عن اللجوء ولا شيء آخر

 

دارين ناظم

  

أتهديني الخيبةَ!
دعني إذًا أمضي
في غيابٍ
لن يطولَ بي سوى دهرٍ
أكون فيه ذاهلةً
وعربون دهشتي
ستولدُ منّي كائناتٌ كثيرةٌ
هكذا هو الحبُ،
غيابٌ
كل ما يعودُ منهُ
هو وهمي وحقيقتي
هو وجهي
ويحتاجني وجهي
كي أخافهُ
وأشتهيهْ.

يقود التجلي نحو خرابه
لا تمعن النظر في الراحلين
سيحفرُكَ ومضُهم وهو يتلاشى
اجعلْ يقينك أن البقاء خُلاصةٌ لكَ
عما عبَّد لكَ وحشُكَ المُلتاعُ
المتحرِّقُ
المتعطّشُ
إلى بداياتٍ ليست لنا.
أتعرفُ وجهي
حين تصبح الوجوه أوطانًا لعيوننا؟
أتذكره يسبح في حلمك كجنين في ماء الرحم؟
احْفَظْهُ عن ظهر قلبٍ.
القلبُ لا يَنسى
القلبُ!
على ذكرهِ
ما شأنه في كل ما يجري؟
سأحفر قبري هاهنا
بعد أن فرغ قبري من حفري
في هذه المساحةِ
بين المتاحِ والمحظورِ
بين مناراتِ الآلهة وحلكتها
بين لهفتي ولهفاتِ الآخرين
وكجنينٍ
لا تفتحْ عينيك أبدًا
لا شيء يستحثُ الرؤى
التفتْ عني
أنا المسجى
لا تسل من قتلني
فقط أحبني
لحظةً
قبل أن تولد للجنونِ
فتوأَدَ!

 *

أبابيلُ
المارين في الوطن خارجه
تحده من الشرق والغرب
والشمال والجنوب وما بينها
وهو جزيرة بينها
يحدونه من كل الجهات
وهو يحدهم من الداخل،
وحسبُهُ
أن يعبرَ الروحَ كما يعبر النصلُ الجسدَ
أو الوصلُ الجسدَ.
والموتُ والحبُّ وجهانِ لما يحصل.
هناك ملحمةٌ
تنسج أكفانها لتدفن في غور شاعر جبان
بان منه حجرُ قبره
وبانت عنه قيامته
سيرجمكم إن تكلم جمعُهُ
ويرجمكم إذا صمت.
لا واحدَ لهذا المخذول
الخامد
ولا واحد للواحد.

*

ستقفزينَ
مثل جندبٍ في أرضِ غريبةٍ
لونهُ نقيض لونها
وستكشفكِ
كل عينٍ
فتدركين المخاطرةَ يقينًا
تحتمين منها بالركون إليها.
أرفع مجساتي في وجه الساعاتِ
وأتلمَّسُ الريحَ
التي تأتي إلي
ولا آتِي إليها
وأتلمّسُ الأشياءَ، نقيضتها.
وأقيسُ مسافاتي
كم مضيتُ بعيدًا!
كم اقتربتْ!
كم كنتُ وجهةً للحياةِ!
ومقصِدًا للموت!

*

خوفٌ!
وجهةٌ عرجاءَ، تتعكزُ انتظاريَ
وتدمنُ القمحَ المخبأ في المساحاتِ على مدِّ النظرْ
أنايَ جريمةٌ مضمرةٌ
في محطةٍ حيث حقائبي شمسٌ وحيدةٌ
تشرقُ وتغيبُ
كمن اعتادَ وجههُ حتى ملهُ
فاعتزمَ السفر

*

وهو
ركامُ حائطٍ لما يتهاوى
نبوءةُ هذا الخراب هو
وهو الزهرُ النابتُ على أطلاله
وهو الغرابُ
يسرق أحجاره المتحققة حجرًا حجرًا
ليبني بها ذاكرةً عالية
وهو الدروبُ المقامرة
التي تدحرج أطرافها
كالنرد في أي الجهات
لنحلمَ بالوجهاتِ قبل مسيرنا
من الفتات إلى الفتات

