في مقر الأمم
المتحدة
نور دكرلي
يستقبلك
الموظف في غرفة صغيرة مكيفة، مع ابتسامة تجعلك تشعر بالراحة وتسترخي
فوق كرسي من الجلد الفاخر. ثم، وبطريقة غادرة دون مقدمات، يقطع
استرخاءك الواهم بسؤاله:
-
أنت مع الجيش الحر أو النظامي؟
حينها فجأة يظهر عشرات الجنود يوجهون بنادقهم نحو رأسك ويقومون
بتلقيمها معًا، وتحلق طائرة فوق رأسك وترمي بصاروخ يبقى معلقًا في
الهواء، ومن أمامك تتقدم دبابة صغيرة توجه فوهتها بين رجليك.
-
أنت مع الجيش الحر أو النظامي؟
يعلو صوته أكثر وأنت تنكمش لتصبح أصغر. وما أن يقترب فمه المفتوح منك،
كمغارة، ليبتلعك، تتسارع دقات قلبك (ماذا أجيب؟ ماذا أجيب؟ ماذا أجيب؟)
تصرخ: "أنا مع الله، مع الوطن... بدي أمي". وتجهش بالبكاء كطفل،
فتتلاشى البنادق والجنود، وتتحول الدبابة إلى نحلة تطير خارج الغرفة،
والموظف الوحش يعود إلى وضعه الطبيعي خلف مكتبه وكأنك أفقت من كابوس.
تقوم بلعق عرقك لترطب حلقك، وشهيق زفير شهيق زفير... تحظى بدقيقة
كاستراحة محارب.
تعود بنظرك إلى الموظف فتراه قد صعد إلى فوق المكتب مرتديًا زيَّ محارب
من العصور الوسطى ليبدأ برمي السهام نحوك كأنه روبن هود:
-
لماذا أتيت إلى هذا البلد؟ ماذا تريد منَّا؟
-
أين أمك؟ أبوك؟ أخوتك؟
-
كم فتاة تحب؟ كيف تنام؟ كيف تجرأت وخنت حبيبتك مع صديقتها؟
-
هل اعتُقلتَ سابقًا؟ هل عذبوك باستخدام الكهرباء؟ هل آلمك ذلك؟
-
لماذا سرقت تفاحة في سن الخامسة؟
-
هل رأيت الكثير من الجثث؟
-
الميت الذي رأيت وجهك في عينيه، هل شعرت بالسعادة حينها لأنك لم تكن
مكانه؟
-
بماذا تفكر؟ بالموظفة الجميلة في الخارج؟ هل تعتقد أنها ستفكر بلاجئ؟
-
....... ؟؟؟
تبدأ بمحاولة تفادي السهام؛ تقفز، تنبطح، تركع، تطير... تتجه نحو الباب
هاربًا فتجده الباب مقفلاً، تبدأ بالطرق عليه والصراخ ليفتحوا لك.
الموظف يضحك. تصرخ، تصرخ إلى أن تنهار تحت وطأة ضحكه.
تنظر إليه فتجده يلوح لك بالمفتاح، وبقفزة واحدة منه يصبح أمامك
تمامًا: ينظر في عينيك، ودون أن يرسم أي تعبير على وجهه يسألك:
-
هل قَتَلتْ؟
سكين في القلب يغرزها دون أن يرف له جفن:
-
هل قَتَلتْ؟
-
بل قُتِلت.
يربت على كتفك، ويفتح لك الباب مبتسمًا، وكأنه انتهى من لعبته،
منتصرًا.
في مقر الأمم المتحدة تُغتصب بشرعية...
*** *** ***