|
ثالثهما الشيطان
ثمَّة مشهدانِ؛ قاتلٌ، وقتيل، ثالثهما الشيطانُ يلعبُ في كواليسِ الظلامِ، ويؤدِّي دورًا مُزدوجًا؛ المؤلفُ والمخرجُ في آن، وثمةَ جمهورٌ لم يحجزَ تذكرةً ليشاهدَ عرضَ الموسمِ في العُلبةِ المغلقة، لأن الفضاءَ رحبٌ يتسعُ لكلِّ الكائنات. قاتلٌ وقتيل...، وقبيلَ خروجِ الرصاصةِ، وسماعِ أزيزها، يُشهَرُ المسدسُ من كوَّةٍ في الجدارِ، وتسدلُ الستارةُ على ظلامِ دامسٍ، فالنهايةُ مفتوحةٌ للتأمل، لولا أن الطقس يوحي أن هنالك أمرًا جللاً قد وقع؛ لا أحدَ يعرفُ ماذا حدَثَ، إلا الثالثُ الذي يُمسكُ بديهِ خيوط العقدةِ، وبإمكانهِ أن يُكمل الحكايةَ، ويعبئ الفراغ دمًا طازجًا، فيكتسي خضار الربيع ببقعٍ من الأحمر القاني – ربما هو الدحنون لا غير كما يقولُ مشاهدٌ –، بيد أن السؤال كشوكةٍ عالقةٍ في الحلق: "من الجاني"، من القاتلُ والقتيل، وكيف قُتل؟ على أن الثالث، لا يريدُ لنفسهِ أن يبقى مُؤلفًا ومُخرجًا، بل فتحَ الآفاقَ كي يُشاركَ الجمهور في صياغة النص، وسَبكِ المشهد؛ كلٌّ ومخيلته، ومعتقدهِ، ووفق رؤاهُ، وما يَرى في منامٍ، أو ما يتراءى لهُ في اليقظةِ. ورغم هذه الحريَّةِ المُفرطة، فإن الثالثَ لا يسمحَ لأحدٍ قط في الخروجِ على خطوطِ المسرح المفتوحِ كفمِ غريقٍ شبعَ من ماءِ البحر؛ فالإيقاعُ يضبطُ الرقصَ والراقصونْ. بينَ منزلتين تكمنُ حِكمةُ الحكايةِ؛ الخيطُ الأبيضُ ما زالَ مموَّهًا من كثرةِ السوادِ، ومن فائضِ الدخانِ الرماديِّ، والنابلُ اختلط بالحابل، وباتَ يقينًا أنها حافة الهاوية، وأن الجرفَ البعيد الذي كانَ كحبةِ رملٍ في غياهبِ المجهول، أصبحَ أكثر اتساعًا من فوَّهةِ بركانٍ قد يبتلعُ ما دونهُ في لحظةِ احتراق؛ هي مِحرقة، قد تأكلُ ما تبقى من خريف الخوف، وربما ثمةَ وهمٌ كحبلِ غسيلٍ يَنشرُ عليهِ القاتلُ ثيابَ الفضيلةِ! * * * دخانٌ يصعدُ إلى عنانِ السماءِ، بلا نارٍ، ولم يجدُ العابرونَ رمادَ الحرائقِ في القرى؛ يتساءلُ حائرٌ فيما يرى، ويصرُّ أن ما حدثَ علامةُ كبرى ليومِ القيامةِ، وحقيقةِ الأمر، أن الثالثَ استعانَ بوحدةِ كومبارس لتقومَ بهذه الحيلةِ على الجمهور! * * * القاتلُ، القتيلُ، شيطانُ المسرحِ، جمهورُ الفرجةِ، الكومبارس. الأغاني / المراثي. الرقصُ على حدِّ السيف. نصٌّ ينوسُ حائرًا وسط كلماتٍ تُعلي من الصراخ والعويلِ، والحروفُ تئنُّ بصمتٍ من وقعِ الفجيعةِ... مقالٌ تائهٌ في الجريدةِ يبحثُ له عن عنوانٍ يُرضي الثالثْ...
خيطُ الدمِ يرسمُ حدودَ الحُلمِ، أو فضاء الوهمِ الذي تعبر من فوقهِ غيمةَ حُزنٍ
تجتازُ ضفاف الماءِ الآسنِِ، لتمرَّ على وَطَنٍ تشكَّلَ من رغيفِ الخبزِ؛ وطنٌ
دائريٌّ تدحرجَ في الشَّوارعِ / لحظةً وانفجرْ... دَمٌ ينزُّ من ثقبِ ذاكرةِ الزجاجِ على رخامِ الوَقتِ؛ وقتٌ رماديٌّ تفتَّقَ من مرايا الضوءِ. * * * كلامُ الهاتفين مساءً للنورِ يمحوهُ وضوحُ النهار. العابرون في شريطٍ للذكرى يبتسمونَ في لقطةٍ قد يسترجعها التاريخُ لاحقًا، أو يطويهِا كما طوى مسافاتِ العرب الرُّحل في الصحراء. * * * ثمةَ مشهدانِ؛ قاتلٌ، وقتيلٌ، ثالثهما الشيطانُ...، والجمهورُ الغافلُ ما زالَ يتابعُ..! *** *** *** * شاعر وصحفي أردني مقيم في مسقط. إيميله: albeshtawi@hotmail.com
|
|
|