*

مسكنٌ آخر وتتوه ذاكرتي
فلا الجدران تشبه بعضها
ولا خبايانا التي تبتزنا كلّ يوم
وأحلمُ بسقفٍ يحدّني
يكون سمائي البيضاء القريبة،
فلقد تعبتُ.
ما من أحد مثلك
ومع أني لا أريدك
فأنا لن أريد سواك
وأريد سجني.
لتكون رؤايَ جنية الأسنان
تقطفُ كل ما يتساقط مني
من تحت الوسادة
تبدله لي خرافاتٍ وانتظاراً
والفراشات تقول:
"لعطشي شطحات باتت تلهينا عن التقصي"
هكذا
هكذا!
تلهينا.
"وله نكهة الأسماء ذوي المعاني العديدة"
نقول لفراشاتٍ تنادينا.

*

محدودبُ الظهرِ الشفقُ
فالأرضُ كرويةٌ يا صديقي
كأعيننا
ويقولون أيضًا أن السواري تقتحم الأفق
قبل السفن
عائدةً
فارجع كفك إلى حجرك
وانظر بما يشبه العالم فيك
إلى العالم فيك
بعدها ابسط يديك والمس ما صنعت يداك
فإن فزعتَ
إن أفزعَكَ الملاكُ الذي ولد بريئًا ككرة
وقد بسطه تلمسك
وأنت تملسُ كل شيء وتبسطه
كور ما اقتنيت كبقجة
واضرب طريقك
إلى ما اقتناك.
أحيانًا
أحبُّ خجلي وحيناً أكرهه
والشوقُ مسافاتٌ تصب نهاياتها
في ملاحة الجفاف المبتغى.
ملحٌ
هي الرغبةُ
وأطفالنا يملحون
عسى أن يأتي البحر إليهم
والبحر لا يأتي ولا يذهب.

*

أيضًا
وأيضًا
وجوهٌ.
الذاكرةُ ترياقٌ قاتلٌ
والنسيانُ مرضٌ يحيي.
اخترت الموتَ
تذكرتُ
ما نفع أن أنسى وأحيا
تذكرتُ
الموتَ اخترتُ.

*

أنتَ البِركةُ
وأنتَ المريضُ
وأنتَ الملاكُ الذي يحركُ ماءها
وأنت الزمنْ
وأنتَ لا أحد لديكَ سواكَ
ليُلقي بكَ فيها
لتُشْفى وتشفيها
وأنتَ الإلهُ الذي مرَّ
سائلاً أتريدُ
وأنتَ المجيبُ نعمُ
ولم تكن تعلمُ
هو من!

*

أيها البحرُ
يا خندق السحرة
أسمالك للذين يتنفسون فيك
وقد شقك الأملُ
كحجاب الهيكلِ
من أعلى إلى أسفلِ
ويعبر الحذر، مشكاةً
يقف النور فيها على ساعديه
وطفل قبالتها يتسلى
بأَشكالٍ
معجونة بماء مصباح يغسل التواءات يديه
نافذة أنا، في فقد الجدارِ
إن وجدته
يقسم المدن يومًا
سأُحضر الضوءَ من قرنيه
وأعبده حتى الغضب
أو إن نذهب بعيدًا
حد اللعنات
والضربات وصمتُ الموت يختطفُ الصخب
هدأت بلادي
سكنتْ
والبحر، يا أخدود،
غرفتك جبلٌ ضلَّ سماءه

*

أعرفُ شاعرًا
يبحثُ عن منفىً فيَّ
لا
وسواها لا ينفيك
لا تحزن يا شاعر
أن تُنفَى
فيسافرُ وطنٌ فيك!

*

بعيدة أنت
كحجر على درب لم نتخذها
سواك التقينا وارتوينا خيبة
يا جرن النور
فيك لو عبرناك
لكان للقمح مكان يتعرى
ما القمح
ما جرح سنبلة تلد توائمها
ما هذا التخلي
اليتم
الحبو في اهتراء الأم
وأهراء قلبي
تختزن المساء
وتقتر أضواء غيبته

*

ستسقط حتمًا
أيها السقف
المعلق بثرياتنا.
هكذا يعرفون الحضارة
أسقف كثيرة منضدة كفخ
لا فكاك منه.
ويعرفون التشرد
كخيمة مثقوبة على السماء
لا يهيم منك شيء وأنت تَقتلُ
لم ترَ النجوم
كيف يرتجف من لم يرها
ثم يحضرُ الجوعُ والبردُ
فجًا
لنُحَيد الشعر عن المأساة
هناك من يموت في هذه اللحظة
إذًا
هناك من يولد
وننفصل
أيها المجرِبُ
تحتمي بدهشتي الأولى
تحتمي بدفء صدري
لأنك أكثر خوفًا مني

*

يغيرون أسماءَ المدنِ
ولأن الأطفالَ يختنقونَ في الحقائبِ
حزموا الوجهاتِ حصالةً
يوفرون فيها ضياعهم
لا قيدَ سوى مداراتٍ تزنرُ كواكبنا
وكلماتٍ تنسبنا إلى ما يُهدَرُ في سبيلِ حفظهِ
زمنٌ يكفي
لإنضاجِ كل المخابيلِ
قليلاً من الكتمانِ
ويلتفِتُ نحونا
بذخُ التحننِ
مقارنةً بما كانَ
ليتفجعوا
هم كهؤلاءَ
أعدادٌ متزايدةٌ
ونهمُ الكارثةِ لا عِلمَ لهُ
سوى الاحصاءِ
وأفتدي جرحي بالبقاءِ
حيثُ يطويني كسلُ التشفي
كمناشفَ بللها الدمُ
ويفردني الحلمُ
كأنني الرقمُ
يقيسُ كل شيءٍ
أنا عالمٌ من شهودٍ
لو يسألونهُ
ينفطرُ
وأُقسِمُ
بممحاتي أني نسيتُ
كيف ضبطتهم موتى
في سبيل اسمٍ
لهمُ

*

وسيأتي
خذلانكَ كهبة
والقمح الذي ينمو على القطن
بجذور ضحلة
تُرَى
وتتشابك كأفكار
يسرق الماء من أرض منحولةٍ
حتى نداري قحطنا
يا طبق السؤال
والأنا
وذاكرة
تستحضر الحلزون من وحله
بيت يلتف
كزنار
ما الزنارُ!
خبئيني بالتشفي
يا علب المكائد
التي تعزل الأرواح
عن مصيرها الواحد
أنا خائف من عدوة
أصيبها
وقد أخرجتني الأمطارُ

*

أجهد
- والمدن ينهبها شوقي
لمساء يخرج
من طوقي -
لأُحْضِرَ إلى صلاتي
بحَّتَنا
وأنا
المحراب مهدودًا
لمعبدٍ
ليس موجودًا
أرمم جدراني على مهلٍ
نحو فراغ مكتملٍ

*

بلحائك تحك ظهورها
فيظهر منك أنها عبرتك
ويظهر عليها عبورها.
وحده الماء
الذي يبتلع الروائحَ
يتماسكُ
صقيلاً
فتشبهكَ صورتكَ
وأنت تتغيرُ
وليس من شجرٍ
يشبهه الشجرُ

*

هيا بنا، أدعو إلى الزهو شريكي
وأبكي وحدي
لا شريكَ لي
والمدينةْ
تخِيطُ طقسها على جلدي
وخزة وخزةً
وكل ما فيها سميكٌ:
جلدُ الأصابعِ
زجاجُ النظارةِ
والفهمُ
وكل ما فيَّ مزركشٌ
كأني لا أنتمي إلى أحضانها
وإليَّ تنتمي كبواتها
تكُدُّ لتنهيني
لقد أتعبتها
وأنا
أنتهي
ليرتديني
بردُ البلادِ الغريبةِ.

*** *** ***

 

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

info@maaber.50megs.com  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود