هذا الباردو الحياتي مهمٌّ جدًّا، وأنه الفترة الذهبيَّة من أجل التحضير لوفاتنا من خلال إدراكنا للتعاليم وممارساتنا الروحيَّة.

-       الباردو المؤلم للاحتضار: يستمرُّ من بداية فترة الاحتضار إلى نهاية ما يسمَّى التنفُّس الداخلي، وما يميِّز هذه المرحلة عند لحظة الوفاة ظهور فجر طبيعة العقل، أو ما يسمَّى الاستنارة الأساسية Ground Luminosity.

-       الباردو المشعّ للدارماتا Dharmata: تشمل فترة ما بعد الحياة المتَّسمة بإشعاع طبيعة العقل، استنارة الضوء النقي المتظاهرة بالصوت واللون والضوء.

-       الباردو النتيجي أو الكارمي للعودة: يسمَّى أيضًا باردو المرحلة الانتقاليَّة، والتي تستمر إلى حين نلد من جديد.

إن فرص الاستنارة والتحرُّر موجودة دائمًا في كل مراحل الحياة والموت، وتعطينا تعاليم الباردو الوسائل والطرق التي تمكِّننا من اكتشافها ومعرفتها واستخدامها بالدرجة القصوى. تشير معظم الأديان أن الطريقة التي نعيش فيها حياتنا ودرجة إدراكنا تلعب الدور الأكبر كيف ستكون حياتنا بعد الوفاة والنتائج التي سنحصل عليها. إذا عشنا حياتنا الحالية بغباء وسطحيَّة والتباس، سنكون ملتبسين وضائعين سبعة مرات أكثر في ما بعد الوفاة، وإذا عشنا حياتنا بمسؤولية واتِّزان ومحبَّة، ستتضاعف ثقتنا واتزاننا سبعة مرَّات بعد الوفاة. بما أن الحياة ليست إلا تذبذبًا مستمرًّا من الولادة والوفاة والانتقال، وهذا ينطبق على كل دقيقة وكل لحظة، ففي كل لحظة تموت فكرة وتبدأ فكرة جديدة، تموت خلايا وتنشأ خلايا جديدة، يموت تنفُّس ويبدأ تنفّس جديد، تموت دقَّة قلب وتنشأ دقَّة قلب جديدة، فهذه المراحل تمرُّ علينا في كل لحظة وكلُّ دقيقة. كل لحظة من حياتنا هي باردو، كذلك كل فكرة، كل عاطفة، كل تنفُّس... الخ.

كما أن فرص الاستنارة موجودة في كل مرحلة من مراحل الحياة، وكما أن طبيعة العقل المشعَّة تظهر خلال الاحتضار وبعد الوفاة، كذلك يمكن لنا أن نشعر بها في الفجوات بين أفكارنا وبين مشاعرنا وبين تنفُّس وآخر، لكنَّنا وفي حياتنا العصريَّة خاصَّة لا نتأمَّل هذا ونخسر تلك الفرص الذهبيَّة. كلَّما أصغينا لنفسنا وكلَّما كنَّا مستعدِّين داخليًّا للشعور بهذه الفجوات بين الأفكار والمشاعر وبطبيعة العقل الأساسيَّة، كلَّما كنَّا مستعدِّين للوفاة، حيث تتضخَّم هذه الظواهر بشكل أكبر بكثير.

تعلِّمنا مبادئ الباردو أن هناك لحظات في حياتنا يكون فيها العقل أكثر انفتاحًا وتقبُّلاً لطبيعة العقل الأساسية والاستنارة، من بينها بداية اليقظة وبداية النوم، الفجر ومغيب الشمس، وكذلك طبعًا لحظة الوفاة، لأنه في هذه اللحظة نترك جسدنا، ونكون قد أعطينا الفرصة الأكبر للتحرُّر. حتَّى بالنسبة للمعلِّمين الكبار، الذين قضوا حياتهم في أعمال الخير والعبادة والتأمُّل، يجدون الفرصة الأكبر لحظة الوفاة من أجل الاستنارة الكاملة المدعوَّة بالـ Parinirvana، ولهذا السبب يحتفل أهل التيبيت بوفاة المعلِّم وليس بولادته، وإن السبب في أهميَّة لحظة الوفاة أن الطبيعة الأصليَّة للعقل أو الاستنارة الأساسيَّة أو الضوء النقي يظهر بأبهى حلَّة له، إذا استطعنا في هذه اللحظة إدراك الاستنارة الأساسيَّة، سنحصل على التحرُّر، ولن نستمرَّ في دورة الحياة والموت.

ولكن ما أهميَّة الباردو، ولماذا كانت فرص ذهبيَّة، وما الذي يجعلها بهذه الأهميَّة؟ إنَّها بكل بساطة حالات مختلفة من الوعي الإنساني، وإدراكات مختلفة للعقل. حسب الممارسات البوذيَّة، ومن خلال التأمُّل، نعمل على إدراك الأوجه المختلفة، لكن المترابطة للعقل وأن ندخل بحكمة ومعرفة هذه الطبقات المختلفة للوعي. عند انتقالنا من باردو لآخر في الحياة والممات، يحصل أيضًا تغيُّر في الوعي، والذي يمكن من خلال الممارسة أن نعرفه أكثر ونكون قادرين على فهمه. طالما أنَّ الظواهر التي تحصل بعد الوفاة موجودة في وعينا، فهي يمكن لها أن تتظاهر في الحياة أيضًا على درجات مختلفة، وهذا ما ذكرناه على مستوى النوم:

الذهاب للنوم مشابه لباردو الاحتضار، حيث تذوب الإدراكات والمشاعر والأفكار، منفتحة إلى تجربة الاستنارة الأساسيَّة Ground Luminosity.

الأحلام مشابهة لباردو العودة، وهي حالة وسيطة، حيث يوجد جسد عقلي نشيط جدًا، يمرّ بكافة أنواع التجارب.

ما بين باردو الاحتضار وباردو العودة، يوجد باردو الدارماتا، وهي حالة خاصَّة جدًا من الاستنارة أو الضوء النقيِّ، وهي مشابهة لفترة النوم العميق.

من الطبيعي أن تكون مراحل الوفاة أعمق وأقوى بكثير من مراحل النوم، ولكن النوم يعطينا فكرة ضئيلة وبسيطة عمَّا من الممكن أن يحدث معنا. كم منَّا يدرك عندما يحلم أنَّه يحلم. كيف هو إدراكك خلال النوم والأحلام يعبِّر بشكل مبدئي عن كيف سيكون وعيك في حالات الباردو المختلفة. إن أهميَّة النوم جعلت بعض المدارس البوذيَّة تضيف باردوين آخرين على الباردوات الأربعة وهي باردو النوم وباردو التأمُّل. الباردو إذًا هي حالات الوعي المختلفة التي يعيشها العقل. لنتأمل الآن بشكل موسَّع أكثر بحالات الوعي او الباردو المختلفة. (مرجع رقم 1)

- أولاً: الباردو الطبيعي لهذه الحياة: يخبرنا الحكماء أن أحد مستويات الوعي يعتبر قاعدة أو أساس الفكر اليومي، وهو فكر غير متنوِّر وعادي، ويعتبر أساس الفعل والنتيجة أو ما يسمَّى بالكارما، وأساس الجنَّة وجهنَّم، أو ما يسمَّى بالنيرفانا والسامسارا. هو مثل المخزن الذي تتراكم فيه أفعال الماضي، المشاعر السلبية التي تتراكم كالبذور والحبوب، وعندما يأتي الوقت المناسب، تتبرعم وتتظاهر كمواقف وحالات في حياتنا اليوميّة، وتصبح أحيانًا عادات معيَّنة تتحكَّم بتصرُّفاتنا وسلوكنا، وبالنهاية تحدد حياتنا، وفاتنا، وعودتنا.

