قصيدتان
زياد سالم
مشكاة الأمل
يعشعش التوق بمشكاةٍ ومصباحين
أعلى سماوات الروح
يتدثر بُرقُع
للسطو بسجودٍ على النحور
يستجدي الموت المتمرد على كل عُرف
كي يتسرمد بالأبد
بعناق الروح للروح.
وهذا اللهب الرابض خلف الضلع السابع
يكوي نضوج الخمر
ولا شارب ولا مشروب.
تتبختر أنت بكبرياء النخل وأنا بألف قيد وقيد
أرنو صوب قِبلةٍ تمكَّنت من حاجبيك والخد
يخذلني ثِقل التراب
والعرف السائد يتبجَّح بأكاذيب صادقه
سيوفه ممشوقة،
"فراماناته" مرموقة
أتباعه جندٌ مجنَّدة
يجلدونه في عتمة الذات
يراقصون ظلالهم على بديع – نغم – الملل حين يباغتهم كشف الظنون.
ساُطعم الذئاب هذا المكر اليوم لأُبقي على صفاء موج البحر المتوثب لعناق حبات الرمل
على الشاطىء.
أما بعد:
لقد طفح كيل الجمال واستبدَّ الذعر
وهذا التوت النائم تحت شجر العلقم فات أوانه
ذوى من تراكم النضوج...
والنمل المتسكِّع يتربص ما بقي منه من ألق.
كنت أمرُّ عليه من قبل وهو يتسيَّد الغصن
كان يلملم الجنون في أوتاري
يشحذ همم الشطط في روحي
يغويني بالتفاح المؤجل ليوم تسود فيه الفوضى وتفرُّ الأعراف لبرهة
تكفي لعناق النخيل للنخيل
والخليل للخليل.
يتحدى هذا الطرْف الساجد شجاعة كل شجاع
يسطو بصوت "كميل" على مواكب غفلتي
أغنيةً تقول: "لا إله سوى الذي رسم الأهداب ماء على جبين الكبرياء..."
يتحايل التوق على جغرافية المسافات بتقمُّصٍ هزيل لهذا الحلم
صورة تصحو على غفلتها في سطوع مرايا الصحو.
يا هذا!!!
كيف تتسلق علوَّ النخل وأنت عاري الصدر؟
كيف توزِّع جمر الانتظار على جيران هجروا عُرف الأعياد؟
وبديعَ دلال يرصد خلف كل ضلع بجمر...!؟
لقد بايعت الشوق هذا على كثير إخلاص
وأنكرتُ عليه قليل الوصل
لن يجدي كُثر التبتُّل أمام عَقوق
ولا طول صوم بأفطارٍ على سراب.
إياك أن تتعرى لانفلات فوضى الروح في ساحة هذا الموج!
فرقَّة الزجاج لا تحتمل سياط عناقٍ الصخر لرذاذ...!
ورقصة الموت الموعودة تحتفل خلف جدران الوهم بقرب قاب
تتحيَّن سيادة الظلام "لمولويّهٍ" حين طواف بمدار
حين خسوف أو حين كسوف.
كلما حرَّك رِق النسمة وترًا لهذا القلب
هرب الماء من الطين على جناح الحصى الرابض في قاع القاع
والملح المعتكف في مقام البحر-الصبر
يضجُّ بانتظارات الموت الموعود على غير هُدى...
يا حسرةً على شفيف هذا الزجاج...!
كلما باغته غيب جمال رقَّ دومًا لسطو الجلال؟
***
يوم لا حب فيه إلا حبك
نم قرير العين
نم
لك ما شئت وأكثر.
يكفيك لون الروح وطعم السماء،
وأنا الذهول والتناوب بين ثلجٍ ولهب.
لا عليك، هذه ليست وحيدتي،
تاريخ عذابي الذي ارتوى منذ الانشطار الأول، سيبقى حتى –
"وإذا الموؤدةُ سُئلت..."
لن تكون آخيرتي... ولا التي سبقت.
انعَم بجمالك، انعَم!
لي ويل العشق
لك مفازات الربيع الآتي حد السكرة الأولى وبعد...!
لقد إستأنستُ القطيعة وركعتُ لها وسجدتْ!
لن أعود لألعق زبد ذاك البحر المر قبل أول حشرٍ بيني وبينك!
ولي مع أسراب فراشاتي مودة وعشق،
لن أبادلها بوهم.
وهذا عرشُ جمالك عليه استويتَ بفضلٍ سَبَق سطو البوح بألف مريخ.
لك عرش البهاء ولي سِجَّاد التعبُّد!
أتوضأ قبل لقاءك بلهب أنت أشعلت بيديك
عليه توهَّجتْ روحي ومنه شرِبَتْ
قبل العروج الأول لمقام لا يعلمه سواك!
فاحتجاب ربيع مفازاتك عن ناصيتي لن يضاعف في مكري
ولن يزيدني إخلاصًا
لكني...
لن أقنط من رَحبِ سُمِّ خِياط الفرحة حتى ألِجُ منه إليك!!
ولن أُسقط لك صلاة (نفل – عشق) واحدة من حساباتي.
لك سعة الوجود والوهم وسلطان الشفاعة،
لي المقام ما بين التقاء حاجبيك–نقطة (- . -)
الآن لك وما انقضى، وما سيحفل به الغد،
لي التربُّع على قرطاس وقلم...
جنونان:
واحدٌ لشنق مسافات الغياب وآخر لسطوة الحضور
إياك،
إياك أن تُزحزح من ترتيب جمالك سراجًا أو نجمة
تُذهلني كما أنت!
كُن كما أنت!
ولو قتلْتني في المحراب ألف شهيد عِشقْ،
لن أتوب منك
حتى أسمع جُبنك عواء الذئاب
لا بأس في مقتلي عدد النجوم ورموش عينيك،
أنت رب السهم وحامل لواء الغِواية!
أنا الذبيح والفادي
أرجوك...
أرجوك، ليس قبل السجود الأول على عتبات العنَّاب – تفاحتين وخدْ
انعَم بجلالك، انعَم
أفديك بكأس الوجود، أتاني غفلة – وشربته
ثوبًا لا أدري كيف لبسته!
ولن أُعقِّب
وهذا ضناك يذبحني من القصيد إلى القصيد،
يُعدم النور حول مشكاتي
يلحَس بلهيبه الشوق على الجناح
لكني
لا... لن أتوب
قبل التماهي الأول والذهول بمطلق الغيبة – سكرتان وارتواء!
ولا قبل حرق ما "بين البين" لأعبُرَ النهر بشهقة وفنائين:
واحدُ بمقام الهيبة وآخرُ بمقام الدلال.
وأفرُّ إليك
لألجأ منك فيك
أُراقص في المحراب فراشات التمني والسراج
وعدتُّك:
لأُحرقنَّ الخيام وأُغري كل فج بحاد ودليل
لن أرهن جناحيَّ لتقاعس ريح!
وهذا الحبل بمرساتي
يستجير أسنان النخل على الشاطىء
هي متواطئة كما تعلم!
تتلألأ، أنت،
في مقام أفول وشروق – (هلالين وبدر)
لك الهيبة،
لي مقام التأمل لإرتقاء عرشك براح وسوار
إن ذهبْتَ بعتيق الخمر،
حسبي التجلِّي الأقصى في مرايا الوله.
سيأتيك رسولي بزي غيمة
يحمل قداسًا على كتفه
يُريقه على عتابتك
يفتديك بمسفوح الدم
(وترضى).
لكنك لن تراني!
قبل أن أساررك القصيد الذي خبأت ليومٍ:
(لا حب فيه إلا حبك)
***
*** ***