الرِّسَالَةُ السَّابِعَة
إلى وِصَال
غياث المرزوق
قَالَتْ لَهُ:
«إِنْ تَرَاءَتْ لَكَ الدُّنْيَا أَشَدَّ
حُلْكَةً،
هُنَا الآنَ،
فَأَشْعِلْ مَا بِجَعْبَةِ أَمْسِكَ مِنْ شُمُوعٍ، إِذَنْ،
لِكَيْمَا تُضِيئَهَا!!».
قَالَ لَهَا:
«وَلٰكِنْ، حَذَارَيْكِ أَنْ تَنْسَيْ،
وَلوَ طَرْفَةَ عَيْنٍ،
أَنَّ الشُّمُوعَ لا تُجْدِيكِ إِلاَّ تَوَجُّسًا،
مِنْ مَكَانٍ لِآخَرَ، في الظَّلَام.
وَلَئِنْ نَسِيتِ أَنَّى أَنْتِ
ذَاهِبَةٌ،
وَلَئِن يَمَّمْتِ نَاظِرَيْكِ
شَطْرَ هٰذِهِ الشُّمُوعِ،
لَيْسَ إِلاَّ،
فَمَا جَدْوَى هٰذَا الضِّيَاء؟!».
بِالتَّنَاصِّ مَعَ لوسي لاركوم وجلال
الدين الرومي
/...
وَثَبَتْ نَرْجِسَةٌ مُتَهَجِّسَةٌ
مِنْ قَوْقَعَةِ المَاضِي
وَتَراخَتْ أَعْطَافُ الحَاضِرِ
/... دَانِيَةً
وَانْكَفَأَتْ في لُغَةِ الصَّمْتْ
وَانْبَجَسَ المُسْتَقْبَلُ مَسْجُورًا
كَالسَّيْفِ المَاضِي
يَتَوَعَّدُ أَوْ يَتَوَدَّدُ مَسْعُورًا
عُنُقَ السَّمْتْ
***
كَانَتِ الشَّمْسُ قَدْ بَدَأَتْ
تَسْتَحَمُّ
عَلى شَاطِئِ البَحْرِ
عُرْيَانَةً، مِثْلَمَا خَلَقَ اللهُ،
وَالمَوْجُ مُشْتَعِلٌ
كَانَ، كَالمُهْرِ، يَلْوِي أَعِنَّتَهُ
ذَاهِلاً، خَلْفَ سُورِ الحَدِيقَةِ،
/... مُنْجَذِبًا
وَالمَمَرُّ إِلَيْنَا
سَحَابٌ نَضِيدٌ يَجُرُّ بِأَذْيَالِهِ
وَبِأَغْلالِهِ
مِنْ بَصِيصِ التِّلالْ
وَاحِدًا
وَاحِدًا
يَتَدَاعَى كَسِرْبِ نَوَارِسَ
مَفْغُورَةِ القَلْبِ
مَأْسُورَةِ اللُّبِّ
في مَهْمَهِ الاِبْتِهَالْ
وَمَدًى يَتَغَطَّى
بِدَوَّارَةٍ مِنْ مِدًى شَاحِبَهْ
وَالرِّمَالُ الغَوِيَّةُ، مُلْتَاعَةً،
تَتَمَطَّى
وَتَكْشِفُ عَوْرَتَهَا الكَاذِبهْ
فَتَغُورُ رُوَيْدًا، رُوَيْدًا
بِجَوْفِ الرِّمَالْ
***
اَلشَّوَارِعُ مُقْفِرَةٌ
وَالمَنَازِلُ في شَارِعِ الجِسْرِ
لَيْسَ لَهَا في القُلُوبِ مَنَازِلُ
- يَا صَاحِ -
أَوْ شَارَةٌ مِنْ أَوَاهِلْ
/... بَلَى
إِذْ يَقُولُ المُشَرَّدُ:
«لِلْحَرْبِ عَادَاتُهَا،...
وَأَنَا بَيْنَ مِحْرَقَتَيْنِ أُجَادِلْ»
/... بَلَى
«في أَنَايَ الكَثِيرُ مِنَ
الأَنَوَاتِ
وَفي كُلِّ وَاحِدَةٍ
وَابِلٌ مِنْ جُرُوحٍ جَمُوحٍ تُسَائِلْ»
/... بَلَى
«كَيْفَ يُجْدِي السُّؤَالُ، إِذَنْ،
- يَا وِصَالُ -
وَقَدْ لَوَّثَتْهُ دُبَالاً مُلُوكُ الطَّوَائِفِ
- تِيكِ الدَّوَابِيلُ -
- تِيكِ الدَّبَاكِيلُ -
قَرْنَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ، وَمُنْتَحِلَيْنِ
صَدَى الاِرْتِقَاءْ؟»
***
اَلشَّوَارِعُ مُوحِشَةٌ
لَيْسَ، ثَمَّةَ، شَيْءٌ،...
يَدُلُّ عَلى الاِنْتِقَاءْ
لَيْسَ، ثَمَّةَ، شَيْءٌ،...
يَدُلُّ عَلى النَّفَسِ الآدَمِيِّ
سِوَى كَوْمَةٍ شَاذَّةٍ مُتَكَدِّسَةٍ،
كَوْمَةٍ مُتَحَرِّسَةٍ، مُتَكَرِّسَةٍ
مِنْ تَمَائِمَ
أَوْ مِنْ «رَمَائِمَ» عَظْمِيَّةٍ
وَجَمَاجِمَ
مِنْ كُلِّ حَجْمٍ وَصَوْبٍ،
/... وَلَكِنَّ، لَكِنَّ،
تَحْتَ السُّقُوفِ المُبَعْثَرَةِ،
ﭐلقَلْبَ يَنْبِضُ، يَنْبِسُ
أَوْ يَتَرَاقَصُ
رَأْسًا عَلى عَقِبٍ
وَالثَّوَانِي الأَخِيرَةُ بَاقِيَةٌ
/... كَالأَمِيبَا
تَمُطُّ بِأذْرُعِهَا المُدَّعَاةِ
لِكَيْ تَصِلَ الكَفَّ بِالكَفِّ
أَوْ تَكِلَ الصَّفَّ بِالصَّفِّ
بَاقِيَةٌ في البَقَاءْ
***
لَيْسَ، ثَمَّةَ، شَيْءٌ،...
يَدُلُّ عَلى النَّفَسِ الآدَمِيِّ
سِوَى نُتَفٍ مِنْ دُمًى مُتَعَمِّدَةٍ
بِالدِّمَاءْ
/... وَأَصَابِعَ
كَانَتْ، يَقِينًا، يَقِينًا، أَصَابِعَ طِفْلٍ
يُرِيدُ الرَّبِيبَ، القَرِيبَ، "الغَرِيبَ"،
يُرِيدُ الغِذَاءَ،... العَذَاءَ،
الهُذَاءَ،
هُنَا الآنَ،
لا طَيْفَ،... لا كَيْفَ، لا هَيْفَ لَهْ
وَالبُيُوتُ التي سُيِّرَتْ، سُيِّرَتْ "حُرَّةً"
في «شَآبِيبَ» سَيَّارَةٍ
مِنْ جِذَاءْ
/... لَمْ تَزَلْ، مُتَجَانِفَةً، تَطْرَحُ الأَسْئِلَهْ
لَمْ تَزَلْ تَتَسَاجَلُ حَوْلَ السُّجُودِ الجَلُودِ،
العَنُودِ
عَلى حَافَّةِ الأرْضِ
كَيْلَا تَزُولَ جُفَاءً، بِثَانِيَةٍ،
في جُفَاءْ
***
يَا وِصَالُ،...
بَدَأْنَا نَحُجُّ التَّحَجُّرَ بَعْدَ مَحَجِّ التَّحَجُّرِ
مِنْ زَمَنٍ،
كَانَ يَلْعَبُ، إِذْ ذَاكَ، كَالحُبِّ مَا بَيْنَنَا
دُونَ أَنْ نَلْعَبَهْ
/... زَمَنٍ
لا أُرِيدُ، بَتَاتًا، يَرَاعَ المُؤَرِّخِ وَالمُتَأَرِّخِ
أَنْ يَكْتُبَهْ
/...إِنَّ
أَنْدَلُسَ البَحْرِ،
أَنْدَلُسَ الرُّحْبِ،
أَنْدَلُسَ الحِبْرِ،
غَابَتْ، فَغَابَتْ كَمَا غَابَ صَيْفٌ
بِضِحْكَتِهِ المُتْعَبَهْ
يَا وِصَالُ،...
كُتِبْنَا، جُزَافًا، عَلى صَفْحَةِ الوَهْمِ
غَيْرِ المُؤَرْشَفِ،
ثُمَّ قَرَأْنَاهُ بَعْدَ النُّهُوضِ "المُشَرِّفِ"،
تَارِيخَ طِينٍ "قَمِينٍ"، صَدِيدٍ "تَلِيدٍ"،
غُبَارٍ "جُثَارٍ"،
وَخُرْءٍ، وَبَوْلٍ،
أَكَاذِيبَ قَوْلٍ،
خَوَارِقَ جَوْفَاءَ، خَرْقَاءَ لا تَسْتَطِيعُ
انْتِحَالَ التَّمَلُّصِ حَتَّى مِنَ "اللِّصِّ"
حِينَ يَرُوزُ الأَزَاهِيرَ خَلْفَ السِّيَاجِ،
لِكَيْمَا يُجَرِّدَ هَامَاتِهَا حُسْوَةً، حُسْوَةً
مِنْ مَعَانِي الوُجُودِ
/... إِذَنْ،
يَا وِصَالُ،...
أَنَا مِنْ هُنَا كَسِمَامِ العِدَى
وَأَنَا مِنْ هُنَاكَ كَغَيْظِ الحَسُودِ
فَأنَّى تَوَجَّهْتُ وَجْهِي غَرِيبٌ
غَرَابَةَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ شِعْرًا
خَفِيًّا لِعَيْنَيْ حَبِيبَتِهِ في
ثَمُودِ
***
صَهٍ، وَصَهٍ، وَصَهٍ
خَبَرٌ عَاجِلٌ، هَاجِلٌ
خَبَرٌ كَانَ يُخْفِي فَحَاوِيهِ شَمَّاءَ تَحْتَ دُنًى
سَاهِرَهْ
يَا وِصَالُ،...
«نِقَالُ» المُشَرَّدِ قَدْ قَرَّرَ الاِنْتِقَالَ الأَخِيرَ
إِلى كَوْكَبٍ آخَرٍ،...
/... كَوْكَبٍ يَتَمَرْأَى
عَلى سَاحِلِ الضَّوْءِ في وَمْضَةٍ «جَارَّةٍ»
بَاهِرَهْ
/... كَوْكَبٍ سَابِحٍ
في مَدارِ البَنَفْسَجِ، أَقْصِدُ ذَاكَ المُسَيَّجَ
بِالإِبَرِ القُزَحِيَّةِ، يَنْهَلُ مِنْ كَوْكَبِ الزُّهْرَةِ
الزَّاهِرَهْ
/...
لِمَ لا،... يَا ابْنَةَ اللَّحْظَةِ القَاهِرَهْ؟
لِمَ لا،... يَا ابْنَةَ اللَّحْظَةِ القَاهِرَهْ؟
/...
كَوْكَبُ الأَرْضِ يَكْتَظُّ سَرْعَانَ في زَمَنٍ،
مِثْلَ هذا الزَّمَانِ،
بِشَتَّى صِغَارِ المُلُوكِ الدُّيُوكِ
وَأَشْبَاهِهِمْ مِنْ جَهَابِذَةِ
النَّرْجِسِيِّينَ، وَ«المُتَنَبِّينَ»،
وَالكَيْذَبَانَاتِ، وَالدَّيْدَبَانَاتِ،
وَالْمُنْتَمِينَ إِلى وَخَمٍ يَتَخَمْخَمُ في «قِمَمٍ»
مَاهِرَهْ
أَوْ خَنَى الدَّهْرِ مِنْ أُمَمٍ تَتَسَمَّى خَلِيجًا،
بَهِيجًا،
على عَرَبٍ جُرُبٍ، خُرُبٍ، غُرُبٍ، زُرُبٍ
عَرَبٍ مُتَأَمْرِكَةٍ، مُتَفَبْرِكَةٍ، «مُتَزَنْبْرِكَةٍ»،
عَاهِرَهْ
/...
لِمَ لا،... يَا ابْنَةَ اللَّحْظَةِ القَاهِرَهْ؟
***
إِذْ يَقُولُ المُسَافِرُ:
«أَرْضِي الغَرِيبَةُ فيها ذِئَابٌ تُغَنِّي»
إِذْ يَقُولُ المُهَاجِرُ:
«أَرْضِي السَّلِيبَةُ فيها ذُبَابٌ يُكَنِّي»
/...
مَا أَوْسَعَ المَنْفَى
مَا أَضْيَقَ الشُّقُوقَ في الجُدْرَان
مَا أَصْغَرَ الجُحُورَ في القِيعَان
مَا أَكْبَرَ المَشْفَى
مَا أَكْثَرَ الجِرْذَانَ والفِئْرَان
/...
كَيْفَ أَبْدَأُ بِالبَحْثِ عَمَّا تَشَظَّى
سُدًى مِنْ شَظَايَا «الأَنَا»؟
/...
كَيْفَ لِيْ أَنْ أَلُمَّ "بَقَايَا" سَمَائِي
هُنَاكَ،... هُنَاكَ،... هُنَا؟
/...
كَيْفَ لِيْ أَنْ أُرَمِّمَ مِرْآةَ رُوحِي
لِتَحْمِي سَبَايَا رُكُوحِي، حَرَائِرَ،
قُدَّامَ، قُدَّامَ، كُلِّ الدُّنَى؟
***
ذَهَبَتْ
بِلادٌ كُلُّهَا
ذَهَبَتْ
فَإمَّا أَنْ أَكُونْ
أَوْ لا أَكُونْ
*** *** ***
دبلن، يناير (كانون الثاني) 2003