عن المرأة والخوف

 

كاري الجويني

 

المرأة أكثر مخلوق يحتاج للحب كي يعيش، لكن هذه الحاجة الملحة والأكيدة والضرورية لا تستمدها المرأة من الخارج أي من الآخر الرجل أو المجتمع بقدر ما تحتاج أن تجدها في داخلها. أن تحب المرأة ذاتها هو العلاج السحري الخارق تقريبًا لأغلب المشاكل في المجتمع، سواء في علاقتها بالآخر أو علاقتها مع نفسها وهذا هو الأساس. أغلب نساء هذه العصور، ومنذ 3000 سنة تقريبًا، تولد وهي تحمل وزر أنها أنثى في عالم يسجد لصورة إله مذكر. لست أعلن صراعًا على الذكورية هنا بقدر ما أضع إطارًا لبداية الاختلال الذي نعيش تبعاته، فالحقيقة أنه لا يوجد صراع ولا فصل إلا في مخيلتنا. تتوهم المرأة الصراع مع الآخر المسيطر لأنها ولدت بخوف أنوثتها في داخلها سواء من حيوات سابقة أو من ثقافة تصلها طاقة المحيطين بها وهي في المهد، وأخطر الطاقات نفاذًا وتأثيرًا هي الخوف.

الأنثى كانت ولن أقول ما زالت لأنني أؤمن أن النور غلب ظلمة العصور.. كانت خيبة أمل الوالدين بولي العهد، بالسند وقت الكبر، بالمنقذ والمهدي المخلص. خيبة الأمل التي يشعر بها الوالدين أو الوالد وخوف الأم من ردة فعله طاقة تخترق الجهاز العصبي للمولودة منذ اللحظات الأولى هذا إن لم تصلها وهي ما تزال في الرحم. قد أبالغ قليلاً لذا لنقل إن ثقافة الخوف تتعلمها المرأة من الصغر مع كلمة عيب وحرام ولا يمكنك فعل هذا وتعاقبين لفعل ذاك الشيء. الأمر يتجاوز مسألة المقارنة مع الذكر في الحقوق والواجبات فالأمر لم يكن يتعلق يومًا بصراع بينها وبين الرجل بقدر ما كان الصراع عالقًا في داخلها. أكثر النساء تحررًا هي التي تبدأ تحديًا سافرًا لقواعد الجمع بينما قلة من تعي أنها تحمل صراعها معهم في داخلها وكل تحرر تمارسه حتى في خلوتها ماهو إلا تحد لقيود سكنتها بعضها رغمًا عنها وبلا إرادة منها مثل تلك المعتقدات والنواهي التي يزرعونها في مرحلة الطفولة والتي تسكن اللاوعي. تترجم المرأة عادة هذا الخوف من نفسها بضعفها وتبحث عند الآخر عن الحماية والأمان لأنها لا تجدهما في الداخل لأنها تخشى أن تكسر قيد الأنثى التي تعلمت أن تخافها بسبب العيب والحرام والضابط الأخلاقي الذي يسكنها أحيانًا ويرافقها مشوارًا طويلاً مهما تحررت.

تعكس المرأة حاجتها للحب والأمان على الرجل وتنتظر منه الحماية مقابل أن تهبه عواطفها مقايضة معنوية أخلاقية مشروعة بكل المقاييس، وكل اختلال في هذه المعادلة تشعر المرأة بعده بالاستنزاف ويشعر الرجل بثقل القيد مع أن تماهي العقل مع هذا الواجب يوهم الجميع أنهم يكتملون بهكذا علاقة، فالرجل يكتسب صفات رجولته بقدرته على منح الأمان والحماية والمرأة بقدرتها على حب الآخر وتعميق هوة الضعف في داخلها. وتستمر المرأة في اسقاطاتها وبحثها عن الحب فها هي تنتظره من الرجل وها هي تنتظره من عيشها تجربة الأمومة وها هي تنتظر أن تجده في تدليل نفسها بوسائل المجتمع الحديث وكل تقصير تواجهه يسبب لها ألمًا ويعمق في لاوعيها حزمة المشاعر الدفينة فيها التي تقول بدونيتها.

لن تنتهي دوامة الصراع إلا متى انتبهت المرأة أنها الكائن الوحيد الذي لا يحتاج إلى حب خارجي لأنها المولد الأساسي للحب، وأن حب الرجل لها خارجيًا موجود فقط ليفتح بصيرتها أنها النبع الذي يسقيه ويسقي الكون ويعيد له توازنه. حب المرأة لذاتها وحده القادر على شفاء جروحها اللاواعية والواعية ويجعلها أكثر اشراقًا ويزيدها تألقًا وعطاءً. كلما منحت الآخر من حبها فهي تنمو أكثر لأنها نبع نور يكبر بالإشعاع وليست بئرًا ينفد بالاستنزاف كما حالها في علاقات الحب المشروط التي تحيط بها نفسها في علاقتها بذاتها أو بالآخرين.

تحتاج المرأة إلى العودة إلى قلبها لتجد طريقها في الشفاء الذاتي. تراجع كل امتعاض تعودت أن تراه فيها على أنه طبع وعادة فطرية وتكشف أنه برمجة لاواعية غالبية النساء اليوم ما زلن يخجلن من عادتهن الشهرية ومن لا تخجل بذلك في العلن تمتعض من هذا الزائر في السر وتتذمر منه وتقرف وتتألم. قيد العذرية مع أنه أصبح قديمًا للغالبية ارتبط بتعد فظيع لاواعٍ في بعض المجتمعات اسمه تحصين البنت. هذه التعويذة الرهيبة مشكلتها ليست في التخلص منها بل في شفاء أثرها في لاوعي الفتاة فهي من قبل أن تعي وتفهم برمج جزء في عقلها أن الآخر والجنس خطر. لن أتطرق لعذابات المرأة عبر هاته العصور والذي لا يطبع ألمًا جسديًا ونفسيًا فقط بل تشوه معنوي عميق يزيف صورة المرأة عن نفسها ويشوه علاقاتها مع المجتمع وهي الأم والزوجة والابنة والأخت والصديقة. أن تحب المرأة ذاتها علاج سحري لكل عقدها وتريح بدورها الرجل من زيف أنه موجود لحماية الأنثى ولعب دور القوي وتخلص الجميع من عقدة الامتلاك، فالمحب لا يمتلك الأشخاص والأشياء بقدر ما يهبها الحرية والفرصة أن "تكون" وتهب للكون طاقتها الشفافة النقية وتلد أبعادًا جديدة.

ليس من الرؤية المغالية في شيء أن أشير أن السر يكمن في المرأة بقدر ما هو تحميل لها للمسؤولية أن تنتبه أنها تسير بهذا الكون إلى الاختلال إن لم تعالج ما بداخلها وتكشف عن النور الذي تحرم الكون من سحره لأنه بحاجته. قد يخطئ رجل في حق نفسه لكنه لن يحمل لعنته للكل من حوله بقدر ما تحملها لهم خطأ امرأة في تقدير ذاتها. حواء لم تخرج آدم من الجنة بل هي قادته إلى كابوس جحيمها حين أغفلت سر حبها لذاتها.

*** *** ***

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني