قصائد
دارين أحمد
خاطِب الفجر بأسمائه التي يعرفها
ناده يا ذئب قد غفت ليلى وسال رداؤها نهرًا
يا ضبُّ هذا اليتيم الأخير في فمك أناي.
خاطب النساء بأسمائهن التي يعرفنها
قل يا حزن
تعصرك الحرب فتسقط عيونًا من وجوههن
يا عسل
ذاب بطن النحلة
وتفتت عبادة الشمس.
خاطب الشعر كما يليق به
وقل:
يا ذعر
نحن أبناؤك
اطلِقنا كوابيس هذه الأرض الخائفة.
***
جسد الغزال على الرابية
أنفاس النقاط البيض الغافية
وعلى كفكِ الغجري يا خضراءُ نقشٌ
يدل عينيَّ الضائعتين
وتلك الزوابع من غبار هشٍّ
من كلام-قَشٍّ
تُضيِّع خلفي الطريق
حريقٌ يطفئه حريق
ولسانكِ المرُّ يلسع الأشجار الباقية
"لا تذق ثمري وتغفو
إني ذلك الشِّدقُّ
الهاوية".
***
عندما شبعنا رمينا البحر والشبكة
وجلسنا، كلٌّ كفه على خده، نتأمل الأسماك العالقة في الهواء
ونتنهد، كلٌّ له صوته، على أيامنا المارَّة ببطء
لا أنظر إليك، لا تنظر إليَّ، هنا المكان متعرج
ونحن، كلٌّ له اسمه، موزعون كحبات مسبحة
يلوح خيطها راقصًا من بعيد.
***
لا ألوي على شيء
وما أحلم به يمكن أن يلتف على نفسه ويختفي دون أثر
تحت هذه السماء الواقفة على أعمدة المقاصل
وفوق هذا التراب المُثقَّب على عجل
أرفع أصابعي في وجه الشمس
وأقول مُرِّي يا مذهبة الجسد
إلى السواد العائم في المكان
هنا الوقت انكسارٌ وأنا ناي في فم الراعي
للأغاني التي أغنيها رائحة بئر تحلَّق حولها الطير
وانتحر البشر.
***
الأشياء التي أعرفها عن العالم كثيرة جدًا
أعلم أن البساط لا يطير
بل يُعلَّق على الجدران الخاوية
أعلم أن الأرض مستديرة ويمكن لنجمة أن تركلها بقدمها الصغيرة
بعيدًا
أعلم أن الأشياء التي تلمسها برفق تتحرك في الليل حولك
وأن قلبي مثل بوصلة لا يشير إلا إلى الفراغ الذي تتركه
أعلم أن ما نبحث عنه هو الوزن الخفيف لأثر الفراشة
وأن العواصف الهائجة تصمت ما أن نقول لها "هس"
أعلم أن الموتى لا يذهبون تمامًا
وأن تلك الرائحة التي نحبها كثيرًا، رائحة الشتاء الأولى، هي
أنفاسهم وقد أيقظها المطر.
***
امضِ أيها الوقت
أصنع أعاجيبك على مهل
لدينا ما يكفي من الصور
لرتق آثار قدميك الوحشيتين
لدينا ما يكفي من العبث
لرمي التيه بحصى بيضاء صغيرة
لدينا ما يكفي من التعب
لننام بينما تركض أحلامنا خلفك.
اجلس أيها العتم
اصنع أعاجيبك على مهل
نحن أشباحك المسرعة
الريح التي تفتح أبواب البيوت المهجورة
وتغلقها
نحن الذين اصطدنا الأفق وتلثَّمنا بدمه الأزرق
نصرخ في وجوه بعضنا البعض فزعًا
وأمام المرايا.
***
انطفأتْ الموسيقى
مثل عود كبريت ألقيتَه في بركة الوحل
ومشيتَ.
وحدي رأيتها تصعد راقصة
تلك الأغنيات الخضر
ومن ترنح السواد صببتُ وجهي في عينيكَ هذا المساء
عيناك قدحٌ فارغٌ ووجهي البئر
هكذا يسقط فينا عطاش كُثرٌ
سُكرهم سرُّ.
أمحو العالم الذي تراه بلمحة
أنا دودة الأرض الملقاة على رصيف ممتلئ
أوقن أن السماء – تلك القطعة الصغيرة من زرقة بين الرؤوس –
ثقبٌ في شراع
وأن اليقين ستر.
واسعة مثل غابة محترقة
سوداء كقهوة العربي
على درجات بيتي أجلس وأنظف الحجر الناتئ من أثر الشمس
ثم أنام.
***
الطيور لا تأكل الحصى
لكن العيون الباردة التي تلفظها السماء
تسقط ثقيلة على رأسي.
الطيور لا تأكل الحصى
لكن رؤوس الأصابع الشهية
تتجمع مثل تلال قمح صغيرة في كفي.
هناك، في الأسفل، حيث يتجمع الجوع ويفنى
تخرج المدينة كاملةً، بصورٍ على نوافذها
وصرير يصم الكوكب
ومثل لؤلؤة في محارة
مثل صيد ثمين لبائع ميت
تقف أمامي
أنا البومة السوداء
بمنقارها المكسور
ورأسها الدائرة.
***
الشعر ندىً وشفتاك بتلاتان ورديتان
هلالان من تعبٍ وصدق
أمرُّ في مائك مرور غيمةٍ عطشى
وظلٍّ من صمت وعشق
كأنَّا نعيد ترتيب الحياة فينا
نجمع من أكف الحرب حدائقنا الصغيرة
كل حديقة بيت
كل قصيدة درب
وهناك في أقصى الحكاية
ينضح بئرنا الحجري أحلامًا
يرميها الليل كحجر النرد
في مخيال قاحل
ويقول "كن".
*** *** ***