أثر العقيدة في تخلُّف وعي المعتقِدين

 

محمد علي عبد الجليل

 

العقيدة في اللغة:

العقيدة (جمعها: عقائد) من العَقْد: وهو الرَّبطُ، والإبرامُ، والإحكامُ، والتَّوثُّقُ، والشَّدُّ بقوة، والتماسُك، والمُراصَّةُ، والإثباتُ؛ ومنه اليقين والجزم. وهي حُكْمٌ لا يقبل الشك فيه لدى معتقِديه.

فالعقيدة والمعتقَد والاعتقاد (أي الظنُّ) والعُقْدة والتعقيد من جذر واحد، وهو الفعل الثلاثي "عقد"، وفيه معنى التجميد والتكثيف؛ يقال: عَقَدَ السائلُ، أي غلُظَ وجَمُدَ بالتبريد أو التسخين، وتعقَّد الدبسُ ونحوه: غلُظَ وصار كثيفًا. وعَقَدَ الحَبْلَ: جعلَ فيه عقدةً أو شدَّه. وعَقِدَ اللسانُ يَعْقَد عَقَدًا: احتبَسَ. والعقدة: قصورٌ في اللسان يحدُّ حركتَه. والعقدة أيضًا: المشكلة النفسية. وتعني كلمة dogme الفرنسية (المشتقة من اليونانية dogma) الرأي أو الاعتقاد.

العقيدة في الدِّين: (le credo):

هي ما عقدَ الإنسانُ عليه قلبه جازمًا به، سواءٌ كان حقًا أم باطلاً. وهي ما يُقْصَد به الاعتقاد دون العمل، كعقيدة وجود الله وبعث الرسل.

أنواع العقيدة:

هناك عقيدة دينية وعقيدة سياسية وعقيدة حزبية وعقيدة عسكرية وعقيدة اقتصادية... ولكنَّ أصحاب العقائد يقسمون العقيدةَ إلى قسمين لا ثالثَ لهما: عقيدة "سماوية" أو عقيدة وضعية (بشرية). ويقسمون العقائدَ "السماويةَ" إلى صحيحة أو محرَّفة apocryphe. ويقسمون العقائدَ بصورة عامة إلى صحيحة أو باطلة. فهم دائمًا "يقسِمون"، ودائماً يقسمون إلى "قسمين اثنين" فقط، إلى "تطرُّفَينِ": خير أو شر، جنة أو نار، نور أو ظلام، "مع" أو "ضدَّ"... لا يرون سوى لونين فقط: الأبيض والأسود، كالثور والكلب. "نعتقد" أنَّ الثورَ يرى اللونَ الأحمر، ولكنَّ مُصارِعَ الثيران يلبس لونًا أحمر لإثارة المتفرِّجين لا لإثارة الثور.

وللعقيدة درجاتٌ في التصلُّب تبدأ من الانعزال ثم الرفض ثم الكراهية ثم الأذى بالقول أو بالفعل وتنتهي بالقتل الفردي أو الإبادة الجماعية. ليس هناك من عقيدة متسامحة. لأنَّ العقيدة بالأساس تَجَمُّدٌ وتقوقُع. هناك مبدأُ التسامح لا عقيدة التسامح.

حدود العقيدة:

العقيدةُ هي، إذًا، أفكار ومبادئ توارثَها الإنسانُ عن أجداده فصدَّقَها واطمأنَّتْ نفسُه إليها حتى أصبحَتْ عنده يقينًا ثابتًا لا ريب فيها ولا يأتيها الباطلُ من بين يديها ولا من خلْفِها. والتناقضُ في العقيدة هو أنها اليقينُ في شيء لا يقينَ فيه. لا تكون العقيدةُ في ما يطالُه العِلْمُ والقياسُ والتجريبُ، بل في الميتافيزيقي؛ فلا نقول: عقيدة الرياضيات والفيزياء والطب، ولكنْ نقول: عقيدة المسْلِم وعقيدة المسيحي وعقيدة الحزب وعقيدة التوحيد وعقيدة التثليث والفِداء والمعمودية وعقيدة أهل السُّـنَّة وعقيدة الولاء والبراء [الولاء لله والمؤمنين والبراء من الكفار!]، إلخ. فالعقيدة ضد العِلْم. ويحصل الانحطاطُ عندما تدخل العقيدةُ في العلم. عندما يقدِّم الكيميائيُّ وصفًا علميًا لخواص النبيذ فهذا عِلْم لا عقيدة، ولكنْ عندما تُبنَى حول النبيذ طقوسٌ من تقديس وتحريم وصلاة وما إلى هنالك فتلك عقيدة. أنْ يقالَ بأنَّ اليهودَ عاداتُهم كذا وأفكارهم كذا ويسكنون في هذا المكان أو ذاك فهذا عِلْم، وأنْ يقالَ بأنَّ اليهود خير أُمَّة فهذه عقيدة. دراسةُ القمرِ، حركتِه وخواصِّه، هو عِلْمُ فلَك؛ ومحاولةُ إثباتِ [!!!] انشقاقِه بإصبع نبيٍّ فهذه عقيدة. محاولةُ إثبات العقيدة دليلٌ على بطلانها أو على الأقل دليلٌ على وجود شكوكٍ فيها، وإلاَّ لماذا نثبتُها؟! هل يحتاج الكائنُ الحي إلى إثباتِ أنَّ الماء مفيد له لكي يشربَه؟

العقيدة هي بناء ذهني، هي لاشيءٌ ينبغي ترْكُه لبلوغ الحقيقة. ولكنْ قد يكون هذا اللاشيءُ عند البعض أثمنَ ما يملكون. قال التلميذ للمُعَلِّم: "جئتكَ ولا شيءَ في يدَيَّ." فقال المعلِّم: "اتركه في الحال!" فقال التلميذ: "كيف أتركه وهو لاشيءٌ؟!" فقال المعلِّم: "احملْه إذَنْ أينما ذهبْتَ!"

العقيدةُ فكرةٌ من شأنها أنْ تُـثـبِّـتَ الإنسانَ؛ فتـفيد إذًا كنقاط عَـلاَّم على درب تفتُّحِ وعيِه. ولكنها تصبح في أغلب الأحيان قيدًا يمنعه من الصعود أو الارتقاء أو السير. فللوصول إلى "حقيقةٍ ما" لا بد من ترك العقيدة المرتبطة بها مثلما أنه للوصول إلى الشاطئ لا بد من ترك السفينة، وللوصول إلى المنزل لا بد من ترك الشاطئ، وللوصول إلى العمل لا بد من ترك المنزل، وللوصول إلى درجة أعلى لا بد من ترك الدرجة التي قبلها.

هل يمكن للإنسان أنْ يعيشَ بلا عقيدة؟

بما أن الإنسان كائن مفكر ويعيش في عالَم يجهل تقريبًا كلَّ شيء فيه، فإنه يطرح تساؤلاتٍ ويجيب هو عليها. ولكنْ هل هو كائن عقائدي بالفطرة؟ يقول مايكل أنجلو Michel-Ange / Michelangelo: "خلَقَنا الربُّ عرايا وعلَّمَنا الأنبياءُ الخجلَ". ويقول سيسيل بي. دو ميل Cecil Blount DeMille [1]: "أنا لم أخترع الخطيئةَ؛ مَن أوجدَها هوَ الكتابُ المقدَّس". يصنع الإنسانُ عقيدةً تقيه من برْد الخوف والجهل كما يصنع ثيابَه ونعلَه. على الأغلب، لا يمكن للإنسان أن يعيشَ بلا عقيدة. فإذا كان لا بد منها فلتكنْ مرِنةً، مريحةً، فضفاضةً، "يُـسْـرًا" بحسب وصف نبي الإسلام للإسلام. فحاجةُ الإنسان إلى العقيدة كحاجته إلى الحذاء والثياب، حاجة نفعية، براغماتية، متغيرة حسب مقاس الجسمِ والرِّجْـلَينِ، الجسمِ الرغائبي الأخف من الجسم المادي. فالروح الإنسانية أسمى من العقيدة. لا تحتاج إلى عقيدة ولا إلى دِين. الذي يحتاج إلى قناع العقيدة هو الشخصية الظاهرة persona [2]. ويمكن للفرد أن يتخلى عن هذا القناع متى أراد. ولكنْ كلما زاد خوفُ المرء زادت كثافةُ أقنعته وقناعاته وجدران حصونه.

كيف تستعبد العقيدةُ المعتقدِين؟

لكنَّ الإنسانَ، بينما هو يقيِّد أفكارَه الهاربةَ، تُـقيِّـده أفكارُه. فيصبح أسيرًا لها، تستخدمه لصالحها. تحدِّد مستقبلَه. فيصبح غدًا ما يفكر به اليوم. إنَّ من خواص العقيدة أنها تسلبُ ممن يؤْمن بها حريتَه، وغالبًا ما تأمره بالعنف لحمايتها أو لفرضها متوهِّـمًا أنها مقدَّسة. ألمْ تَقُلِ العقيدةُ لقوم النبي إبراهيم بأنْ يحرقوه نصرةً لها: "قالوا: حَرِّقوه وانصروا آلهتكم[3]". المتناقض في الأمر أن الإنسان الذي تستعبده العقيدةُ فتسلب منه الإرادةَ ويُسْـكِرُه وهْمُ قداسة عقيدته قد يلجأ إلى قتل أخيه الإنسان دفاعًا عن هذا الوهم.

العقيدة، باستعبادِها الإنسانَ، تقتل إنسانيتَه، تقتل الطبيعةَ فيه. فوضعُ غطاءٍ على الرأس للوقاية من البرْد أو الحر أمرٌ ينسجم مع الطبيعة وإجراءٌ للتأقْـلُم معها؛ أما وضعُ المرأةِ هذا الغطاءَ-الحجابَ على رأسها استجابةً لعقيدةٍ ذكوريةٍ أو عقدةٍ موروثةٍ من القرون الوسطى فذلك ضد الطبيعة، سباحةٌ ضد التيار. وكلُّ الأفعال البشرية التي تدمِّر الطبيعةَ ليست إلاَّ نتيجةً لاستعباد العقيدة. فتُجَّارُ الخشب مثلاً يعتقدون أنهم إذا قطعوا غاباتٍ أكثرَ أصبحوا أغنى وأكثرَ سيطرةً على أقرانهم، وبالتالي أكثرَ سعادة! وصيادو الأسماك تجرُّهم عقيدةُ أنهم إذا امتلكوا أكثرَ سعِدوا أكثرَ فيدفعهم جشعُهم ورغبتُهم في الثراء إلى القضاء على ثروة سمكية وإلى الإخلال بالتوازن البيئي.

أمراض العقيدة:

يفرِّق الأستاذ ندرة اليازجي بين العقيدة والمبدأ، فيرى أن العقيدة هي تصلُّب المبدأ. فعندما يتصلَّب المبدأ لا بدَّ أن ينقسم إلى عقائد. و"كلُّ مملكةٍ منقسمة على ذاتها تخرب وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت"[4]. ولذلك ربطَ ندرة اليازجي بين العقيدة والتعصب. فمرضُ العقيدة هو التعصب الذي يعتبره إخوانُ الصفا "آفة العقول يعميها عن رؤية الحقائق". فالعقيدة لا يمكنها أنْ تكون متسامحة. وهو ما أكَّده ليڤ [ليو] تولستوي Léon Tolstoï في نقده لعقيدة الكنيسة[5]. لأن العقيدة تُعَـلِّم الثباتَ والوحدانيةَ. فالثباتُ يقتلُ التطورَ، والوحدانيةُ تقتلُ التعدُّدَ. أي أن العقيدة تقتل. فأهم وسائلها، بل وسيلتها الوحيدة هي العنف. وما الدعوة والإرشاد والتبشير والموعظة ومشتقاتها سوى فخ أو استدراج أو هدنة أو مراوغة لاستئناف القتل. فالتبشير ليس إلاَّ بيع الكِذْبة. لذلك لا تدفع سيمون ﭭـايل Simone Weil حتى عشرين فِلْسًا لأي عمل تبشيري كان؛ تقول:

مكتوبٌ أنه يُحْكَم على الشجرة من ثمارها. وقد حملَتِ الكنيسةُ ثمارًا رديئة لا تحمِلُ على الاعتقاد بأنه لم يكنْ هناك من خطأ في بدايتها. لقد اجتُثَّت أوروبا من جذورها روحيًا وقُطِعَت عن هذه الموروثات القديمة حيث هناك جذور لجميع مقوِّمات حضارتنا؛ وذهبَتْ تقتلع القاراتِ الأخرى من جذورها ابتداءً من القرن السادس عشر. لم تخرجِ المسيحيةُ عمليًا، بعد عشرين قرنًا، من العِرْق الأبيض؛ وما تزال الكاثوليكيةُ محدودةً. لقد بقيَتْ أمريكا ستةَ عشر قرنًا دون أنْ تسمعَ بالمسيح وأُبيدَت أممُها بأفظع الأعمال الوحشية قبل أنْ يتسنَّ لها التعرُّف عليه. إنَّ حماسَ المبشرين لم يُـنَـصِّـرْ أفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا، بل وضعَ هذه المناطقَ تحت السيطرة الباردة والوحشية والهدامة للعِرْق الأبيض الذي سحقَ كلَّ شيء. من الغريب أنْ يؤديَ كلامُ المسيح إلى مثل هذه النتائج فيما لو فُهِمَ فهمًا صحيحًا. [...] أنا شخصيًا لا أعطي حتى عشرين فلسًا لأي عمل تبشيري. أعتقد أن تغيير الإنسان لدِينه أمرٌ خطيرٌ كتغيير الكاتب للغته. قد ينجح ذلك، ولكنْ قد يكون له عواقبُ وخيمة[6].

