جلجامش والرؤية الصادقة
(فصول من تاريخ الربابة)

حمزة رستناوي

أتنفَّسُ في هذي الساعةِ شمسًا
تشبهني
غاباتُ الأرْزِ العدميَّةِ تغفو
لا أحدٌ عبرَ الجبلَ المُظلمَ
لا أحدٌ عَبَرَ الهالةَ
ترحاليَ رزمةُ أضواءٍ
وظلاليَ أسمالٌ،
وبقايا مسخٍ أثريِّ الروحِ
يعودُ إلى الظلماتْ

*

يخبرني العقرب ُ أنَّ الشمس َ بلا جدوى
وأنا يوحشنيْ وجهكَ
إثمٌ قدريُّ المنبعِ يتبعني
ويمزِّقُ أنسجةَ الكلماتْ

*

لا أحدٌ يدخلُ هذا القصرْ.
أملأ بطنيَ
ابتهجُ الليلةَ
نطعيَ يرقصُ
والقاصرُ مِنْ ثوبيَ
شاخَ إليهِ القبرْ
تتشابهُ أشلائيْ
تلكَ غلالة أمّي
وجهيَ زئبقْ
مسعايَ رمالٌ، وطريقيَ أزرقْ
أتأمّلُ برهانَ وجوديْ
يتقدَّمُ قاربيَ الماضيْ
سيدوري
دورقُ خمركَ يشبهُ "سيَّافَ زهوري"
وعقالُ الدَفةِ يُثبتُ فيَّ الداخلْ
قاربكَ النازفُ لا يتمطَّى
غاباتكَ جردٌ مُصطنعٌ
وجذوعُ أنينكَ سائلْ
سيدوري
أوتاركَ مشدودةْ
ومياهكَ تسكنُ جمجمةَ العودةْ

*

طوفانُ الرجلِ العقربِ
وعدُ رهينةْ
أعماقُ شقائكَ نبتةُ عُجبٍ وضغينةْ

*

جسدُ الحريَّةِ يُرمى في قوقعةِ العارْ
القابضُ أشلاءُ مدارْ
وهلاليَ يجهشُ يومَ سعادتكمْ
للحكماءِ السبعةُ أقدامٌ تهرسنا
قرعاتُ الطبلِ القدريَّةِ
تحرسُ بيدرَ حزنيَ
وذراعيَ في هيئتهِ جسرٍ
تسلخُ مِذيلةَ الأفعى
أنكيدو
دعنيْ أحفرُ فيَّ صعودكَ
دعنيْ أجلدُ روحكَ
يا أنكيدو!
النائمُ آلهةٌ ثلثاه
مثواهُ يناقضُ مثواه
أحزانُكَ تائهةٌ، والرعدُ فَوَاتٌ مثلكَ
يا أنكيدو!
وحدي أنتهبُ الخبزَ اللائقَ
والخمرَ الصادقَ
والفتقَ الرائقَ
ناداهُ المشرقُ: أنْ أطلقْ شعركَ!
كرسيُّ جنونكَ يتوسّدُ مُخَّ الشمسِ
وترميكَ الأرضُ
فتنتفُ إبطَ الحانةِ
النادلُ جَدُّكَ
صاحبةُ اللؤلؤ تبصرُ:
أشجارًا
وثمارَ عقيقٍ غابرْ
تتدلّى سوأتكَ الكبرى
العوسجُ سافرْ
جرذُ الحانةِ عاقرْ.
دعْ كلبكَ يطلقني
وجهكَ يلحقني
طيرُ الصاعقةِ الأرعنُ
يستوطنُ اسمي
مأواكَ جحورٌ نابضةٌ
وأنا أستخرجُ كرسيًا
وسريرًا كي أكبرَ
أجتثُّ جذوركَ
يا أنكيدو
أوتاركَ تشبهني
أتنفسُ في هذي الساعةِ شمسًا لا تشبهني
يسكننيْ طبلٌ
والأحزانُ سكوني
نهدكَ طيرٌ
ولعابكَ عودةْ
لنْ أخبرَ أحدًا
سأمدُّ إليكَ ذراعًا تبترها
ولسانًا تسألهُ
"نجلس أم نبكي"
ستةُ أيامٍ، وليالٍ سبعٍ
تسقط ُمنْ أنفكَ دودةْ
كان عزاؤكَ يهربُ منْ وجهكَ
ويغادرُ قبركَ
حتفكَ موسيقا
قاربنا يتنازعُ
حانَ أوانُ الهجرةِ
"دعْ زوجكَ تُسعدنيْ بلقائكَ"
وارقصْ ليلَ نهارْ
الموتُ نصيبُكَ
افرحْ
خُذْ قبضةَ طينٍ
فالأسوارُ عنيدةْ
لا تمشي
فالتعبُ الكامنُ كانَ قصيدةْ
آجرُّ بناءكَ محزونٌ
تعرفُ أنَّ حدودَ العالمِ خيطٌ
تستفسرُ أحوالَ الموتى
السهمُ الخالدُ
ينفذُ عبرَ الكاحلْ
والجملةُ حاملْ
قبلَ نزولِ الطفلِ إلى الجدوى ستكونُ حزينْ
وفراشكَ يشبهُ ما قبلَ التاريخِ
تُماتِعُ في الليلةِ خمسينْ

*

حارسُ بواباتِ النقمةِ
تنجزهُ الأعمالْ
في الرُقمِ العاثرِ
صاعقةُ الأفعالْ

*

الزمنُ البائدُ ثورُ سماءٍ مخصيْ
خمبابا كلبكَ يُفزعنا
النسمةُ تعبرنا
سربُ كلابٍ ينبحُ
وأنا حجرٌ
يتلقفهُ الغيبُ
فينهشُ خاصرةَ العرشِ الدمويِّ المُتعبْ
خمبابا يغلقُ واحاتِ الزمنِ الأسطوريِّ
بلا جدوى
يدركها.. يفقأُ عينيها
وينادي هودجها الرمليّ
ليصعدَ فيهِ البرقُ جفافًا
جعبتهُ صحوٌ وصحارى تبكيْ جبهتهُ السجادةُ
إصبعهُ تركعُ
نصفُ سكينتهِ قبرٌ
والنصفُ الآخرُ يكتبُ طميَ حبيبتهِ
خمبابا أعشابكَ بُقيا
لنْ تصعدَ
بلْ نهبط ُ كالروحِ إلى بارئها
الرملُ الفاجعُ
ينبذُ حافلتي
الرغوةُ عابرةٌ
ولِحاءُ ضميركَ "سين"
الملكُ العاشرُ بعدَ الألفِ رصينْ
شعبكَ لا يسمعني
بَحَّ حديثُ النوقِ
وولولتِ الأشجارْ
الحتفُ القاصرُ يبلغُ مِقصلةَ الآتينْ
الريحُ جروحٌ
والسابح ُ يذكرنا
أرجوحةُ هذا الظامئ تأكلها الأسرارْ
جهدكَ ملعونٌ
"تيماتُ تعودْ"
والماءُ الغادرُ يُنتشُ أسماكًا
ووعولاً وستارْ
لا مُنقِذَ
فالمهديّ يُغني
ويداعبُ سبعةَ أقطارٍ
يقتلهُ التنينْ

*

في غسقِ اللا-معنى
قربَ غروبِ الشمسِ
تكونُ الرؤيةُ صادقةٌ
قامتها الموسيقا
تعزفُ أوتارَ الشجنِ الأرضيِّ
نسيمُ أنوثتها يتناهى فيهِ المطلقْ
صرحُ لزوجتها
يتماثلُ في أركانِ الغُربةِ
أمسكها
توشكُ أنْ تتداعى
يدنو هذا المغربُ، يتسارعُ
يتوسَّدُ عصرَ امرأةٍ أخرى
"كالناي يسرقُ وجهَ نافخهِ
فنصطنعُ الخِطابة"

*** *** ***