كثيرًا ما يسأل الناس: "كيف سنموت؟" الجواب ببساطة يكمن في الحالة الذهنيَّة التي يعيشها الإنسان حاليًا، ماذا نحن عليه الآن، يحدِّد كيف ستكون وفاتنا وحتى بعد وفاتنا. يقول جلال الدين رومي: "يأتي كل إنسان إلى هذا العالم من أجل هدف أساسي، وإذا لم يقم بهذا الهدف فكأنَّه لم يأتي، ولم يفعل شيئًا". حسب البوذيِّين، هناك نتيجة أفعال وحياة أو كارما يعيشها كل إنسان على حدى، ولكن هناك كارما جماعيَّة تجمع الجنس البشري بشكل عام وتفرض واقعًا معيّنًا وظروفًا معينة على كامل الجنس البشري، منها مثلاً زيادة الحرارة الكونيَّة، التلوُّث الجوِّي، انهيار النظام المالي، الحروب، الكورونا... الخ. آمن البوذيون بوجود 6 عوالم أرضيَّة دنيا مختلفة يعيشها الجنس البشري حسب غرائزه ودرجة تطوُّره تسمَّى بالسامسارا Samsara، أسموها عالم الآلهة، أشباه الآلهة، العالم الإنساني، العالم الحيواني، عالم الأشباح الجائعة والعالم الجهنَّمي، كلُّ واحدة مرتبطة بإحدى الغرائز والمشاعر السلبيَّة وهي: الفخر، الغيرة، الرغبة، الجهل، الطمع، والغضب. نحن نرى ما تسمح لنا البصيرة الكارميَّة بالرؤية فقط، فالحشرة مثلاً قد ترى إصبعنا كمساحة رؤية كاملة.

أحد الأمثلة الجميلة على هذه العوالم، هو عندما يلتقي كائن من كلّ من هذه العوالم أمام نهر. يرى الإنسان فيه وسيلة للشرب والاغتسال. ترى السمكة فيه موطنها وبيتها، يرى الإله فيه الرحيق الذي يجلب البركة والنعيم، نصف الإله سلاحًا (بحكم الغيرة)، الشبح الجائع يرى فيه قيحًا ودمًا متمدِّدًا، ويرى فيه الكائن الجهنَّمي حممًا منصهرة.

هذه العوالم موجودة في واقعنا الحالي كما هي موجودة بعد الموت، وهذا ما تركِّز عليه الحضارات الشرقيَّة، أنه إذا كنت دائمًا محكومًا بالغضب والحقد في حياتك الحاليَّة، سيكون مصيرك بعد الوفاة محكومًا بنفس المشاعر في واقع جهنمي، وإذا كنت فاحش الثراء ولا تشبع، دائمًا تبحث عن الحصول على المزيد من الشركات والأرباح والنقود، فأنت محكوم بالطمع وتعيش وستعيش في عالم الأشباح الجائعة، وإذا كانت الرغبة هي مصدر حياتك فستكون دائمًا في الواقع الإنساني المادِّي ولن ترتقي. من الطبيعي أن نظن أن عالم الآلهة هو عالم خال من الألم والعذاب، جمال وراحة لا تنتهي، ولكن المعلِّمين الكبار ركَّزوا على أهميَّة العالم الإنساني وأنَّه أكثر ثراء وجدوى من عالم الآلهة، لأنَّ فيه الوعي والذَّكاء الأساسيَّين من أجل التنوُّر، وفيه السعي من أجل تحسين الوضع الحالي، ولأنَّ العذاب والألم الموجودين في العالم الإنساني هما أساس التحوُّل المطلوب.

هذه العوالم الكارميَّة ما هي إلا وهم، لأنها تعتمد على مجال معيَّن من البصيرة دون الرؤية الكاملة. من أجل الاستنارة والرؤية الكاملة علينا الانتقال من الرؤية الكارميَّة المحكومة بهذه العوالم إلى رؤية الخبرة Vision of experience، والتي تتجاوز الأفق الضيِّق إلى نظرة أكثر شموليَّة من خلال التأمّل والصلاة والطريق الصحيح، ومن ثم إلى الرؤية الصافية النقيَّة Pure vision، والتي ترى الوحدة في كلِّ شيء، ترى العالم كلَّه كاملاً، لأنَّها ترى المصدر والحقيقة النقيَّة العارية خالية من كل الثنائيَّات والأطماع والشهوات. من الطبيعي أن تحاول الأنا بكل الوسائل الممكنة منع الإنسان من الاستنارة والترقِّي، ومن أهمِّ الأسلحة المستعملة هي الآمال الكاذبة والمخاوف الكاذبة: "إذا فعلت هذا، ستكسب هذا، وإذا سرت على هذا الطريق ستخسر هذا وذاك". من الطرق الأخرى الهامَّة هي الشكُّ، حيث تقوم الأنا بجعلك تشكُّ بأية طريقة أو منهج متَّبع، والوسيلة الوحيدة لقهر هذا ليست بمنع هذه الأفكار وتثبيطها، لأنها ستزداد قوَّة، مثلما يحدث مع الخوف، الطريقة الأساسيَّة هي بمراقبتها، عدم التركيز عليها وعدم تثبيطها بل فقط مرور الكرام عيها ومعرفة من أين تأتي، أي صبُّ النور عليها.

الأنا ليست عدوّ، ولكنها وهم موجود وتدافع عن وجودها، لأن طريق الاستنارة سيزيلها. من أهمِّ طرق الحكمة من أجل الترقِّي والاستنارة ثلاث: الاستماع الجيِّد، التركيز والتأمُّل بالكلام، وممارسة التأمُّل (مرجع رقم 1).

- باردو الاحتضار: لقد أعطت الحضارات الفرعونيَّة والتيبيتيَّة طرقًا متعدِّدة للتعامل مع الاحتضار بالنسبة للشخص نفسه أو لغيره أو للتهيئة لفترة الاحتضار، وتعتبر من أغنى التجارب الإنسانيَّة بهذا الخصوص، والتي استقت منها العديد من المدارس الحديثة. هذه الطرق متطوِّرة جدًّا ومتعدِّدة وتحتاج إلى الكثير من الوقت، ولذلك لن يتَّسع لي الكلام عنها حاليًّا.

 

 

صورة 18

صورة 19

ما هي مراحل الاحتضار؟ خلال الاحتضار (صورة رقم 19)، يحدث تحلُّل تدريجي وانصهار لكامل الظواهر والحواس التي كانت مُعاشَةً خلال الحياة، وبالتالي يحدث زوال للوعي البصري والسمعي والشمي واللمسي... الخ، وعادة ما يميِّز بداية الاحتضار غياب الإدراك الحسي بكل أنواعه. يبدأ بعدها عنصر الأرض بالانحلال، فيفقد الجسد القوَّة والطاقة، تغور الوجنتان وتبدأ بقع بالظهور على الأسنان، ويصبح من الصعوبة بمكان فتح العينين، يكون العقل بحالة خبل ويدخل تدريجيًّا بالسبات، يأتي بعدها دور عنصر الماء بالانحلال، فتظهر صورة سراب ماء مهتزٍّ، ثم نفقد السيطرة على السوائل التي تخرج من الأنف والعينين وربما البول، تبدأ الشفتان بالانكماش والفم والحلق بالجفاف ويحدث شعور بالعطش. تقول بعض الكتب أن الشخص يشعر كما لو أنَّه يُقاد في محيط أو نهر كبير، ثم يبدأ عنصر النار بالزوال، وهنا يزول الإدراك تماما لكلِّ ما يحيط بنا، يتغيَّر لون الجلد، وأخيرًا تعطي النار دورها للهواء، فيبدأ بالزوال، يصبح التنفُّس مستحيلاً، يكون العقل في حالة إهلاسات، وفي حال كان يوجد الكثير من السلبيَّات في حياتنا، يمكن أن نرى أشكالاً مخيفة، وحتى أن نحاول الصراخ بدون أن نقدر بسبب الخوف، أما إذا كانت حياتنا مليئة باللطف والإنسانيَّة، فقد نشعر برؤى سماويَّة من الغبطة. يذوب عنصر الهواء ضمن الوعي. في هذه المرحلة، تكون العلامات الحيويَّة قد زالت تمامًا، ويبقي فقط حرارة بسيطة جدًا في القلب، وهنا يكون الإعلان الطبِّي بالوفاة. يقول أهل التيبيت أن هناك حوالي 20 دقيقة بين توقف التنفُّس الخارجي وتوقف التنفُّس الداخلي، ولكن هذا ليس ثابتًا عند كل الناس.

تبدأ بعدها عمليَّات التحلُّل الداخليَّة، تقريبًا بشكل معكوس عن بداية الولادة الجنينيَّة، ففي التكوين الجنيني، تلتقي نطفة الأب مع بويضة الأمِّ، ويأتي وعي معيَّن حسب التجارب السابقة والكارما نحو البويضة الملقَّحة ويبدأ التشكُّل الجنيني، ومن بعدها يتجمَّع الجوهر الآتي من الأب (يقوم الطب الصيني على فكرة 4 عناصر أساسية للحياة: الدم، الطاقة أو التشي، الجوهر أو الجينغ وهو من طبيعة أثيرية بين الدم والطاقة، والوعي أو الشن وهو من اهتزازات أعلى من الطاقة. تسمَّى الثلاثة الأخيرة بدون الدم الكنوز الثلاثة) (صور رقم 20، 21، 22) على شكل نواة بيضاء في التشاكرا السابعة في قمَّة الرأس والقناة المركزيَّة، أمَّا الجوهر الآتي من الأمِّ، فيجتمع على شكل نواة حمراء في أسفل القناة المركزيَّة حوالي 4 أصابع أسفل السرَّة. بعد الانحلال الخارجي، تبدأ هذه العناصر بالانحلال، فمع غياب عنصر الهواء، يهبط جوهر الأب نحو القلب ويشعر الشخص ببياض لطيف مثل السماء خلال وجود القمر، وهنا تذوب الحالات الذهنيَّة الثلاثة والثلاثين الناجمة من الغضب، تسمَّى هذه المرحلة الظهور Appearance. بعدها يبدأ جوهر الأمِّ بالصعود نحو القلب، ويشعر الشخص باحمرار ودفء مشابه للشمس في سماء نقيَّة، يشعر الشخص بنعيم وهناء وتزول الحالات الذهنيَّة الأربعين الناجمة عن الرغبة، وتسمَّى هذه المرحلة بالتزايد Increase. عندما يلتقي جوهر الأب والأم في القلب، يكون الوعي بينهما، ويشعر الشخص باسوداد وبحالة ذهنيَّة خالية تمامًا من الأفكار، مثل حالة السماء في ليلة خالية من النجوم والقمر، وهنا تغادر الحالات الذهنيَّة السبعة الناجمة عن الجهل والأوهام، وتسمَّى هذه المرحلة بالإنجاز الكامل Full Attainment. تحدث هنا صحوة وعي كبيرة وتشرق الاستنارة الأساسيَّة كسماء صافية خالية من الغيوم، وتسمَّى ذهن الضوء الساطع للموت أو طبيعة البوذا، وهي مصدر كل الوعي. بزوال السموم الثلاثة الرئيسيَّة من الغضب والرغبة والجهل التي تعتبر مصدر الشرِّ وأساس السامسارا أو جهنَّم، وأساس رغبة الروح بالعودة المتواصلة للأرض، نعود للطبيعة الأساسية للعقل والوعي. يحاول الحكيم أن يشعر بهذه المراحل وهو على قيد الحياة وأن يصل للاستنارة الأساسيَّة وهو ما يزال على قيد الحياة، ومنهم من يحاول أن يبقي على هذه التجارب وهو يذهب للنوم، لأن هذه المراحل لا تحدث فقط بالموت، بل أيضًا بشكل أقصر خلال النوم، وخلال التأمُّل والصلاة (مرجع رقم 1).

 

 

 

صورة 20

صورة 21

صورة 22

- الباردو المشعّ للدارماتا: كلمة دارماتا بالسنسكريتية، أو chö nyi بالتيبيتيَّة تعني الطبيعة الداخليَّة لكل شيء، فالدارماتا هي الحقيقة العارية غير المشروطة، هي الفترة التي تشرق فيها الاستنارة بأبهى حلَّتها، مثل صفاء السماء مباشرة قبل الفجر. قد يمكن تشبيهها بما قالته الفيزياء الحديثة أن كل المادَّة ما هي إلا محيط من الطاقة والضوء. لنرى ماذا قال التيبيتيُّون عن هذا الباردو.  يتميَّز هذا الباردو بأربع مراحل:

1. أولاً: الاستنارة: تتميَّز هذه المرحلة بأنَّ الروح تأخذ جسمًا من ضوء، حيث يتحوَّل الفراغ هنا إلى استنارة. تكون ألوان هذا الضوء حسب التعبير الطبيعي لصفات العقل الأساسيَّة الداخليَّة (صورة رقم 23)، فالفراغ يظهر كلون أزرق، الماء أبيض، الأرض أصفر بنِّي، النار كلون أحمر والهواء أخضر. يعتمد هذا الظهور للنور بشكل كامل على مدى استعداد الشخص ودرجة ممارسته الروحيَّة في الحياة الأرضيَّة، وفقط الإنسان الخبير يستطيع تثبيت هذه التجربة واستعمالها من أجل التحرُّر الروحي. في حال عدم وجود خبرة، ستمرُّ هذه التجربة مرور الكرام تمامًا مثلما يحدث لمعظمنا خلال النوم العميق، نكون في حالة سبات ولا نشعر بهذه التجربة العظيمة. يجب التأكيد دائمًا أن الإنسان الخبير فقط يدرك أن هذه التظاهرات المختلفة للضوء ليست منفصلة عن الطبيعة الأصليَّة للعقل.

2. ثانيًا: الوحدة: إذا لم يدرك الإنسان أن هذا الضوء والألوان ما هي إلا تظاهرات لطبيعة العقل، تبدأ الإشعاعات والضوء بالتجمُّع في نقاط أو كرات مختلفة الحجم تدعى بالـ Tiklé (صورة رقم 24)، يتظاهر ضمنها الملائكة والأرواح الغاضبة. تملأ هذه الرؤى كامل إدراك الشخص، وفي حال عدم إدراك الشخص لماهيَّتها الحقيقيَّة يمتلكه الخوف. يخرج من الشخص ومن هذه الرؤى خطوط من الضوء تجتمع عند منطقة القلب. تظهر كرات من الضوء ضمن هذه الإشعاعات، ومن ثم تذوب داخل قلب الشخص.

3. ثالثًا: الحكمة: في حال عدم إدراك الشخص للمرَّة الثانية طبيعة العقل وعدم حدوث التوازن المطلوب، تظهر المرحلة الثالثة وتذوب الوحدة ضمن الحكمة. يخرج شعاع نور من القلب، وتظهر من خلاله رؤى هائلة (صورة رقم 25). تظهر كرات النور Tiklé بلون سماوي على بساط أزرق، وأخرى بيضاء كالكريستال على بساط أبيض، وأخرى ذهبيَّة على بساط أصفر وأخرى قرمزيَّة على بساط أحمر، متوَّجة بكرة كبيرة مشعّة من ألوان الطاووس. هذه الألوان الخمسة للكرات ما هي إلا الحِكَم الخمسة: حكمة الفراغ الشامل، الحكمة الشبيهة بالمرآة، حكمة التعادل، حكمة الفطنة، وحكمة الإنجاز الكامل. في حال عدم حدوث التحرُّر الروحي من خلال البقاء ثابتًا في طبيعة العقل، وعدم التأثُّر بما يجري حوله، تتحلَّل كل هذه الكرات والبُسط مع طبيعة العقل ضمن الكرة العلوية المشابهة لجناح الطاووس.

4. رابعًا: التواجد العفوي: وهي المرحلة الأخيرة من الدارماتا حيث تذوب الحكمة في تواجد شامل عفوي. يظهر الواقع بأكمله كاستعراض هائل. تظهر الاستنارة الأساسيَّة كسماء خالية من الغيوم، وتظهر الملائكة والأرواح الغاضبة ومن ثم عالم الأرواح الطيِّبة والبوذوات Buddhas (صورة رقم 26، 27)، ومن تحتها تظهر العوالم الستَّة للعودة أو سامسارا. تُعتبر هذه المرحلة أعلى من أيِّ شيء يمكن تخيُّله، فلا يوجد أي بعد زمني أو مكاني. يستطيع هنا الإنسان معرفة كل حيواته الماضية والمستقبليَّة، يرى أفكار الآخرين، ويدرك العوالم الستَّة للوجود.

 

 

صورة 23

صورة 24

 

صورة 25

صورة 26

 

صورة 27

أعود وأكرِّر أن النقطة المهمَّة في إدراك هذا الباردو أن يدرك الشخص أنَّ كل هذه التجارب ما هي إلا إسقاطات لطبيعة العقل، وفي حال إدراك هذا، يحصل التحرُّر الروحي، ولا تضطرُّ الروح إلى الدخول في باردو العودة والعودة الأرضيَّة من جديد. كما أنَّ إدراك الاستنارة الأساسيَّة في باردو الاحتضار أساس للتحرُّر، كذلك يكون هنا في باردو الدارماتا إدراك طبيعة العقل، والثبات فيها هي أساس التحرُّر. في حال فشل الشخص في إدراك الاستنارة الأساسيَّة في باردو الاحتضار، والطبيعة الأساسيَّة للعقل في باردو الدارماتا، تبدأ السامسارا أو العودة بالظهور من خلال تراكم المشاعر السلبيَّة وتجمُّعها على شكل إدراكات خاطئة وجهل، وتظهر ألوان باهتة من الشاحب والأصفر والأخضر والأزرق والأحمر والأبيض والتي تعبِّر عن الغضب، الطمع، الجهل، الرغبة، الغيرة والافتخار، هذه المشاعر تشكِّل العوالم الستَّة للسامسارا: جهنَّم، الأشباح الجائعة، الحيوان، الإنسان، نصف الآلهة والآلهة. هذه العوالم هي تعبير ميتافوري أو رمزي عن مدى صعوبة هذا العالم والدرجة الروحيَّة التي يعيشها الإنسان، ولا تعني الإله أو نصف الإله أو الحيوان باللفظ الحرفي. فهي لا تعني أن الروح تعود على شكل حيوان أو نصف إله... الخ، بل هي حالة روحية معيشيَّة، فالعالم الحيواني هو الإنسان الراكض وراء غرائزه الشهوانيَّة والجنسيَّة، أما الأشباح الجائعة فهي الراكضة وراء المال والطمع والمنصب، والإنساني هو الذي يتحرَّك بالمشاعر والعواطف والقيم، وعالم الآلهة هو الحياة المريحة الراقية البعيدة عن مشاكل الدنيا وأهوائها. بعض المدارس ذكرت 10 عوالم ضمن مجال يمتدُّ من أخفض الذبذبات للأعلى وهي: جهنَّم، الجوع، الغضب، الحيوانيَّة، النشوة، الإنسانيَّة، التعلُّم، التحقيق، البوديساتفا وهو الشخص القادر على الوصول إلى النعيم أو النيرفانا، ولكنَّه يختار البقاء من أجل مساعدة الآخرين والتي قد تعادل عالم أنصاف الآلهة، وحالة البوذا Buddhahood المعادلة ربَّما لعالم الآلهة (مرجع رقم 1).

باردو العودة Bardo of Becoming, Sipa Bardo:

كلمة Sipa تعني الصيرورة، ولكن أيضًا التواجد، الاحتمال. بالنسبة لمعظم الناس، تمرُّ مراحل الاحتضار من تحلُّل خارجي ومن ثم المراحل الثلاثة للتحلُّل الداخلي من ظهور وتزايد وإنجاز كامل خلال فترة قصيرة جدًا، ويظهر فجر الاستنارة الأساسيَّة ولكنَّهم لا يدركونها، وفي حال فشلنا أيضًا في إدراك الطبيعة الأساسيَّة للعقل في مرحلة الدارماتا. نقع من جديد في اللاوعي، ويسمَّى هذا بمرحلة الجهل المسمَّاة بالتيبيتيّة الـ Ma Rigpa، أي عكس الـ Rigpa أو المعرفة الداخليَّة. ما يحدث أولاً هو إحساسنا أنَّ السماء والأرض تنفصلان من جديد، لا تعود هناك وحدة. تنشط وتتفعَّل من جديد بذور أهوائنا وميولنا، ويكون عندنا احتمالات عديدة للعودة في عوالم مختلفة. ينشط العقل من جديد بعدما كان في حالة كمون في مرحلة الدارماتا وكنَّا في حالة جسد من نور كما ذكرت، ليصبح للعقل هنا دور القيادة، ويصبح لدينا جسم عقلي. يتميَّز الجسم العقلي ههنا باحتواء كل الحواس من جديد، خفيف، حركي، صاف، مستبصر وبالتالي له القدرة على قراءة أفكار الآخرين. يستطيع الجسم العقلي الحركة في كل الاتجاهات وأينما كان فقط بمجرَّد التفكير، ولكن بسبب عدم وجود جوهر الأب والأم كما في الجسم الفيزيائي، لا يكون عندنا ضوء الشمس والقمر، وإنَّما نور خفيف أمامنا، نستطيع رؤية كلِّ مخلوقات الباردو (صورة رقم 28)، ولكن لا يمكن رؤيتنا من قبل الكائنات الحيَّة على المستوى الفيزيائي. نعيش في هذا الباردو كامل تجارب الحياة الماضية متذكِّرين تفاصيل دقيقة جدًا جدًا غابت في غياهب الذكريات. نعود لتجربة الاحتضار كل 7 أيَّام بكلِّ معاناتها وبشكل مضخَّم سبع مرَّات بسبب قوَّة الوعي في هذا المستوى. إذا كانت وفاتنا بسلام، تعود تجربة السلام الداخلي، أمَّا إذا كانت تجربة مزعجة، فيعود الإزعاج مرارًا وتكرارًا.

 

 

صورة 28

صورة 29

جزء من المعاناة في هذا الباردو أنَّنا نظنُّ أن لنا جسد فيزيائي تمامًا كما يحدث في الأحلام، ولكن في الحقيقة كلُّ تلك الأحداث تتمُّ في العقل فقط. تعود رياح العناصر الأربعة للظهور (صورة رقم 29)، نسمع أصواتًا ونرى أنهارًا متسارعة، براكين نار، عواصف هوائية، انهيارات ثلجيَّة وأرضيَّة، وضمن هذا الاسوداد المحيط بنا، وتظهر هاويات مخيفة بلون أبيض، أحمر وأسود، تعبِّر عن الغضب، الرغبة والجهل. يستمرُّ باردو العودة مدَّة أقلُّها أسبوع، ولكن بشكل متوسِّط 49 يومًا. تكون الأيام الـ 21 الأولى متأثِّرة بشكل خاص بالحياة السابقة، وهنا يكون للإنسان القريب أو العزيز الذي ما يزال حيًّا الدور الأكبر لمساعدة روح المتوفِّي. بعد ذلك، تكون فكرة الحياة القادمة هي الغالبة. يعتقد التيبيتيّون أنَّ المحاكمة بعد الموت تحدث داخل عقلنا وحدنا، وأنَّنا الحكم والمُحاكَمين.

لما يحدث في العائلة والأقرباء ما بعد الوفاة أهميَّة بالغة هنا، فعلينا ألا ننسى أنَّ للشخص هنا جسم عقلي دون فيزيائي، ورؤيته للأقارب يتنازعون على أملاكه أو يظهرون عدم احترام لما كان عليه أو مشاعر كاذبة، قد يخلق في الشخص غضبًا وعنفًا، يجعله يتَّجه نحو ولادة جديدة مؤسفة. التغلُّب الساحق لقوة العقل هو أساس ومفتاح باردو العودة. لا تظهر العوالم العليا النيِّرة بسهولة في هذا الباردو لأنَّها تنتمي لباردو الدارماتا، لكن يمكن بتذكُّرها فقط الانتقال هناك بسبب قوَّة العقل البالغة هنا، لذلك تكون أهميَّة الممارسات الروحيَّة خلال الحياة بالغة جدًا، لأنَّها لا تكون فكرة جديدة، ويستطيع الإنسان الإحساس بها بسهولة أكبر، ومع قوَّة العقل في هذا الباردو، يستطيع الانتقال إليها بسهولة. تمرُّ العوالم الستَّة للسامسارا أمامنا (صورة رقم 30)، وبحسب دوافعنا وميولنا نتَّجه إلى واحد أو آخر، ولكن بحسب حكمتنا السابقة وممارساتنا الروحيَّة، في حال استطعنا عدم الانسياق وراء الرغبات والغضب والغيرة وغيرها، وعلمنا أنَّ هذه ليست حقيقيَّة، وبقينا أوفياء للطبيعة الأساسيَّة للعقل، تكون هذه فرصتنا الثالثة والأخيرة للتحرُّر وعدم العودة. تعتبر هذه الطريقة هي الأولى والأفضل من أجل عدم العودة أو العودة لحياة أفضل. الطريقة الثانية، هي النظر لأهلنا القادمين كمعلِّمين روحيين أو بوذا أو غيرها، والامتناع عن الانسياق نحو الغرائز ومحاولة التركيز على العوالم العليا. الطريقة الثالثة هي اختيار العالم المُعاش، فإذا أراد الشخص اتِّباع طريق روحي ومساعدة الآخرين، فمن الأفضل اختيار عالم الإنسان. الطريقة الرابعة هي الآن من خلال التأمُّل والصلاة حاليًا، والارتقاء بالنفس، يلد الإنسان في العوالم العليا (مرجع رقم 1).

صورة 30

إذا استطاع الشخص توجيه نفسه نحو العالم الإنساني تكتمل الدورة من جديد ويعود للباردو الطبيعي لهذه الحياة. تختار الروح الأهل وفي لحظة الجماع، تدخل الروح الرحم، وتختبر مراحل التحلُّل من جديد وفجر الاستنارة الأساسيَّة، وتبدأ الحياة كما انتهت بالاستنارة الداخليّة (مرجع رقم 9).

مستويات الوعي:

كما في كلِّ شيء لا يمكن قياسه بوسائلنا وحواسنا المحدودة، سنجد أن الوعي ينطبق عليه نفس الشيء، فحتى الوقت الحاضر، لا يوجد تعريف علمي دقيق وشامل للوعي، ونجد أن هناك إسقاطات متعددة له، ولكنها لا تستطيع الإحاطة بما هو تمامًا الوعي وما أبعاده. يعرَّف الوعي طبيًا على أنَّه حالة الشخص المستيقظ أو قابل للاستيقاظ بسهولة، منتبه لما يجري حوله، ويستجيب للتنبيهات المحيطة به. يعرَّف الوعي في علم النفس على أنَّه إدراك الشخص للأحاسيس والأفكار والمشاعر والمفاهيم في لحظة أو فترة معيَّنة، ويُقسم إلى الوعي واللاوعي ويُضاف أحيانًا الوعي الجمعي وما فوق الوعي.

في الحضارات الشرقية، يتمُّ تعريف الوعي بشكل أوسع بكثير، فالبوذا مثلاً عرَّف الوعي على أنَّه مثل تيَّار مستمرٍّ من الماء له 4 طبقات: الوعي الحسِّي، الوعي العقلي، وعي العقل الأعلى أو الماناس، والوعي الاختزاني. الوعي الحسِّي هو الذي يأتي من حواسنا الخمسة التي تعتبر كبوَّابات وله 3 عناصر: عضو الحس كالعين أو الأذن أو اللسان، عنصر الحسِّ نفسه كالرؤية والسمع والذوق، وأخيرا التجربة الحسيَّة وإدراكها. يستهلك الوعي العقلي معظم طاقاتنا، وهو الوعي العامل الذي نستخدمه في قراراتنا وأحكامنا وتصرُّفاتنا، وهو وعي فيزيائي مثل الوعي الحسِّي ومادَّته الدماغ. الوعي الثالث أو الماناس هو وعي الشخصيَّة المستقلَّة، الفرديَّة، بأنَّ كلَّ شخص منّا هو شخص مستقلٌّ منفرد، وهو يتعلُّق ويرتبط بالوعي الاختزاني، ولكنه يحافظ على الجهل والمخاوف والشهوات بسبب عدم إدراكه لطبيعته الكونيَّة. أخيرًا يأتي الوعي الاختزاني، وهو الأعمق بينها، هو كنهر كبير مستمرِّ الجريان، كحديقة نزرع فيها البذور ونراها يانعة بالأزهار والفواكه والأشجار، هو كالمتحف الضخم الذي نضع فيه أعمق تجاربنا، وهو طريق التحرُّر والانعتاق، وهو القاعدة والأساس لأنواع الوعي الثلاثة الأخرى.

بدأت بالفيدا والحضارة الهندية، هناك طبعًا مدارس عديدة، كما حدثت تغيُّرات كبيرة عبر التاريخ، ولكن يمكن القول إن أقربها لمفهومنا الحالي وأكثرها علميَّة ودراسة من قبل التجارب السريريَّة والفحوص المكمِّلة مثل تخطيط الدماغ والـ PET scan وغيرها هي المذكورة بمدارس وجامعات التأمل التجاوزي وتقوم على سبعة مستويات للوعي (مرجع رقم 8، 10):

-       وعي اليقظة: يتميَّز بنشاط جسدي نفسي فكري، مع انفتاح روحي بسيط، يختلف حسب الأشخاص. يعتمد على الوعي الفيزيائي، أي الحسِّي والفكري.

-       مرحلة الأحلام: تتميَّز هذه المرحلة بنشاط ذهني ونفسي كبير مع استرخاء شديد جدًا بالجسد أي انفصال جزئي بين الفكر والمشاعر وبين الجسد. تعتمد على الجسم الطاقي وأيضًا الوعي الحسِّي والفكري والماناس.

-       النوم العميق: من الصعب معرفته تمامًا، ولكن هناك على ما يبدو همود بالنشاط الذهني والنفسي وانفصال بينها وبين الجسد، وتكون أمواج الدماغ بطيئة جدًا، وكأننا نتعامل مع موت مصغَّر. يعتمد على الجسم الكوكبي ووعي الماناس.

-       الوعي الرابع أو الاختزاني يسمَّى بالسنسكريتية Turiy، Chaturiya، أو Chaturtha وبالفييتناميَّة Tang وهي تعني الوعي النقي Pure consciousness. هذا الوعي الرابع يتمُّ تقسيمه أكثر إلى: الوعي التجاوزي Transcendental consciousness: يتميَّز بالصمت، وهنا يكون العقل والمشاعر والجسد بوضع انسجام استرخائي، أي أنها بحالة انسجام ربما أكثر من وعي اليقظة ولكن مع استرخاء وانفتاح كبير على المستويات الأعلى. تكون بمثابة نعمة، وهي هدف عمليَّة التأمُّل أن نصل إلى هذه الحالة من الـ Samadhi، وأن نبقي العقل في هذا المستوى. يقول البوذا في السوترا الماسيَّة: "وجودنا في هذا العالم هو بمثابة قطرة ندى، فقاعة في تيَّار، شرارة برق في غيمة صيفيَّة، أو مصباح يتأرجح ضوؤه، هو وهم أو حلم".

-       الوعي الكوني Cosmic Consciousness أو الوعي الشاهد witness Consciousness: يكون هنا الإنسان في حالة تجاوزيَّة أو المستوى الرابع خلال معظم حياته العمليَّة، أي وهو يعمل، وهو يفكِّر، وهو يتكلَّم، أي يستطيع الحفاظ على المستوى الرابع من الانسجام ليس للحظات قليلة، بل معظم الوقت. هنا يستطيع الإنسان الإدراك أن النفس ليست الشخصيَّة والجسد، بل هي أعلى، هي الفارس الذي يقود الفرس. يستطيع الإنسان الإدراك هنا أن العالم الخارجي متغيِّر، متبدِّل، وهم وعابر.

-       الوعي الإلهي God consciousness: هنا يتجاوز الإنسان الفكر نفسه، ويصل إلى الذات الأتمان Atman، تزداد النعمة، يزداد الفرح، يشعر بالمركز ولا يعود بالمحيط خاضعًا لكلِّ التيَّارات، ويتأثَّر باي شيء. يشعر بالهدف ووحدة الطريق، بالتواضع.

-       الوعي الوحدوي Unity consciousness: هي مرحلة الاستنارة الكاملة، مرحلة لامتناهية، تستمر بالانكشاف والتوسُّع والتعمُّق. في هذا المستوى، تكون الذَّات هي الكلُّ، أي يصبح الأتمان براهمان. يكتشف الشخص أن هذه الذَّات أو الأتمان التي كانت داخله، هي في الحقيقة حوله وتشمل كلَّ شيء. هنا تزول الثنائيّة تمامًا، فلا يوجد داخل وخارج، حقيقة ووهم، ذات وغير ذات، مطلق ونسبي، أزلي ومؤقَّت.

ركَّزت مدارس أخرى في الهند على مقاربات أخرى للموضوع، من أجل إعطاء التجارب المختلفة الحاصلة خلال التأمُّل، فنشا مفهوم السامادهي Samadhi، وهو مكوَّن من كلمتين: ساما وتعني معًا، دهي وتعني العقل، وبالتالي فالكلمة تعني وحدة العقل أو عدم تشتت العقل، فحاولت هذه المدارس معرفة درجة التقدم الروحي من خلال ظواهر السامادهي المختلفة. قسَّمت معظم المدارس السامادهي إلى قسمين: الأول هو السامادهي ذو الطابع أو الشكل المعيَّن، ويطلق عليه دهيانا Dhyana، والثاني هو السامادهي السرمدي العديم الشكل.

قسَّم المعلِّم Patanjali وغيره القسم الأول إلى 4 مراحل حسب درجة القدرة على التركيز باتجاه واحد وعدم تشتت الذهن بأفكار متعدِّدة، درجة الصفاء الذهني، درجة الشعور بالغبطة، ويمكن القول أنَّها بمجموعها تعادل المرحلة الرابعة للوعي حسب التأمل التجاوزي وهو الوعي التجاوزي. تمَّ تقسيم السامادهي السرمدي عديم الشكل إلى 4 مراحل أخرى، ومن ثمَّ أضيف مرحلة خامسة من قبل البوذيَّة وهي كالتالي:

-       سامادهي المكان اللامحدود، أي يشعر الإنسان كأنّه في مكان واسع لا محدود.

-       سامادهي الوعي اللامحدود، وهي حالة شعور بماهيَّة الوعي نفسه وليس بمظاهره والأفكار المختلفة.

-       سامادهي العدم: هنا يتمُّ تجاوز العقل نفسه، وتزول الأحكام تمامًا.

-       سامادهي عدم وجود فكرة أو لا فكرة، أو عدم وجود إدراك أو لا إدراك، وهي تعتبر قمَّة الوجود الدوري، أي الوجود المعتمد على دورة الحياة والموت.