تُسبِّبُ العقيدةُ التحجُّـرَ sclérose أو ما يسمَّى بقسوة القلب، أي يصبحُ القلبُ كالحجارة أو أشدَّ قسوةً، بحسب التشبيه القرآني. فقسوةُ قلوبِ الذين تصدَّوا للأنبياء (الذين جاؤوا ليحرِّروا النفسَ من العقيدة) وحاربوهم سببُها الأكبر تمسُّـكُ هؤلاء المعتقِدين بعقيدتهم ونصرتهم لها:

ثم قسَتْ قلوبُكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوةً؛ وإنَّ من الحجارة لَمَا يتفجَّر منه الأنهار...[7]

كما تُسبِّبُ العقيدةُ الوهمَ، إذْ توهمُ المعتقِدين بأنهم يدافعون عن الحق ويتقربون إلى الله، حتى من خلال القتل! (أوَلا يتقرَّبُ المُـسْـلِمُ إلى الله ويكفِّرُ عن خطاياه بذبحِ شاةٍ بريئة؟ وليس الفرقُ بين ذبح شاةٍ وذبح إنسان إلاَّ فرقًا بسيطًا). يظنُّ المعتقِد أنه يُرضي اللهَ بقتله المخالفَ لعقيدته. وهذا ما أشار إليه الإمامُ الحلاَّجُ وهو على الصليب:

وهؤلاء عبادكَ قد اجتمعوا لقتلي تعصُّبًا لدينكَ وتقربًا إليكَ، فاغفر لهم! فإنكَ لو كشفْتَ لهم ما كشفْـتَ لي لما فعلوا ما فعلوا، ولو سترْتَ عني ما سترْتَ عنهم لما لقيتُ ما لقيتُ، فلكَ التقديرُ فيما تفعل ولكَ التقدير فيما تريد.

فطلبَ لهم المغفرةَ لأنهم ضحايا العقيدة؛ مثلما طلبَ المسيح المغفرةَ لصالبيه وهو على طريق الجلجلة [الجلجثة] Golgotha / Calvaire Calvary /:

يا أبِي، اغْفِرْ لَهمْ، لأنهم لا يَدْرُونَ ما يفعلون![8]

الثبات الإيجابي هو التمسك بالمبدأ لا بالعقيدة والصبر على تطبيقه. والمثل الدارج "في الثبات نبات" يُعَـبِّر عن ذلك. فالثبات المطلوب هو ثباتُ البذرة في الأرض لتُنبِتَ شجرةً وثباتُ الشجرة لتُعطيَ ثمارًا. وبهذا المعنى يكون الثبات تطورًا لا تحجُّرًا. والوحدانيةُ المطلوبة هي التي تَقْبَل التعدُّدَ.

إنَّ العقيدةَ مَصْدر كل عنف وسببُه؛ فهي التي تدفع المعتقِـدَ إلى العنف وتبرِّره له. يقول الأستاذ ندرة اليازجي:

غالبًا ما يأتي العنف من العقيدة، عقيدة (= عقدة) الأنا، مركزية الأنا المنغلقة، التعصب لأهلي فقط، لعشيرتي، لطائفتي، لأمتي، إلخ[9].

كما أنَّ العقيدةَ تقتل التواضعَ وتبعثُ على الغرور وعلى رفضِ وجهات النظر الأخرى. فالأوروبيُّ العقلانيُّ الذي يُعَـلِّبُ الحقيقةَ في قالَبِه الثقافيِّ الضيِّقِ يرفضُ رؤيةَ البوذي الروحاني، والعكسُ صحيح. ذاتَ يوم، استقبلَ راهبٌ اسمُه فونغ ترو لين Phong Tru Lin، من دير ﭙوتالا Potala في لاسا Lhassa عاصمةِ التيبت (والتي تعني "أرض الآلهة": مؤلَّفة من Lha: آلهة ومن Sa: أرض والتي ذُكِرَتْ في النصوص التيبيتيَّة ما قبل البوذية باسم Rasa وتعني "أرض الماعز")، صديقَه الفرنسيَّ جاك دو لاتور Jacques De Latour، العالِم والباحث في المعهد الوطني للبحث العلمي CNRS، حيث كان يقوم بزيارة ودية لصديقه الراهب. وكان جاك، إلى جانب فضوله في التعرف على المعالم السياحية للمنطقة، مهتمَّـًا بمعرفة ما يقال عن القوى الخارقة لرهبان التيبت. فدعا فونغُ صديقَه جاك إلى جلسة تأمُّـل عامة في المعبد الكبير. وخلال فترة الصمت (فترة خشوع قصيرة تسبق جلسةَ الطقوس) حصلَ أمرٌ غريب. فبينما كان الرهبانُ الحاضرون صامتين جميعًا حضرَ فجأةً رئيسُهم الذي كان جاكُّ يظنُّه غائبًا عن الجلسة، إذْ دخل الغرفةَ خارجًا من الجدار الكبير الذي عن جهة المذبح ماثلاً بلحمه ودمه أمام الحضور! ولم يكنْ هناك بابٌ في هذه الجهة ولا أي ظلٍّ يمكن أنْ يخفيَ هذا الشخصَ عن أنظار من دخلوا قبله. لقد اجتاز الجدارَ دون أية صعوبة ليصلَ إلى المعبد! ثم تضاعفَ فجأةً عددُ الرهبان الحاضرين! حيث أظهرَ كلُّ راهب صورةً أخرى عن شخصه! فاكتمل العدد المطلوبُ للتأمل الجماعي السِّرَّاني. وكادَ جاكُّ أنْ يصابَ بالسكتة الدماغية أو الجنون. وفي نهاية الجلسة، طلبَ جاكُّ من صديقه تفسيرًا لما جرى، فاستغربَ الصديقُ فونغ من دهشة جاك، وأجابه بأنه لم يحصل شيءٌ غيرُ طبيعي يثير الاستغرابَ وأنَّ كلَّ ما حدثَ مطابق للأشياء. إذْ إنَّ كلَّ ما رآه جاكُّ ليس سوى ما كانت نفسُه مستعدةً لأنْ تراه! وما عليه إلاَّ أنْ يبحثَ في نفسه ليجدَ الإجاباتِ على تساؤلاته. عندما عاد جاكُّ إلى باريس، أخذَ جاهدًا يروي هذه المغامرةَ الخياليةَ لزملائه الذين سخروا منه؛ حتى إنَّ بعضَهم كان له هذا الرد الذي يُظهِر تكبُّـرَ العِلْم وغرورَه: "هيا أيها السادة! كفانا تصديقُ مثل هذه التُّرَّهات، إننا علماء، أليس كذلك!" أمَّـا الراهبُ فونغ فقد اصطدمَ من جهته أيضًا بمحدودية أذهان رفاقه في الغرفة خلال استراحة الشاي. فقد أسَـرَّ له صديقُه جاك عندما رافقه ذات يوم لجلب الماء من بئر بعيد جدًا عن الدير بأنَّ السكان في أوروبا لا يُضطرُّون إلى هذا النوع من العمل المضني للحصول على الماء؛ فالماء يصل مباشرةً إلى مساكنهم عبر حنفية أو صنبور على شكل منقار العُقاب. ثم إنهم لا يحتاجون سوى إلى حركة بسيطة باليد لفتح الحنفية أو إغلاقها. هذه القصة أثارت شكوكَ الرهبان، فتفرقوا وهم يضحكون ساخرين. وقهقهَ الجميعُ ملءَ أشداقهم؛ إذْ بدا لهم فونغُ ساذجًا جدًا. ونظرًا لاستحالة جرِّ الماء بهذه الطريقة في نظر الرهبان فإنَّ شروحات جاك قد اختلطَت عليهم ولم يفهموها؛ وقد عقلنَها وعيُهم هكذا: العِقْبانُ التي لا ندري من أين تأتي والتي يلوون رقبتَها أحيانًا تزوِّد الأوربيين وهم في منازلهم بالماء من مناقيرها! فردَّ كبيرُهم في الحال: "هيا يا إخوتي! لنكنْ جدِّيين! نعرِف جيدًا أن هذا مستحيل!... ماء يخرج من مناقير العِقْبان إلى منازلهم مباشرةً؟! هؤلاء الأوربيون، ماذا أيضًا سيخترعون لنا غدًا؟ أؤكِّد لكم أنهم سيتمكَّنون من جعلنا جميعًا مجانينَ بقصصهم التي لا تدخل في العقل!". مع ذلك فإنَّ هؤلاء الرهبانَ، وبينما كانوا يتحلَّقون في جلسة التأمل متربِّعين بوضعية زهرة اللوتس padmasana يتذوقون بهدوء شايَهم المعتادَ ويمزحون من كل قلبهم، كانوا جميعًا يرتفعون عن الأرض بالكامل! كان الطعمُ اللذيذ للشاي يبدو أكثرَ إقناعًا...

إنَّ قوى الطبيعة من براكين وزلازل وفياضانات لا توصَف بالعنيفة لأنها لا تصدر عن نية في التدمير. المعتقِد وحدَه العنيف.

تستعبد العقيدةُ المعتقِدين باستخدامها سلاحَ الوهم. فالعقيدة هي أصلاً وهْمٌ وتُغرِقُ صاحبَها في الوهم، إذْ إنها توهمُ المعتقِـدَ بامتلاك حقيقة ما أو بالأصح توهمه بامتلاك الحقيقة، مما يدفعه إلى قتل المخالفين لها أو إلى رفضهم على الأقل تحت شرعنةٍ وهمية تؤمِّنها له العقيدةُ. يقول جان-ماري مولَّر:

إنسانٌ يصرُّ جهرًا على "امتلاكه" الحقيقةَ إنسانٌ خَطِر. إذ إنه لا يتوانى عن الإغارة على الضلال وعن مطاردة الكافرين والزنادقة والمرتدين. فالإنسان الآخر الذي لا يفكر على شاكلته هو عدوه حتمًا: فهو ضال وتجب هدايتُه؛ وإذا رفض الاقتناعَ، يجب إكراهُه على ذلك. عندما تتجمد الحقيقة في معرفة عقائدية dogmatique تصير عامل تفرقة ونزاع وإقصاء وعنف. فالإيديولوجي العَلماني والأصولي الديني يشنَّان المعركة التفتيشية نفسها ضد المنحرفين والضالين والمنشقين والخونة؛ فكلاهما لا يتورع عن اللجوء إلى العنف لإحقاق الحقيقة. وبذلك تصير الحقيقةُ لاإنسانيةً وقاتلة: يقتل الإنسانُ باسم الحقيقة.[10]

تصبح العقيدة أداةً إنْ لم تكنِ الأداةَ الوحيدةَ في يد "الشيطان" (بالمعنى الرمزي) الذي هو أيضًا في الأصل معتقَد تؤْمنُ به البشريةُ بتسميات مختلفة (إبليس، عزازيل، بعلزبول، هاديس Hadès، إلخ.) والذي يتلخَّص مفهومُه بفكرة الطاقة السلبية أو بمبدأ العطالة. فشيطانُ الوهم يزيِّن للمعتقِدين أعمالَهم العنيفةَ ضد البشر الآخرين والحيوان والنبات وبالتالي ضد أنفسِهم[11]. فـ"الحرفُ فَجٌّ من فِجاج إبليس"، كما يقول النِّـفَّـري. يروي أنتوني دو مِـلُّو في كتابه أغنية الطائر أنَّ أبا مُـرَّةً [الشيطان] ذهبَ مَـرَّةً في نزهة مع خليلٍ له، فأبصرا رَجُلاً ينحني ويلتقط شيئًا من الأرض، فسأله الصديق: "ماذا وجدَ هذا الرَّجُـلُ؟" فقال الشيطانُ: "قطعةَ حقيقة." فسأله الصديقُ: "أفلا يزعجكَ ذلك؟" فأجابه الشيطانُ: "لا، فسوف أَدَعُـه يجعل منها معتقَـدًا." فالعقيدة هي القيد الذي يصنعه الإنسانُ من "فكرٍ" أقسى من الفولاذ فيستخدمه "الشيطانُ" ليربطَه به، فيحققَ وعدَه عندما "قال: "أنظِرْني إلى يوم يُبعَثون." قال [الله]: "إنكَ من المُنْظَرين." قال [الشيطان]: "فبما أغويتَني لأقعدَنَّ لهم صراطَكَ المستقيم. [...]" قال [الله]: "اخرجْ منها مذؤومًا [ممقوتًا] مدحورًا".[12] العقيدة توقُّفٌ عند لحظة، تعلُّقٌ بها، تجمٌّـدٌ وتحَجُّرٌ عندها؛ فهي، إذًا، ضد الحقيقة، لأنها ضد الارتقاء، أي ضد الطريق إلى الحقيقة الذي هو اللاتعلُّق. والمؤْمن الباحث عن الحقيقة هو "حالٌّ مرتحِل" بحسب الحديث[13]، أيْ ما إنْ يصل إلى درجة حتى ينتقل إلى أعلى. فالحقيقة ليست هدفًا نهائيًا نصلُ إليه فنتوقف عنده. كلُّ الدرب إلى الحقيقة يتلخَّص في تحقيق اللاتعلُّق، أيْ في فكرة التخلُّص من أية عقيدة، في التحرر والانعتاق. فالعقيدةُ تأخذ المعتقِـدَ من حاضرِه وتنقلُه إلى الماضي أو إلى المستقبل، فيخسر بذلك حاضرَه. العقيدةُ إذًا هي ما ليس هنا-الآن. وكلُّ ما ليس هنا الآن هو الشيطان. الحقيقةُ ليست في أي مكان nowhere، إنها هنا-الآن now-here، كما يقول بعضُ المتصوفين. وبما أنَّ العقيدة ليست هنا-الآن فإنها ضد الحقيقة. تقول قصةٌ رمزيةٌ أنَّ رئيسَ الشياطين، بعدما أخذَتْ تعاليمُ المسيح الحقِّ تنتشر، جمعَ أعوانَه للتباحث في طرق جديدة لإضلال البشر وإغوائهم وصدِّهم عن طريق المسيح؛ فاقترح أحد الشياطين: "نقول للناس بأنَّه ليس هناك مسيح". فلم تعجِبِ الفكرةُ رئيسَ الشياطين. فاقترح شيطانٌ آخر: "نقول لهم: ليس هناك خلاص". فقال الرئيس: "لَعَمْري إنها لفكرةٌ أغبى من الأولى." فقال شيطانٌ ثالث: "نقول لهم أنَّ هناك مسيحًا وخلاصًا، ولكنْ ليس الآن، غدًا، بل بعد غد؛ لا، الأسبوع القادم... وهكذا نلهيهم بدوَّامة الحياة، بالتأجيل، حتى يفوت الأوان." فقال الرئيس: "رائـعـة!" وفي الموروث الإسلامي، لفظةُ "لو" هي مفتاح عمل الشيطان-العقيدة ([...] فإنَّ لو تفتح عملَ الشيطان، الحديث)، لأنها تنقل الإنسانَ من الحاضر "هنا-الآن"؛ وبالتالي فإنها تُبعدنا عن "هنا-الآن"، (لا ننسى أنَّ أحد معاني الشيطان هو البُعد، من الفعل شطَنَ أيْ: بَعُدَ ونأى. وسُمِّيَ الشيطانً "إبليسًا" من الفعل "أبلسَ" [من جذر يوناني] أي يئس). العقيدة هي البعد.

ومن الآفات الأخرى للعقيدة عدم رؤية التعدد على مستوى التعدد، أو بالأحرى عدم الرؤية مطْلَقًا. إذْ إنَّ التعدد من طبيعة هذا العالَم، ونحن جزء من هذا العالَم المتعدد تعدُّدًا لانهائيًا والذي يخفي وراءه الوحدة. لقد انتبه الصوفيون إلى هذه الحقيقة فقالوا بأنَّ الطُّرُقَ إلى الله (أيْ الوحدة) تعدَّدَتْ بتعدُّد نفوس بني آدم. ولكنَّ المعتقِد تُعميه عقيدتُه فلا يرى غيرَها، والأسوأُ من ذلك أنه يريد تعميمَها على الآخر المختلِف عنه على أنها الحقيقة المُطْـلَقة. بينما التجربة الروحية لا تُعَمَّم ولا يبشَّر بها، إنما تُعاش. يريد المعتقِـد أنْ يُـلبِسَ غيرَه حذاءه المهترئ. كما يريد المعتقِدُ أنْ يُـعَـلِّبَ اللانهايةَ في قُمْـقُمِ أفكارِه وأوهامِه. فالعقيدة تختزل طُرُقًا لا نهائيةً في طريق واحدة فقط تفرِضها على أعداد لانهائية من البشر المختلفين في استعداداتهم وميولهم. فالوحدانية، كما يرى أدونيس،

لم تُنتِجْ سوى الحروب والدمار، تضع العالَم أمام باب مغلق، تختزله في رؤية محددة، فهي إيذان بانحطاط البشرية.

يرى أدونيس أن مشكلة الدِّين لا تكمن في التطبيق، بل في الدِّين نفسه، أيْ في العقيدة، التي قِوامُها الاستعباد، مؤكدًا بأن الحقيقة ليس سجينة نص أو معتقَد؛ ويرى بأن الأديان الوحدانية شاخت، ولا يمكن حل مشكلات عالَم اليوم إلا بإعادة النظر جذريًا في الرؤية الوحدانية للإنسان والعالَم.

إنَّ أبناء العقيدة الواحدة لا يفهمون عقيدتَهم فهمًا واحدًا؛ بل يفهم كل فرد عقيدةَ قومه حسب استعداده النفسي وموشور عُـقَدِه. وبهذا فالعقيدة شخصية جدًا، وكلُّ فردٍ يرى عقيدتَه على أنها الأصح ويرى نفسَه على أنه الوحيد الذي على حق. يروي أنطوني دو مِلُّو في أغنية الطائر قصةَ امرأة عجوز متديِّنة جدًا شديدة الاستياء من جميع الأديان الموجودة، لذا فقد أسَّست دينًا جديدًا خاصًا بها. وذات يوم سألها صحفي يريد معرفةَ وجهة نظرها: "هل تعتقدين حقًا، كما يقول الناس عنكِ، أنه لن يدخل الجنةَ أحدٌ غيركِ وغير خادمتك ماري؟" فكرَتْ المرأةُ العجوزُ مليًا ثم أجابت: "حسنًا، إنني غير متأكدة تمامًا بخصوص ماري."

إنَّ مشاكل العالَم كلها، سياسيةً كانت أم غيرَ سياسيةٍ، مردُّها إلى العقيدة، أو إلى الرغبة بحسب البوذية. أليست قضية فلسطين بِرُمَّتها قضية عقيدة؟ فكلُّ طرف "يعتقد" بأنَّ له الحقَّ في الأرض مستندًا إلى "عقائدَ" معقَّدةٍ ومعقِّدة.

تنقل العقيدةُ المؤْمنَ بها من قيد إلى قيد ضمن سلسلة عبودية لا تنتهي كما أشار إلى ذلك النِّـفَّـري:

يا عبد! إنْ أخذَكَ اسمي أَسْـلَمَـكَ إلى اسمكَ، وإنْ أخذكَ وصفي أسلمكَ إلى وصفكَ، وإنْ أخذكَ سواي فإلى نفسكَ يسلمكَ، وإنْ أخذَتْـكَ نفسُـكَ فإلى عدوِّك تسلمكَ. [...] ما بقي بيني وبينك شيء فأنتَ عبدُه ما بقيَ.

لماذا العقيدة؟

"قد" تساعد العقيدةُ الإنسانَ كمثبِّتٍ له في دربه، إذْ لا يمكنه أنْ يعيشَ معلَّقًا في الهواء. وعليه، فهي إيجابية مادامت لم تفرِضْ ذاتَها ومادامت لم تنقسِم إلى صحيحة وخاطئة أو فاسدة أو باطلة أو بالأصح مادامت لم تقسِم معتقديها إلى أخيار وأشرار. فـ"كلُّ مملكةٍ منقسمة على ذاتها تخرب". ولكنها ليست الدافعَ إلى النشاط أو العمل أو الإبداع، بحسب رأي المفكِّر عبد الله القَصيمي:

العقيدة ليست قوة، إنها لا تصنع نشاطَنا ولا تحركه. [...] إنَّ العقيدة مَواتٌ. [...] إنَّ الرغبة هي التي تصنع العقيدة... العقائد تجميد أو تخطيط لانفعالات الإنسان، والانفعالاتُ صورةٌ متحركة، والعقائدُ تُحوِّلُها إلى صورة جامدة. [...] إذا رأينا إنسانًا مندفعًا في نضاله وهو يعتقد عقيدةً ما، أو كانت له عقيدة معيَّنة، فإنه سيكون له نفْسُ الاندفاع لو كان بلا عقيدة، أو كانت له عقيدة أخرى، أو عقيدة مناقِضة، إذا كان يعيش في نفْس الظروف[14].

العقيدةُ وقايةٌ وهميةٌ تُوْهِمُ المعتقِـدَ بها بأنها تَقِيْه من الخوف والضعف والوهم والجهل. وليست هي في الحقيقة سوى سراب يأمل الظمآنُ أنْ يجدَ عنده شرابًا.

إذا كانت الحياة تجري كالنهر، وإذا كان الإنسان لا يسبح في النهر مرتين، وإذا كان الإنسان الآن ليس هو نفسه منذ ساعة، وإذا كان الله "كلَّ يومٍ [أيْ كلَّ وقتٍ] هو في شأن"[15]، فكيف تكون للإنسان عقيدة واحدة؟! ثم ماذا يعني أن تكون له عقيدة واحدة؟

كيف تُبْـنَى العقيدةُ:

تُبنَى جدرانُ العقيدة بحجارة الشك. يُروَى أنَّ الإمام الرازي دخل قريةً فتحلَّقَ الناسُ حولَه، فسألَتْ عجوزٌ من أهل البلد: "من هذا؟!" فأجابها أحدُ تلامذته: "إنه الإمامُ الرازي الذي أوجدَ مئةَ دليلٍ على وجود الله." فعجبَتْ العجوزُ وقالت: "وهل يحتاجُ اللهُ إلى دليل على وجوده؟؟!! لو لم يكنْ عنده مئةُ شكٍّ على وجود الله لما أوجدَ مئةَ دليل." فوقعَت هذه الكلمةُ في أُذُن الرازي، فقال: "اللهمَّ أسألُكَ إيمانًا كإيمان العجائز." كذلك فإنَّ تقديس الرموز يصنع العقيدةَ.

ويرى عبد الله القَصيمي أنَّ الهوى هو الذي يصنع العقيدةَ[16]. كذلك فإن الخوف يَصنع العقيدةَ، والعقيدةُ تَصنع العنفَ، والعنفُ يَصنع القتلَ.

يروي كتاب أغنية الطائر قصةً رمزيةً عن كيفية بناء العقيدة، وهي قصة قطة الغورو أو المعلِّم الروحي. كان الغورو وتلامذتُه كلما قاموا للصلاة في المساء تأتي قطةٌ وسط المصلِّين وتلهيهم عن صلاتهم. لذلك أمرَ الغورو بربط القطة خلال صلاة العِشاء. وبعد وفاة الغورو ظلَّ القومُ على ربط القطة خلال صلاة العِشاء. وعندما ماتت القطةُ جيءَ بقطة أخرى وربطوها طوال صلاة العشاء. وبعد ذلك بقرون، كتَبَ الفقهاءُ من تلاميذ الغورو رسائلَ فقهية في المغزى الشعائري لربط قطة أثناء إقامة الصلاة. كما يروي دو مِلُّو قصةً أخرى توضح كيف تُصنَع العقيدةُ. تقول القصة: عاد الرَّحَّـالةُ المستكشفُ إلى قومه التوَّاقين إلى معرفة شيء عن الأمازون. ولكنْ أنَّى له أنْ يُعرِبَ بكلمات عن مشاعره حين رأى الأزهارَ الغريبةَ وأحسَّ بخطر الحيوانات المفترسة أو جدَّف بقاربه عبر منحدرات النهر الغادرة؟ فقال لهم: "اذهبوا واكتشفوا بأنفسكم". ثم رسمَ لهم خارطةً للنهر ترشدهم. أمَّـا هم فقد أطَّروا الخارطةَ ووضعوها في دار البلدية، ثم استنسخوها. فكل من امتلك واحدةً ظنَّ نفسَه خبيرًا بالنهر. لذلك كان البوذا يمتنع عن الكلام عن الله حتى لا يصيرَ كلامُه عقيدةً. فالحقيقة لا تقال، لأنها ذوقية. يقول المتصوفون: "من ذاق عرَف، ومن عرفَ اغترف". فإذا قيلَت الحقيقةُ تجمَّدَتْ، تحجَّرَتْ، تعقَّدَتْ، أصبحَتْ عقيدةً، ماتت. إنها تُقتَـل عندما تقال. يقول الغزالي في رسالته أيها الولد:

واعْـلَمْ أنَّ بعضَ مسائلكَ التي سألْـتَني عنها لا يستقيم جوابُها بالكتابة والقول. إنْ تبلغْ تلك الحالةَ تعرِفْ ما هي؛ وإلاَّ فعِلْمُها من المستحيلات لأنها ذوقية. وكلُّ ما يكون ذوقيًا لا يستقيم وصفُه بالقول، كحلاوة الحلو ومرارة المُر لا تُعرَف إلاَّ بالذوق. كما حُـكِيَ أنَّ عِـنِّـينًا كتبَ إلى صاحبٍ له أنْ "عرِّفْني لذَّة المجامعة كيف تكون". فكتب له في جوابه: "يا فلان! إني كنتُ حسبْـتُـكَ عِـنِّـينًا فقط. والآن عرفْتُ أنكَ عِـنِّـينٌ وأحمق. لأنَّ هذه اللذةَ ذوقية إنْ تصلْ إليها تعرفْ، وإلاَّ لا يستقيم وصفُها بالقول والكتابة.

كرمى دو هزار رطل همى بيمائي              تامى نخورى نباشدت شيدائي."

وقد ترجمَ هذا البيتَ من الفارسية إلى العربية الشيخُ محمد أمين الكردي:

لو كِلْتَ ألفَيْ رطلِ خمرٍ لم تكنْ                    لتصيرَ نشوانًا إذا لم تشربِ.

العقيدة هي إيمان العوامِّ، قاعدة القطيع، فكرةٌ قطيعية ثابتة لا يجرؤ على كسرها إلاَّ الشجاع الذي يريد فعلاً كسْرَ قيد الفكر والعقيدة وبلوغَ الحرية غيرَ آبِهٍ بثغاء القطيع ولا بنباح الكلاب. فها هو أبو يزيد البسطامي يكسر القاعدةَ فيأكل خلال نهار رمضان أمام أنظار أهالي قرية الرِّيِّ الفارسية التي مرَّ بها وهو عائد من مكة المكرمة؛ فما كان من الأهالي الذين خرجوا لاستقباله إلاَّ أن انفضُّوا عنه مستهجنين فِعْـلَتَه، مع أنَّ الشرع يرخِّص له الإفطارَ لكونه على سفر. فقال أبو يزيد لأحد مريديه: "ألم ترَ كيف أعرضوا عني عندما خالفْتُ توقُّعهم وتركْتُ مسألةً واحدةً من الشريعة."

تتصف العقيدةُ، إذَنْ، بالديماغوجيَّة[17] (الغوغائية أو الدهمائية)، مع أنها مسألة فردية. العقيدة حجابٌ يمنع من رؤية الواقع والحقيقة، غشاوةٌ نضعها على أعيننا. إنها أشْبَهُ بالـ"طَمَّـاسات" أو "الطَّمَّاشات" (الغِمامة أو كمامة عينَيْ الحصان، œillères، bossettes، blinkers، blinders) اللتيَنِ توضعان على عينَي البغل (أو الكَديش أو الحِمار) الذي يقوم بالفِلاحة أو بتحريك رحى المعصرة وذلك حتى لا ينشغلَ بالنظر على جانبَيه. لكنَّ الطماسات قد تساعد البغلَ الذي يجرُّ عربةً أو طُنْبُرًا على تخفيف خوفه من السيارات التي تمر على جانبَيه وعلى حماية عينيه. أمَّـا "طماسات" العقيدة فإنها تطمِس الرؤيةَ. حتى إنَّ اللغة الفرنسية تقول عن محدود النظر أو ضيِّـق الأفق بأنَّ لديه طماسات: Il a des œillères. لكنْ لماذا يَقْبل العوامُّ أنْ يضعوا على أعينهم طماساتٍ وغِشاواتٍ؟ بسبب خوفهم وجهلهم وضعفهم. فكلما زاد الخوفُ زاد التقوقُع والتمترُسُ وراءَ دروعٍ ومَجَانٍّ (جمع مِجَـنّ) وتُرُوس وهميةٍ من العقائد. ولكنْ هل تفيد تُرُوسُ العقيدةِ ودروعها وطماساتُها مَن يستخدمونها؟ على العكس، إنها تؤذيهم، فهي تزيد من جهلهم. وإذا كان هناك من مستفيد فهي المؤسساتُ الدينيةُ حُمَاةُ العقائد وحرَّاسُها وصانعو الوهم أو سَدَنة هياكل الوهم؛ فهي ليست سوى مصانعَ "طَمَّاسات" عقائدية تبيعها لأتباعها فتزيد بذلك من ثروتها وسيطرتها وجهلهم. إنها تتاجر بخوفنا وجهلنا وضعفنا. ففي حوار بين ل. رون هوبارد Lafayette Ronald Hubbard وصديق له حول أسرع طريقة لكي يصبحَ المرءُ مليونيرًا، قال هوبارد: "تأسيس دِين"؛ وبعد ذلك أسَّسَ السيانتولوجيا Scientologie [18].

تخيلوا رَجُلاً يلبس ثيابًا ذات لون معيَّن ويعتقد أن ثيابًا كثيابه هي الوحيدة التي تحمي وتُدَفِّئ. كذلك يكون المؤْمنون المعتقدون بصحة دِينهم وبطلان غيره. وماذا سيكون جوابنا لرَجُـل ينصحنا بعدم ركوب السيارة مستشهدًا بحادث سير راح ضحيته أحد أصدقائه؟

العقيدة فكرةٌ في رأس سمكة تعتقد أنَّ البحرَ في مكان آخر فتقضي حياتها باحثةً عنه وهي تسبح فيه. ما على الباحث عن الحقيقة إلاَّ أنْ يخلَعَ نعلَيه، أيْ أفكارَه ومعتقداتِه ونفسَه، وينظر حتى يرى الحقيقةَ. إننا لا نرى الواقعَ إلاَّ من خلال حُجُب معتقداتنا فنراه مشوَّهًا. فالحقيقةُ ليست في العقيدة. إنها هنا-الآن. يقول الحلاج:

وأيُّ الأرض تخْـلوْ منكَ حتى            تـعالَـوا يطلبونكَ في السماءِ.
تراهـم ينـظـرون إليكَ جهراً                    وهـم لايبصـرون من العَـماءِ.

وهو ما يتلاقى مع الأية: "فأينما تُوَلُّوا فثَمَّ وجهُ الله.[19]"

لذلك فكلُّ الدروب دروبي، وكلُّ العقائد عقائدي. ففيَّ "انطوى العالَـمُ الأكبر". تروي قصةٌ هنديةٌ أنَّ ثلاثةً (أو أكثر) من العميان دخلوا غرفةً فيها فيلٌ وطُلِبَ منهم أنْ يكتشفوا ما هو الفيل. وبعدَ أنْ تحسَّسوه، قال الأولُ: "الفيلُ هو أربعة أعمدة على الأرض!" وقال الثاني: "بلِ الفيلُ يشبه الثعبانَ تمامًا!" وأمَّـا الثالثُ فقال: "لا بلِ الفيلُ يشبه المكنسةَ!" ثم أخذوا يتشاجرون ويتَّهمُ كلُّ واحد منهم الآخرَ بالكذب، وتمسَّـكَ كلٌّ برأيه واعتقاده؛ مع أنَّ كل واحد منهم على صواب؛ فالأول أمسكَ بأرجل الفيل والثاني بخرطومه والثالثُ بذيله. ولو أضافَ كلٌّ منهم عقيدةَ الآخرين إلى عقيدته لتشكَّلَتْ عنده صورةٌ أوضح عن الفيل. هذه هي حالُ عقائدنا. فلا بدَّ أنْ نعتقدَ جميعَ العقائد ونتجاوزَها. ولهذا قال الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي:

عَقَدَ الخلائقُ في الإله عقائدًا            وأنا اعتقدتُ جميعَ ما عقدوه.

إنَّ المنقولاتِ الروحيةَ تحضُّ على المبدأ وتحذِّر من العقيدة. فالبوذا (سيدهارتا غوتاما) لا يجيبُ على السؤال: "هلِ اللهُ موجود؟" حتى لا يصبحَ جوابُه عقيدةً. ويروي البخاريُّ عن أنس بن مالك أنه جاء ثلاثةُ رهط إلى بيوت أزواج نبي الإسلام يسألون عن عبادته فلما أُخبِروا كأنهم تقالُّوها فقالوا: "وأين نحن من النبي؟"، فقال أحدهم: "أما أنا فإني أُصَـلِّي الليلَ أبدًا"، وقال آخرُ: "أنا أصومُ الدهرَ ولا أُفطِر"، وقال آخرُ: "أنا أعتزل النساءَ فلا أتزوج أبدًا." فبلغَ النبيَّ ذلك فحمدَ اللهَ وأثنى عليه وقال: "ما بالُ أقوام قالوا كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم للهِ وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأُصَـلِّي وأرقد وأتزوج النساءَ، فمن رغبَ عن سُنَّتي فليس مني". وكأنَّ نبي الإسلام يريد أنْ يُـكَـسِّـرَ العقيدةَ؛ غيْرَ أنَّ المسلمين وفقهاءهم فهِموا هذا الحديثَ، من موشور قناعاتهم وأقنعتهم، على أنه دعوة للتمسك بالعقيدة. وما حديثُ "إنَّ هذا الدِّين يُسْـرٌ، ولن يشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلاَّ غلبه" إلاَّ دليل على المرونة التي ينبغي التحلي بها حتى يصبحَ قلبُنا قابلاً كلَّ صورةٍ فنصلِّي شِعرًا مع ابن عربي:

لقد صارَ قلبي قابلاً كلَّ صورةٍ           فمرعًى لغزلانٍ وديرٌ لرهبانِ
وبيتٌ لأوثـانٍ وكعبةُ طـائفٍ            وألواحُ توراةٍ ومصحفُ قرآنِ.
أدينُ بدين الحبِّ أنَّـى توجَّهتْ           ركائبُه فالحب ديني وإيمـاني.

حزيران 2009

*** *** ***


 

horizontal rule

[1] سيسيل بي. دو ميل Cecil Blount DeMille (ماساتشوستس 12 آب/أغسطس 1881 – لوس أنجلِس 21 كانون الثاني/يناير 1959): منتج سينمائي أمريكي.

[2] كلمة persona تعني "القناع" masque الذي يضعه الممثلون، مشتقة من الفعل اللاتيني per-sonare: "تكلَّـمَ من خلال". يستخدم كارل غوستاڤ يونغ Carl Gustav Jung هذه الكلمةَ ليُـعَـبِّرَ بها عن الجزء من الشخصية الذي ينظِّم علاقةَ الفرد بالمجتمع.

[3] سورة الأنبياء، الآية 68.

[4] متَّى، 12، 26.

[5] الكونت ليڤ نيكولايافيتش تولستوي Leo Tolstoy (9 أيلول/سبتمبر 1828 – 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1910): من عمالقة الروائيين الروس ومن أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر. يَـعُـدُّه البعضُ من أعظم الروائيين على الإطلاق. والنص المشار إليه والذي ينتقد فيه الكنيسةَ هو: حول التسامح الديني، منشور في مجلة معابر على الرابط: http://maaber.org/issue_july09/perenial_ethics1.htm.

[6] سيمون ﭭـايل Simone Weil (1909 – 1943): فيلسوفة وباحثة وروحانية فرنسية، أخت عالم الرياضيات أندريه ﭭـايل André Weil. والشاهد مأخوذ من الأعمال الكاملة، من نص بعنوان: رسالة إلى رَجُـل دين.

[7] سورة البقرة، الآية 74.

[8] لوقا 23: 34.

[9] لقاء مع ندرة اليازجي، مركزية الأنا أصلُ العنف، مجلة معابر الإلكترونية، http://www.maaber.org/self_control/selfcontrol_2.htm.

[10] قاموس اللاعنف، مادة الحقيقة، ص 105، معابر للنشر، دمشق، الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية، بيروت، 2007.

[11] يذكر القرآنُ هذه الفكرةَ في سورة النحل (الآية 63): "تاللهِ لقد أرسلْنا إلى أمم من قبْـلِكَ فزيَّنَ لهم الشيطانُ أعمالَهم فهو وليُّـهم اليومَ ولهم عذابٌ أليم."

[12] سورة الأعراف، الآيات 14، 15، 16، 18.

[13] الحديث رواه عبد الله بن عباس: قال رَجُـلٌ: "يا رسول الله! أيُّ العملِ أحَبُّ إلى الله ؟" قال: "الحَـالُّ المرتحِـل". قال: "وما الحَالُّ المرتحِل ؟" قال: "الذى يضربُ من أول القرآن إلى آخره، كلَّما حلَّ ارتحلَ." (الألباني، السلسلة الضعيفة، رقم 1834، ضعيف الترمذي، رقم 2948).

[14] عبد الله القَصيمي، عاشق لعار التاريخ، ص 32 و33 و34.

[15] سورة الرحمن، الآية 29.

[16] عبد الله القَصيمي، عاشق لعار التاريخ، ص 30.

[17] الدِّيمَاغُوجِيَا demagogy/démagogie (من اليونانية demos: الشعب، وagein: قَادَ): استراتيجية لإقناع الآخرين بالاستناد إلى مخاوفهم وأفكارهم المسبقة. وهي استراتيجية سياسية لإغراء الشعب وخداعه بوعود كاذبة بهدف الحصول على السلطة، وذلك عن طريق الخطابات الحماسية والشعارات المضلِّلة والدعاية الكاذبة والسفسطة واللعب بمشاعر الشعب ومخاوفه.

[18] السيانتولوجيا Scientology هي فلسفة دينية تطبيقية أسَّسها كاتب روايات الخيال العلمي الفيزيائي النووي الأمريكي لافاييت رون هوبارد Lafayette-Ron Hubbard عام 1954 في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية. وتزعم أنها تسعى إلى تحسين حياة الفرد روحيًا وجعله سعيدًا من خلال فهم نفسه ككائن روحاني. عرَّفَت هي نفسَها بأنها: دين يقدِّم طريقًا محدَّدًا يؤدي إلى فهم كامل وأكيد لطبيعة الفرد الروحية الحقة ولعلاقاته مع نفسه ومع عائلته ومع الجماعات البشرية ومع كل أشكال الحياة والعالم الروحي والكائن الأسمى أو اللانهاية. [عن الموقع الرسمي لكنيسة السيانتولوجيا]. أما المؤسس ل. رون هوبارد فقد وُلِدَ في 13 آذار 1911 في تيلدن Tilden في ولاية نبراسكا Nebraska في الولايات المتحدة الأمريكية. أبوه كان ضابطًا في البحرية الأمريكية اسمه هاري روس هوبارد Harry Ross Hubbard. قام هوبارد بعدة رحلات ومغامرات في آسيا وخصوصًا الصين واليابان وارتبط بصداقات مع رجال دين بوذيين. ثم عاد إلى الولايات المتحدة ليَدرس الفيزياء الذرية والجُزيئية في جامعة جورج واشنطن. وقد أمضى خدمة العَلَم في البحرية الأمريكية. أُصيبَ في الحرب العالمية الثانية بالعمى والشلل. لكنه استعاد صحته وقواه بالكامل خلال سنتين بفضل تأملاته. وعلى الرغم من أن عجزه الجسدي كان محنةً قاسية جدًا بالنسبة له، إلا أنه أصبح أقوى روحيًا بعد أن تغلَّبَ على عجزه وشفي تمامًا. في عام 1938، ترك هوبارد كتابةَ روايات الخيال العلمي ليكرِّسَ نفسَه للفلسفة. وبعد فترة طويلة من البحث والتفكُّر في المحرِّض الرئيسي للحياة، ألَّفَ في عام 1951 كتابَه الأساسي المسمى: الديانيتيك Dianétique. والديانيتيك كلمة يونانية مؤلَّفة من كلمتين: dia وتعني (من خلال) أو (عبرَ) وnoûs وتعني (الروح)، أي: (من خلال الروح). فـ (الديانيتيك) يُحدِّد تمامًا ما تفعله الروح في الجسد. الديانيتيك هو قوة الفكر في الجسد. في عام 1952، أطلق هوبارد السيانتولوجيا كفلسفة دينية تطبيقية ذات صبغة علمية لتحسين حياة الفرد الروحية وحل مشكلاته النفسية. وفي عام 1954 أعلن عدد من السيانتولوجيين Scientolgues / Scientologists في جريدة السيانتولوجيا ما يلي: "بعد دراسة معمقة لنتائج سبر الآراء، نستطيع القول بصراحة أن السيانتولوجيا تستجيب لحاجة هي حاجة الدين." وفي 18 شباط 1954 أعلن رون هوبارد عن تأسيس أول كنيسة للسيانتولوجيا في لوس أنجلوس. وقد تمَّ الاعتراف بالكنيسة (التي كانت تُعتبَر نشاطًا تجاريًا) ككنيسة رسمية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في بداية تشرين الأول من عام 1993. كان هوبارد كاتبًا غزير الإنتاج، إذْ كَتَبَ حوالي 600 كتاب منها: إنقاص الجريمة، مشاكل العمل، الديانيتيك: قوة الفكر على الجسد، الديانيتيك: الفرضية الأصلية، الديانيتيك: تطوُّر علم، الديانيتيك 55، Self Analyse، السيانتولوجيا 080، أصول الفكر، نظرة جديدة إلى الحياة، مقدمة في أخلاقيات السيانتولوجيا، هل عشتَ قبل هذه الحياة؟، مهمة في الزمن، ديناميكات الحياة، إلخ. هناك نوعان من العضوية في الكنيسة: عضوية دائمة وعضوية مؤقتة. ويدفع الأعضاء الدائمون والمؤقَّتون ضريبة العُشر للكنيسة التي تعتمد على مساهمات الأعضاء والأسعار الباهظة جدًا للاستشارات والدروس.

[19] سورة البقرة، الآية 115.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود