من وحي قلب1
ثناء
درويش
غارت منها
فقالت عنها:
"بيَّاعة كلامْ"
فجاءها الملامُ في المنامْ:
"كلمةٌ طيبة كشجرةٍ طيبة"
فلا تسئ الظن بالأنامْ.
*
اسقني الراح حبيبي
إن روحي قبض ريحْ
عصفت بي... بعثرتني
كغبار الطلع ..حَبًّا
هات صدرك أستريحْ.
*
لستُ أدري صديقتي الشمس ما بها
أتراها لا مبالية
بكل هذا الدمْ
أم ترى متفائلة...
تمارس طقوس عريها
كل يومْ.
*
صدقتِ النبوءةُ وتواترُ الأخبارْ
أن زمانَ نوحٍ كان طوفانَ ماءْ
وزماننا طوفان نارْ
هل من سفينةٍ حقًا ستنجينا
من هذا السعيرِ والسعارْ.
*
الفرق يا حبَّة القلب
يا حَبَّ الآسْ
بين الحيوان والبشر
إن الحيوان يأكل ليعيش
ولكن من يفوق البشرَ
شبق الافتراسْ.
*
طارت أغنيتي
في زمنٍ لاحقٍ سيأتي بعد حينْ
عصفورةً حرةً غير مهيضة الجناحينْ
لم ترد أن يسمعوها
بل أن يدعوها
تطيرُ حيث شاءت
ولن تشاء إلا الخير والجمال
لكنهم بسهام ظنونهم أردوها
فإذا بالعصافير بعدها
أسرابًا تطير.
*
إذا ما تداعى عرشُ الكلامْ
ولم يبق بيننا ما يقالْ
تيقن بأنّا... في الحب كنّا
رمادَ اشتعالْ
يخبز كفُّ الوجود عليه
رغيفَ الوصالْ.
*
تراقصت في ظلمتي تخيفني الأشباحْ
أين اختفت مذعورةً
لما بلحظة قوَّةٍ
أنرته المصباحْ.
*
كم فتشوا بين السطورْ
وتساءلوا لم أحرق البخورْ
كم أقلقت بساطتي تركيبهم
كم هدَّموا جسورْ
وبقيت وحدك
جلدي الذي ما أبصروه
في ركاماتِ القشورْ.
*
أقرُّ ثم أعترفُ
بأن الناس تحتاج للأوهامْ
وللأصنامْ
وللرمز الذي تحذو
وللأبطالِ
للأزلامْ
فلم ماروني في رؤياي
ولم نكروا عليَّ أناي
ولم سمّوا حلالي حرامْ.
*
للصوفية مشاربٌ وطرقْ
وكراماتٌ يتباهون بها
على باقي الخلقْ
طرق الصوفية مرسومةٌ
بيد الأرباب
والربُّ إن شاء امتلك
وإن شاء عتقْ
وأنا وحدي... ما عندي
سوى وجدي
وقلب قد نطقْ.
*
بالأمس خفت على ابني فأوصيته:
"برضاي عليك"
لا تخض في الدين أو في السياسةْ
قد تُغضب الأربابَ
إن مسست للدين أقداسهْ
أو تصيرُ في "خبر كان"
إن ملتَ أو وقفتَ
ضد هذا أو ذاك من الساسةْ
فدمعت عيناهُ
حتى وصلني بالدمعِ قبل السمعِ إحساسهْ
ثم قال لي:
أماه .. أنت كمن تلقين في اليمِّ صغيرك
ثم من حذرِ البلل تقطعين أنفاسهْ.
*
احذر مكري
كلماتي غواية المعرفة
لأوقعك في شرك المحبَّة الإنسانيًّة.
*
ابتسمي... ابتسمي
بالأمس كانت تستفزُّهم أدوات الاحتمال
"لعل... قد... ربما"
واليوم يستعيرون معجمي.
*
قال الصمت:
سأدَّخر كلماتي لذات فضاءْ؟
ولما جاءْ
نسيَ ما كان يودُّ لو يقول
في نشوة اللقاء
وراح يرقص طربًا
بساطه الأرضُ
خيمته السماءْ.
*
سألت الطيور الصَّافات:
لم عدت لقيدِ الأرض
بعد انعتاق
وتحليق بجناحي التضاد
من ألم وأملْ
قالت:
لمشرب أو مأكلْ
أو لسفادٍ لا يؤجَّل أو يُهملْ
أو لأموت أو أقتلْ.
*
لا تخطَّ على صفحتي
ما تأسف عليه
إن صار في غدٍ هباءً منثورا
فكلماتي نقشٌ على المياهْ
وزبدٌ يذهب جفاءً
ليأتي سواهْ.
*
قال الصبرْ:
أيُّ فضلٍ لك في تنفسك
مادام فعلاً منعكسًا غير إرادي
إنما شرفك
في الشهيق والزفير القسرْ.
*
أتدرون لم تمزقت الحقيقة أشلاء
لأنها كانت تلك الطفلة
في دائرة الطباشير القوقازيَّة
إن كنتم تذكرون الحكاية
واستمر الحال إلى أن صرخت أمها:
خذوها إن أردتم
هي لكم
لكن أرجوكم دعوها حيَّة.
*
يقولون إن أول صرخة للطفل
هي حزن على عالم فارقه
ولي أن أقولَ
بل هي صعوبة أول أنفاس انعتاقه.
*
هل قلبك مثلي طفلْ
لا يقنع إلا بالرؤية
ويرى حتى الرؤية بنت اللحظة
وكم تتبدلْ
هل خاض غمارَ البحر
وانكسرت ألواحُ العودة للبر
فظلَّ وضلْ
مرتمسًا في ليل الجهلْ
هل قال لا أدري كي يدري
فتجبُّ محبَّته الكلْ.
*
ينهض الصبح نشيطًا
ليمارس دوره في دورتِهْ
وها نحن أهل دولتُهْ.
*
النحلة يجذبها اللون
ويناديها العبقْ
سريعًا يكشف العسل
الفرق بين زهر ودبقْ.
*
أن تكن إنسانًا
فتلك ضريبة
وأن تكوني إنسانةً
فالضريبة مضاعفة.
*
قالت دنيا:
هيا اصعدْ
إني دنوتُ
هذي ضفيرةُ
شعري الأسودْ
قالت دنيا:
احذر مكري
وعصا سحري
مارد عشقي
غيمٌ أمردْ
قد يدفعك من عليائي
حتى عليك يومًا أشهدْ.
*
يامن تذمون الدنيا
لو تفرغون النفس من معارفها الكسبية
وتقرأون بأميَّة
قول محمد "ص"
جعلت لي الأرض مسجدا
والتراب طهورا.
*
خذ ما شئت من عمري
ومن صوري
وكن قدري
ووجهًا رحت ألبسهُ
لأخفي النارَ في صدري
وخذ أحلامي العذراءَ
شرائط شعري الحرِّ
وهب لي سكينتك
كتابوتٍ
يخلدني مدى الدهرِ.
*
والحبُّ طفلٌ
ليس يدري عن الشرِّ
إلا اسمهُ
وأعمى
يحسب الشرَّ خيرًا
ما رأى أبدًا رسمهُ
عنيدٌ... لجوجٌ
أغلفُ القلبِ
كصخرٍ أصمّ
تفجر منه الماءَ الزلالَ
فهل سامكم ختمهُ.
*
قالت الحيَّة حكمةً
على مدى الزمانِ
حقًا أيها العقربُ
أنا وأنت بالسمِّ مشتركانِ
بيد أن سمِّي ترياقٌ وشافٍ
وسمُّك قاتلٌ بثوانِ.
*
قالت المرأةُ للرجل
ولا أقول الأنثى للذكر
لا تزعلْ
أنا الكلِمُ الطيّبُ
أصعد إليه
وأنت العملُ الصالحُ
هو يرفعك.
*
كلما تحلَّقوا حولي ناصحينْ
من خطرِ عالمٍ افتراضي
لا تراه عينْ
وتعوذوا وحوقلوا من شرِّ الشياطينْ
ابتسمت في سرِّي وجهري
وأقرت لهم نفسي بألف عذرِ
فهم أعداءُ ما جهلوا
ومن على قلوبهم رينْ.
*
للصبحِ أجنحةٌ
مثنى وثلاث ورباع
من الضياءْ
كأنه ملاك
أو رجلٌ حلِّلت له النساءْ.
*
كي تكون لك يد بيضاء
لابد أن تدخل بدءًا
جيبك الأسودْ
وحينها
يدُك العونُ والمددْ.
*
ما بال قلبي راتعٌ في جهلهِ
أعمى أصمْ
أعيته ترجمةُ الحروف إلى معانٍ
كسولُ في لغة الفهمْ
لكنه ما إن بدا
وجهُ الطفولة فيكمُ
حتى أبدع الجاهلُ الأمي
في لثمٍ وضمْ.
*
ضرب البستانيُّ كفًا بكفْ
حزنًا على ما أصابَ بذوره من تلفْ
المسكين الآن فقط قد عرفْ
أن قبل الزراعةِ تأتي الفلاحةُ
وبعد الموصوفِ يأتي الوصفْ.
*
لو سألتموني عن تفاصيل ما تكتبون
لأربكني كطفلة الجواب
بصراحةٍ أنا لا أقرأ لكمْ
أنا أقرأكمْ.
*
تنفَّس الصبحُ
فكانت الشمسُ
زفراتِ عشقه الحائرةْ
من ضلعه انبثقت
وستعودُ آخر النهارِ
طواعيةً للخاصرةْ.
*
سؤال يتنكَّر ولا يستنكرُ
مجرد سؤالْ
كم تحمل الأرض مثنويًا
ذا عينين
وكم عليها من أعورٍ دجَّالْ.
*
قرأتني قارئةُ الفنجانْ
قالت أشياءً
ما كانت يومًا بالحسبانْ
وتملَّت في كفِّي طويلاً
وبكتْ
فتقرَّح منها الجفنانْ.
هذي اللعبةُ
أنا صدقتُ
بها آمنتُ
لقدري مصيري سلَّمتُ
فتحقق ما نطقتْ
شفاٌه ولسانْ.
ثم أمسكت القلم
غيرتُ مسارَ خطوطي
أضفتُ... مسحتُ
فانكشفتْ أوراقُ الإيمانْ
بيد العصيانْ.
*** *** ***