-       آرهات نيرفانا: وهي الاستنارة الكاملة.

إذا أمعنا النظر، لوجدنا أن المرحلة الخامسة والسادسة معادلة تقريبًا للوعي الكوني، والمرحلة السابعة والثامنة معادلة للوعي الإلهي، والأرهات نيرفانا معادلة للوعي الوحدوي.

قامت مدام بلافاتسكي (مرجع رقم 11)، مؤسِّسة الجمعية الثيوصوفية لدراسة السرَّانيَّة الوجوديَّة بتقسيم الوجود إلى سبعة مستويات (صورة رقم 31).

صورة 31

-       الوجود الفيزيائي الجسدي Sthula- Sharira or Rupa.

-       الوجود الطاقي Prana، وهي تعني الطاقة الحيويَّة التي تمدُّنا بكل الفعاليات الجسدية والنفسيَّة والروحيَّة.

-       الوجود الكوكبي Astral، Linga- Sharira، وهي الظلُّ أو الدمغة التي ترتكز على أساسها الطاقة لتمدَّ الجسد بالحياة، وهي التي تحكم صحَّتنا وقدرنا حسب قوانين الكارما.

-       الوجود العاطفي kama، وهي مصدر المشاعر والأحاسيس والرغبات، التي يمكن أن تتجه باتجاه الأسفل وتكون غرائز حيوانيَّة، أو تقلُّبات عاطفيَّة، أو تتجه وتسمو إلى الأعلى.

-       الوجود العقلي Manas، وهو موطن الأفكار والذكاء، يعمل من خلال الثنائيَّة بين الخير والشرِّ، الجيِّد والقبيح، الجميل والبشع، وهو صلة الوصل بين الموناد الأزلي من أتما وبودي، وبين الإنسان الفاني.

-       البودي Buddhi أو الذَّات الروحيَّة، هي عربة أو وسيلة الأتما (الروح النقيَّة الكونيَّة). البودي هو الإحساس بأنَّنا في وحدة مع الكون، وهو صوت الضمير الذي يوافق أو لا يوافق على تصرُّفاتنا. هنا تكون الثنائيَّة ما تزال موجودة، ولكنَّها تكون مُدرَكة من مستوى أعلى.

-       الأتما هي الروح، واحدة مع المطلق، وبالتالي فهي ليست تمامًا مبدأً إنسانيًا. تصبح مبدأً إنسانيًا عندما تستعمل البودي من أجل التعبير عن نفسها.

لابدَّ من التنويه هنا أن هذه المبادئ الوجوديَّة تعبِّر عن نفسها من خلال مراكز الطاقة أو الشاكرات السبعة. إذا أسقطنا مفاهيم بلافاتسكي والثيوصوفيَّة على التأمل التجاوزي من جديد، لوجدنا أن مراحل وعي اليقظة والأحلام والنوم العميق موجودة في الوجود الفيزيائي والطاقي والكوكبي والعاطفي والعقلي، الوعي التجاوزي هو الوجود العقلي الأعلى عندما يبدأ بإدراك صلة الوصل بين الموناد الأزلي والإنسان الفاني، الوعي الكوني والإلهي موجود في البودي، والوعي الوحدوي موجود في الأتما.

لننتقل الآن بعض الشيء من بلاد الهند والتيبيت والصين وشرق آسيا إلى مصر واليونان، فهل سنجد بعض المشابهات. يبدو هذا جليًّا من خلال الهرمسيَّة.

هرمس ثلاثي العظمة Hermes Trismegistus هو شخص عظيم، من المفترض أنه حصل على المعارف الثلاثة من فلك، خيمياء ولاهوت، وعاش في مصر القديمة، وكان يسمَّى بالفرعونيَّة دجهوتي ḏhwtj، والتي أصبحت بالقبطيَّة ثووغت θωογϮ وبالإغريقية ثوث Thoth، وبالعربية توت. اعتبر أحد الآلهة الأساسيَّة الفرعونيَّة وهو أحد الإلهين (مع معات) الذين حملا البارجة الشمسيَّة للإله رع، واعتبر توت إله السحر والكتابة وتطور العلوم ومحاكمة الموتى، وكان يرمز له بجسد إنسان ورأس الطائر أبي منجل، ومع تداخل الإغريقية مع الحضارة المصريَّة والهنديَّة ونشوء الهلنستيَّة، تمَّ جمع صفات الإله هرمس (وهو أيضًا إله الكتابة والمعارف الإلهيَّة) مع توت ليسمَّى هرمس ثلاثي العظمة أو تريسماجستس.

قامت الهرمسيَّة (مرجع رقم 12، 13) على مبادئ أساسيَّة تحدَّثت عنها في محاضرة سابقة كمبدأ العقل الواحد والترابط والاهتزاز والقطبيَّة... الخ، ومن أهم ما شملته مبادئها أن الكون بدأ بالوحدة التي انبثق عنها مستويات الوجود المختلفة، التي بدأ الاهتزاز فيها بالتناقص كلَّما انخفض المستوى، وعليه بسَّطت الموضوع من خلال القول بـ 3 مستويات مختلفة، كلٌّ منها يقسم إلى سبعة تدرجات ثانوية. المستويات الثلاثة بدأت بالمستوى الروحي ثم الفكري ثم الفيزيائي.

-       أولاً: المستوى الفيزيائي:

العالم المادي الأول.

العالم المادي الثاني.

العالم المادي الثالث.

العالم الأثيري.

العالم الطاقي الأول.

العالم الطاقي الثاني.

العالم الطاقي الثالث.

ليست الألوان إلا جزءًا من هذه التدرجات وكذلك الأصوات والروائح والكهرباء والمغناطيس والجاذبية وغيرها، وربما الأرقام إلى حدٍّ ما. يكمن الاختلاف في أن العضو أو الشيء القادر على تحسسها يعمل على مجال معين من هذه الاهتزازات.

-       ثانيًا: المستوى الفكري:

العالم الفكري المعدني.

العالم الفكري العنصري الأول.

العالم الفكري النباتي.

العالم الفكري العنصري الثاني.

العالم الفكري الحيواني.

العالم الفكري العنصري الثالث.

العالم الفكري الإنساني.

-       ثالثًا: المستوى الروحي:

من الصعب كثيرًا وضع اسم لتدرجاته، بل من الأحرى يكون هناك إنقاص كثير بوضع اسم محدد لتدرجاته، وخاصة أن التدرجات تنقسم إلى تدرجات ثانوية وثالثية ولا نعرف تمامًا أين ينتهي الواحد ويبدأ الثاني، ولكن يمكن القول تقريبًا إن هذه التدرجات تحتوي على مستويات الملائكة المختلفة. من الضروري التنويه أن هذه العوالم والمستويات ليست مفصولة بحدود قاسية صلبة، بل هي مجالات متصلة ببعضها، وعليه فالعالم الفكري المعدني متواصل مثلاً مع العالم المادي الطاقي الثالث. باختصار يمكن القول إن المستويات الثلاثة ما هي إلا ثلاث مجموعات كبرى من درجات تظاهرات الحياة، وكلما كانت سرعة الاهتزاز أعلى، كلما انتقلنا إلى مستوى أعلى. وعليه، لا تعتبر الفلسفة الهرمسية المادة كشيء منفصل بحد ذاته، كذلك لا تعتبرها كشيء منفصل عن العقل الكامن في الكلِّ، وإنما ببساطة تعتبرها طاقة باهتزازات منخفضة.

إذا أردنا المقاربة بينها وبين التأمل التجاوزي أو مدام بلافاتسكي، سنجد أن العالم المادي الأول والثاني والثالث هي الوجود الفيزيائي الجسدي عند بلافاتسكي، والعالم الأثيري والطاقي الأول والثاني والثالث هي المستوى الثاني الطاقي والثالث الكوكبي عند بلافاتسكي، وأن العالم الفكري بمستوياته السبعة هو المستوى الرابع العاطفي والخامس العقلي عند بلافاتسكي، ومجموع العالمان المادي والفكري هو وعي اليقظة والنوم العميق والأحلام وإلى حدٍّ ما التجاوزي في التأمل التجاوزي، ويبقى المستوى الروحي بتدرجاته المختلفة ليشكِّل مستوى الذات الروحيَّة السادس، والروح السابع، الموازي للوعي الكوني والإلهي والوحدوي في مدارس التأمل التجاوزي.

وأخيرًا نصل إلى عصرنا، حيث ظهرت تفسيرات متعدِّدة ومدارس مختلفة، أخصُّ بالذكر:

-       العلاج بأمواج ثيتا Theat healing (مرجع رقم 14، 15)، وهي إحدى الطرق الحديثة للعلاج النفسي وأحيانًا الجسدي، التي تعتمد على وضع الشخص بحالة استرخاء والوصول بأمواج الدماغ إلى أقل من تسعة أو ثمانية ونصف بالثانية (مشابهة تقريبًا لدرجات النوم السطحي)، من أجل الاتصال بطاقة كل ما هو موجود – حسب تعبير هذه الطريقة – وهي الطاقة الخلاقة الموجودة في كلِّ شيء، من أجل إحداث عملية الشفاء. مؤلفة هذه الطريقة بالعلاج تسمَّى Vianna Stibal، ومن خلال شرح طريقتها ومبادئها، يبدو أنها استقت بشكل واضح من مبادئ الهرمسيَّة بشكل عمليّ. تؤمن هذه الطريقة بوجود 7 مستويات أساسية (تقسم أيضًا لمستويات ثانويَّة):

المستوى الأول: مستوى المعادن، الحجارة، الكريستالات، التراب وكل العناصر الأساسيَّة لبناء الأرض في وضعها الخام.

المستوى الثاني: بداية الحياة العضويَّة من فيتامينات ونباتات وأشجار والكائنات البسيطة الأخرى.

المستوى الثالث: الحياة العضوية الأكثر تعقيدًا من حيوانات وإنسان.

المستوى الرابع: مستوى الأرواح والحياة بعد الموت.

المستوى الخامس: مستوى الملائكة والأرواح العليا.

المستوى السادس: مستوى المبادئ والقوانين الأساسية التي تشكّل دعائم الكون (وكما ذكرت سابقًا فإن كل الكائنات تخضع لهذه القوانين بمستويات مختلفة، باستثناء الكلّ).

المستوى السابع: مستوى الطاقة العظمى لكلِّ ما هو موجود.

نجد أيضًا مقدار التشابه بينها وبين الهرمسيَّة وبالتالي مدارس شرق آسيا. إذا أردنا الاختصار، سنقول في النهاية إنَّ هناك الكلَّ الذي يمكنه أن يكون مستترًا أو معبّرًا، ومن هنا نشأت الثنائية والثلاثيّة... الخ. عندما يكون معبّرًا، تكون كل نقطة فيه كاملة التعبير لأنَّها من نفس الطبيعة. هذا الكلُّ هو البراهمان، وكلُّ نقطة هي الأتمان ومن خلال التعبيرات المتتالية ذات الطاقات والاهتزازات المتضائلة باستمرار، يرتدي الأتمان غلافًا روحيًّا، ثم عقليًّا ثم عاطفيًّا، ثم ظلِّيًا أو الطبعة أو Astral body، ثم طاقيًّا ثم فيزيائيًا جسديًّا، وكل هذه المدارس المذكورة سابقًا عبَّرت عن نفس الشيء ولكن وضعت تدرُّجات ثانوية مختلفة لنفس الفكرة الأساسيَّة (صورة رقم 31).

صورة 32

يجب التنويه في النهاية، أنه كما هو الحال مع كل شيء في الكون: الألوان، الأصوات، الروائح، المذاقات، المشاعر، التجارب... الخ، فهي حتمًا ليست سبعة، بل هي تدرجُّات لانهائيَّة، وطيف كبير جدًا من المتغيِّرات الصغيرة جدًا، والتي تتراءى لحواسنا ولسهولة الإدراك والتعبير من خلال سبعة أنماط أساسية. والسؤال الأكبر والأهم هل واقعنا هو أحد إسقاطات الهولوغرام، والحياة بعد الموت هي إسقاط آخر، والنوم هو إسقاط ثالث، وحياة أخرى هي إسقاط رابع، وربَّما تواجدنا بشكل مختلف وفي كوكب أو مجرَّة أخرى هو إسقاط خامس... الخ، فالزمن بشكله المعهود لا قيمة له في المستويات الأعلى، وبالتالي فنحن نتواجد في أكوان متوازية parallel Universes أو كون متعدِّد Multiverse في نفس الوقت، والمستويات المنخفضة من وعينا وعقلنا والتي تعمل ضمن مجال محدَّد من الاهتزازات البصريَّة والسمعيَّة وغيرها تعطينا هذا الوهم التواجدي المنفصل كما تقول الحضارات الهنديَّة والتيبيتيَّة والشرق آسيويّة وغيرها وكما تقول نظريّات علم الفيزياء الحديثة.

*** *** ***

References

 

-     The Tibetan Book of Living and Dying:   Sogyal Rinpoche. 20th Edition. 2002

-     A complete Guide to Chi Gung: Daniel Reid.

-     Between Heaven and Earth: Harriett Beinfield & Efrem Korngold

-     Harnessing the Power of the Universe: Daniel Reid.

-     The complete Book of Chinese Health and Healing: Daniel Reid.

-     Sacred Geometry: Stephen Skinner

-     Les Revelations du feu et de l’eau: Omraam Aivanhov.

-     The 4 layers of consciousness, Thich Nhat Hanh,  December 26, 2018,   Publications by Lion’s Roar.

-     Laws of Karma, The buddhist studies, BuddhaNet.

-     Higher States of Consciousness: Maharishi Mahesh Yogi's Vedic Psychology of Human Development, Michael C. Dillbeck and Charles N. Alexander,  The Journal of Mind and Behavior,  Vol. 10, No. 4 (Autumn 1989), pp. 307-334 (28 pages)

-     “The ‘Secret Doctrine’ and Its Study”, Theosophy Co., Los Angeles, a six-page pamphlet, see pages 3-5. Click here to read the text.

-     The Emerald tablet of Hermes: edited by Dr. Jane Ma’ati Smith .

-     the Kybalion: edited by Dr. Jane Ma’ati Smith.

-     Seven Planes of existence: Vianna Stibal.

-     Theta Healing: Vianna Stibal.

 

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

info@maaber.50megs.com  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود