اكتشاف التغير المناخي السريع٭

 

سبنسر ويرت٭٭

 

في العقد الماضي فحسب، تحمَّس الباحثون لإمكانية التبدلات المفاجئة في مناخ الأرض. ففي بعض الأحيان، قد يستغرق الأمر مدَّة من الزمن كي يستوثق المرء مما لم يكن مستعدًا للبحث فيه.

ما هي السرعة التي يمكن لمناخ كوكبنا أن يتغير بها؟ ببطء شديد حتى أن البشر لا يلاحظونه، هذا فحوى الاعتقاد الراسخ لدى غالبية العلماء طوال القسم الأكبر من القرن العشرين. فأيُّ تبدل في نماذج الطقس، حتى موجات القحط في منطقة العواصف الغبارية التي دمَّرت في الثلاثينات السهول الواسعة، كان ينظر إليه كانحراف محلِّي مؤقت. بلا ريب، إن مناخ العالم بأكمله يمكن أن يتغير جذريًا، وقد أثبتت العصور الجليدية ذلك. لكن الحس المشترك يعتقد بأن مثل هذه التحولات يمكن فقط أن تتدرج على مدى عشرات الآلاف من السنين.

في الخمسينات، اكتشف بضعة علماء دليلاً على أن بعض التبدلات المناخية الكبرى في الماضي قد استغرقت عدَّة آلاف من السنين فقط. وفي الستينات والسبعينات، أظهرت اتجاهات أخرى في البحث أن المناخ العالمي يمكن أن يتبدل جذريًا في غضون عدة مئات من السنين. وفي الثمانينات والتسعينات، أنقصت دراساتٌ إضافية المقياسَ إلى مدَّة قرن واحد. واليوم، ثمة دليل على أن تغيرًا حادًا يمكن أن يستغرق أقلَّ من عقد من السنين. وقد دعت لجنة الأكاديمية الوطنية للعلوم NAS هذا التوجه الجديد في تفكير العلماء «نُقلة أنموذجية paradigm shift» حقيقية. فهذا الأنموذج الجديد للتغير المناخي العالمي المفاجئ، الذي أعلنته اللجنة في العام 2002،

رسَّخه البحث العلمي على مدار العقد الأخير، مع أنَّ هذا التفكير الجديد قليل الانتشار ونادرًا ما يقدَّر حق قدره في المجتمع الأوسع لعلماء الاجتماع والطبيعة وصنَّاع السياسة[1].

وأبكر من ذلك في القرن العشرين، وجد بعض المختصين أمام أعينهم دليلاً على التغير المناخي المفاجئ. لكن الدليل كان بلا معنى لديهم. فلكي يعتبر العلماء تغيرًا يحدث في غضون عشرة أعوام ذا أهمية، كان عليهم أولاً أن يقبلوا إمكانية حدوث التغير خلال 100 عام. وهذا بدوره، كان عليه أن ينتظر حتى يقبلوا مقياسًا زمنيًا من 1000 عام. يقدم لنا تاريخ هذا التطور مثالاً جيدًا على النمط التدريجي الذي يتتابع فيه العلم بشكل عام، على خلاف الأساطير الطنانة الشائعة حول الاكتشافات التي تنبثق في لحظة. ويوحي التاريخ أيضًا، كما عبرت لجنة NAS عن قلقها، بالسبب الذي ما يزال يجعل معظم الناس يفشلون في إدراك مدى السوء الذي قد ينحرف إليه المناخ العالمي.

هل كان تغير المناخ في ألف عام ممكنًا؟

خلال العقود المبكرة من القرن العشرين، تفكَّرت قلَّة من علماء الأرصاد الجوية حول ممكنات التغير السريع. والسيناريو الأكثر إثارة قدَّمه في العام 1925 خبير المناخ المحترم س.ي.ب. بروكس C.E.P. Brooks، الذي اقترح بأن تغيرًا طفيفًا في الشروط قد يُحدث تبدلاً ذاتي–التعزيز self-sustaining بين حالات المناخ. لنفترض، كما قال، أن نقصًا عشوائيًا في الغطاء الثلجي في مناطق العروض العليا الشمالية كشف سطح الأرض الداكن. عندها، سوف يمتص سطح الأرض المزيد من ضوء الشمس، وهذا سوف يسخِّن الهواء، وبالتالي سوف يذيب المزيد من الثلج – وفق حلقة تلقيم راجع مفرغة. إنَّ ارتفاعًا مفاجئًا وكارثيًا من عشر درجات حرارة يمكن تصوره، كما كتب بروكس، «في سياق فصل واحد»[2]. إذا عكسنا الحلقة، فإن عصرًا جليديًا قد يحلُّ فجأة.

لقد رفضت غالبية علماء المناخ الآخرين هذه الفكرة باعتبارها من المحال. فالمَجْلدات glaciers القارية لعصر جليدي، بثخانة كيلومتر واحد، ستتطلب بالتأكيد مددًا زمنية هائلة كي تتكوَّن أو تذوب. كان يقبع وراء تلك المحاكمة الأولية نبذٌ أعمق لجميع ما يماثل هذه التخمينات. كانت حرفة علماء المناخ تصنيف إحصاءات عن طقس الماضي لكي ينصحوا المزارع بالمحاصيل التي سوف تنمو، ويخبروا المهندس عن نوع الفيضانات التي من المرجح أن تنهي عمر جسر ما. لذلك، فقد استندت سيرة عالم المناخ على اقتناع راسخ بأن خبرة الماضي القريب تصف على نحو موثوق الشروط المستقبلية. كان ذلك الاعتقاد مستندًا إلى قلة البيانات، إذ لا تكاد أية سجلات دقيقة لدرجات الحرارة اليومية وما إلى ذلك، ترجع إلى أكثر من نصف قرن أو نحوه. ونادرًا ما أقلقت هذه المحدودية علماء المناخ، الذين افترضوا أن التغيرات ذات الدلالة تحدث وحسب على مدى آلاف السنين. وفي كتبهم التعليمية، كان المناخ يعرَّف باعتباره المتوسط بعيد الأمد للطقس عبر الزمن، ويبقى ثابتًا طوال قرون.

اعتنق الخبراء اعتقادًا تقليديًا بأن العالم الطبيعي ذاتي–الانتظام self-regulating: فإذا بدأ شيء ما في تشويش منظومة كوكبية كبيرة كالغلاف الجوي، فإن القوى الطبيعية سوف تتوازن أوتوماتيكيًا. وقد عرض العلماء آليات انتظام ذاتي متنوعة ومعقولة. على سبيل المثال، إذا ارتفعت درجات الحرارة فإن المزيد من المياه سوف يتبخر من البحار، وبالتالي سوف تزداد ثخانة الغيوم وتعكس المزيد من أشعة الشمس، وهذا سوف يعيد درجات الحرارة الطبيعية. وقد عكس إدراكُ الانتظام الذاتي نظرةً إلى العالم اعتقدت بها بعمق أغلبُ الثقافات الإنسانية وفحواها أن الاستقرار مضمون، إن لم يكن بواسطة العناية الإلهية، فبالقوة الفائقة للبشر الناجمة عن توازن الطبيعة «الخيِّر».

لم يُعكِّر صفو هذه الاعتقادات العددُ القليل من سجلات المناخ طويلة الأمد المتاحة آنذاك. وأفضل تلك البيانات كان قد جمعها في العشرينات أندرو إيليكوت دوغلاس Andrew Ellicott Douglass، عالمُ الفلك من أريزونا، الذي لاحظ أن حلقات النمو في الأشجار كانت أرقَّ في السنوات الجافة. وبتحليل السجلات القديمة، أعلن دوغلاس عن اضطراب مناخي رئيسي مدته قرن حصل حوالي القرن السابع عشر. لكن أغلب العلماء الآخرين شككوا في أن حلقات النمو في الأشجار (هذا إذا عكست حالة المناخ على أية حال) تقدم معلومات تتعدى تقلبات إقليمية عشوائية.

كانت العلامات على التبدلات المناخية مرئية أيضًا في الفارفاس varves، وهي كلمة سويدية تعبر عن بقايا النباتات المرقَّدة التي كانت تحفظ كلَّ عام في الوحل في أسفل البحيرات الشمالية. فمن المستنقعات والبروزات التي كانت تكشف عن قيعان البحيرات المستحاثية، أو من ألباب الطين الأملس التي تستخرج من البحيرات الباقية، كانت المرقَّدات تحصى وتقاس، وقد كشف غبار الطلع القديم عن النباتات التي عاشت في المنطقة عندما كانت تحفظ المرقدات. وأوحت تغيرات ذات شأن في الحياة النباتية بأن العصر الجليدي الأخير لم ينتهِ باحترار warming ثابت متجانس، بل بتأرجحات متميزة في درجة الحرارة. وأظهرت البيانات الاسكندنافية على نحو خاص تبدلاً مثيرًا منذ حوالي 12000 عامًا مضت، عندما أفسحت فترة دافئة الطريق لنوبة من الطقس البارد القارس، سميت ينغردرياس (درياس الأحدث) Younger Dryas، على اسم زهرة قطبية خشنة من فصيلة الحوريات ثمانية البتلات، يشير غبارها الطلعي إلى وجود التندرا٭ tundra القارسة. وفي العام 1955، تحسن تحديد الوقت بواسطة دراسة التأريخ بالكربون المشع، التي أظهرت أن تغير درجة الحرارة كان سريعًا، علمًا أن «سريع» كانت تعني عند علماء المناخ في أواسط القرن تغيرًا يحدث خلال ما يقارب ألف عام.

بدت تغيرات العصر الجليدي خلال ألف عام أو نحوه، في إقليم محدود، مقبولةً على الرغم من كونها مدهشة. ومعدَّل التقدم أو الانحسار للمجلدات الضخمة لن يكون أسرع مما يبدو على المجلدات الجبلية في وقتنا الراهن. كانت هذه الملاحظة متوافقة مع ما يدعى مبدأ التجانس، وهو عقيدة جيولوجية فحواها أن القوى التي شكلت الجليد والصخور والبحار والهواء لا تتغير مع الزمن. وخلال معظم القرن العشرين، كان مبدأ التجانس محبَّبًا لدى الجيولوجيين باعتباره الأساس الحقيقي لعلمهم: كيف يمكن للمرء أن يبحث علميًا في أي شيء ما لم تبق القوانين ذاتها؟ وأصبحت الفكرة محورية في تدريباتهم ونظرياتهم طوال قرن من المجادلات، عندما تخلى العلماء بأسى عن التقاليد التي كانت تفسر سمات جيولوجية محددة باستحضار فيضان نوح أو مداخلات أخرى فائقة للطبيعة. في التجربة البشرية، لا ترتفع درجات الحرارة أو تنخفض بوضوح جذريًا في أقل من ألفيات millennia، لذلك فقد نصَّ مبدأ التجانس على أن مثل هذه التغيرات لم تحدث أبدًا في الماضي. ووجد العلماء أنفسهم يلحون على هذا المبدأ عندما كانوا يُجابَهون، مرَّة بعد مرَّة، من قبل المهووسين والمتعصبين دينيًا الذين أفشوا بين الجمهور أفكارًا حول نبؤات الكوارث العالمية.

ثمة، في الحقيقة، ما يشبه القفزات المناخية الكارثية يمكن مشاهدته بوضوح في الفارفاس. لكن المرقدات الطينية كان من الممكن أن تتشوه بطرق لا تحصى ولا علاقة لها بالمناخ: ربما بسبب حريق في الغابة، أو تحوُّل في تصريف مجرى مائي. لذلك لم يعتبر العلماء هذه القفزات بيانات مناخية ينبغي إخضاعها للتحليل، بل مجرد تشوش محلي. كما لم يقلقوا من حقيقة أن التواريخ التي قدمها الكربون المشع القديم كانت دقيقة فقط خلال مدة ألف سنة أو نحوها، بحيث أن التعاقب الزمني للمواقع المختلفة لم يُمكن مضارعتها جيدًا بحيث تشير إلى أي تغير سريع وواسع النطاق. في العام 1956، وبدراسته للتقلبات في أغلفة البلانكتون٭ plankton المطمورة في الألباب الطينية التي انتزعت من قاع البحر العميق، اكتشف خبير الكربون المشع هانز سويس Hans Suess ما اعتبر في ذلك الوقت التغيرَ الأسرع الذي يمكن توقعه. أعلن سويس أن الفترة الجليدية الأخيرة انتهت بارتفاع سريع نسبيًا في درجة الحرارة، بمعدل 1 درجة مئوية لكل ألف عام[3]. وبالكاد أزعجه وزملاءَه أن لا يروا تغيرًا أسرع من ذلك في معظم الألباب. ففي مواضع كثيرة، كان الوحل يتعرض للخلخلة بواسطة الديدان المنقِّبة أو التيارات البحرية السطحية، وهذا محا أية اختلافات بين الطبقات. لكنْ فيما بعد، أصبحت منحنيات البيانات أكثر حدَّة بعد أن سحبت ألباب من مناطق ذات ترسيب سريع وبعد أن تحسنت عملية التأريخ بالكربون المشع. وفي العام 1960، فريق من ثلاثة علماء فيما يدعى الآن مرصد لامونت–دوهيرتي، وهم والاس برويكر، موريس يونغ، وبروس هيزن، أعلنوا في تقرير لهم عن مجموعة متنوعة من الأدلة، من عمق البحر ومن رواسب البحيرات، تشير إلى أن تبدلاً مناخيًا كوكبيًا من قبيل 10 - 5 درجات مئوية قد حدث في أقلِّ من ألف عام[4]. لكن أغلب زملائهم وجدوا بالكاد هذا الارتفاع قابلاً للتصديق.

فهم التغير السريع

يمكن قبول الدليل على تبدل المناخ فقط في حال فهمه، أي، إذا ما وجدت نظرية جديرة بالتصديق حول منظومة المناخ يمكنها أن تفسر هذا التبدل. توقع برويكر أن السبب قد يكون انقلابًا سريعًا في مياه المحيط الأطلسي الشمالي، لكن هذا كان مجرَّد تخمين مقلقل. لكن الأبعد تأثيرًا، كان البحث الذي قدمه في العام 1956 إيونغ Ewing وويليام دون William Donn، إذ صمَّما نموذجًا شهيرًا لحلول وانحسار العصور الجليدية[5]. فكما فعل بروكس وآخرون من قبلهما، بدأ إيونغ ودون بالفكرة التي تقول إن تراجع الثلج والجليد العاكسين للضوء سوف يؤدي إلى احترار أكبر بواسطة أشعة الشمس. كانت فكرتهم الجديدة تقول بأن التيارات المحيطية كانت تقدح زناد حلقة التلقيم الراجع. فمع ذوبان الأغطية الجليدية وارتفاع مستوى البحر، سوف تندفع المياه الدافئة إلى المحيط القطبي الشمالي وتذيب غطاءه الجليدي، وبالتالي تسرِّع الاحترار. ولكن، ما إن يصبح المحيط القطبي الشمالي خاليًا من الجليد، كما يحاججا، حتى يتبخر المزيد من الرطوبة بحيث أن الثلج سوف يهطل بكثافة في كامل أرجاء القارة القطبية الشمالية، مُبدلاً اتجاه التلقيم الراجع نحو البرودة. اعتقد دون وإيونغ أنه يمكن تصور أن يصبح المحيط القطبي خاليًا من الجليد فندخل في عصر جليدي جديد خلال عدَّة مئات السنين القادمة.

نبه الصحفيون الجمهور إلى خطر الاندفاع الجليدي في المستقبل المنظور. وكان الناس جاهزون للاعتقاد بذلك، لأنهم بدؤوا للتوّ في هجر أفكارهم القديمة حول توازن الطبيعة الذي لا يتزحزح. وجعلتهم الاندفاعات المتهورة في عدد السكان والصناعة يتحسسون التلوث الواسع النطاق المتزايد. والأكثر إنذارًا بالسوء، كان السِّقْط الإشعاعي الكوكبي global radioactive fallout الناجم عن اختبارات الأسلحة النووية، إلى جانب تحذيرات العلماء بأن الحرب النووية قد تتلف الكوكب بأكمله. ولم يعد متعذرًا تصور أن اضطرابًا ما – حتى ذلك الذي ينجم عن النشاط الصناعي البشري لوحده – قد يغيِّر الكوكب بأكمله.

في الواقع، كانت نظرية دون وإيونغ خاطئة، كما أشار إلى ذلك فورًا بعض العلماء. مع ذلك، فقد أدَّت وظيفة مفيدة. فللمرة الأولى، أصبح هناك تأييد علمي جدير بالاحترام لصورة التغير المناخي السريع، بل وحتى الكارثي. لكن علماء آخرين، وبالرغم من رفضهم للنظرية، فقد حفزتهم على توسيع تفكيرهم وعلى التفتيش عن بيانات من أجل أنواع جديدة من المعلومات.

وجاء حافز إضافي من دراسات مختلفة كليًا. ففي أواخر الخمسينات، أجرى فريق بقيادة ديف فولتز Dave Fultz في جامعة شيكاغو تجارب مخبرية على أطباق مقعرة استخدموا فيها مائعًا دوارًا كي يحاكوا دوران الغلاف الجوي. وقد صنعوا نموذجًا محاكيًا تحدث فيه نسخة مصغرة عن جريان دافق وعواصف حلزونية. ولكن، عندما شوَّشوا السائل الدوَّار بواسطة قلم، وجدوا أن نمط الدوران يمكن أن يتأرجح بين أشكال متمايزة. فإذا كان دوران الغلاف الجوي الفعلي كذلك، فإن نماذج الطقس في أقاليم كثيرة سوف تتبدل فوريًا على الأغلب. في أوائل الستينيات، حصل ميخائيل بوديكو Mikhail Budyko، عالم المناخ في لينيغراد، على نتائج مقلقة إنما على مقياس أكبر وذلك من بعض المعادلات البسيطة لمخزون الأرض من الطاقة. وضَّحت حساباته أن التلقيمات الراجعة المشتملة على الغطاء الثلجي يمكن بالفعل أن تجلب معها تغيرًا في المناخ غير عادي خلال وقت قصير. وأبرزت نماذجُ جيوفيزيائية أخرى المزيدَ من إمكانيات التغير السريع.

والفكرة الأكثر تأثيرًا حول السبب الذي قد يؤدي إلى التغير السريع طُوِّرت انطلاقًا من تخمينات قديمة حول دورة المحيط الأطلسي الشمالي. ففي العام 1966، وبإلقائه نظرة مدققة على ألباب بحرية عميقة، قدم برويكر Proecker دليلاً على «تحول مفاجئ بين نمطين مستقرين في كيفية عمل منظومة المحيط – الغلاف الجوي»[6]. في الوقت الحاضر، تنساب المياه المدارية الدافئة باتجاه الشمال قريبًا من سطح الأطلسي؛ كما تغوص كميات هائلة، مثقلة بالبرودة والملح، قرب إيسلندا وتعود في الأعماق نحو الجنوب. إن تغيرًا في درجة الحرارة أو الملوحة قد يعطل هذه الدورة، ويوقف نقل كميات هائلة من الحرارة نحو الشمال، ويسبب تغيرًا مناخيًا قاسيًا. وقد أظهرت نماذج عددية مبسطة مشتملة على نقل المياه العذبة بواسطة نمط متقلب من الرياح أن مثل هذا التغير قد يكون ذاتي–التعزيز.

في جامعة ويسكونسن – ماديسون، تفحَّص ريد برايسون Reid Bryson أنماطًا مختلفة تمامًا من البيانات. ففي أواخر الخمسينيات، دُهش من التقلبية variability الواسعة للمناخات كما أشار إليها العرض المتغيِّر لحلقات النموّ في الأشجار. وكان على اطلاع أيضًا على تجارب الأطباق المقعرة التي أظهرت كيف أن نموذج الدوران قد يتغير فوريًا على الأغلب. وكي يحظى بنظرة بين–مناهجية interdisciplinary جديدة حول المناخ، أحضر برايسون مجموعة باحثين ضمَّت حتى عالمًا في الأنثروبولوجيا قام بدراسة الثقافات القديمة للأمريكيين الأصليين في الغرب الأوسط. واستنتجوا، من غبار الطلع والعظام المؤرخة بالكربون المشع، أن قحطًا استثنائيًا قد ضرب المنطقة في سنوات القرن الثالث عشر – وهي الفترة عينها التي آلت فيها إلى الزوال المدن المزدهرة للأقوام بناة الحصون. وبالمقارنة مع ذلك القحط، كان ما حدث في منطقة العواصف الغبارية في الثلاثينات معتدلاً ومؤقتًا. وبحلول أواسط الستينات، كان برايسون يعلن

أن التغيرات المناخية لا تحدث بواسطة تغير متدرج بطيء، بل بواسطة «قفزات» منفصلة واضحة من نظام دورة جوية إلى آخر[7].

ونشرت مجموعته أيضًا تقارير عن دراسات غبار الطلع مبينة تبدلاً سريعًا منذ 10500 عامًا مضت؛ وقصدوا بكلمة «سريع» تغيرًا في مزيج من أنواع الأشجار في أقلِّ من قرن. إذن، ربما لم تكن ينغر درياس مجرد شذوذ اسكندينافي محلي.

ومع ذلك، لم تكن ثمة حاجة لتغير مناخي كبير لتحويل أية غابة معينة. وقد واصل الكثير من الخبراء الاعتقاد بأنه من قبيل التخمين الصرف تصوُّرُ أن مناخ إقليم ما، فضلاً عن مناخ العالم بأكمله، يمكن أن يتغير في أقل من ألف عام أو نحوها. لكن إثبات التغيرات بذلك المعدَّل، على الأقل، كان يأتي من تشكيلة متنوعة من الدراسات. فكما شرح عالم المناخ المحترم ج. موراي ميتشل J.Murray Mitchel في 1972، وكبديل عن النظرة العتيقة حول «الدورة المتناغمة الإجمالية»، أظهرت الأدلة الجديدة «تعاقبًا غير منتظم وأكثر سرعة» يمكن للأرض أن تتأرجح في سياقه بين حالات جليدية أو بين–جليدية٭ interglacial ضمن مدة قصيرة على نحو مدهش من ألفيات السنين «وقد يقول البعض قرونًا»[8].

والدليل الأكثر إقناعًا، أتى من لبٍّ جليدي طويل سُحب في مخيم القرن Camp Century في غرينلاند، من قبل مجموعة ويلي دانسغارد Willi Dansgaard الدانماركية، بالتعاون مع أميركيين بقيادة تشيستر لانغوي Chester Langway. وقد قدمت نسب نظائر الأكسجين المختلفة في طبقات الجليد سجلاً أمينًا لدرجات الحرارة. وما دعته المجموعة تبدلات «مثيرة» قصيرة الأجل، كانت مختلطة مع الدورات المتدرجة المتوقعة ومتضمنة تأرجح ينغر درياس. وبدا أن بعض التبدلات قد استغرقت أقل من قرن أو قرنين.

في بواكير السبعينات، توصَّل أغلب خبراء المناخ للاتفاق على أن الفترات البين–جليدية قد جنحت للانتهاء على نحو مفاجئ أكثر مما افترض سابقًا. واستخلص الكثيرون بأن الفترة الدافئة الحالية يمكن أن تنتهي بتبرُّد سريع، ربما خلال عدة مئات السنين القادمة. وقد نقل برايسون وستيفن شنايدر Stephen Schneider وبضعة علماء آخرون، هذا الاعتبار الجديد إلى الجمهور. كما ألحوا على أن المناخ اللطيف والمتعادل الذي خبرناه في القرن الماضي أو نحوه، لم يكن النوع الوحيد من المناخ الذي شهده الكوكب. ويمكن لأي شخص أن يقول بأن العقد القادم ربما يبدأ اندفاعة نحو تجمد أو جفاف كارثيين أو تغير آخر غير معهود في الذاكرة الحديثة، مع أنه قد لا تكون له الأسبقية في السجل الجيولوجي والأركيولوجي.

لم يكن التبرُّدُ التغيرَ الوحيد الذي شرع العلماء بالقلق منه. فمنذ أواخر الخمسينات، اعترف علماء نابهون بالأهمية المحتملة للفكرة القديمة التي تقول بأن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون CO2 الناجمة عن النشاط البشري ربما تقود إلى احترار عالمي. (انظر مجلة physics today عدد كانون الثاني 1997، صفحة 34). وافترض أغلب الخبراء أنه إذا ما حدث الاحترار نتيجة مفعول الدفيئة (البيت الزجاجي) greenhouse effect، فسيكون كما يتوقعون بالنسبة لأي تغير مناخي – أي متدرجًا في سياق عدة قرون. لكن البعض اقترح إمكانيات أكثر حدَّة. ففي العام 1972، وبمتابعة حساباته لحلقات التلقيم الراجع للغطاء الجليدي، أعلن بوديكوف أنه في الحالة التي نضخ فيها غاز CO2 إلى الغلاف الجوي، فإن الجليد الذي يغطي المحيط القطبي الشمالي قد يذوب بالكامل بحلول العام 2050. وكان خبراء المَجْلدات يطورون نماذج أشارت إلى الكيفية التي قد يسبب فيها الاحترارُ تحطمَ أغلفة الجليد بحدَّة في المنطقة القطبية الجنوبية وبالتالي خلخلة منظومة المناخ. عمل برايسون وآخرون أكثر من أي وقت مضى على نشر قلقهم من أجل لفت انتباه المجتمع العلمي الأوسع والجمهور.

لكن أغلب العلماء تحدثوا باحتراس أكبر. فعندما كان على خبراء بارزين أن يبنوا إجماعًا في الرأي، كما في تقرير ناس Nas حول بحوث المناخ في العام 1975، فقد قرروا أنهم لم يروا شيئًا سوف يسبب أكثر من تغيرات صغيرة نسبيًا سوف تستغرق قرونًا أو أكثر كي تتنامى. وقد حذروا بأنه يمكن أن يكون ثمة تشوش ذي مغزى، وهي اللاانتظامات المعتادة في نماذج الطقس. وسلَّموا بأنهم ربما فشلوا في إدراك بعض آليات التغير. وإذا كان ثمة تهديد، فإن الخبراء في عقد السبعينات لم يستطيعوا الاتفاق إن كان مصدره من الاحترار أو التبرد العالمي. والأمر الوحيد الذي اتفق عليه جميع العلماء هو أنهم كانوا على جهل خطير بالكيفية التي تعمل بها منظومة المناخ. ولذلك فإن الخطوة الوحيدة التي نصحوا بها صناع السياسة كانت في أن يواصلوا البحث بكفاح أكبر.

قفزات في قرون – أو أقل

في أواخر السبعينات وبواكير الثمانينات، كشفت مجموعة منوعة من البيانات الجديدة تبدلات مناخية مذهلة. وكمثال عن ذلك، أظهرت دراسة عن الخنفساء التي حفظت في مستنقعات من الخُث منذ نهاية الحقبة الجليدية الأخيرة، تغيراتٍ في خليط من الأصناف، وقد أشارت هذه التغيرات إلى تبدلات في المناخ بحدود 3ْ درجات مئوية في أقل من 1000 عام. في غضون ذلك، أجرى منمذجو الحاسوب حسابات معقولة عن تبدلات مناخية سريعة متضمنة تلقيمات راجعة للغطاء الثلجي أو توقفًا لدورة مياه المحيط الأطلسي الشمالي، أو انهيارًا للغلاف الجليدي[9]. وفي الثمانينات، تنامت قائمة الآليات mechanisms الجديرة بالتصديق. فقد يسبب ارتفاع في درجة حرارة الكوكب فوران الميثان من مساحات التندرا المستنقعية الواسعة. ولأن الميثان غاز دفيئة يحبس الإشعاع الحراري حتى بدرجة أكبر تأثيرًا من غاز CO2، فإن انطلاقه سوف يسبب احترارًا أكبر في حلقة تلقيم راجع ضارَّة. ثم ماذا عن Clathrates – وهي جليديات غريبة تحبس كميات هائلة من الميثان في التربة العضوية لقيعان البحار؟ فقد تتفكك هذه الجليديات وتطلق غازات دفيئة.

واصل كثير من العلماء النظر إلى مثل هذه التخمينات على أنها أكثر قليلاً من خيال علمي. والدليل على التبدلات السريعة، كما ظهرت أحيانًا في مصادر البيانات العَرَضية من قبيل خنافس المستنقعات، لم يكن مقنعًا بالكامل أبدًا. فأي سجل وحيد قد يكون عرضة لكل أنواع الأخطاء الطارئة. وخير مثال على هذه المشكلة كان في البيانات المفضلة عن التبدلات المناخية، أي التذبذبات الشاذة في القياسات التي أخذت من عينة لبيَّة في مخيم القرن. فقد أتت تلك البيانات من منطقة قريبة من أسفل الحفرة. حاجج المشككون بأن طبقات الجليد هناك، التي انضغطت حتى رقَّت، قد طويت وتشوهت بفعل جريانها فوق الأساس الصخري.

وللحصول على بيانات موثوقة أكثر، ذهب ثاقبوا الجليد إلى موقع ثانٍ، يبعد حوالي 1400 كيلو متر عن مخيم القرن. وبحلول العام 1981، بعد عقد من العمل العنيد، وصلوا إلى الأساس الصخري واستخرجوا اسطوانات براقة من الجليد بقطر 15 سم وعمق (طول) أكثر من 2 كلم، وكان الجليد الأعمق الذي حصلوا عليها يعود إلى العصر الجليدي الأخير، منذ حوالي 14000 عامًا مضت. قدمت نسب نظائر الأكسجين سجلاً لدرجة الحرارة يُظهر ما دعاه الباحثون تغيرات «عنيفة». والأكثر بروزًا بينها، ويتوافق مع تأرجح ينغر درياس، أظهر

تبردًا مثيرًا في مدَّة قصيرة نسبيًا، ربما في غضون عدَّة مئات من السنين فحسب[10].

منذ الخمسينات، ظهرت القفزات باستمرار في نماذج المناخ والطقس، سواء تلك المصنوعة من أطباق مقعرة أو من مجموعة معادلات تشغَّل على الحواسيب. كان بإمكان العلماء أن يصرفوا النظر عن هذه النماذج باعتبارها غير متقنة إلى درجة أنها لا تقدم معها أي شيء قابل للتصديق – لكن البيانات التاريخية أوضحت أن فكرة عدم الاستقرار الجذري في المناخ لم تكن فكرة سخيفة رغم كل ذلك. وكان بإمكان العلماء أن يصرفوا النظر عن القفزات في البيانات المبعثرة باعتبارها مصطنعة وتعود إلى مجرد تغيرات إقليمية أو أخطاء بسيطة – لكن النماذج أوضحت أن قفزات عالمية كانت معقولة فيزيائيًا.

مع كل ذلك، بالكاد كان الخبراء مستعدين للصدمة التي أتت من النجد الجليدي في غرينلاند في العام 1993. فقد وضعت خطط للحفر في ذروة القبعة الجليدية، هناك حيث اللاانتظامات الناجمة عن الجريان العميق للجليد تكون أصغرية. وقد انهارت آمال مبكرة لبرنامج تعاون جديد يجمع الأمريكيين والأوروبيين، فعمل كل فريق على حفرة خاصة به، كل منها بعمق حوالي 3 كم. وتحوَّل التنافس إلى تعاون بقرار حول جعل الثقبين بعيدين عن بعضهما بما يكفي (30 كم) بحيث أن أي شيء يظهر في كلا اللبين سيمثل أثرًا مناخيًا حقيقيًا وليس مصطنعًا ناجمًا عن شروط الأساس الصخري. وأصبح الثقبان، على نحو لافت، دقيقين طوال معظم عملية الحفر إلى الأسفل. وقد أظهرت المقارنة بين اللبين على نحو مقنع أن المناخ قد يتغير على نحو أسرع مما تخيله أي عالم تقريبًا.

فتأرجحات درجة الحرارة التي اعتُقد في الخمسينات أنها تستغرق عشرات الآلاف من السنين، وفي السبعينات أنها تستغرق آلاف السنين، وفي الثمانينات أنها تستغرق مئات السنين، اكتُشف الآن أنها تستغرق عقودًا وحسب. فقد تسَّخنت غرينلاند في بعض الأوقات 7 درجات مئوية مفاجئة ضمن مدة من الزمن تقل عن خمسين عامًا. ونصَّت دراسات أحدث عهدًا على أنه، خلال تحوُّل ينغر درياس، أمكن رؤية تبدلات قاسية في مناخ شمالي الأطلسي بأكمله ضمن خمس طبقات ثلجية، هذا يعني، أقل من خمس سنوات[11].

والدراسات على غبار الطلع وعلى مؤشرات أخرى – في مواضع تمتد من أوهايو إلى اليابان إلى تييرا ديل فيغو، ومؤرخة باستخدام تقنيات الكربون المشع المحسَّنة كثيرًا – أوحت بأن حدث ينغر درياس أثَّر على المناخات عبر العالم. وكان مدى الانحرافات المناخية موضع جدال (وبقى كذلك إلى حد ما). وفوق ذلك، كان من غير المحدد ما إذا كانت الانحرافات يمكن أن تقع ليس فقط في الأزمنة الجليدية، بل أيضًا في الفترات الدافئة كعصرنا الحالي.

منمذجو الحاسوب، الذين تنبهوا الآن تمامًا إلى التوازن الهش للملوحة ودرجة الحرارة الذي سيَّر دورة شمالي الأطلسي، وجدوا أن الاحترار العالمي قد يجلب تغيرات مستقبلية في الهطل يمكنها أن توقف النقل الحراري الحالي. وتقرير عام 2001 الصادر عن اللجنة الحكومية الدولية للتغير المناخي، أعلنت الاتفاق الرسمي بين حكومات العالم وخبرائها المناخيين، ونصَّ على أن توقفًا في القرن القادم بعيد الاحتمال، ولكن «لا يمكن الجزم بذلك». إذا ما حدث هذا التوقف، فسوف يغير المناخات في منطقة شمالي الأطلسي بكاملها – تبرُّد خطير يسببه احترار عالمي[12].

الآن، بعد أن تحطم الجليد، إذا جاز التعبير، فإن أغلب الخبراء كانوا مستعدين لاعتبار أن التغير المناخي السريع – تغير هائل وعالمي – يمكن أن يحدث في أيِّ وقت. وقد كتبت لجنة Nas في تقريرها عام 2002:

إن التغيرات المفاجئة في الماضي لم تفسَّر تمامًا بعدُ، ونماذج المناخ تبخِّس نمطيًا من حجم وسرعة ومدى تلك التغيرات. لذلك،... ينبغي توقع مفاجآت المناخ... وعلى الرغم من المضامين العميقة لوجهة النظر هذه، فبالكاد تصدى أحد لتفنيدها[13].

وعلى الرغم من أن الناس لم ينكروا الحقائق أعلاه، إلا أن كثيرين أنكروها بشكلٍ أمضى أثرًا عندما عجزوا عن تعديل طرقهم المعتادة في التفكير. «فعلماء الجيولوجيا قد بدؤوا للتوّ في قبول والتكيف مع الأنموذج الجديد لمنظومات المناخ شديدة التقلُّب»، هكذا كتبت لجنة NAS. «والأنموذج الجديد لم ينفذ بعدُ إلى جماعات التأثير» – أي إلى الاقتصاديين والاختصاصيين الآخرين الذين يحاولون حساب عواقب التغير المناخي[14]. وقد تباطأ صناع السياسة والجمهور أيضًا في إدراك ما قد تعنيه هذه النظرة العلمية الجديدة. علَّق أحد الجيولوجيين قائلاً:

إن تصوُّر أن الاضطراب العظيم هو من قبيل الماضي وأننا إلى حد ما الآن في زمن أكثر استقرارًا، يبدو من قبيل الحاجة النفسية[15].

سيرورة اكتشاف متدرجة

كم كان مفاجئًا اكتشافُ التغير المناخي المفاجئ؟ سيشير كثير من خبراء المناخ إلى لحظة محددة: اليوم الذي قرؤوا فيه تقرير العام 1993 حول تحليل الألباب الجليدية في غرينلاند. قبل ذلك، لم يعتقد أحد على نحو موثوق بأن المناخ قد يتغير بشدَّة خلال عقد من الزمن أو عقدين، وبعد التقرير، لا أحد في الغالب كان متأكدًا من أنه قد لا يتغير. إذن، هل كان البحث العلمي المتواصل على مدى نصف قرن جهدًا ضائعًا؟ لو أن العلماء فقط امتلكوا بصيرة كافية، ألم يكن باستطاعتهم الانتظار حتى يكون بمقدورهم الحصول على ألباب جليدية جيدة ومن ثمَّ يحسموا المسألة مرَّة وإلى الأبد من خلال دراسة وحيدة لا يرقى إليها الشك؟

يُظهر لنا التاريخ الفعلي أنه حتى أفضل البيانات العلمية لا تكون أبدًا بمثل هذه الدقة. يستطيع الناس أن يروا فقط ما يجدونه قابلاً للتصديق. فعبر العقود، كثير من العلماء الذين تفحصوا حلقات النمو في الشجر والفارفاس وطبقات الجليد، وما شابه، رأوا أمام أعينهم الدليل على تبدلات مناخية في مقياس عقد من السنين. لكنهم ببساطة صرفوا النظر عنها. وكان ثمة أسباب معقولة لصرف النظر عن الكارثة العالمية باعتبارها شيئًا من قبيل الفانتازيا الغريبة. وفي بعض الأحيان، كانت الافتراضات المسبقة للعلماء مبيَّتة في إجراءاتهم: فعندما قام المختصون بغبار الطلع بتحليل متكرر لشرائح سماكتها 15 سم من الألباب الطينية، لم يتمكنوا من رؤية التغيرات التي حدثت في طبقات بسماكة 1 سم. ولو ظلَّت الاعتقادات الراسخة ذاتها في العام 1993 كما في العام 1953 – أي الاعتقاد بأن التغير المناخي ذي الدلالة يستغرق دومًا عشرات الآلاف من السنين – إذن لتعرضت التقلبات قصيرة الأمد في الألباب الجليدية للإهمال باعتبارها تشويش لا معنى له.

أولاً، وجب على العلماء أن يقنعوا أنفسهم – عبر التنقل بين البيانات التاريخية والبحوث عن الآليات المحتملة – بأن التبدلات السريعة يمكن تفسيرها – مع تغير تدريجي في معنى «سريع» من ألفيات إلى قرون ثم إلى عقود. وبدون ذلك التبدل التدريجي في الفهم، لما قُدِّر للعينات اللبية في غرينلاند أن تُسحب. وقد أصبح التمويل اللازم لتلك المشروعات البطولية متاحًا فقط بعد أن ذكر العلماء في تقاريرهم أن المناخ يمكن أن يتغير بطرق مؤذية خلال مقياس زمني ذو أهمية للحكومات. ففي ميدان عويص كعلم المناخ، كل شيء فيه معقد وضبابي، قد يستغرق الأمر مدَّة من الزمن، كي يستوثق المرء مما لم يكن مستعدًّا للبحث فيه.

ترجمة: معين رومية

*** *** ***


 

horizontal rule

٭ عنوان المقال:
The Discovery Of Rapid Climate Change
المصدر: مجلة
Physics Today, Vol.56, No.8, August 2003، المجلد 56، العدد 8، آب 2003.

٭٭ كاتب المقال Spencer Weart: يدير مركز تاريخ الفيزياء في المعهد الأميركي للفيزياء.

[1] National Academy of Sciences, Committee on Abrupt Climate Change, Abrupt Climate Change: Inevitable Surprises, National Academy Press, Washington, DC (2002), pp. 1, 16. Available online at http://books.nap.edu/books/0309074347/html.

[2] C. E. P. Brooks, Q. J. R. Meteorol. Soc. 51, 83 (1925).

٭ التندرا tundra: سهول جرداء في المناطق القطبية الشمالية. (المترجم)

٭ الكائنات الحيوانية أو النباتية الصغيرة المعلَّقة أو الطافية في المياه. (المترجم)

[3] H. E. Suess, Science 123, 355 (1956).

[4] W. S. Broecker, M. Ewing, B. C. Heezen, Am. J. Sci. 258, 429 (1960).

[5] M. Ewing, W. L. Donn, Science 123, 1061 (1956).

[6] W. S. Broecker, Science 151, 299 (1966).

[7] D. A. Barreis, R. A. Bryson, Wis. Archeologist 46, 204 (Dec. 1965).

٭ واقعة بين عصرين جليديين. (المترجم)

[8] J. M. Mitchell Jr, Quaternary Res. 2, 436 (1972).

[9] For beetle data, see G. R. Coope, Philos. Trans. R. Soc. London, Ser. B 280, 313 (1977); for albedo feedback theory, see M. I. Budyko, EOS Trans. Am. Geophys. Union 53, 868 (1972); for a discussion on ocean circulation, see K. Bryan, M. J. Spelman, J. Geophys. Res. 90, 11679 (1985) [INSPEC]; for ice-sheet theory, see H. Flohn, Quaternary Res. 4, 385 (1974).

[10] W. Dansgaard et al., Science 218, 1273 (1982) [INSPEC].

[11] For a summary and popular account, see P. A. Mayewski, F. White, The Ice Chronicles: The Quest to Understand Global Climate Change, University Press of New England, Hanover, N.H. (2002).

[12] Intergovernmental Panel on Climate Change, Climate Change 2001--The Scientific Basis: Contribution of Working Group I to the Third Assessment Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change, J. T. Houghton et al., eds., Cambridge U. Press, New York (2001), p. 420. Available online at http://www.ipcc.ch/pub/reports.htm.

[13] Current thinking is reviewed in R. B. Alley et al., Science 299, 2005 (2003) [INSPEC].

[14] See ref. 1, p. 121.

[15] E. Moores, quoted in J. McPhee, Annals of the Former World, Farrar, Straus and Giroux, New York (1998), p. 605.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود