|
كيف توقف العدم عن أن يكون عدمًا؟
إتيان كلاين عالم فيزياء، مدير بحوث في مفوضية الطاقة الذرية والطاقات البديلة، من مؤلفاته: خطاب في أصل الكون (2010)، وآخر ما صدر له المعنى الخفي للكون (2011). * رغم الاكتشاف تلو الآخر الذي عرفه القرن العشرين في مجال معرفة الكون، إلا أنك تبدي نوعًا من الشك في كتابك الأخير؟ إ. كلاين: لا... بالعكس، أنا معجب جدًا بالعمل المنجز من طرف علماء الفيزياء، لا سيما في القرن المنصرم، فضلاً على أنني أبذل جهدًا في التعريف بما تحقق. لقد كانت المسيرة رائعة حقًا: تخيلي أنه في بداية سنة 1905، كنا نشكُّ في وجود الذرة، ولم نكن نعرف سوى اثنتين من القوى الأربع الأساسية، لم نكن نعرف أنَّ الكون في تمدُّد وكنا نظن أنَّ الزمن كوني ومطلق. ولكن يصح القول إن إحساسي بالإعجاب يصاحبه نقد معين تجاه الخطابات التي يراد فرضها على العلم وخصوصًا فيما يتعلق بأصل الكون، إذ وصل سوء الفهم إلى أوجه: تحاول بعض العقول إقناعنا بأنَّ هذه المسالة قد أصبحت أمرًا ثابتًا يؤكِّده العلم، وأننا سنفهم عما قريب أصل مجموع ما هو موجود... بيد أني أعتقد أننا لا ينبغي أن نتسرَّع في الاستنتاج في موضوع كهذا، والبدء في تعديل خطاباتنا. فيجب علينا، مثلاً نحن أهل العلم، التوقف عن الحديث عن "اللحظة الصفر" لأننا فهمنا بأنها أصبحت من الأفكار الأكثر هشاشة. بمعنى؟ إ. كلاين: لا تزال طريقتنا في النظر إلى "الانفجار الأعظم" مرتكزة على العرض الذي قدمت به في سنوات 1950: لا زلنا مستمرين في الحديث عن "البيغ بانغ" كأنه يتزامن مع أصل كل ما هو موجود، كما لو كان التجسيد الفيزيائي لخلق العالم. ومن جهة أخرى، كثيرًا ما نسمع من يقول إنَّ قبل ذاك الانفجار لم يكن يوجد شيء، لا الفضاء ولا الزمن ولا المادة ولا الطاقة. وهكذا يحدث مزج بين البيغ بانغ وفكرة الخلق كما نقلتها ثقافتنا عبر القرون. وهذا الخلط أدى إلى إطلاق تساؤلات ميتافيزيقية كثيرة: ماذا كان موجودًا قبل اللحظة الصفر؟ ما هو الشيء الذي أشعل الكبريت الكوني؟ إلخ. أسئلة مثيرة حقًا ولكنها كانت سابقة لأوانها إذ نحن نعلم اليوم أنَّ اللحظة الصفر ذائعة الصيت ليست لحظة فيزيائية، وأنَّ الكون لم يعرف أبدًا الظروف الفيزيائية التي تناسب تلك اللحظة الصفر. وما هي سوى تتويج لاستقراء رياضي مفرط. تريد أن تقول بأن نماذج البيغ بانغ لا تسمح لنا بالعودة إلى أبعد ما نريد في الماضي؟ إ. كلاين: بالضبط. ولكن قصدي هو توضيح المسألة المطروحة بدلاً من الإجابة عنها. وإذ ألهبت مسألة أصل الكون العقول فربما لأنها تقع بالضبط في نقطة انطلاق حركتين متعارضتين في الفكر: الأولى تعتبر أنَّ فهم الماضي فقط هو الكفيل بتأسيس ذكاء الحاضر. والثانية ترى أنه لا يمكن فهم ما كان إلا انطلاقًا من اللحظة التي نفهم فيها ما هو كائن. وباحتكاك الواحدة بالأخرى، تنقل وثبتا العقل – التي تطير نحو الأصل، والتي تتدفق منه – إشكالية المنشأ إلى أقصى درجة حرارة ممكنة في أدمغتنا المستعجلة: نأمل من العلم أن يشبع معرفتنا بالكون بل أن يكشف لنا المعنى الحقيقي لوجودنا... وفي نفس الوقت نحن نعتمد على تقدُّم معارفنا لحلِّ مسألة أصل العالم في يوم من الأيام. في نهاية المطاف يبدو أن أصل العالم ليس في جعبة العلماء؟ إ. كلاين: بالفعل ولكن هذا ليس معناه أنه في جعبة غير العلميين... أمام هذا السؤال مهما يكن الشيء الذي نطعم به عقلنا، سيصطدم بنفسه إذ وصف أصل الكون إذا ما أخذنا الكلمة بجدية، فهذا يعني تفسير كيف تمكَّن العدم أن يكفَّ عن أن يكون عدمًا. ولكن هذا العدم – الذي ننسب إليه القدرة على التغير، إمكانية أن يصبح شيئًا آخر غير الذي كان – هو شيء بالفعل، بمعنى عكس العدم الذي من المفترض أنه كان. ولذلك إذا كان للكون أصل، بمعنى إن كان قد جاء من نزع خارج العدم، فإنَّ اللسان قد يعجز عن وصفه. ولا يمكن أن نفعل إذن حياله سوى أن نصمت. صمتًا توقيريًا، بطبيعة الحال. هل يمكن أن نأمل تقدمًا علميًا في الفيزياء والفيزياء الفلكية في المستقبل القريب؟ إ. كلاين: نعم... ستكون العشر سنوات المقبلة مثيرة وحاسمة وعلى وجه الخصوص بفضل محدث اصطدامات البروتونات العظيم في مركز المنظمة الأوروبية للبحث النووي. ستدلنا المعطيات التي تستقى عن المفاهيم الجيدة التي تسمح لنا بفهم سلوكات الجسيمات التي تتمتع بطاقات أكثر قوة من التي أنتجت حتى الآن. تبقى الطاقات التي وصلنا إليها بفضل محدث الإصطدامات المذكور ضعيفة جدًا مقارنة بتلك التي كانت للجسيمات لحظة "حائط بلانك" ولكننا بدأنا نقترب منها. وننتظر أيضًا كثيرًا من المعطيات من القمر الصناعي "بلانك" والذي يقيس بدقة متناهية خصائص العمق الكوزمولوجي المشع. ذلك الضوء الذي تمَّ تحريره 380000 سنة بعد البيغ بانغ. ستسقط بعض الفرضيات المقدمة من الفيزيائيين وستزيد مصداقية بعض الفرضيات الاخرى. وهو سبب آخر يجعلنا لا نتسرع في استخلاص النتائج. أجرت الحوار: كارولين بران ترجمة: حميد زناز *** *** *** الأوان، الثلاثاء 3 تموز (يوليو) 2012 |
|
|