|
كـلام الله
يُضيِّع عامة المسْلِمين جهودَهم ووقتَهم سدىً في إثبات عدم تحريف كتابهم المقدَّس "القرآن" وفي إثبات تحريف كتاب غيرهم، "الإنجيل" أو "التوراة". كذلك فإن عامة المسيحيين ليسوا أحسنَ حالاً من عامة المسْلمين، فهم الآخرون يُضيِّعون وقتَهم وجهدَهم سدىً في إثبات صحة كتابهم وفي إثبات تحريف القرآن. إنَّ ما يفعله أغلبُ المسلمين والمسيحيين واليهود وكل من يتمسَّك بالحَرْفِ – من خلال فهمهم العامّي لدينهم – لا يدلُّ سوى على تخلُّفِ مستوى وعيهم؛ فهم يَرَون عيوبَ الإصبع التي تشير إلى الشمس وتعمى أبصارهم عن رؤية الشمس! ويضيع أتباعُ العقائد والأديان في متاهات حروف الرسالة الروحية ويُقفِلون قلوبَهم عن فهم مراميها. قبل كل شيء، سنتطرَّقُ إلى مفهوم الله، تلك الكلمة التي قيل أنها مشتقة لغويًا من "اللات" (إلهة الخصب والأنوثة عند العرب قبل الإسلام، وقيل: إلهة السماء)[1]. والأغلب أنها مشتقة من الجذر الآرامي "إيل" (إيل > الـ"إيل" > الإله > الله). ثم نأتي على ذِكْرِ مفهوم الوحي ونتطرَّق إلى معنى الكلام ومعنى كلام الله، ثم نُعَرِّج على تعريف التحريف، ومن ثَمَّ نَتطرَّق إلى معنى المقدَّس، ثم نناقش معنى القراءة. ولكنَّ الصعوبة التي تعترض هي صعوبة دراسة القرآن دراسةً موضوعية نظرًا لِكونِ النص القرآني مركزَ الدوغما (العقيدة) وأهم تابو tabou/taboo[2] في التابُوَات الإسلامية. 1. الله: أحد تعريفات الله أنه سكون مطْلَق. والخَلْقُ اهتزازُه. الله هو المبدأ الكلي للوجود والجوهر الأسمى اللامادي. يُعَرِّفُه المسْلمون بأنه "نُوْر السماوات والأرض"[3] "ليس كمِثْله شيءٌ"[4]، أيْ لا صورةَ له، أيْ لامُتَجلٍّ. ويُعَرِّفونه بأنه "الله أكبر"، أيْ لانهائي. وهو الخالق الأعلى العليُّ المتعال. "مهما تصوَّرْتَ ببالكَ فالله بخلاف ذلك."[5] لأنَّ كلَّ ما خطرَ ببالكَ فهو شيء، والقرآنُ يقول: "كلُّ شيء هالكٌ إلاَّ وجهه"[6]. يرى المكزون السنجاري[7] أنَّ الموجوداتِ هي هو لا هو هي: "-أراني فيكَ موجودًا / وعني أنتَ منفرِدُ." ويرى السُّنَّةُ أنه ينبغي الإثباتُ [إثباتُ الصفات] بلا تشبيه anthropomorphisme والتنزيهُ بلا تعطيل [بلا إنكار الصفات]. وتؤْمنُ المسيحيةُ الرسميةُ بأنَّ الله واحد، كلِّي القدرة، ضابط الكل، أصْل كل شيء، لا بداية له ولا نهاية، خالق السماوات والأرض وخالق كل نفس، يتجلَّى في ثلاثة أقانيم، أو صور، كلها مشتركة في الطبيعة الإلهية الواحدة. ولكنَّ الله الذي يقدِّم له البشرُ الصلواتِ والقرابينَ هو، في المنظور السِّرَّاني، ﭭيراج Viraj أو شيـﭭـا Shiva، اللوغوس الكوكبي، الإله المتجلِّي الذي يبدع المستوياتِ الدنيا الأربعة للنظام الشمسي. وردَ في كتاب الهندوس الـبْـهَـغَـفـَدغيتا أنَّ المُطْلَق يتكلَّم قائلاً:
عندما
يطلع النهار، كل ما هو متجلٍّ الألوهةُ مستويات إنْ جاز القولُ: 1- اللامتجلِّي الأول (ذاتُ الذاتِ، غيبُ الغيبٍ، الغيبُ المُطْلَق)؛ 2- اللاَّمتجلِّي الثاني (الذات أو الغيب)؛ 3- المتجلِّي الذي يلبس صفاتٍ ويحتجب وراءَ ألفِ ألفِ حجاب (الله المبدع الخالق). يقول ابنُ عربي: وأما الذاتُ من حيث هي فلا اسم يدلُّ عليها إذْ ليست محلَّ أثر ولا معلومة لأحد [...] فلا يعْـلَم اللهَ إلاَّ اللهُ. فالأسماءُ بِنا ولنا ومدارُها علينا وظهورُها فينا وأحكامُها عندنا وغاياتُها إلينا وعباراتُها عنا وبداياتُها منا.
فلولاها
لَـمَـا كُـنَّـا ولولانا لما كانـتْ. الله هو رمزٌ جمعي، رمزُ الرموز بحسب كارل غوستاﭪ يونغ Carl Gustav Jung (1875 – 1961). فالنماذج البدئية المشتركة بين البشر والتي تؤلف الخافية الجمعية (اللاوعي الجمعي) يُعبِّر عنها كلُّ دِين بطريقته ولكنَّ الأديانَ كلَّها تُعبِّر عن رمز واحد. يمكن تعريف الله من ثلاث وجهاتِ نظر[10]: 1. من وجهة نظر أونطولوجية ontologique: الله هو المبدأ الواحد والأسمى للوجود الكلي: أ)- إما كجوهر مُحايث (حالٍّ، ماثل، ملازم) immanente في الكائنات؛ ب)- وإما كعلَّة متعالية (متنزِّهة) transcendante تخلق العالَم خارجًا عنها؛ ج)- وإما كغاية للعالَم. إنه المحرِّك الساكن moteur immobile بحسب أرسطو. وقد لخَّصَ الفيلسوفُ الفرنسيُّ إيتيين ﭭـاشيرو Étienne Vacherot (1809 – 1897) الأفكارَ الثلاثَ السابقة بقوله: "الله كائن الكائنات، علة العلل، غاية الغايات: هذا هو المطْلَق الحقيقي." 2. من وجهة نظر منطقية logique: الله هو المبدأ الأسمى للنظام في العالَم وللعقل في الإنسان وللتوافق بين الفكر والأشياء. 3. من وجهة نظر مادية physique: الله كائن شخصي أعلى من البشر يُلقي الأوامرَ ويقطع العهودَ وتُرفع إليه الصلواتُ. ويكون عمومًا حاميًا لقبيلة أو لشعب أو لمجموعة عرقية أو قومية، كآلهة اليونان وآلهة طروادة وإله إسرائيل. فيكون الإله جَدًّا أو قائدًا محاربًا أو مشرِّعًا أو قاضيًا. وهنا يمكن أنْ يتعدَّدَ ويمكن أنْ يتعادى مع إله آخر لجماعة أخرى ويمكن أنْ يتكلَّم. وكلُّ جماعة تدَّعي أنَّ إلهَها أحسنُ الآلهة: "أتدْعون بعلاً وتذَرون أحسنَ الخالقين؟!"[11] هذه النظرة عن الله هي أصل فكرة الله في الديانات الإبراهيمية. فمع تطور الفكر الديني الإبراهيمي تحوَّلَ القائدُ المحاربُ المقيَّد بزمان ومكان إلى رمزٍ مجرَّد مطْلَق (إله) يسكن في ضمير الأمة أو الشعب، في الوعي الجمعي، ولكنه حافظَ على بعض صفات النموذج الأصلي ومنها الكلام. فالله هو صورة الإنسان وليس الإنسان هو صورة الله. الإنسان هو الذي خلقَ اللهَ على صورته ومثاله.[12] الله في المنظور الإبراهيمي يتكلَّم ويتألَّم ويغضب ويرضى ويعتب وينتقم ويأمر أتباعَه بالقتل كأي قائد عسكري. الله بحسب لاهوت السيرورة: لاهوت السيرورة [التحولية] Théologie du Process هو رؤية كوسمولوجية (كونية) للعالَم منبثقة عن الميتافيزيقيا المنبثقة عن النظرية النسبية. وقد وضعَ فلسفةَ السيرورة هذه ألفريد نورث وايتهيد Alfred North Whitehead ثم طوَّرَها تشارلز هارتشورن Charles Hartshorne خلال القرن العشرين. حيث ينطلق وايتهيد، في كتابه: Process and reality [السيرورة والواقع]، من عبارة هيراقليطُس Héraclite: "لا يستحمُّ الإنسانُ في النهر نفسِه مرتين." حيث تُقِرُّ الكوسمولوجيا أنَّ الواقعَ هو في سيرورة مستمرة متواصلة من الدفْق flux والتغيُّر، ويجمع كلُّ عنصر في هذه السيرورة المادِّيَّ والحسِّيَّ. وفي الواقع فإنَّ كوسمولوجيةَ وايتهيد مستوحاةٌ من الميكانيك الكوانتية (ميكانيكا الكَمِّ). فبينما تؤكد الفلسفة الجوهرية substanstialiste [التي تقابل الفلسفة الظواهرية Phénoménisme] (وخاصة فلسفة توما الأكويني Thomas d'Aquin [1225 – 1274]) على الكائن الساكن (الاستاتيكي)، تؤكد فلسفةُ السيرورة ولاهوتُها على الصيرورة الدينامية، أيْ على التحول المستمر. فالله في تطور مستمر، "كلُّ يومٍ [وقت] هو في شأن."[13] وانطلاقًا من هذه النظرة تكون الميتافيزيقيا الكلاسيكيةُ سعيًا حثيثًا للهروب من القلق الوجودي للموت. الألوهة والرمز: يفهم البشرُ الألوهةَ من خلال رموز. ومع الزمن، تفقد الرموزُ معانيَها فتتحوَّل إلى أصنام. وقد يفقد الرمزُ معناه عندما ينتشر بين العامة. فيأتي نبيٌّ أو مجدِّد أو ولي (قدِّيس) أو مفكر عبقري أو مرشد أو غورو ليعيدَ ربْطَ الرموز بمعانيها الأصلية. وربما يضطر بحكم اختلاف اللغة أو اللهجة أو اللسان إلى استخدام الرموز الموجودة لدى الجماعة اللغوية الذي هو فيها، فيعطيها المعنى القديمَ للرموز. وعليه فإنَّ أي فهم جديد للألوهة (دين جديد، ثورة عرفانية) لا يثبت لدى الجماعة اللغوية إلاَّ إذا ظهر لهم بزِيِّ رموزهم السائدة لديهم. مشكلةُ كلِّ جماعةٍ لغويةٍ أو دينيةٍ، "إلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ"[14]، هي أنها لا ترى من رموز الجماعات اللغوية والدينية الأخرى إلاَّ الشكلَ الظاهري للرمز (المبنى لا المعنى، الحَرْفَ، الطقسَ الديني بظاهره) وتُعمي بصائرَها، عن قصد أو عن جهلٍ أو عن كسل، عن فهم معنى الرمز أو الطقس، فترفضه، لا بل تحاربه بالسيف أو بالتبشير والدعوة، فتنشغلُ في محاربة رموز غيرها عن الغوص في فهم رموزها هي فتتخلَّف وتساهم في تخلُّف غيرها. إنَّ كلَّ دالٍّ لغوي (لفظ) signifiant إذا أُفرِغَ من مدلوله (المعنى) signifié يصبح لَغْواً لا لغةً. وكلُّ طقس ديني إذا جُرِّدَ من معناه يتحوَّلُ إلى صنم. الألوهة لا تتجلَّى إلى الإنسان إلاَّ من خلال صورة يَعرِفُها، كبرق أو نار (في حالة النبي موسى) أو كإنسان (كما في حالة النبي محمد الذي كان يأتيه جبريلُ [الروح القدس] على هيئة صاحبه دِحْية الكلبي[15]). 2. الوحي: والوحيُ لغةً: الإلهامُ، أيْ الإعلام في خفاءٍ وبسرعة. يقال: وحى أو أوحى إليه وله أيْ ألهمَ وأشار إليه إشارةً سريعة وكلَّمه بكلام يخفى على غيره. والوحيُ ضروبٌ، فهو إمَّا إلهام فطري للإنسان، كالوحي إلى أمِّ النبي موسى: "وأوحينا إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرضِعِيهِ."[16] أو إلى الحواريين: "وإذْ أوحَيْتُ إلى الحَوَارِيِّينَ أنْ آمِنُوا بي وبرسولي."[17] وإما إلهام غريزي للحيوان، كالوحي إلى النَّحل: "وأوحى رَبُّكَ إلى النَّحل أنِ اتَّخذي مِن الْجبال بيوتًا ومِن الشَّجر وممَّا يَعْرِشُون."[18] وإما الإشارة السريعة على سبيل الإيحاء: "فخرجَ [زكريا] على قومِه مِن المحراب فأوحى إليهم أنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيَّـًا."[19] وإما وسوسة الشيطان وتزيينه الشرَّ في نفس الإنسان: "وإنَّ الشَّياطين لَيُوحُون إلى أوليائهم لِيجادلوكم."[20] وإما أمر الله إلى الملائكة: "إذْ يُوحي رَبُّكَ إلى الملائكة أنِّي معكم فثَبِّتوا الذين آمَنوا."[21] وإما الإيحاء إلى جماد بوضع الأمر فيه، كالأرض والسماء: "يومئذٍ تُحَدِّثُ أَخبارَهَا بأَنَّ رَبَّكَ أوحى لها." وأوحى إلى السماء: "فقضاهنَّ سبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وأوحى في كلِّ سَماء أمْرَهَا." باختصار، الوحي هو إذًا نقلُ أمرٍ من الألوهة (مستوى أعلى) إلى تجلِّياتها (مستوى أدنى)، هو "تنزيل"، هو العلاقةُ بين الألوهة وتجلياتها. الوحيُ هو نزولُ الألوهة إلى مستوى أدنى. إنَّ فكرة نزول الله إلى سماء دنيا واردة في المنقول الإسلامي. فقد رُويَ عن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قَالَ: "يَنْزِلُ رَبُّنا تَباركَ وتَعالى كُلَّ لَيلةٍ إلى السَّماء الدنيا حينَ يَبقى ثُلُثُ الليلِ الآخِرُ فيقولُ: مَنْ يَدْعُوني فأستَجِيبَ له؟ مَنْ يَسألُني فأُعطيَه؟ مَنْ يَستغفرُني فأغفِرَ له؟"[22] ويُعرِّف رجالُ الدين المسلمون الوحيَ بأنه كلام الله المنزَل على نبي من أنبيائه بطريقة خفية سريعة غير معتادة عند البشر، أيْ: خارقة. يقول المسْلمون: من الدلائل على أن القرآن كلام الله هو ما اشتمل عليه من الإخبار عن الغيبيات! ويقولون بأن القرآن وحيٌ من عند الله لا يأتيه الباطل مِن بين يديه ولا مِن خَلْفِه. القرآن وحيٌ؛ إنه وحيٌ بالتأكيد، مثله كمثل الوحي إلى النحل أو إلى الأرض أو إلى شاعر أو فيلسوف. 3. الكلام: الكلام هو إظهار الأفكار والرغبات المخبوءة بأشكال صوتية مسموعة و/أو مقروءة. الكلامُ، إذًا، هو إظهارٌ لمخبوءٍ ضمن شكلٍ ما. والكلامُ هو اللفظ المفيد (الذي يحمل معنىً). واللفظُ هو الصوت المشتمل على حُروف. فصوتُ الطبل ليس لفظًا. فالكلام، إذَنْ، نتاج بشري بحْتٌ ويحتاج إلى مادة (جهاز النطق، الهواء،...) والكلامُ لغةً مشتقٌّ من الفعل الثلاثي "كَلَم" كَلْمًا ويعني: جرَحَ وخدَشَ. وكأنَّ الكلامَ يعني جَرْحَ الصمت أو كسْرَ الصمت من خلال الصوت والنطق. و"الكليم" هو المجروح، وهو أيضًا من يكالِم. و"الكُلام": الأرض الصُّلْبة ذاتُ حجارة وجَصّ.[23] فالكَلام لغةٌ بشرية منطوقة (ملفوظة) هدفُها نقلُ فكرة من خلال رموز اصطلاحية (أو وقفية) مسموعة أو مقروءة. ويُعبِّر الكلامُ عن أفكار وحاجات ورغبات. والكلمة (الدلالة اللغوية signe linguistique) بحسب فرديناند دو سوسير Ferdinand de Saussure (1857 – 1913) في كتابه Cours de Linguistique générale [دروس في الألسنية العامة] هي ارتباط المدلول (المعنى) signifié بالدالِّ (الصوت) signifiant، هي ارتباط المعنى بالمبنى، هي التصاق الصورة الصوتية بالمفهوم. الكلمة هي اتصال الروح بالبَدَن. وعلى هذا الأساس، يمكن أنْ تهاجرَ المعاني من الكلمات ويمكن أنْ تموتَ كلماتٌ وتولَد كلماتٌ. فالتحريف هنا يكون بإعطاء الكلمة معنىً غير الذي وضعَتْه لها الجماعةُ اللغوية بهدف الاستغلال والإساءة. وفي الكلمة، يكون نطقُ [لفظ] كلّ حرفٍ مشروطًا بانقضاء الحرف الآخر، فيكون له أول، فلا يمكن إذًا أنْ يكونَ قديمًا. وعلْم الكلام في الإسلام هو العِلْم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية (تعريف سعد الدين التفتزاني). وهو أحد أبرز العلوم الإسلامية الذي يهتم بمبحث العقائد الإسلامية وإثباتها بالأدلة العقلية والنقلية. ومن أبرز المتكلمين: أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي والحارث المحاسبي وأبو المعالي الجويني وأبو حامد الغزالي وفخر الدين الرازي وسعد الدين التفتزاني وأبو بكر الباقلاني وغيرهم. لقد ميَّز الغزالي بين كلام الأصوات والحروف وبين كلام النفس. فيرى أنَّ الكلام [...] إما أن يراد به الأصوات والحروف أو يراد به القدرة على إيجاد الأصوات والحروف في نفس القادر أو يراد به معنى ثالث سواهما، فإن أريد به الأصوات والحروف فهي حوادث [...]؛ وإن أريد به القدرة على خلق الأصوات فهو كمال ولكن المتكلم ليس متكلمًا باعتبار قدرته على خلق الأصوات فقط بل باعتبار خلقه للكلام في نفسه، والله تعالى قادر على خلق الأصوات فله كمال القدرة ولكن لا يكون متكلمًا به إلا إذا خلق الصوت في نفسه، وهو محال إذ يصير به محلاً للحوادث فاستحال أن يكون متكلمًا؛ وإن أريد بالكلام أمر ثالث فليس بمفهوم، وإثبات ما لا يفهم محال. [...] الإنسان يُسمَّى متكلمًا باعتبارين: أحدهما بالصوت والحرف والآخر بكلام النفس الذي ليس بصوت وحرف، وذلك كمال وهو في حق الله تعالى غير مُحال، ولا هو دالٌّ على الحدوث. ونحن لا نثبت في حق الله تعالى إلا كلام النفس، وكلام النفس لا سبيل إلى إنكاره في حق الإنسان [...] ويقول الشاعر: "-إنَّ الكلامَ لفي الفؤاد وإنما / جُـعِلَ اللسانُ على الفؤاد دليلاً."[24] [...] ولكن ما يسميه الناس كلام النفس وحديث النفس هو العلم بنظم الألفاظ والعبارات وتأليف المعاني المعلومة على وجه مخصوص. [...] إذا قلنا النار مكتوبة في الكتاب لم يلزم منه أن تكون ذاتُ النار حالَّةً فيه، إذْ لو حلَّت فيه لاحترق المصحفُ، ومن تكلَّم بالنار فلو كانت ذاتُ النار بلسانه لاحترق لسانُه، فالنار جسم حارٌّ وعليه دلالةٌ هي الأصوات المقطعة تقطيعًا يحصل منه النون والألف والراء، فالحارُّ المحرِق ذات المدلول عليه لا نفس الدلالة، فكذلك الكلام القديم القائم بذات الله تعالى هو المدلول لا ذات الدليل، والحروفُ أدلةٌ وللأدلة حرمة.[25] وأوضحَ ابنُ عربي أنَّ الحقَّ لا يكلِّمُ عبادَه ولا يخاطبهم إلاَّ من وراءِ حجابِ صورةٍ يتجلَّى لهم فيها، تكون له تلك الصورةُ حجابًا عنه ودليلاً عليه كالصورة الظاهرة الجسدية في الإنسان إذا أرادت النفسُ الناطقةُ أنْ تكلِّمَ نفسًا أخرى كلَّمَتْها من وراءِ حجابِ صورةِ جسدِها بلسان تلك الصورة ولغتها. [...] وتُسمَّى تلك الحضرةُ التي منها يكون الخِطابُ الإلهي لمن شاء من عباده حضرة اللسن، ومنها كلَّمَ اللهُ تعالى موسى عليه السلامُ. ألا تَراه تجلَّى له في صورة حاجتِه؟ ومنها أُعطيَ رسولُ الله (ص) جوامعَ الكَلِمِ فجمعَ له في هذه الحضرة صُوَرَ العالَم كلَّها.[26] فإذا كانت صورةُ الله لدى جماعة هي الأفكار والرغبات والتطلعات غير المحقَّقة لهذه الجماعة فإن كلام الله هو إذًا التعبير عن أفكار الجماعة وتطلُّعاتها. فهو مقدَّس، بمعنى: حرام، لأنه محرَّم على الفرد أنْ يعبثَ به أو يتلاعبَ فيه لأنه نتاج الجماعة ومُلْكُها. فالمقدَّس هو المحرَّم والحرام والتابو؛ وهو إما فردي لا يحق للغير المساس به (كالزوجة، ولهذا تسمِّيها العامةُ بـ"الحُرْمة") وإما جمعي لا يحق للفرد المساس به كالكتب المقدَّسة. فالجنس مقدَّس والقرآن مقدَّس والإنجيل مقدَّسة والتوراةُ مقدَّسة والحياةُ مقدَّسة والأرضُ مقدَّسة، كلُّ الأرض. 4. كلام الله: تتجلَّى الذاتُ الإلَهيَّةُ، بحسب المتكلِّمين المسلمين السُّنَّة، من خلال أسماء وصفات. أمَّا الأسماء فهي 99 اسمًا. وأمَّا الصفات فهي سبع: القدرة والعِلْم والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام.[27] (لنتذكَّرْ أنَّ الله في الديانات الإبراهيمية هو الصورة المرمَّزة للقائد المحارب والحامي للقبيلة) فيكون كلامُ الله إظهارًا لعِلْمِه وقدرتِه وحياتِه وأسمائه. ولا يكون ذلك إلاَّ من خلال المادة. فالكون كلام الله لأنه يُعبِّر من خلاله عن ذاته. وعبارة "كلام الله" ينبغي أنْ تُحمَلَ على المجاز. فقد كانت العرب تستخدم الفعل "قال" والفعل "تكلَّم" على المجاز. فعندما يقال: "قال الله تعالى" يكون المقصود من الفعل قال هو "حكَمَ". "فإنَّ القول يُستعمل في معنى الحُكْم.[28]" كما يعني الفعل "قال" أيضًا على سبيل المجاز: فعَلَ، أوحى، أحدثَ فكرةً، أومأَ، أشارَ... وبهذا المعنى تُفهَم عبارة محمد بن عبد الجبَّار النِّفَّري في كتابه المواقف والمخاطبات: "أوقفَني في... وقالَ لي:...". حيث كانت العربُ تَستعمل فعلَ القول في غير الإنسان: "-قالت له الطير: تقدَّمْ راشدا / إنكَ لا ترجعُ إلاَّ جامدا."[29] "-قالت له العينانِ: سمعًا وطاعةً. / وحدّرَتَا كالدُّرِّ لَمَّا يُثقَّب." "إذا قالتِ الأنساعُ[30] للبطنِ الحقي."[31] ومعنى قالت له العينانِ: هو أنَّ الحالَ آذنَتْ بأنْ لو كان لهما جارحةُ نُطْق [لسان] لقالتا. كما أوضحَ عنترة بن شدَّاد في معلَّقتِه: "لو كان يدري ما المحاورةُ اشتكى / ولكان لو علِمَ الكلامَ مُكَلِّمي." وكما قال البحتري: "-أتاكَ الربيعُ الطَّلْقُ يختالُ ضاحكًا / مِنَ الحُسْنِ حتَّى كادَ أنْ يتكلَّما." وقال ابنُ الأثير: "العرب تجعل القولَ عبارةً عن جميع الأفعال وتطلقه على غير الكلام واللسان فتقول: قال بيده، أيْ: أخذَ، وقال برِجْلِه، أيْ: مشى، وقالت له العينانِ، أيْ: أومأَتْ، وقال بالماء على يده، أيْ: قلبَ، وقال بثوب، أيْ: رفعَه، وكلُّ ذلك على سبيل المجاز والاتِّساع.[32]" إنَّ فِعْلَ القول في الآيات التالية يخرج عن معنى الكلام: "إنما قولُنا لشيءٍ إذا أردناه أنْ نقولَ له كنْ فيكونُ."[33] "يوم نقول لجهنَّمَ: هلِ امتلأْتِ؟ وتقول: هلْ من مَزيد؟"[34] "وسنَقولُ له من أمرِنا يُسْرًا"[35] "ثُمَّ استوى إلى السماء وهي دخان، فقال لها وللأرض: ائتيا طوعًا أو كرهًا، قالتا: أتينا طائعين."[36] من صفات الله الكلام بمعنى الإفصاح عن ذاته من خلال الخَلْق. القارئ الحقيقي لكلام الله هو الذي يقرأ باسم ربه الذي خلق، بحسب التعبير القرآني، هو الذي يقرأ الخَلْق، الكون، الوجود، قراءةَ منتبهٍ متفحِّصٍ واعٍ. كلام الله هو اللوغوس، هو العلاقة. لا بد أنْ يكونَ كلامُ الله حيًا لأنَّ مَصْدره الإله الحي. لكنْ كلُّ كلام هو صورة عن الواقع-الحقيقة، وكلُّ صورة ميتة وبعيدة عن الواقع-الحقيقة. بهذا المعنى، يكون كلامُ الله الحقيقيُّ هو حقيقة "كنْ"، أيْ أنَّ كلام الله هو فعل. هناك فرق بين كلامنا وكلام الله. في كلام الله يتطابق القول مع الفعل. فكلامُنا قولٌ وكلامُه فِعل، كلامه صاعقة. كلامه إيجاد، وجود. كلامُنا غير مادي. كلام الله هو العالَم المادي. كلامُ الله هو المادة. والمادة، كما أثبتَت الفيزياءُ، أزلية لم تُخْلَقْ ولا تفنى. إنما تتحوَّل (تُولَد: "المسيح مولود غير مخلوق"). كذلك فإنَّ كلام الله قديم أزلي غير حادث لم يُخْلَقْ ولا يزول، ولكنه يُنسَخ بكلام آخر، أيْ يتحوَّل. بالإضافة إلى ذلك، لم يُصَرِّحْ، على ما أعلم، أيُّ كتاب من الكتب "المقدَّسة" بأنه كلام الله. حتى القرآن يصرِّح في آيتين اثنتين بأنَّه قولُ رسول كريم. فيقول في سورة الحاقَّة (40 – 42): "إنه لَقَولُ رسولٍ كَرِيمٍ، وما هو بقولِ شاعرٍ، قلِيلاً ما تُؤْمِنُون، ولا بقولِ كاهنٍ، قلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ." والرسول هنا هو، بحسب المفسِّرين محمد، ويقول في سورة التكوير (19 – 23): "إنه لَقَولُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ، مُطَاعٍ ثَمَّ أمِينٍ. وما صاحِبُكُم بِمَجنُونٍ. ولقد رآهُ بالأفُقِ المُبِينِ." والرسول هنا بحسب المفسِّرين هو الملاك جبريل. فالقرآن يصرِّح بأنه قول رسول، أي هو عبارة إنسان أو ملاك ينقل رسالةً (وحيًا). القرآنُ نقلُ رسالة بصياغة ناقل هذه الرسالة. القرآنُ ترجمة لخبرة روحية معيشة ولِوَحْيٍ متلقَّى وليس هو الخبرة ذاتها والوحي عينه. ولا يكون القرآنُ كلامَ الله إلاَّ بمعنى أنه صورة عن الحقيقة. فاللغةُ، بحسب لودﭭيغ ﭭتكنشتاين Ludwig Josef Johann Wittgenstein[37]، صورةُ الحقيقة، وكلُّ ما هو غير حقيقي لا يمكن أن يقال. وعلى هذا الأساس فالقرآن كلغة هو صورة الله كحقيقة. فيكون القرآن العربي كلامَ الله بالمعنى الذي تكون فيه صورةُ الشخص هي الشخص وبالمعنى الذي تكون فيه سيرةُ حياة الكاتب هي الكاتب. القرآن هو ترجمةٌ لتطلُّعات شعب. هو دستور وحَّدَ عدةَ قبائلَ في أمة واحدة. ولهذا اعتبرَه المسلمون مقدَّسًا. لكنهم أخطأوا عندما اعتبروه أزليًا. ووصلَ ببعضهم الجهلُ أنْ قالوا بأنَّ الجِلْدةَ والغلافَ أزَلِيَّان! القرآنُ، كما يرى أدونيسُ، "ككتاب ثقافي، خلاصةٌ ثقافية للثقافات القديمة، فقد تأثر بالتوراة وشخص المسيح والثقافة اليونانية والآرامية، خلاصة ثقافية لمرحلة كاملة."[38] كلُّ كتاب مقدَّس هو كتاب جمعي collectif، غير فردي، مجتمعي [ملكية المجتمع] sociétal، يوضع بقرار سياسي، ليس له مؤلف محدَّد، كالفُلْكلور وكالدستور الذي يضعه الأكثريةُ لصالح القوى السياسية متجاهلين رأيَ الأقلية الذي قد يكون أصوبَ. ولهذا عند جمع القرآن لم يؤْبَه برأي ابن مسعود الذي كان لا يعترف بقرآنية المعوذتين. وأُقرَّ بقرار سياسي أربعةُ أناجيل تتماشى مع القوى السياسية آنذاك واعتُبرَتْ باقي الأناجيل منحولة apocryphes. في الدراسات الألسنية، يميِّز الفيلسوفُ الإنكليزيُّ جون لانغشو أوستِن John Langshaw Austin (1911 – 1960)، في كتابه How to do things With words [كيف يتم الفعل من خلال الكلمات] المنشور عام 1960 والمترجَم إلى الفرنسية عام 1970 بعنوان: Quand dire c'est faire [القول هو الفعل]، (منشورات لوسُوْي Le Seuil، باريس)، يميِّز بين نوعين من الملفوظات (المنطوقات): الملفوظات التقريرية (التصريحية أو الوصفية) énoncés constatifs والملفوظات الإنجازية (الأدائية، التحقيقية) énoncés performatifs. أمَّا الملفوظ التقريري فهو كل ملفوظ لا يتحقَّق معناه أو مدلولُه عندما يُلفَظ؛ مثلاً: عندما أقول: "تفاحة"، لا تُخلَق التفاحةُ بمجرَّد لفظِنا اسمَها. فالتفاحة الحقيقية (المعنى) شيء وكلمةُ "تفاحة" (المبنى) شيء آخر. وعندما أقول "أمشي" لا يتحقق فعلُ المشي بمجرَّد نطقي بالأحرف: "أ + م + ش + ي" على التوالي. وأمَّا الملفوظ الإنجازي فهو الذي يُنجِزُ لفظُه فِعْلَه، أيْ يتطابقُ لفظُه مع فِعله، يتطابق مبناه مع معناه، يكون دالُّه ومدلوله واحد؛ فعندما يقول المرء: "أقول" فإنه وهو يلفظ لفظةَ "أقول" يتحقَّق معنى اللفظة. وبهذا المعنى، لا يمكن أنْ يكون الملفوظُ الإنجازي إلاَّ فعلاً نحويًا مضارعًا (في الحاضر) مع ضمير المتكلم ولا يقال عنه أنه صحيح ولا خاطئ. فهو يُنجَز بمجرَّد لفظِه. اللفظ التقريري الوصفي هو إشارة تدلُّ على حقيقة حية، بينما اللفظ الأدائي الإنجازي هو حي. وعليه، يمكن أنْ نقولَ بأنَّ كلامَ الله إنجازي أدائي: "كنْ فيكون". قولُه هو فِعلُه. فِعلُه هو المادة، وبهذا يكون قولُه هو المادة. وكلُّ الكتب المقدَّسة هي من النوع الوصفي التقريري التصريحي التفسيري لا من النوع الإنجازي التحقيقي. فهي تصِفُ خبرةً روحيةً ولكنْ لا تتحقَّق هذه الخبرةُ بمجرَّد تلاوة وصفها. فإذا قال إنسانٌ جائع: "طعام، آكلُ، غِذاء،..." لا يشبع مهما ردَّد هذه الكلماتِ؛ لأنَّ الفعل (الحدَث) الذي تشير إليه هذه الملفوظاتُ لا يتحقَّق بلفظها، بل هو مستقل عن فعل اللفظ. عندما تقول: "آكلُ الآن"، حتى وإنْ كنتَ تأكل، فإنك بقولكَ هذا تُنجِز فعلَ القول فقط ولا تنجز فعل الأكل من خلال القول. أي أن فعل الأكل منفصل عن فعل القول. عندما تأكل وتلفظ في الوقت نفسه عبارةَ: "أنا آكل" فإنكَ تقوم بفعلَينِ مستقِلَّين: فِعل الأكلِ وفِعْل القول. وهكذا فإنَّ القرآن هو إشارة إلى كلام الله (الذي هو فعلٌ في الوقت نفسه) مثلما أن الفعل النحوي "آكُل" إشارة إلى حدث الأكل الحقيقي ومثلما أن الصورة هي إشارة إلى صاحبها. يمكننا أن نفهمَ، اعتمادًا على مُثُل أفلاطون، أن العالَم المادي ليس إلاَّ انعكاسًا لعالَم المُثُل الحقيقي وأنَّ الكلام المقدَّس ليس إلاَّ انعكاسًا للعالَم المادي، أيْ أنَّ الكلام المقدَّس هو انعكاسُ انعكاسِ الحقيقة. يقر الإسلامُ بأن الله لا يكلِّم الإنسانَ مباشرةً، ولكنْ من خلال واسطة: "وما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إلاَّ وَحْيًا [بالمنام أو بالإلهام] أو مِن وَرَاءِ حِجَابٍ[39] أو يُرْسِلَ رَسولاً [ملاكًا كجبريل] فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ [بإذن الله] ما يَشاءُ [اللهُ] إِنَّه عَـلِيٌّ [تعالى عن صفات المحدثين] حَكِيمٌ."[40] "إذْ رأى [موسى] نارًا فقال لأهله [لامرأته] امكثوا [ابقوا هنا] إني آنستُ [أبصرتُ] نارًا لَعَـلِّيْ آتيكم منها بقبس [بشعلة] أو أجِدُ على النار هُدى [أجد هاديًا يدلُّني على الطريق]. فلما أتاها [أتى شجرةَ عوسج[41] أو عُلَّيق[42] أو شجرة السَّمُر[43]] نُوديَ ياموسى أنا ربُّكَ فاخلعْ نعليكَ إنكَ بالوادِ المقدَّس طُوى."[44] "إذْ قال موسى لأهله [زوجته] إني آنستُ نارًا سأتيكم منها بخبر [عن حال الطريق وكان قد ضلَّها] أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون [تستدفئون من البرد]."[45] "ولمَّا جاء موسى لميقاتنا وكلَّمه ربُّه قال: رب أرني أنظرْ إليكَ قال: لن تراني ولكنِ انظرْ إلى الجبل فإن استقرَّ مكانَه فسوف تراني. فلمَّا تجلَّى ربُّه للجبل جعلَه دكَّـًا وخرَّ موسى صعِقًا. فلمَّا أفاق قال: سبحانكَ تُبْتُ إليكَ وأنا أول المؤمنين."[46]. "تلك الرسلُ فضَّلْنا بعضَهم على بعض، منهم مَن كلَّمَ اللهُ ورفعَ بعضَهم درجاتٍ."[47] "وكلَّمَ اللهُ موسى تكليمًا."[48] لكنَّ بعض المفسرين قال في تفسير هذه الآية: كلَّم اللهُ موسى بلا واسطة. ووصلَ الأمر ببعض المفسرين أنْ قال بأنَّ الله كلَّمَ موسى مشافهةً![49] ففي حديث رواه جابر بن عبد الله قال: نظرَ إليَّ رسول الله (ص) ذات يوم فقال: "يا جابر، مالي أراك مُهْتَمًا؟" قال: قلتُ: يا رسولَ الله استشهدَ أبي وتركَ دَينًا وعيالاً. قال: فقال [النبيُّ]: "ألا أخبركَ؟ ما كلَّمَ اللهُ أحدًا قطُّ إلاَّ من وراء حجاب، وإنه كلَّمَ أباكَ كِفاحًا [مواجهةً، أيْ: خلقَ له كلامًا وسمعَه بلا واسطة]."[50] وفي هذا القول تجسيم (تشبيه وعدم تنزيه) anthropomorphisme. وتجسيمُ الألوهة كتأليه المادة. كلاهما خطأ. لأنَّ مستوى الألوهة أعلى وأشَفُّ بكثير جدًا من مستوى المادة. كلام الله هو، من منظور إيكولوجي، ما تنقله الطبيعةُ، ذلكَ الحرَمُ المقدَّس، إلينا وحيًا، هو تلك الطبيعة نفسُها. كلام الله هو خَلْقُ الله. لقد أصابَ خُطباءُ المسلمين عن غير قصدٍ منهم عندما وصفوا نبيَهم بأنه "كان قرآنًا يمشي على الأرض" يريدون المعنى المجازي إشارةً إلى حديث عائشة في وصف محمد: "كان خُلُقُه القرآن". كان محمد قرآنًا يمشي، أي كان قرآنًا حقيقيًا؛ فالقرآن الحقيقي هو الميكروكوسموس microcosms (العالَم الأصغر: الإنسان) والماكروكوسموس macrocosmos (العالَم الأكبر: الكون). لقد وردَ في المنقول الإسلامي إشارةٌ تسلِّطُ الضوءَ على معنى كلام الله جاءت في تفسير الطبري[51]: حدَّثَني أبو يونس المكي قال، [...] أنه سمِعَ [كعبَ] الأحبار يقول: لمَّا كلَّمَ اللهُ موسى بالألسنة كلِّها قبْلَ لسانِه، فطفِقَ موسى يقول: أيْ رب، والله ما أفقه هذا!! حتى كلَّمَه آخرَ الألسنة بلسانه بمثل صوته، فقال موسى: أيْ ربِّ، أهكذا كلامُكَ؟ فقال: لوكلَّمْتُكَ بكلامي لم تكنْ شيئًا! قال: أيْ ربِّ، هل في خَلْقِكَ شيءٌ يشبه كلامَكَ؟ فقال: لا، وأقربُ خَلْقي شبَهًا بكلامي أشدُّ ما يُسمَع من الصواعق. كلام الله لانهائي، لأنَّ كلامه هو الخَلْق، هو المادة، هو الكون "الواسع"، هو الوجود اللانهائي. واللانهائيُّ لا يُسجَن في كتاب. إنَّ أوْضحَ عبارةٍ تُعَبِّر عن لانهائية كلام الله هي الآية 109 من سورة الكهف: "قُلْ: لو كان البَحْرُ مِدَادًا لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ولو جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَدًا." أيْ أنَّ الألوهةَ توحي إلى الإنسان بأنه لو كان ماءُ البحر حِبْرًا للقلم الذي يُكتَب به كلماتُ الله وآياتُه الدالَّةُ لفَرُغَ البحرُ من الماء قبلَ أنْ يَفْرَغَ القلمُ من كتابة كلمات الله ولو جيء بمثل البحر بحرٌ آخر ثم آخر وهلُمَّ جرًّا بحورٌ تمدُّه ويُكتَب بها لما انتهَتْ كلماتُ الله. وهذا المعنى تؤكده آيةٌ أخرى: "ولو أنَّ ما في الأرض مِن شجرةٍ أقلامٌ والبحرُ يمدُّه مِن بعدِه سبعةُ أبحُرٍ ما نَفِدَتْ كلماتُ الله. إنَّ اللهَ عزيزٌ حكيم."[52] فابنُ عربي يرى كلامَ الله القرآنَ كجامع للوجود. القرآن موازٍ للوجود وموازٍ للإنسان، أيْ هو مُوازٍ للميكروكوسموس microcosms (الإنسان) وللماكروكوسموس macrocosmos (الكون). وهو كالوجود وكالإنسان له وجهانِ: وجهٌ باطن هو جمعيَّته من حيث هو قرآن تنزَّل على قلب النبي وما زال يتنزَّل متجددًا على قلوب العارفين، ووجهٌ ظاهر من حيث تلاوته باللسان وتحويله إلى أصوات وحروف منطوقة. وهذه التفرقة بين وجهَيْ القرآن الباطن والظاهر مكَّنَتْ ابنَ عربي من حلِّ معضلة قِدَم القرآن وحدوثه. العارف يقرأ في القرآن الوجودَ بأسْرِه كما يقرأ فيه نفسه. فالوجود كلمات الله، والعارف (الإنسان الكامل) هو كلمة الله الجامعة.[53] والعارفون يدركون حقيقةَ أنَّ الله هو المتكلم على كل لسان. تتجلَّى الألوهةُ للإنسان بصورة نفسه. "أنا من أهوى ومن أهوى أنا."[54] "خرجْتُ مِنَ الحقِّ إلى الحقِّ حتى صاحَ منِّي فيَّ: يا مَنْ أنتَ أنا."[55] "غِبْتُ في الجبروت وخُضْتُ بِحارَ الملكوت وحُجُبَ اللاهوت حتى وصلتُ إلى العرش فإذا هو خالٍ فألقيتُ نفسي عليه وقلتُ: سيِّدي أين أطلبكَ؟ فكشفَ فرأيتُ أني أنا، فأنا أنا، أوَّلي فيما أطلب، وأنا لا غيري فيما أسير."[56] الله لا يمكن أنْ يكلِّمَ بشرًا مباشرةً. أو بتعبير أدق، لا يمكن لبشرٍ أنْ يتلقَّى كلامَ الله مباشرةً. ولو حاولَ إنسانٌ تلقِّيَ كلامِ الله مباشرةً لصُعِقَ ومات في الحال. فكلام الله أشبه بالصاعقة الشديدة جدًا، بقوى الطبيعة. كيف يمكن لجهاز راديو أو تلفزيون يتحمَّل جهدًا مقدارُه 220 ﭭولط أنْ يتلقَّى توترًا عاليًا يصل إلى خمسين ألف ﭭولط فما فوق؟! فالألوهةُ تتكلَّمُ مع مستويات الوجود الدنيا من خلال الوحي. فتنفثُ الألوهةُ في رَوْع الإنسان الكامل معانيَ فيقوم الإنسانُ بصياغتها بلغة منطوقة. هذه اللغةُ المنطوقة ليست كلامَ الله، بل هي حكايةٌ وعبارة عن كلام الله وإشارة إليه. وأول من قال في الإسلام بهذه الفكرة هو أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كُلاَّب، حيث يرى أن معنى القرآن هو كلام الله، وحروفُه ليست كلامَ الله؛ فالقرآن العربي حكاية عن كلام الله، وليس بكلام الله. 5. محنة خَلْق القرآن: لقد دار جدلٌ واسع دام حوالي خمس عشرة سنة في القرن الثامن الميلادي في أيام المأمون والمعتصم بين المتكلمين المسلمين أو الفِرَق الكلامية (المعتزلة والجهمية والكُلاَّبية والأشاعرة والماتريدية) حول مسألة خَلْق القرآن (محنة خَلْق القرآن). فقد اختلفَ المسلمون فيما بينهم حول كلمة الله المتمثلة في القرآن مثلما اختلف المسيحيون حول طبيعة كلمة الله (اللوغوس logos[57]) المتمثلة بيسوع المسيح. فنفَتِ الجهميةُ (نسبةً إلى الجهم بن صفوان السمرقندي أو الترمذي) أسماءَ الله وصفاتِه (ومنها الكلام). وقالت المعتزِلةُ فقط بأصل الأسماء الخمسة (الحي، القدير، العليم، السميع، البصير) ولم تقلْ بصفة الكلام فقالوا بأنَّ القرآنَ، ككلام الله، مخلوق لأنه مركَّب من حروف ويحدث في الزمان. بينما قالت الكُلاَّبيةُ (نسبةً إلى عبد الله بن سعيد بن كُلاَّب) بأن الله موصوف بصفة الكلام وهي صفة أزلية ولكنَّ كلامه بدون حرف ولا صوت مسموع. وأخذَت الأشعريةُ (أو الأشاعرةُ، نسبةً إلى أبي الحسن الأشعري) برأي الكُلاَّبية. ولم يكتفِ المعتزلةُ بنفي أزلية القرآن، بل نفَوا صفةَ الإعجاز عنه، ذلك لأنهم تبَنَّوا مبادئَ العقل واحتكموا له. ورأى الأشاعرةُ أنَّ أسماءَ الله مخلوقةٌ. فقد صرَّحَ الإمامُ فخر الدين الرازي "أنَّ الله كان ولم يكنْ لَفْظٌ ولا لالَفْظ".[58] وقالت الماتريديةُ (نسبةً إلى أبي منصور الماتريدي، من ماتريد بسمرقند) بأنَّ صفاتِ الله لا هيَ هوَ ولا غيره. "صفاتُ الله ليست عيْنَ ذاتٍ / ولا غيرًا سواهُ ذا انفصالِ." ويقول أبو حامد الغزالي في كتابه قواعد العقائد أنه سبحانه وتعالى متكلِّم بكلام، وهو وصفٌ قائم بذاته، ليس بصوت ولا حرف، بل لا يشبه كلامه كلام غيره. ويقول حسين الكرابيسي: "لفظي بالقرآن مخلوق." فأنكرَ ذلك الإمامُ أحمد وأئمةُ الحديث، وبالغَ الإمامُ فقال: "من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي." وقد تخلَّص الشافعيُّ من محنة خَلْق القرآن بالتورية. فقد ورَدَ أنَّ الشافعيَّ استُدعي إلى المحكمة فسُئلَ عن رأيه في خَلْق القرآن. فلجأَ الشافعيُّ إلى التورية وقال: التوراة والإنجيلُ والزبور والقرآن، ثمَّ رفعَ أصابعَه فأشارَ إليها وقال: هذه الأربعة مخلوقة. فأوهمَ القاضيَ أنّه يقصد بالمخلوقية الكتبَ السماويَّة، في حين كان يقصد أصابعَه الأربع أنها مخلوقة. إذا كانت اليد مخلوقةً فلا بد أنْ يكونَ القرآنُ مخلوقًا لأنَّ كلَّ شيء مخلوق بحسب النظرة الإسلامية والقرآنُ شيء. إذا كان معنى الخَلْق هو الإيجاد من العدم فإنه محالٌ عقلاً لأنَّ الفيزياء أثبتَت أنْ لا شيءَ يُخلَق ولا شيءَ يفنى؛ إلاَّ إذا كان المقصود بالعدم هو الشواش chaos (العَماه أو اللاتعيُّن وليس الفوضى)، عند ذلك يكون معنى الخَلْق هو التحول والنظام فلا شيء يُخلَق إنما يتحول، أيْ: يُوْلَد؛ ولهذا استخدمَ قانونُ الإيمان المسيحي في مَجْمع نيقية Concile de Nicée عبارةَ "مولود غير مخلوق" engendré et non fait، أيْ: مساوٍ للآب في الجوهر consubstantiel au Père. وبهذا المعنى يكون القرآنُ غيرَ مخلوق. ولكنْ تكون اليد أيضًا غيرَ مخلوقة ويكون كلُّ شيء غيرَ مخلوق. وإذا كان معنى الخَلْق هو الصنع (صُنْع شيء بَدْءًا من شيء آخر) فهذا ممكن عقلاً. ولهذا قال القرآن: فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقين"[59] "أتدْعون بعلاً وتذَرون أحسنَ الخالقين؟!"[60] وبهذا يكون القرآن مخلوقًا ويكون كلُّ شيء مخلوقًا. 6. كلمة الله في المسيحية: في المسيحية، المسيح "مولود غير مخلوق" من حيث هو كلمة الله، وكلمة الله مولود من الآب، "قال لي أنت ابني أنا اليومَ ولدتُكَ"[61]، فهو كلمة الله الذي هو الله نفسه: "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمةُ اللهَ."[62]. وعبارة "مولود غير مخلوق" وردَت في قانون الإيمان الذي صدر عن مجمع نيقية سنة 325 م والذي ردَّ بها على آريوس. فالمسيح كلمة الله بمعنى أنه تعبير عن الله، إعلان عنه. في شخص يسوع يظهر الله ظهورًا كاملاً ونهائيًا. ولذلك يسمِّيه الإنجيلُ "كلمة الله الأزلية غير المخلوقة". فالفرق بين المسيحية والإسلام هو في تجلِّي الألوهة للبشر. فالمسيحية تؤمن بأنَّ هذه الألوهة قد تجلَّت في العهد القديم من خلال الكلام إلى الأنبياء، وتجلَّت تجليًا كاملاً في العهد الجديد في شخص يسوع المسيح. أما الإسلام فيقول إن الله لا يتَّصل بالبشر إلاَّ من خلال كلام الأنبياء، ويسوع المسيح هو أحدهم. ولأن المسيح هو الوحي الكامل لله، بحسب المسيحية، فالمسيحي لا ينتظر وحيًا آخر، مثلما أن المسلم لا ينتظر نبيًا آخر بعد محمد ولا وحيًا آخر بعد القرآن لأنه يرى أن القرآن هو الوحي الأخير والنهائي. 7. التحريف: أمَّا التحريف فيعرِّفه بعضُ رجال الدين بأنه تغييرٌ في معاني النص المقدَّس إلى معانيَ أخرى لا يدلُّ عليها، سواء كان التحريف بتبديل اللفظ بلفظ آخر أم بتحريف المعنى. لكنَّ الأب پاولو دالوليو[63] Paolo Dall'Oglio يُعرِّفه بأنه: تكبُّر وانعكاس للخطيئة على قراءة النص. إن مَن يقرأ النصَّ الديني بدافع الحسد أو التكبر أو الشهوات، فهو محرِّف، حتى لو قرأه متطابقًا مع معتقدات محيطه. فإذا كان تغيير كلمة بكلمة أخرى لا يغيِّر المعنى الجوهريَّ فإن ذلك لا يُعَدُّ تحريفًا، بل هو قراءة؛ وقد نزلَ القرآنُ على سبع أحرف (قراءات أو لهجات). وإذا لم يكنْ هناك تبديلٌ في اللفظ ولكنْ كان هناك تأويل يخالف المعنى اللغويَّ المقصودَ ويخدم الأهواءَ والرغباتِ فإن ذلك يُعَدُّ تحريفًا. ويقول أبو يعرب المرزوقي[64] بشأن الجدل حول تحريف القرآن: سألني الكثير من الأخوة الأفاضل رأيي في ما يدور حاليًا من جدل حول كتاب الجابري في القرآن الكريم وبالذات حول قابلية القرآن للزيادة والنقصان أعني حول مسألة الحفظ. ولما كان الكلام يدور حول معتقد وليس حول معرفة فإني أرفض الدخول في النزاع الجدلي [...] إنها مسألة عديمة المعنى بالنسبة إلى المؤمن بالقرآن. وهي كذلك مسألة فاقدة لكل معنى بالنسبة إلى غير المؤمن به على حد سواء. حيث أثار الدكتور محمد عابد الجابري[65] قضيةَ تحريف القرآن بقوله: "إن القرآن وقعَ به بعضُ التحريف وأنَّ علماء الإسلام السُّنَّة اعترفوا بذلك". وقال في مقال له بعنوان: ما سقط وقيل عن القرآن نُشِرَ في صحيفة الاتحاد الإماراتية ونقلَه موقع العربية نت: "إن جميع علماء الإسلام من مفسِّرين ورواة حديث وغيرهم يعترفون بأن ثمة آياتٍ وربما سورًا قد "سقطت" أو "رُفِعَت" ولم تُدرَجْ في نص المصحف، وأنواع النقص في ذلك كثيرة". كما أنَّ فيه زيادةً. فابنُ مسعود كان لا يكتب المعوِّذتَين في مصحفه ويقول إنهما ليستا من كتاب الله. أيْ أنه نفى قرآنيَّتَهما. وعندما سئل عن ذلك قال: سألتُ النبيَّ عنهما فقال: "قيلَ لي فقلتُ لكم فقولوا."[66] ذكَرَ جلالُ الدين السيوطي[67] في كتابه الدُّرّ المنثور في التأويل بالمأثور: وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عمر قال: لا يقولَنَّ أحدكم: قد أخذْتُ القرآنَ كلَّه، ما يدريه ما كلُّه؟ قد ذهبَ منه قرآنٌ كثير. ولكنْ ليقُلْ: قد أخذْتُ ما ظهرَ منه. هناك آيات غير موجودة في القرآن ولكنْ بقيَ حكْمُها سائرًا، أيْ: رُفِعَ لفظُها وبقي حكْمُها. وهناك آيات موجودٌ لفظُها في القرآن ومنسوخ حكْمُها. وهناك قراءات تؤدي إلى اختلاف المعنى. مثال على ذلك الآية 30 من سورة يونس: "هنالكَ تَبْلُواْ كلُّ نفسٍ ما أسلفَتْ." قراءة حفص لهذه الآية هي: "هنالكَ تَبْلُو كلُّ نفسٍ ما أسلفَتْ." أيْ: تختبر؛ بينما قراءة حمزة والكسائي لهذه الآية هي: هنالكَ تَتْلُو كلُّ نفسٍ ما أسلفَتْ." أيْ: تقرأ.[68] ليس في هذا تحريف إنما هو قراءة. التحريف هو التغيير في مؤدَّى الرسالة ومعناها وفحواها لخدمة أغراض سياسية ورغبات دنيوية. ومن الأمثلة على التحريف في المعنى تفسيرهم للآية 15 من سورة الحج: "مَنْ كانَ يَظُنُّ أنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلى السَّماءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ، فَلْيَنْظُرْ هلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ." فقد أوردَ المفسرون في تفسيرها معانيَ تتناقض مع أبسط قواعد اللغة والمنطق. نوردُ باختصار أقوال أشهر المفسرين: 1- تفسير الطبري: اختلف أهل التأويل في المعنيِّ بالهاء التي في قوله: (أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ الله). فقال بعضهم: عُنِي بها نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فتأويله على قول بعض قائلي ذلك: من كان من الناس يحسب أن لن ينصر الله محمدًا في الدنيا والآخرة، فليمدد بحبل، وهو السبب إلى السماء: يعني سماء البيت، وهو سقفه، ثم ليقطعْ السببَ بعد الاختناق به، فلينظر هل يذهبن اختناقه ذلك، وقطعه السبب بعد الاختناق ما يغيظ، يقول: هل يذهبن ذلك ما يجد في صدره من الغيظ. 2- تفسير ابن كثير: قال ابن عباس: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} أي: بحبل {إِلَى السَّمَاءِ} أي: سماء بيته، {ثُمَّ ليَقْطَعْ} يقول: ثم ليختنق به. وكذا قال مجاهد، وعكرمة، وعطاء، وأبو الجوزاء، وقتادة، وغيرهم. وقول ابن عباس وأصحابه أولى وأظهر في المعنى، وأبلغ في التهكم؛ فإن المعنى: من ظن أن الله ليس بناصر محمدًا وكتابه ودينه، فليذهب فليقتل نفسه، إن كان ذلك غائظه، فإن الله ناصره لا محالة. 3- تفسير القرطبي: قال أبو جعفر النحاس: من أحسن ما قيل فيها أن المعنى من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأنه يتهيأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه. (فليمدد بسبب إلى السماء) أي فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء. (ثم ليقطع) أي ثم ليقطع النصر إن تهيأ له. (فلينظر هل يذهبن كيده) وحيلته ما يغيظه من نصر النبي صلى الله عليه وسلم. نلاحظ أنَّ الأخطاء التي ارتكبها المفسرون سواء عن قصد أم عن غير قصد هي: 1. اعتبارهم أنَّ عائدَ ضمير الغائب المنصوب (الهاء) في الفعل "ينصره" هو محمد، في حين أن القاعدة النحوية تقول بأنَّ إسناد الضمير إلى أقرب مذكور أجلى وأوضح من إسناده إلى دلالة السياق. عِلْمًا أنه لم يؤْتَ في سياق الآيات السابقة على ذِكْر محمد. وعليه فإن الصواب أنْ تعودَ الهاءُ على "مَنْ". 2. تفسيرهم لكلمة "سبب" بحبْل! كما لو أنهم فسَّروا عبارةَ "أسباب النزول": بـ"حِبال النزول"! في حين أن كل شيء يُتَوَصَّل به إلى الشيء فهو "سبب". و"السَّبَبُ": اعتِلاقُ قَرابة. و"أَسبابُ" السماء: مَراقِيها. (لسان العرب) فالسبب هو الصلة، الرابطة، العلاقة. 3. تفسيرهم لكلمة "السماء" المُعَرَّفة بـ"ألْ" بسقف البيت! حيث أن كلَّ ما علاك فأظلَّك فهو "سماء" وليس "السماء"، وأن السماء تطلق على ما هو فوق الأرض، ما يغلِّف الأرض، وتطلق أيضًا على المطر، وأن سياق الآية يستبعد تمامًا معنى سقف البيت، وأن القرآن لم يستخدم قط كلمة "السماء" معرَّفة بأل بمعنى سقف البيت. 4. تفسيرهم للفعل "فليقطع" بالاختناق!! مع أنَّ الفعلَ "يقطع" مرسل على الإطلاق، أي أنه متعدٍّ حُذِفَ مفعولُه. ولا أدري كيف أوَّلوا أن المفعول به المحذوف لا بد أن يكون "السبب" وأن معنى "السبب" لا بد أن يكون "الحبل" وأن معنى السماء لا بد أن يكون "سقف البيت". ولكنهم لم ينتبهوا على الأرجح إلى أن الفعل "فليقطعْ" تلاه الفعل "فلينظرْ"، فإذا كان المقصود بالقطع هو قطع الحبل أي الاختناق فكيف سينظر بعد أن يكون قد اختنق؟! وعليه يكون المعنى اللغوي الأقرب إلى الصواب هو: أيُّ شخص متشائم يعتقد أن الله لن يؤيده في أمور الحياة الأرضية أو في أمور الحياة الآخرة ينبغي عليه أنْ يبنيَ رابطةً وصلةً مع السماء (كل ما هو سامٍ) ثم يجب عليه أيضًا أنْ يقطعَ كلَّ شيء جعلَه يسيء الظنَّ بالإله، عندئذٍ فلينظرْ كيف أنَّ فِعلَه هذا سيُذهِبُ غيظَه وحزنَه. وشتانَ بين هذا المعنى وبين معنى الانتحار الذي قال به المفسرون. لقد عاب القرآنُ على اليهود تحريفَهم الكتابَ: "مِن الذين هادوا يُحرِّفون الكَلِمَ عن مواضعه ويقولون: سمِعْنا وعصَينا واسمعْ غيرَ مسمعٍ وراعِنا[69]، لَـيَّـاً بألسنتهم وطعنًا في الدين."[70] "فبما نقْضِهم ميثاقَهم لعنَّاهم وجعلْنا قلوبَهم قاسيةً يُحرِّفون الكَلِمَ عن مواضعه"[71] "ومِن الذين هادوا سمَّاعون للكذب سمَّاعون لقومٍ آخرين لم يأتوك يحرِّفون الكَلِمَ مِن بَعْدِ مواضعه"[72] "يسمعون كلامَ الله ثم يُحرِّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعْلمون."[73] أي: يجعلون الحلالَ حرامًا في التطبيق العملي والحقَّ باطلاً. "يريدون أن يبدِّلوا كلامَ الله"[74]، وفي قراءة "كِلَمَ الله"، أي مواعيدَه. تَحْمِلُ الآياتُ السابقةُ إشاراتٍ إلى الانحراف النفسي الذي كان وراء التحريف النصِّي، مثل: "سمِعْنا وعصينا" و"قلوبهم قاسية" و"سمَّاعون للكذب". وبهذا، يكون التحريفُ، كما أشار الأبُ دالوليو، تكبُّرًا وحسَدًا واتِّباعَ شهوات. وقد وردَتْ فكرةُ التحريف في سِفْر إرميا، حيث يشكو النبيُّ إرميا: "أمَّا وحْيُ الربِّ فلا تذْكروه بَعْدُ لأنَّ كلمةَ كلِّ إنسانٍ تكونُ وحْيَه إذْ قد حرَّفْتُم كلامَ الإله الحيِّ ربِّ الجنود إلهنا."[75] ويَستخدِمُ الكلمةَ العبرانيةَ: "הפך" "hâphak" والتي تُتَرجَم بمعنى: أسأتم استخدامَ كلام الإله، استخدمتم كلمةَ الله في غير هدفها وبغير معناها.[76] إنَّ آية: "أفرأيتَ مَن اتَّخذَ إلهَه هواه وأضلَّه على عِلْم."[77] في القرآن وآية: "أرأيتَ من اتَّخذَ إلهَه هواه."[78] في القرآن وآية: "كلمةَ كلِّ إنسانٍ تكونُ وحْيَه" في سِفْر إرميا هي جميعًا ترجمات مختلفة لمعنى واحد. وإن آية: "يُحرِّفون الكَلِمَ عن مواضعه" القرآنية وآية: "قد حرَّفْتُم كلامَ الإله الحيِّ" في سِفْر إرميا ترجمتان لمعنى واحد ولرسالة واحدة. التحريفُ إذًا ليس تغييرَ الحروف، بل هو الكذب، النفاق، اتِّباع الهوى، التكبر، إساءة استخدام الكلام، النية السيئة. بينما أوصى الإسلامُ بحُسْن الظن: قال نصرٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: "حُسْنُ الظن من حسْن العبادة."[79] وقال رسول الله: "إنَّ الله يقول: أنا عند ظن عبدي بي."[80] وهنا ليس معنى الفعل "يقول" هو "يتكلَّم"؛ بل معناه هو "يحْكُم". "فإنَّ القول يُستعمل في معنى الحُكْم.[81] كما سبق ذكره في فصل كلام الله. 8. المقدَّس: من أين جاؤوا بوَهْمِ القداسة الذي باسمِه قتلوا الحياةَ التي هي مقدَّسة؟ أصلُ معنى القداسة في العربية هو الطُّهْر والطهارة والمباركة والتنزيه. أمَّا بالفرنسية فكلمة sacré [مقدَّس] مشتقة من الفعل sacrer بمعنى: كرَّس كاهنًا أو توَّجَ مَلِكًا، كما يعني أيضًا: جدَّفَ وكفَرَ؛ وهو مشتقٌّ من الفعل اللاتيني sacrare: كرَّس للألوهة، من sacrer وَsacrum بمعنى: مقدَّس، وهو مقابل لكلمة profanum (دنيوي). وكلمة sacrer تشير إلى من أو ما لا يمكن لمسُه بدون تدنيسه، المحرَّم، الحرام، ما لا يجوز لمسُه، التابو. عندما تختار جماعةٌ ما نصًا (أو مكانًا أو شيئًا أو إنسانًا) وتُلْبِسُه تاجَ "القداسة" فإنها تُلْبِسُه كلَّ القداسة على حساب قَداسات النصوص (أو الأمكنة أو الأشياء) الأخرى أو البشر الآخرين، وكأنهم ينزِعون، وبتعبير أدق، يسرقون القَداساتِ الأخرى ويُلْصِقونها بنصِّهم "المقدَّس"، فتبلغ "قداسةُ" نصِّهم درجةً تدفعهم إلى تدنيس "القَداسات" الأخرى من خلال ارتكاب أفظع الجرائم لحماية "قداستهم" المزعومة. أيُّ قداسة هذه التي تُنتِج أشدَّ أنواع الدناسة؟! لَرُبَّ قائلٍ يقول: "لا علاقةَ للنص المقدَّس بما يرتكب المؤْمنون به من انتهاكات، فالنصُّ يبقى مقدَّسًا وأفعال البشر هي المدنَّسة." ولكنْ أليس هذا النص المقدَّس هو نتاج ثقافة المؤْمنين به؟! ألا يؤَمِّنُ غطاءً شرعيًا لجرائمهم؟! فلا تعود جرائمُهم جرائمَ، بل تصبح فتوحاتٍ عظيمةً وبطولاتٍ وحروبًا "مقدَّسة" وجهادًا. ويقتلون خَلْقَ الله بذريعة إعلاء كلمة الله! يقتلون كلامَ الله بذريعة إحياء كلام الله! أيُّ تناقض هذا؟! وأيَّ كلمةٍ لأيِّ إلهٍ يُعْلُون؟! "ألا ساء ما يَحْكُمون."[82] و"ساء ما يعملون."[83] إنهم "يحمِلون أوزارَهم على ظهورِهم. ألا ساء ما يزِرون."[84] إذا كان هذا النص الديني مقدَّسًا فعلاً كما يقولون فإلى أية درجة بلغَت نجاسةُ نفوس مستخدميه حتى نجَّسوه؟! إنهم لا يحرِّفون كلماتِه، لكنْ يحرِّفون تطبيقَه ويُلْوون عُنُقَ نصهم الديني ليحققوا أهواءهم المنحرفة. هذا النص الديني قد يكون "مقدَّسًا" (بفتح الدال) لأنَّ المؤمنين به قدَّسوه، لكنه لم يكنْ ولن يكونَ على ما يبدو مقدِّسًا (بكسر الدال). النصُّ "المقدَّس" كالأداة مهما كانت طاهرةً لا تمنع مستخدميها النجِسين من أنْ يستخدموها في الدناسة. فإذا كانت "قداسةُ" النص تؤدِّي إلى أفعال نجسة فإنَّ الدنَس أقدسُ منه. كلُّ نص وكلُّ شيء يصبح مقدَّسًا بين يدَي إنسان مقدَّس طاهر. أليس كلُّ شيء خَلْقُ الله بحسب الرؤية الدينية الإبراهيمية؟ هل يخلقُ اللهُ دنسًا؟ يكفي المخلوقُ شرفًا أن اللهَ خلقَه. ما الذي يجعل إذًا الخنزيرَ نجِسًا والخروفَ طاهرًا؟ إنها إسقاطاتٌ ذهنية لوهمٍ يسكن في نفوسنا. فالخروفُ الذي فطِسَ أو الذي ذُبِحَ لغير الله محرَّمٌ أكلُ لحمِه بحسب النظرة الإسلامية شأنُه شأن الخنزير تقريبًا. ليس هناك نجَسٌ مطلَق وطُهْرٌ مطلَق. كذلك ليس هناك مقدَّس مطْلَق. فالنصُّ المقدَّسُ يحوِّلُه الفكرُ المنحرفُ إلى نص مدنَّس. القراءة الخاطئة للنص المقدَّس تجعله نصًا آخر. وهذا هو أصلُ معنى التحريف. يُعَلِّمُ البوذا بهذا المعنى أنَّ الوسيلةَ الصحيحةَ التي يستخدمها إنسانٌ أو ذهنٌ غير صحيح تعطي نتائجَ غير صحيحة. وهذه حال أتباع الديانات وخاصة الإبراهيمية ("السماوية" أو السامِيَّة) التي تحضُّ في تعاليمها على عدم القتل بينما يمتلئ تاريخُها بالجرائم. فعنْ أيِّ مقدَّس يتكلَّمون؟! لا بد أنَّ هناك مشكلةَ قراءة عند أتباع الديانات. ربما حالَتْ تبعيَّـتُهم دوْنَ تعلُّمِهم القراءةَ الصحيحة. 9. القراءة والقارئ: القراءة عملية عقلية يقوم القارئ من خلالها بتفسير رموز يتلقَّاها عن طريق عينيه فيقوم بربط الرمز بالمعنى المخزون لديه. القراءة هي إيجاد الصلة بين لغة الكلام وبين الرموز الكتابية. وعناصر القراءة ثلاثة هي: المعنى الذهني واللفظ الذي يؤديه والرمز المكتوب؛ ويمكن إضافة عنصر رابع هو: تأثير القراءة أو رد فعل القارئ. القراءة ليست فقط لفْظَ ما هو مكتوب؛ بل فهمه ووعيه. "لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ علَيْنا جَمْعَه وقُرْآنَه. فإذا قَرأْناه فاتَّبِعْ قُرْآنَه. ثُمَّ إنَّ علَيْنا بَيَانَه."[85] القراءة هي انتباهٌ ونظرٌ وتأمُّلٌ في كتاب الله الذي هو الكون المادي الذي نحن فيه وذلك من أجل اختباره وفك رموزه واستنباط قوانينه للوصول إلى درجة وعي أرقى. فالقراءة ارتقاء. وهذا ما أشار إليه نبيُّ الإسلام: عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله: "يقال لصاحب القرآن: اقرأْ وارْقَ ورتِّلْ كما كنتَ تُرَتِّل في الدنيا فإنَّ منزلتَكَ عند آخر آية تقرؤها."[86] هناك قراءتان للنص الديني: القراءة الأصولية المغلقة التي ترى النصَّ الديني صالحًا لكل زمان ومكان ولا يجوز الاجتهاد فيه، وهي القراءة السائدة والقراءة التي تراه نصًا تاريخيًا. وهناك مستويات في القراءة. مشكلة الملتزمين بالحَرْف من مسلمين ومسيحيين وغيرهم أنهم يقرؤون قراءةً حَرْفية لا تمكِّنهم من استخلاص العبرة. فلم يَلِجوا روحَ النص. يجب قراءة النص المقدَّس قراءة سياقية، ظرفية (بالانتباه إلى أسباب النزول بالنسبة للقرآن) كما فعلَ عمرُ بن الخطَّاب عندما أسقطَ حدَّ قطع اليد عن السارق في عام المجاعة، أيْ عطَّلَ حدَّ السرقة: "والسارِقُ والسارقةُ فاقْطَعوا أيدِيَهُما جزاءً بما كَسَبا نَكالاً من اللهِ واللهُ عزيزٌ حكِيمٌ."[87] فقد رُوِيَ عنه قوله: "لا تُقطَع اليد في عِذْق ولا عام سنة." قال السعدي: "سألتُ أحمدَ بن حنبل عن هذا الحديث فقال: العذْقُ: النخلة، وعام سَنَة: المجاعة. فقلت لأحمد: تقول به؟ فقال: أيْ لَعَمْري! قلت: إنْ سرقَ في مجاعة لا تقطعه؟ فقال: لا، إذا حملَتْه الحاجةُ على ذلك والناسُ في مجاعة وشدة." وهذا يُدخِلنا في باب الاجتهاد الذي أغلقَه المسلمون وخاصة السُّنَّة منهم. فعُمَرُ قد قرأَ روحَ النص القرآني. مشكلة المسلمين عدم قدرتهم على قراءة الرموز. فكما أنَّ أكثرهم يصومون أدنى درجات الصيام وهو الإمساك عن المفطرات (صيام العامة أو صيام العوام) متجاهلين الدرجاتِ الأرقى من الصيام (صيام الخاصة [أو صيام الخواص] وصيام خاصة الخاصة [أو صيام خواص الخواص]) فإنهم يقومون بأدنى مستويات القراءة (القراءة الببْغائية، بتحريك اللسان والشفتين، وقرآنُهم يقول لهم: "لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ."). أو بالأصح عندما تكون قراءتُهم في أدنى مستوياتها يكون صيامهم في أدنى درجاته وتكون حياتُهم بِرُمَّتِها في أدنى مستوياتها ويكونون في آخر الأمم. لدى المسلمين أكثر من غيرهم مشكلةٌ لغوية، مشكلةُ ترميز الواقع ومشكلةُ فك الرموز، مشكلةٌ دلالية. فأكثرُ المسلمين همْ كتلاميذ الغورو في القصة التالية: يُحكى أنَّ غورو كلما قام للصلاة [مع تلاميذه] أتت قطةُ الأشرم وسط المصلين وألهتهم عن صلاتهم. فأمر الغورو تلاميذَه بربط القطة خلال الصلاة. فما كان من التلاميذ إلاَّ أنْ تلقَّفوا الأمرَ بحَرْفيته. وبعد وفاة شيخهم الغورو ظلُّوا على ربط القطة خلال الصلاة. وعندما نفقَت القطةُ جاؤوا بقطة أخرى حتى تُربَط كما ينبغي طوال الصلاة. وبعد ذلك بِقُرُون كتبَ الفقهاءُ من تلاميذ الغورو رسائلَ فقهية في المغزى الشعائري لربط قطة أثناء إقامة الصلاة.[88] عندما فهِمَ المسلمون القرآنَ على أنه كلام الله بالمعنى الحَرْفي لا بالمعنى الرمزي فإنهم قرؤوه قراءةً حَرْفية وبالتالي عطَّلوا العقلَ والاجتهادَ فأصبحوا متلقِّينَ منفعلين. مما أدَّى إلى تخلُّف مستوى وعيِهم وتأخُّرِهم. "يُروَى أنَّ رَحَّالةً مستكشِفًا عاد إلى قومه الذين كانوا توَّاقين لمعرفة شيء عن الأمازون. ولكنْ أنّى له أنْ يُعرِبَ بكلمات عن المشاعر التي فاضت في قلبه حين رأى الأزهارَ الغريبةَ وسمع أصوات الليل في الغابة وحين أحسَّ بخطر الحيوانات المفترسة، أو جدَّف بقاربه عبر منحدرات النهر الغادرة؟ فقال لهم: "اذهبوا واكتشفوا بأنفسكم." ثم رسمَ لهم خارطةً للنهر ترشدهم. أما هم فقد انقضُّوا على الخارطة، وأطَّروها في دار البلدية، ثم استنسخوها. فكل من امتلك واحدةً لنفسه ظن نفسه خبيرًا بالنهر."[89] هذه القصة تصِفُ حالَ الأنبياء مع أقوامهم. فالمستكشف الرحَّالةُ كان يقرأ قراءةً حقيقيةً، ليس بتحريك اللسان والشفتين، بل بالاختبار: "قل سِيرُوا في الأرضِ فانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ"[90]، بينما كان أبناءُ قومه يقرؤون قراءةً سطحية حتى وإنْ كانوا يحفظون عن ظهر قلب ويعرفون نظريًا كلَّ منعطف وانحناءة في نهر الأمازون. فكيف يقرأ من لا يكون قد اختَبر؟! وكيف يفكُّ الإنسانُ رمزًا لا يكون له معنىً في قلبه؟! القراءةُ ليست إلاَّ نوعًا من التذكُّر، نوعًا من التَأَبُّه reminiscence (الاستذكار، الذكرى، الذِّكْر، تنبُّه النفسِ بعدَ اتِّصالِها بالبدن إلى معارفها من حياة سابقة، بحسب أفلاطون). وما الكتب المقدَّسةُ إلاَّ دعوة لاختبار الواقع، لقراءة الواقع، للانتباه. القارئ الحقيقي هو كائن متذكر، منتبه، واعٍ، مبصر، مبدع، عبقري، نادر، نابغة، فريد، فذّ، لامنتمٍ Outsider (Homme en dehors)، بحسب تعبير أرنولد جوزف توينبي Arnold Joseph Toynbee (1889 – 1975) والذي شرح أفكارَه الكاتبُ كولِن ويلسُن Colin Henry Wilson. فالقارئ الحقيقي هو الذي ينسحب من مجتمعه فيَدخُل الغارَ (اللاوعي الجمعي) معتزلاً الناسَ "وأَعتَزِلُكُم وما تَدْعونَ مِن دُونِ اللهِ وأدعو ربِّي"[91] و"يغرق في الوحدة يقرأ ذاتَه فتتوسَّع مداركُه ويكتسب طاقةً فإذا ظهرَ فإنه يكون مزوَّداً بالقوة على تحريض بقية أفراد المجتمع للتغلب على التحدي، فيُقنِع مجتمعَه من خلال التأثير والإقناع والمخادعة والتشريع."[92] القارئ الحقيقي خارج عن المألوف، منشغل دائمًا بالتساؤلات، ينتمي إلى كل شيء وإلى لاشيء، غريب، "فطوبى للغرباء".[93] القارئ الحقيقي رحَّال، رحَّالة، "حالٌّ مرتحل"[94]، منتقلٌ من معنىً إلى معنى، مهاجر، قلِق، غير مرتاح[95]، مؤْمن، "مُدْلِج"[96]، إنسانُ قطيعةٍ يقطع مع موروثاته، كائنٌ مستَنْفِرٌ، مسؤول، حاضر دائمًا، منتبه، يستمع لقرآن الوجود وينصت لإشارات الكون وذبذباته، نافذ البصيرة، يكاد يكون نبيًا؛ لأن القارئ الحقيقي هو اللامنتمي، واللامنتمي يأتي في الدرجة الثانية بعد النبي بحسب هيسه وهو نصف الطريق إلى السوبرمان بحسب نيتشه وهو الذي يُبقي الحضارةَ حيةً بحسب توينبي.[97] القارئ الحقيقي ثائر على نفسه. القراءة ثورة داخلية مستمرة، كسرٌ للقيود التي تقيِّد الإنسانَ منذ ولادته، لأن الإنسانَ لا يولد حرًا بحسب روسو. وأول شيء يقوله الإسلامُ للإنسان هو: "اقرأْ"، أيْ: اقرأ أنتَ. ولم يقلْ له: دعِ الآخرين يقرؤون عنك أو يقرؤون لك. "اقرَأْ بِاسْمِ ربِّكَ الَّذِي خَلَقَ."[98] ومعنى "اقرأْ" هو: فكَّ الرموزَ. وقد يكون بمعنى: ادعُ، بلِّغْ، انشرْ. أما المعنى المعجمي للفعل "قرأَ" (يقرأُ قراءةً وقُرآنًا) فهو: نطقَ بالمكتوب أو تتَبَّع بنظره الكلامَ المكتوبَ وفهِمَه دون أنْ ينطقَ به. القارئ الحقيقي إنسان عادي (بشَر)[99] ارتقى إلى مستوى غير عادي من الإدراك والوعي (يوحى إليه، يسمع كلامَ الله)[100]. ولا يكون الارتقاء إلاَّ بالقراءة: (اقرأْ وارقَ)، قراءةِ القرآن، قرآن الكون، أيْ بالانتباه إلى العالَم المادي والنفسي الذي يعيش فيه. فقيام أية حضارة مرهون بوجود قرَّاء حقيقيين. عبقرية نبي الإسلام محمد ككائن لامنتمٍ هي أنه عرفَ كيفَ يقرأ وماذا يقرأ. كان يقرأ الخَلْق بنور الألوهة: "اقرَأْ بِاسْمِ ربِّكَ الَّذِي خَلَقَ."[101] فبينما كان أبناء عصره يقرؤون ما كتبَه الآخرون في الكتب، كانَ محمد يقرأ ما كتبَتْه الألوهةُ في نفسه وفي الكون، كان يقرأ الوجودَ من خلال نفسه أولاً (في غار حِراء). وكان مستوى قراءته أعلى، لأن وعيه أعلى، انتباهه أعلى. الله، بصفته الوجودَ اللانهائيَّ المَحْض، العقل المَحْض، يكون كلامه لانهائيًا لا يقيَّد بكتاب. كلامُه خَلْق. والخَلْق لانهائي. كلام الله ليس صوتًا أو حرفًا. إنه أصل كل صوت وكل حرف. إنه كل شيء خُلِقَ وسيُخلَق. كلام الله إظهار لمشيئته مثلما أن كلام الإنسان إظهار لما في داخله. كلام الله إفصاح عن ذاته. فالألوهة لانهائية. وكلامها لانهائي، لأنَّ تجلِّياتِها لانهائية. الألوهة تتكلَّم في كل لحظة، في كل زهرة، في كل نسمة، في كل نفَس، في كل نفْس... فكيف يحبِسون الألوهةَ (اللانهايةَ) بين دفَّتَي كتاب؟! أيلول/سبتمبر 2010 [1] يروي هيرودوتُس Herodotus (بالفرنسية: Hérodote) الذي سجَّلَ التاريخَ قبل الميلاد بأربعة قرون أن العرب كانوا يعبدون في أيامه اثنين من الآلهة هما: أوروتال Orotal وأليتات Alitat الذي ربما تحوَّرَ مع الزمن إلى اللات Allat. عن مقال بعنوان: Sources of the Quran: Arab Customs [مصادر القرآن: الأعراف العربية]، المؤلف: W. St. Clair-Tisdall، موقع: http://www.truthnet.org/islam/. [2] كلمة "تابو" tabou/taboo مشتقة من kabu/tapu في اللغات الـﭙولينيزية (في تاهييتي وهاواي وتونغا وساموا)، وتعني: المحظور ذا الصفة المقدَّسة والذي يؤدي خرقُه إلى عذاب إلهي والذي يسبب الخشيةَ والرهبةَ، التحريم، المحرَّم، الحِمَى. و"التابو" عكس الـ"نُوَا" noa الذي يعني المتاح للجميع. وقد نشرَ كلمةَ "تابو" في اللغات الأوروبية المَلاَّحُ والمستكشِفُ البريطاني جيمس كوك James Cook (1728 – 1779). [3] سورة النُّوْر، الآية 35. [4] الشورى، 11. [5] هذا القول رواه أبو الفضل التميمي عن الإمام أحمد بن حنبل. وبهذا المعنى يقول: ﭙول تيلليش Paul Tillich: "الله هو شيء آخر غير ما نتكلَّم عنه." "Dieu est autre chose que ce qu'on en parle.". وردَ في حديث مسْلِم أيضًا: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ أنتَ الأول فليس قبلك شيء وأنت الأخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء." [6] سورة القَصص، الآية 88. [7] المكزون السنجاري ( 583 - 638 هـ/1187 - 1240 م): حسن بن يوسف مكزون بن خضر الأزدي، متصوف كبير كان أميرًا على سنجار. ومن شعره الجميل في التجلِّي الإلهي: - تجَـلَّى لي فجـلاَّني لِـعَينيْ * كما ليْ صورتي المرآةُ تجْـلو. –ومثَّـلَ لِي الْحقيقةَ فيْ خيالٍ * كما في النُّـوْرِ يحكي الشخصَ ظِـلُّ. - وأوجدَني وأفقدَني وجودي * كمهجورٍ له في النوم وصلُ. [8] دراسات ثيوصوفية، جهاد الياس الشيخ، موقع معابر: http://www.maaber.org/tenth_issue/spiritual_traditions_1.htm [9] الفتوحات المكية، باب: بسم الله الرحمن الرحيم، ج 3، ص 49. [10] عن قاموس Vocabulaire technique et critique de la philosophie [المفردات التخصصية والنقدية للفلسفة]، الجمعية الفرنسية للفلسفة Société Française de Philosophie، أندريه لالاند André Lalande، مطابع فرنسا الجامعية، الطبعة الحادية عشرة، 1985، مادة: Dieu [الله]. [11] سورة الصافَّات، الآية 125. [12] راجعْ كتابَ: Et l'homme créa les dieux : Comment expliquer la religion [وخلقَ الإنسانُ الآلهة: كيف نشرح الدين]، لعالِم الأنثروبولوجيا الفرنسي ﭙـاسكال بوير Pascal Boyer. [13] سورة الرحمن، الآية 29. [14] سورة الدخان، الآية 42. وردَت هذه العبارةُ بصيغة أخرى في عدة مواضع في القرآن، منها: "ولو شاءَ رَبُّـكَ لَجَعَـلَ النَّاسَ أُمَّـةً واحدَةً ولا يَزالون مُختلِفِين إلاَّ مَن رَحِمَ رَبُّكَ ولِذلِكَ خَـلَـقَهُم." (هود، الآيتان 118 و119) [15] روى الطبراني في الكبير والأوسط عن أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كان يقول: يأتيني جبريلُ عليه السلامُ على صورة دِحْية الكلبي. [16] القصص، 7. [17] المائدة، 111. [18] النحل، 68. [19] مريم، 11. [20] الأنعام، 121. [21] الأنفال، 12. [22] أخرجه مالك، 1/214، رقم 498، وأحمد، 2/487، رقم 10318، والبخاري، 1/384، رقم 1094، ومسلم 1/521، رقم 758، وأبو داود 2/34، رقم 1315، والترمذي 5/526، رقم 3498 وقال: حسن صحيح، وابن ماجه، 1/435، رقم 1366. وأخرجه أيضًا عبد الله بن أحمد فى السُّـنَّة 2/480، رقم 1102. [23] المحيط في اللغة. [24] ذَكَر ابنُ قيِّم الجوزية خلال نقاشه مع الأشاعرة أنهم اشتبهوا في بيت الشعر المذكور وفي نسبته إلى الشاعر، فقال في كتابه الصواعق المرسلَة: إنَّ البيانَ مِنَ الفؤادِ وإنما / جُعِلَ اللسانُ على الفؤاد دليلاً. [25] من كتاب: الاقتصاد في الاعتقاد، أبو حامد الغزالي، باب الكلام، ص 34-37. [26] الفتوحات المكية، باب: في معرفة المنازلات الخطابية، ج 6، ص 111. [27] الاقتصاد في الاعتقاد، الغزالي، باب: في الصفات. [28] لسان العرب، مادة: قول. [29] البيت لأبي النجم العجلي. وأبو النجم العجلي هو الفضل بن قدامة العجلي، أبو النجم، من بني بكر بن وائل، من أكابر الرجَّاز نبغَ في العصر الأموي. [30] الأنساع: واحدها نَسْع، وهو سَيْر يُضْفَر على هيئة النِّعال، تُشَدُّ به الرِّحالُ. وجمْعُه: أنساع ونُسوع ونُسُع. والقطعة منه نَسْعة. (المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده) [31] البيت لأبي النجم العجلي، سبق ذِكْرُه. [32] لسان العرب، المرجع المذكور. [33] النحل، 40. [34] سورة ق، 30. [35] الكهف، 88. [36] فُصِّـلَتْ، 11. [37] لودﭭيغ ﭭتكنشتاين Ludwig Josef Johann Wittgenstein فيلسوف نمساوي وُلِدَ في ﭭينا، النمسا عام 1889 وتوفي في كمبريدج، المملكة المتحدة عام 1955. [38] حوار مع أدونيس، صحيفة العرب القطرية، 8/4/2008. [39] كما وقعَ للنبي موسى عندما رأى نارًا وسمعَ كلامًا ولم يرَ المتكلِّمَ. [40] سورة الشورى، 51. [41] العوسج Lycium / Boxthorn نبات ذو أشواك ينبت عادة في الأراضي الجافة والحارَّة. وهو عبارة عن شجيرة شوكية معمِّرة يصل ارتفاعها إلى حوالي مترين. [42] العُلَّيق أو توت العُلَّيق La mûre (Blackberry): نوع نباتي من جنس التوت البرِّي من الفصيلة الوردية. [43] السَّمُر (جمعُه: أَسْمُر، الواحدة: سَمُرة): شجر من العضاه وليس في العضاه شجر أجود منه. وهو شجر صحراوي معمِّر يتلائم مع ظروف الجفاف القاسية، حيث تتعمَّق جذورُه في التربة للوصول إلى الماء. والعضاه ما عظُمَ من شجر الشوك وطال واشتدَّ شوكُه. يبلغ ارتفاعه ما بين 4 إلى 6 أمتار. لأغصانِه أوراقٌ حادة غير متماثلة بعضُها معقوف. وثماره مقوَّسة حلزونية خضراء في البداية وعند النضج تصبح بُنِّيَّة اللون. وربما يكون السَّمُرُ هو الأكاسيا acacia، وغالبًا ما يوصَف بأنه شجر "المِظَلَّة الشائكة" Umbrella Thorn إشارةً إلى تاجه الممَّيز. كما يُسمَّى "أم غيلان". [44] سورة طه، الآيات 10، 11، 12. [45] سورة النمل، 7. [46] الأعراف، 143. [47] البقرة، 253. [48] النساء، 164. [49] جاء في تفسير الطبري: "[...] حدَّثَنا نوحُ بن مريم، وسُئلَ: كيف كلَّم اللهُ موسى؟ فقال: مشافهةً. (تفسير الطبري، ج 9، ص 403). [50] تفسير ابن كثير، ج 2، ص 163. [51] تفسير الطبري، ج 9، ص 406، رقم 10846. ويُعتبَر تفسيرُ الطبري أقدمَ التفاسير وأقْوَمَها ومرجعَها وأقربها إلى فترة الوحي. [52] سورة لقمان، الآية 27. [53] كتاب: فلسفة التأويل: دراسة في تأويل القرآن عند محي الدين بن عربي، نصر حامد أبو زيد، دار الوحدة، بيروت، ص 264-278. [54] الحلاَّج. [55] أبو يزيد البسطامي، المجموعة الصوفية الكاملة، تحقيق وتقديم: قاسم محمد عباس، دار المدى، 2004، ص 49. [56] شطحات الصوفية، د. عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات، الكويت، ص 164. [57] ترى سيمون ﭭايل في كتابها التجذُّر L’enracinement (الجزء 3) وفي رسالة إلى رجل دين أنَّ كلمة لوغوس logos تعني: العلاقةَ، أيْ: أريثماس arithmas، أي: العدد عند أفلاطون والفيثاغوريين. والعلاقة تعني التناسبَ proportion. والتناسبُ يعني التناغمَ harmonie. والتناغمُ يعني الوساطةَ médiation. عندئذٍ تصبح ترجمةُ الآية هكذا: "في البدء كانت الوساطة [الشفاعة]". وإنَّ ترجمة "لوغوس" بكلمة "ﭭيربوم" Verbum تشير إلى أن هناك شيئًا ما قد ضاع. [58] كتاب: لوامع البينات في شرح أسماء الله والصفات، فخر الدين الرازي، ص 24. [59] سورة المؤمنون، الآية 14) [60] الصافَّات، 125. [61] مزمور 2، 7. [62] يوحنا 1، 1. [63] پاولو دالوليو Paolo Dall'Oglio: راهب يسوعي مؤسس جماعة رهبانية ورئيس دير مار موسى الحبشي (شرق مدينة النبك بريف دمشق). صدرَ له مؤخرًا كتاب Amoureux de l'islam, croyant en Jésus [محب للإسلام، مؤْمن بيسوع]، منشورات Ivry-sur-Seine (Val-de-Marne)، 2009. [64] أبو يعرب المرزوقي: هو الدكتور محمد الحبيب (أبو يعرب) المرزوقي، مفكِّر تونسي وُلِدَ في بنزرت (تونس) عام 1947. له توجُّه فلسفي إسلامي. وهو أستاذ الفلسفة في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. [65] محمد عابد الجابري (وُلِدَ عام 1936 – توفي بتاريخ 3 أيار/مايو 2010): مفكر مغربي، من مؤلفاته: سلسلة نقد العقل العربي. [66] تفسير ابن كثير، ج 8، ص 530. [67] جلال الدين السُّيوطي (849 - 911 هـ، 1445 – 1505 م): هو عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين. والسيوطي نسبة إلى أسيوط مدينة في صعيد مصر. عالم موسوعي في الحديث والتفسير واللغة والتاريخ والأدب والفقه وغيرها من العلوم. وُلد في القاهرة ونشأ فيها. رحل إلى الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب ثم عاد إلى مصر فاستقر بها. تولى مناصب عدة. ولما بلغ الأربعين، اعتزل في منزله، وعكف على التصنيف. ذُكر له من المؤلفات نحو 600 مؤلف. منها المجلدات الكبيرة ومنها الرسالة القصيرة ذات الورقة أو الوريقات. من أشهر كتبه: الجامع الكبير؛ الجامع الصغير في أحاديث النذير البشير؛ الإتقان في علوم القرآن؛ الدر المنثور في التفسير بالمأثور؛ تنوير الحوالك في شرح موطأ الإمام مالك؛ الخصائص والمعجزات النبوية؛ طبقات الحُـفَّاظ؛ طبقات المفسرين؛ الأشباه والنظائر وهما كتابان باسم واحد أحدهما في اللغة، والثاني في فروع الشافعية؛ بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة؛ الفريدة، وهي ألفية في النحو، وله ألفية أخرى في مصطلح الحديث؛ اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة؛ همع الهوامع. توفي بالقاهرة. (الموسوعة العربية العالمية Global Arabic Encyclopedia: www.mawsoah.net). [68] راجعْ: تفسير الطبري وتفسير ابن كثير. [69] كان اليهود ينطقون الفعلَ العربيَّ "راعِنا" [بمعنى: انظرْنا، التفتْ إلينا، ترَأَّفْ بنا] بإمالة الألف المتطرِّفة لتصبحَ واوًا (راعينو רענו) وتعني في العِبْرية "سيِّئنا" (من رَعْ רע بمعنى "سيِّء"). أيْ كانوا يُلْوُون بألسنتهم ويميلونها [يَلْحَنون] بنطقِ فعْلِ الطلب "راعِنا" لكي يصبحَ بلغتهم شتيمةً وطعنًا. فقد لفظوا كلامًا وأرادوا به معنىً آخر. [70] النساء، 46. [71] المائدة، 13. [72] المائدة، 41. [73] البقرة، 75. [74] الفتح، 15. [75] إرْمِيا، 23، 63. [76] من كتاب: هل يشهد الكتاب المقدس على نفسه بالتحريف؟ القمُّص عبد المسيح بسيط أبو الخير، ما هو التحريف الذي أشار إليه إرميا النبي؟ الموقع الرسمي لكنيسة الأنبا تكلاهيمانوت القبطية الأرثوذكسية، الإسكندرية، مصر http://st-takla.org/. [77] الجاثية، 23. [78] الفرقان، 43. [79] سُنَن أبي داوود، ج 13، ص 175. ومسند أحمد. [80] سُنَن الترمذي، ج 8، ص 398، المكتبة الشاملة، موقع: الإسلام. [81] لسان العرب، مادة: قول. [82] النحل، 59. [83] المائدة، 66. [84] الأنعام، 31. [85] سورة القيامة، الآيات 16، 17، 18، 19. [86] رواه أحمد وأبو داود والترمذي. [87] المائدة، 38. [88] أغنية الطائر، أنتوني دو مِلُّو، ترجمة أديب خوري، دار مكتبة إيزيس، عام 2000. [89] أغنية الطائر، المرجع المذكور. [90] سورة العنكبوت، الآية 20. [91] مريم، 48. [92] كتاب سقوط الحضارة، كولِن ويلسُن Colin Henry Wilson، ص 150، ترجمة أنيس زكي حسن. دار الآداب، بيروت، طبعة 3، 1982. [93] إشارةً إلى حديث رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء." (صحيح الجامع الصغير، رقم 1576) [94] الحالُّ المرتحل هو الذي لا يستقر على حال، ينتقل من درجة وعيٍ إلى درجة وعيٍ أعلى، فكلما حلَّ على معنى ارتحلَ إلى معنىً أعلى وأوسع. وهذا التعبير جاء في الحديث الذي رواه عبد الله بن عباس: قال رَجُلٌ: "يا رسول الله! أيُّ العملِ أحَبُّ إلى الله ؟" قال: "الحَالُّ المرتحِل". قال: "وما الحَالُّ المرتحِل ؟" قال: "الذى يضربُ من أول القرآن إلى آخره، كلَّما حلَّ ارتحلَ." (الألباني، السلسلة الضعيفة، رقم 1834، ضعيف الترمذي، رقم 2948). [95] إشارةً إلى ما ورد في الأثر عن ابن مسعود: ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله. [96] المُدْلِج هو السائر في الليل أو السائر الليلَ كلَّه. من الفعل: أدلجَ. أي هو الذي يسير في عالَم المادة: "قلْ سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأَ الخَلْقَ" (العنكبوت، 20). إشارةً إلى حديث النبي عن أبي هريرة: "من خاف أدلجَ. ومن أدلجَ بلغَ المنزلَ." (أخرجه الترمذيُّ في "سُنَنِه" كتاب صفة القيامة، باب رقم 18 (4633/4) حديث رقم (2450)، وقال: "غريب"، والحاكم في "المستدرَك" (1/343) حديث رقم 7851، وصحح إسناده، وقال الذهبي: "صحيح"، وأبو نعيم في "صفة الجنة (70/1) حديث رقم 47، والبيهقي في "الشعب" (2/266) حديث رقم 855، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (370/14) حديث رقم 4173. [97] كتاب سقوط الحضارة، المرجع المذكور. [98] العلق، 1. [99] "قل: إنما أنا بشرٌ مثلكم" (الكهف، 110). [100] "يوحَى إليَّ" (الكهف، 110). [101] سورة العلق، الآية 1.
|
|
|