ولادة جديدة
حسن شوتام
منذ
البدء أنا واحد. ما تُعاينونه من تلوُّن أو تعدُّد محض شِرك وتكيُّف...
شِرك بنفسي وتكيُّف مع عالمكم بقوانينه البائدة وطموحاته العبثية
المثيرة للشفقة والبعيدة عن الحقيقة. صروح من وهم اجتهدتم في إقامتها
بينكم وبين الشمس، ولأنكم مُولعون بالظلام، كفَّرتم كلَّ عاشق للنور
ونصبتم على رؤوسكم خيامًا تُخفي ألق النجوم. أعرف أني وسط تشابك
أصابعكم الخشنة مجرد فراشة، لكن لي الثقة في عبوري السلس المنتصر من
بينها سالمًا، لأنكم في تقديري وبحكم التجربة لا موهبة لديكم في التقاط
الجمال! لست أحمل في قلبي ذرَّة حقد ولست أملك للأمر سبيلاً ولو
أردت... لقد وُلِدتُ اليوم فراشة، هدمتُ مساكني القديمة وخلَّفتها
للنمل والرياح!
لا شك أنكم تسخرون من حياتي القصيرة أو حياتنا القصيرة، لكنّا مُمتنون
في ذات الوقت وشاكرون؛ إذ ليس أبغض إلى نفسي من عمر مديد رتيب يتدلى
ككرشٍ مترهلٍ ضخمٍ تحت قيظ الظهيرة... لا فكرة لديكم عن الرحيق
المعتَّق والحياة التي تتخلَّق على حافات النّزع الأخير وتبدأ من حرارة
النفس الأخير، تماما كـ "الفراش المؤقت"
Les éphémères.
تلك الحشرة المجنَّحة العجيبة التي تفقد جهازها الهضمي لحظة اكتمال
نموِّها، فتبقى ليوم أو يومين على الأكثر هما إكسير خلودها، إذ لا شيء
آخر يعني لها أو يشغلها غير التزاوج الجماعي المحموم لإنتاج حياة جديدة
عند مجاري المياه العذبة قبل فنائها الإروسي المثير!
لعلمكم، منذ البدء نحن موجودون ولن نتعب من التصفيق بحرارة بأجنحتنا
المزركشة وتلوين السماء بأطياف الأمل ضدا في اللَّون الواحد والعقيدة
الواحدة وعبوس النمط.
منذ الآن سأؤمن بنفسي ولن أشرك بها أحدًا. سأسحب بأعصاب باردة جميع
سهامكم الغادرة وسأغرز رؤوسها المدبَّبة في عين الجهل علَّكم تشفون من
داء الإدانة.
منذ الآن سأُسْمِع العالم صوتي... هو في نظركم القصير: نشاز وصرير
أسنان... لست أهتم لرأيكم ما دمتُ في عين إلهي غزال!
سأختار منذ الآن لنفسي اسمًا جديدًا ليس خوفًا من عيونكم المتلصِّصة أو
رغبة في تجنب الملاحقة، فقد وقعتْ فأس المضايقة والإهانة والظلم على
رأسي مرَّات؛ وليلُ وبرودة أقبية مخافركم على ذلك شهود!
سأفعل ذلك لأني بكل بساطة وُلدتُ من جديد...
أخيرًا، يُسعدني أن تُطلَّ من كوَّة زنزانتكَ على عالمي الممتد الرحيب!
محبتي.
*** *** ***