|
حـجـاب المـديـنـة
لا ينفك الكثيرُ من زوَّار دمشق، في هذه الأيام، يبدون دهشتهم حيال تعاظُم انتشار ظاهرة الحجاب بين نساء هذه المدينة وفتياتها مقارنةً بما كانت عليه الحالُ قبل عقدين أو ثلاثة من الزمن. ففي عاصمة الدولة السورية يكاد الحجاب أن يطبع المجال العام بطابعه في الشوارع والأسواق، في المطاعم والمتنزهات، في الجامعات والمدارس، في الدوائر الرسمية والشركات الخاصة، هذا ناهيكم عن المقسورات في بيوتهن باسم الحجاب! لا بل إن العديد من المثقفين المتنورين في هذه المدينة يعمدون إلى الاستشهاد بظاهرة انتشار الحجاب لتبرير عجزهم وللتدليل على عمق حركة الأسلمة المحافظة التي تشهدها مدينتُهم. يريد هذا المقال أن يفتح بعض الصفحات المنسية من مسيرة تحرُّر المرأة الدمشقية ومن تاريخ سفور مدينة دمشق، علَّه بذلك يساعد على فهم بعض الآليات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي ساهمت في الدفع في هذا الاتجاه خلال النصف الأول من القرن العشرين والكيفية التي انقلبت فيها الآيةُ ابتداءً من السبعينيات حتى زمننا الراهن. إنها صفحات من تاريخ سفور مدينة دمشق وحجابها؛ لكن يمكن لها أن تكون صفحات من تاريخ مدن مشرقية أخرى، كبيروت وصيدا وطرابلس، حلب وحماة وحمص، القدس ونابلس والخليل، وصولاً إلى بغداد والقاهرة. جرت العادة على اعتبار التاريخ التأسيسي لمسار سفور المرأة وتعليمها في العالم العربي مرتبطًا بظهور كتاب تحرير المرأة لقاسم أمين، الذي طُبِعَ في القاهرة في العام 1899، وأعقبه بعد سنة بكتابه الثاني المرأة الجديدة الذي أهداه إلى صديقه سعد زغلول. مع ذلك، كان يجب انتظار ثورة 1919 وتظاهرة النساء الشهيرة، بقيادة هدى شعراوي، إلى "ميدان التحرير" في وسط القاهرة ونزعهن حجابهن في وسط الميدان؛ وكان يجب انتظار العودة المظفَّرة للزعيم الوطني سعد زغلول من منفاه القسري ونزعه الحجاب من على وجوه بعض مستقبليه من النساء، وفي مقدِّمهن هدى شعراوي، حتى يبدأ عمليًّا مسارُ سفور المرأة العربية. ومن المفيد أن نقرأ كيف تؤرِّخ الأديبة مي زيادة لهذه الحادثة التأسيسية في مقال لها نُشِرَ في جريدة الأهرام ونقلتْه عنها نظيرة زين الدين في كتابها السفور والحجاب: هل من عامل أقدر على السفور من أن يدخل الزعيم محفل السيدات المجتمعات لاستقباله، وسابقتْ يدُه لسانه فيما أراد، فمدَّ يده ضاحكًا ورفع الحجاب عن وجه أقرب السيدات إليه، فكان ضحكٌ وكان تصفيقٌ وكان تهليل، وسفرت الحاضرات بعد ذلك التحجب، فكان ذلك اليوم عنوان تحرير المرأة. عنى الحجاب، في ذلك الزمن، عرفًا ودينًا وممارسة، تغطيةَ المرأة لجسمها بالكامل، بما فيه وجهها؛ وهو ما يُعرَف في يومنا هذا بـ"النقاب". المطالبة بالسفور على أيدي أشخاص من مثل قاسم أمين وهدى شعراوي، وإنْ عنتْ أساسًا نزع الغطاء عن الوجه وخروج المرأة من المنزل، ساهمت في تفكيك النظرة الأرثوذكسية الجامدة إلى الحجاب ورفع التابو الديني والاجتماعي عنه، وبيَّنت بطلان الحجج والتأويلات الدينية المستعمَلة لتأبيده على شكله السابق، ومهدت الطريق، تاليًا، إلى السفور الكامل، بما فيه نزع غطاء الرأس. فكان هذا الأمر تحصيلاً حاصلاً بعد سنوات ونتيجةً طبيعيةً لتطور المسار الذي دشَّنه قاسم أمين. كانت مصر ذلك الزمان سباقة إلى تحرير المرأة، ورؤية نسائها ينتقلن من القول إلى الفعل، أو من "النظري" إلى "العملي"، في تعبير الشيخ علي عبد الرازق، حين كتب في العام 1928 في مجلة الهلال، معقبًا على كتاب السفور والحجاب لنظيرة زين الدين: إني لأحسب مصر قد اجتازت، بحمد الله، البحث النظري في مسألة السفور والحجاب إلى طور العمل والتنفيذ. فلستَ تجد بين المصريين، إلا المخلفين منهم، مَن يتساءل اليوم عن السفور: أهو من الدين أم لا، ومن ضروريات الحياة الحديثة أم لا؟ بل تجدهم، حتى الكثير من الرجعيين المحجِّبين منهم، يؤمنون بأن السفور دين، وعقل، وضرورة، لا مناص لحياة المدينة الحاضرة عنها. ويضيف الشيخ عبد الرازق: أما إخواننا السوريون فيلوح أن للسفور والحجاب عندهم تاريخًا غير تاريخه في مصر. فهم لم يتجاوزوا بعد الطور النظري الذي بدأه بيننا المرحوم قاسم أمين منذ أكثر من عشرين سنة. ولكنهم على ذلك يسيرون معنا جنبًا إلى جنب في الطور الجديد الذي نسير فيه، طور السفور الفعلي الكامل الشامل. حجاب الشام إذا كان صحيحًا أنه، ماعدا بعض الكتابات المتفرقة في نهاية القرن التاسع عشر لأمثال أحمد فارس الشدياق وزينب فواز العاملية، لم تشهد حواضر بلاد الشام ولادة أيِّ بحث نظري مكتمل من مثل كتاب قاسم أمين في تحرير المرأة قبل ظهور كتاب نظيرة زين الدين – عدا أن بداية السفور العملي للمرأة في هذه المنطقة، خصوصًا في الأرياف وفي مدن كبيروت، لم ينتظر ظهور كتاب نظيرة زين الدين وما أثاره من عواصف. أما في دمشق، فكان يجب انتظار حدث وطني من وزن عودة سعد زغلول إلى مصر، وإن يكن من طبيعة أخرى، حتى تتجرأ النساء فينزعن للمرة الأولى الخمار عن وجوههن. لقد تم ذلك في أثناء زيارة المبعوث الأمريكي تشارلز كراين في نيسان 1922، وهو السياسي المتعاطف مع مَطالب السوريين بالاستقلال عن فرنسا وصديق الزعيم الوطني السوري عبد الرحمن الشهبندر. فالتظاهرات التي اندلعت، مطالبةً بالاستقلال وترحيبًا به، انتهت باعتقال بعض القادة الوطنيين، وفي مقدِّمهم الشهبندر الذي عُرِفَتْ عنه مطالبتُه بتحرير المرأة وتعليمها. وأدى هذا إلى موجة تظاهرات عارمة شاركت فيها النساء للمرة الأولى في تاريخ المدينة، ونزع بعضهن الخمار عن وجوههن. عن هذه التظاهرات، وكيف تم تعديل نمطها وإشراك المرأة فيها، كتب المؤرخ فيليپ خوري في كتابه المرجعي الهام سوريا والانتداب الفرنسي: بعد أن غادر المتظاهرون الجامع الأموي، المركز التقليدي لجميع أعمال الاحتجاج في دمشق، تقدموا عبر سوق الحميدية بحوانيتها المغلقة إلى القلعة، حيث تمَّ صدُّهم فتفرقوا. وفي 11 نيسان، أضاف المنظِّمون تغييرًا طفيفًا إلى هذا النمط، إذ وضعوا في مقدِّم المسيرة الطويلة 40 امرأة، من بينهم زوجة الشهبندر وغيره من الوطنيين المسجونين. وكانت النساء يحملن العرائض ويجرحن وجوههن بأظافرهن ويولولن بصرخات حادة لا تُحتمَل، ما يدفع الرجال إلى ورائهم إلى الانفجار بالهدير. وإذا كان مفهومًا أن زوجة الشهبندر، السيدة سارة المؤيد العظم، وبعض زوجات قادة الحركة الوطنية ونساء الشرائح الاجتماعية العليا كن رائدات السفور في ذلك الزمن، فإن الأمر لم يكن ليتم بالسهولة ذاتها فيما يخص بقية النساء الدمشقيات، وظل العرف السائد، حتى نهاية العشرينيات من القرن المنصرم، يضغط على النساء المسلمات ليتحجبن بالكامل في الأماكن العامة؛ لا بل إن خروج الفتيات سافرات من بيوتهن إلى الأسواق كان، في بعض الأحيان، يعرِّضهن للمخاطرة بحياتهن. نستطيع أن نقرأ، من العام 1925، في صحيفة الميزان الدمشقية، ما جرى لإحداهنَّ في ذلك الزمن: تعرَّض رعاع السوق منذ أسبوعين إلى فتاة صغيرة من بنات الأُسر الدمشقية الكريمة بحجة أنها تسير في السوق سافرة. ولولا أن رجال الشرطة أنقذوها من أيديهم لما نجت من مكروه أو أذية. في العام 1927، قامت مجموعة من النساء الدمشقيات، في مقدِّمهن الرائدة النسائية ثريا الحافظ، بتسيير تظاهرة إلى ساحة "المرجة" رفعن فيها الأغطية عن وجوههن؛ لكن الأمر لم يكن ليستتب بهذه السهولة لهن. وتشير نظيرة زين الدين، في فاتحة كتابها، إلى أن ما حرَّضها على تأليفه هو ما وقع على النساء الدمشقيات من ضغوط لإبقاء الحجاب، وتقول في هذا الإطار: بدأت أدرس شؤون الشرق وأحوال المرأة فيه منذ بدأت أفهم معنى الحق والحرية واستقلال الإرادة والاعتماد على النفس وعدم كفاية التقليد في دين الله، بل عدم جوازه. فما أغرب ما رأيت في ما درست، وما أكثر ما ساءني، وما أعظم ما كظمت، حتى حدث في الصيف الماضي ما حدث في دمشق من ضغط لحرية المسلمات ومنع لهنَّ من السفور والتمتع بالهواء والنور، فتناولتُ القلم لأُظهر في محاضرة موجزة ما في نفسي من ألم، فإذا بقلمي يمشي في أثر نفسي. في الواقع، فإن الحجاب في دمشق، كممارسة اجتماعية، بقي حتى أواخر العهد العثماني يدل ليس فقط على تحجيب النساء بالكامل، بما فيه غطاء الوجه، بل كان يعني، أساسًا، مصادرة جسد المرأة المسلمة وحَجْبها في المنزل وحرمانها من التعليم وتزويجها في وقت مبكر. يصف عبد العزيز العظمة، ابن تلك المرحلة، حال نساء ذلك الزمن بالآتي في كتابه مرآة الشام: كانت النساء، عند خروجهن من دورهن، يتأزرن بمآزر بيضاء تُسدَل إلى وجه القدم، وكنَّ يسترن وجوههن ببراقع [مناديل] ملونة لا يرى من ورائها الناظرُ شيئًا، تعلوهنَّ الحشمة والوقار، ولا يجرؤ أحدٌ على الدنوِّ منهن، ولو كان من ذوي القربى، لأنَّ تكلُّم الرجل مع المرأة في الأسواق كان يُعدُّ من المعايب. فالمرأة، في تلك الفترة، كانت محرومةً بالكامل من حقِّ التعليم ومن الخروج بمفردها من المنزل. أما نظام التعليم السائد، حتى أواخر القرن التاسع عشر، فكان رجال الدين يسيطرون عليه ويعلِّمون الأولاد الذكور من خلال حلقات التدريس ("الكتاتيب") قواعد اللغة العربية وأصول الدين؛ ولم يكن في مدينة دمشق مطلع القرن العشرين سوى مدرسة ثانوية واحدة ("مكتب عنبر") تدرِّس أولاد النخبة الذكور البرامج المقررة باللغة التركية وتهيِّئهم لإكمال الدراسات العليا في اسطنبول – هذا عدا أن التسارع الهائل للحوادث في أعقاب إلغاء الخلافة العثمانية، وعمق التبدلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على المنطقة، وإصلاح منظومة التعليم، وبداية تغلغل أفكار النهضة العربية داخل شرائح المجتمع المتعلِّمة على أيدي مصلحين كبار، من أمثال الشيخين طاهر الجزائري وجمال الدين القاسمي ومحمد كرد علي، دفعتْ مجتمعةً للتأسيس لممارسات سياسية واجتماعية وعمرانية وثقافية أكثر حداثةً في أحياء المدينة الجديدة، وخففتْ من سطوة رجال الدين التقليديين على منظومة القيم والأخلاق، وسمحتْ للفتيات، شيئًا فشيئًا، بالتحرر من الحجاب وبدخول المدارس والجامعات وباستعادة مكانتهن في المجال العام. سفور المدينة شكَّلتْ قضية المرأة وتحرُّرها، في ذلك الزمن، إحدى بؤر الصراع الاجتماعي الأساسية، وشغلتْ قسطًا واسعًا من المناقشات العلنية التي دارت على صفحات الجرائد؛ وترافَق ذلك مع تبدُّل ملموس في وضعيتها ودورها في المجال العام. وإذا كانت ظاهرة السفور والاختلاط وتقليد الأوروبيين في أسلوب عيشهم بقيت في بدايتها وقفًا على الطبقات العليا من المجتمع الدمشقي (وخصوصًا على عائلتَي العظم والعابد) وعلى بعض سيدات الطائفة المسيحية، فإنها سرعان ما امتدت لتشمل شرائح واسعة من المتعلمات والمتعلمين وحَمَلة الشهادات والموظفين من أفراد الطبقة الوسطى. لم يبقَ أسلوب العيش هذا حكرًا على فئة اجتماعية بعينها، لكنه ظل يواجه عقبات في تمدُّده؛ وأكثر ما كان يُشاهَد مع الفتيات الشابات وطالبات المدارس في الأحياء الجديدة وبعض سيدات الطبقة العليا. نستطيع أن نقرأ في مقال ظهر في 22 كانون الثاني 1934 في صحيفة الصباح عنوانه "فتاة اليوم السورية" وصفًا معبِّرًا في دقة عن هذه التبدلات: طلعت روح التمدن في السنين الأخيرة على العاصمة السورية، حتى لتسير في شوارع دمشق فترى كثيرًا من الفتيات وقد ارتدين الملابس الغربية ذات الألوان الزاهية بعد أن خلعن ملابسهن القديمة وسِرْنَ بالطرقات برفقة أصدقائهن من الشبان، الأمر الذي لم يكن له وجود منذ حقبة من الزمن. في الجانب الآخر، كان تمدُّد أسلوب العيش هذا يواجَه لدى رجال الدين ووجهاء بعض الأحياء الشعبية، كحي "الميدان" مثلاً، برفض مستتر، عنيف أحيانًا. ويشير فيليپ خوري، في كتابه سوريا والانتداب والفرنسي، إلى أن الجمعيات الدينية التي تأسست في فترة ما بين الحربين على أيدي بعض المشايخ، من مثل "الجمعية الغراء" و"جمعية الهداية الإسلامية"، جعلت في صلب مهماتها تحريض العامة بالتركيز على مسألتين خلافيتين: مكانة المرأة ونظام التعليم. لكنه يبين، في الوقت نفسه، كيف أن تبدُّل أنماط الذوق والسلوك، وتوافُر فرص أكبر للسفر في الشرق الأوسط وإلى أوروبا، والانتشار المتدرج للثقافة العلمانية الحديثة خلال فترة الانتداب، أتاحت مجتمعةً للنساء من الطبقتين العليا والمتوسطة العليا اكتساب قيم جديدة وارتداء أنواع مختلفة من الأزياء وامتلاك تطلعات حديثة ميَّزتهن من باقي المجتمع النسائي عامةً ومن أجيال أمهاتهن وجداتهن خاصة. ويشير الباحث إلى أن هذه التغييرات جعلتْهن يظهرن علنًا أكثر مما مضى، وأصبحت زوجات قادة "الكتلة الوطنية" وبناتهم يمارسن نشاطًا متزايدًا في الميدان السياسي كمشتركات في الإضرابات وفي الأنشطة الخيرية، ما دفع بقضية حقوق المرأة شيئًا فشيئًا إلى الواجهة. يصف رئيس وزراء سوريا الأسبق خالد العظم (1903-1965) في مذكراته تبدُّل لباس المرأة في دمشق خلال القرن العشرين، فيقول في هذا السياق: الفرق الكبير الظاهر، بين الأمس واليوم، هو في لباس المرأة. فقد كانت المسكينة ملفوفةً بملاءة سوداء لا تُظهِرُ لها جزءًا من جسمها حتى ولا كسمه؛ وأما الوجه فمخبأ يكاد لا يخرقه النور – حتى إني أجيز إقامة تمثال تمجيد للمرأة العربية المسلمة التي كانت تستطيع السير في الشارع وتميِّز طريقها من خلال هذا الحجاب! ويضيف الزعيم الدمشقي، الذي طالما أعطتْه مدينة دمشق أعلى نسبة في الأصوات في الانتخابات الپرلمانية إبان الحقبة الديموقراطية، واصفًا تطور لباس المرأة، واضعًا إياه في سياق التطور الزمني وفقًا للوضع الاجتماعي للمرأة ولمكان سكنها في أيٍّ من أحياء المدينة التقليدية والحديثة، فيقول في هذا السياق: لا تزال النساء في أحياء المدينة القديمة يرتدين هذا الزي [التقليدي]، رغمًا عن أن سكان الأحياء الجديدة تطورت حالتُهم الاجتماعية، فتبدلتْ الملاءة الزَّم إلى ملاءة محصورة لا تتجاوز أطرافُها الركبتين ويفلت من أجنحتها الزندان واليدان، ورقَّ منديل الوجه حتى صار شفافًا لا يحجب من الوجه شيئًا، بل يزيد في جماله بستره بعض العيوب! ثم خطت المرأة خطوة أجرأ واستبدلت بالملاءة غطاءً رقيقًا تعصب السيدة رأسها به (البشمك)، وجسمها مكسو ببدلة عادية فوقها معطف. ثم انتهى الأمر بأن خرجت المرأة العصرية عن كلِّ ما يفرِّقها عن المرأة غير المسلمة من حيث اللباس الذي ترتديه للخروج من الدار. لم يخلُ الأمر، بين الفينة والأخرى، من حركات احتجاج وتظاهرات تقوم بها الجمعيات الدينية في مواجهة هذه التبدلات الاجتماعية المتسارعة، التي كانت ترى فيها إساءةً إلى القيم الإسلامية التقليدية ودليلاً على تضاؤل تأثيرها في المجتمع. ويبين فيليپ خوري كيف أنه في أيار من العام 1942 قادت هذه الجمعيات تظاهرات احتجاج ضخمة [...] شجبًا للنساء اللواتي كنَّ يخرجن إلى الأماكن العامة سافرات، ويخرجن للتنزه مع أزواجهن متكئات على أذرعهم، ويقصدن دور السينما، وطالبوا بأن تجعل الحكومة للنساء عربات خاصة في الترامواي في وقت الازدحام للفصل بين الجنسين، وأن تغلق الحانات والملاهي المجاورة للأماكن الدينية والثقافية، وأن تُنشأ فرقةٌ من شرطة الأخلاق مهمتها قمع الرذيلة. لكن خوري لا يذكر فقط كيف أن حكومة حسني البرازي لم تُعِرْ هذه التظاهرات اهتمامًا، وأنه وُجِدَ بين رجال الدين مَن لم يؤيد هذه التحركات، ولكن كيف أن طلاب الصفوف الثانوية في مدرسة "التجهيز" – وهم الأنشط سياسيًّا في المدينة – اتخذوا موقفًا معارضًا في شدة لهذه المطالب أيضًا، الأمر الذي أدى في النهاية إلى فشل التحرك. في أيار من العام 1944، جرى الصدام الكبير بين رجالات الحركة الوطنية، وفي مقدِّمهم رئيس الوزراء سعد الله الجابري، من جهة، وبين الجمعيات الدينية المحافظة، من جهة أخرى، بسبب ما عُرِفَ بحادثة "نقطة الحليب"، وهو اسم لجمعية خيرية نسائية ترأَّستْها زوجة وزير التعليم نصوح البخاري وضمت عددًا من زوجات السياسيين الوطنيين البارزين. فقد أرادت هذه الجمعية تنظيم حفل خيري راقص، الأمر الذي أثار حفيظة رجال الدين عندما تناهى إلى مسامعهم أن النساء المسلمات سيحضرن الحفل سافرات، فنظموا تظاهرات غاضبة وهاجموا بعض دور السينما وأخرجوا النساء منها، واندلعت أعمال العنف في حي "الميدان" الشعبي وسقط أربعة قتلى. إلا أن رئيس الوزراء سعد الله الجابري لم يخضع لمطالب "الجمعية الغراء" ونجح في إخماد تلك الفتنة وفي التعامل معها على أنها، في الأساس، "مشكلة أمنية وإخلال بالنظام العام". وقد شكلتْ هذه الحادثة نقطة تحوُّل، ليس فقط في تحديد طبيعة العلاقة بين الجمعيات الدينية والحركة الوطنية وفي تأطير علاقة التيار الديني مع الشأن العام ومع قضية تحرير المرأة تحديدًا، ولكن كذلك في تبيان الكفة التي تميل إليها الدينامية الاجتماعية الصاعدة، بما فيها من تيارات ثقافية وفكرية تجديدية ومن أحزاب سياسية حديثة. للتدليل على عمق هذه التحولات المجتمعية، التي كانت تمضي قُدُمًا في غير صالح التيار الديني المحافظ داخل المدينة، يكفي أن نقرأ ما كتبه أحد رموز هذا التيار، الشيخ الدمشقي علي الطنطاوي، في مجلة الرسالة المصرية في 2 أيلول من العام 1946 تحت عنوان "دفاع عن الفضيلة"، واصفًا حال مدينته في فجر الاستقلال ومهاجمًا الحكومة لشدَّتها مع المتطرفين الدينيين بعد حوادث 1944: دفعت الغيرةُ على الأخلاق الإسلامية والسلائق العربية بعض العامة إلى الدخول على النساء في السينما وإخراجهن منها وترويعهن وإلى التجول في البلد ونصح كلِّ متبرِّجة ووعظها وزجرها. وقد أنكر العلماء وعقلاء البلد ذلك، فكفوا عنه وأقلعوا. ولكن دعاة الفجور لم يُرضِهم أن تنتصر دمشق للفضيلة وأن تهدم عليهم عملهم على رفع الحجاب وإباحة الاختلاط، فاستغلوا عمل هؤلاء العوام وأعلنوا إنكاره وكبَّروه وبالغوا في روايته [...]، وصار مَن يذكر السفور بسوء أو يدعو إلى الفضيلة والستر كمن يدعو إلى الخيانة العظمى. الطريف أن علي الطنطاوي كتب بعد شهر في المجلة نفسها، تحت عنوان مناظرة هادئة، راصدًا كيف استقبلت نساء المدينة مقالته الأولى: إن هذه المقالة "دفاع عن الفضيلة" شغلت الناس واختلفت فيها آراؤهم. وكان من أعجب ما سمعت من التعليق عليها أني كنت في الترام، وكان الترام في تلك الساعة خاليًا، فسمعت حديثًا بين امرأتين في غرفة النساء، لا أراهما ولا تريانني، موضوعة التعليق على هذه المقالة. ولست أروي من هذا الحديث إلا كلمتين اثنتين تدلان عليه. قالت الأولى: "يُهْ، ما تردِّي عليه؟ ينزل عليه الدم إن شاء الله وعلى ها المشايخ كلهم!" قالت الثانية: "وإنتِ ليش مهتمة فيه، مين رادِدْ عليه؟ يبعت له الحمِّى! يعني بدو نرجع لورا، ونضيِّع النهضة النسائية ونرجع جاهلات متحجبات يتحكم فينا الرجال؟ فَشَرْ! إننا سنكسر رأسه." هذا التعليق، إنْ دلَّ على شيء فعلى الكفة التي كانت تميل إليها التحولات المجتمعية الجارية على قدم وساق والتي يصفها علي الطنطاوي، مستهجنًا، في المقال نفسه بالعبارات الآتية التي تكشف حقيقة موقفه من النساء: ما هي هذه النهضة النسائية؟ وبماذا تختلف نساء اليوم عن نساء الأمس؟ أنا ألخص الاختلاف في كلمات: كانت نساؤنا تقيات جاهلات متحجبات مقصورات في البيوت. [...] إننا نبصر فتيات يتجاوز عددهن الآلاف المؤلَّفة، يقطعن الطرقات كلَّ يوم إلى المدارس، غدوًّا إليها ورواحًا منها، وهنَّ بأبهى زينة وأبهج منظر، يقرأن كلَّ ما يقرأه الشبان من هندسة وجبر ومثلثات وكيمياء وفيزياء وأدب وغزل، ويتعلَّمن الرسم والرياضة والغناء، ويدخلن مع الشباب في الامتحانات العامة، ويحملن مثلهم البكالوريات والدپلومات، ويجمعهنَّ مجلسٌ بعد هذا كلِّه بالعاميات الجاهليات، فلا تجدهن أصحَّ منهن فكرًا ولا أبعد نظرًا، ولا ترى لهذا الحشد من المعلومات الذي جُمِعَ في رؤوسهن من أثر في المحاكمة ولا في النظر إلى الأشياء. من المفيد هنا الإشارة إلى أن من إيجابيات المناقشة الفكرية التي تمَّتْ في العديد من البلدان العربية في شأن الحجاب منذ بداية القرن وما تلاه من سفور علني متزايد للنساء، التفريقَ بين الحجاب والدين، الذي لم يندرج في أيِّ شكل من أشكال معاداة الدين أو التنكر للقيم الإسلامية؛ لا بل إن هذه التحولات كانت تأتي على يد نساء مؤمنات يفاخرن بهويتهن الإسلامية المنفتحة. وعليه فإن موضوع السفور والحجاب كان يُنظَر إليه، في أوساط الفئات المتعلمة، على أنه مرتبط، أساسًا، بالحرية الفردية وبالاختيار الشخصي للمرأة وبموضوع التقدم، ولا علاقة له بتاتًا بالفروض والواجبات الدينية. يكفي، في هذا السياق، أن نتأمل في تحقيق أجرته الصباح الدمشقية، في شهر آب من العام 1942، واستفتتْ من خلاله عشرين شخصية ثقافية وفكرية، من نساء المدينة ورجالها، في شأن ما أسمته بـ"مشاكل الزواج والحجاب والتعليم والإصلاح". والطريف أن سؤال الصحيفة المنحاز، ضمنيًّا، ضد الحجاب – ونصه الآتي: "ما رأيك في مشكلة الحجاب؟ وهل تعتقد أن من واجب المرأة الحديثة الناهضة الحفاظ عليه؟" – نال إجاباتٍ كانت، في معظمها، غاية في الوعي لبعد التدرج مع الزمن ولحرية الاختيار الشخصي للمرأة. وسنعرض هنا بعضًا منها: فمثلاً، يجيب أنور حاتم بأن "أمر الحجاب يتعلق بالمرأة"؛ ويقول الزعيم الوطني فخري البارودي إن "الشأن للأخلاق الفاضلة، وليُحسن الناس تربية بناتهن ولا يخافوا بعدها عليهن إنْ سفرن أو تحجبن"؛ أما منيرة المحايري فتجيب بأن "الحجاب عرض زائل وسيزول حتمًا، ولكن المرأة تخشى الألسن الطويلة، لذا نراها متمسكة به، وعلى أية حال، فستضرب به الأيام عرض الحائط"؛ بدوره، يشير الدكتور فريد الخاني إلى أنه "متى قبلنا بمبدأ التساوي بين الرجل والمرأة زال الحجاب، وإذا استطاع هذا الوسط هدم الحاجز فلا بدَّ من مرحلة انتقالية يتجنب بها الصدمة المفاجئة، وقد يقبل مبدئيًّا، كحلٍّ وسط، السفور المقيَّد"؛ أما الرائدة النسائية عادلة بيهم، التي أسَّست جمعية "دوحة الأدب ومدرستها"، فتقول: "ليس هناك ما يسمى بمشكلة الحجاب لأنه في طريق الزوال، واللواتي يحافظن عليه يفعلن ذلك لسببين هما: العادة والبيئة، ونحن مخيَّرات بين الحجاب والسفور والاختيار في يدنا"؛ ويصر الدكتور نادر الكزبري على أنه "لا وجود لأزمة الحجاب لأن في استطاعة المرأة التخلص من الحجاب متى شاءت، وليس للرجل دخل في هذا الأمر، ومن العجيب أن تُثار هذه المشكلة مرة بعد أخرى". وإذا كان صحيحًا أن فرض الحجاب على النساء هو وليد القمع، فإن السفور الحقيقي الذي يدوم هو وليد الحرية، لا وليد القمع. وقد كان الرائد النهضوي الدمشقي محمد كرد علي واعيًا تمامًا لهذه القضية عندما كتب في مذكراته، المنشورة في العام 1951، شارحًا: نحن نحاذر، إذا عمدنا إلى القوة في إزالة الحجاب، قيام فتنة يستغلها الرجعيون. وأرى أن مسألة الحجاب آخذة بالانحلال من نفسها. فهو ضئيل في الريف، وفي المدن أخذ يتقلص سنة بعد سنة، وجميع الأوانس اللائي يدرسن في المدارس يخرجن اليوم سافرات، ولا يرغبن في العودة إلى الحجاب بعد التخلص منه، هذا إذا لم يحملن أمهاتنَّ وأهلهن على الاقتداء بهن في كشف وجوههن. نعم، يسير هذا التجدد من نفسه، ومن دون تعمُّل ولا أمر حاكم ولا تشريع مشرِّع، ويزيد السافرات شئنا أم أبينا. [...] ويقل الآن عدد المنكرين على السافرات كما كانوا ينكرون عليهن منذ ثلاثين سنة أو أربعين سنة؛ بل لقد رأينا نساء مَن كانوا إلى الأمس يتمسكون بالحجاب من أول مَن تقدَّمن لكشفه وتظاهرن بأنهن سفرن في غفلة عن أزواجهن وما سفرن إلا برضاهم. من هنا لا نستطيع أن ننظر إلى مسار سفور المرأة الدمشقية في معزل عن المناخ الثقافي والسياسي والاجتماعي الذي كان سائدًا في ذلك الزمن والذي عنوانه الأول والأخير: الحرية. صحيح أن فترة الأربعينيات والخمسينيات اعتراها بعضُ الانقلابات العسكرية والتغييب المؤقت للحريات السياسية، إلا أن أحدًا لم يُقدِم على استباحة البنى الاجتماعية وخنق الحريات المجتمعية ومصادرة الجمعيات والهياكل المدنية والأهلية. كان مشروع التحديث ومفهوم الحداثة صنوين لدينامية اجتماعية عنوانها التطور والانفتاح والأمل بالمستقبل. الردَّة دمشق – التي ذهبت في المشروع القومي العربي حتى النهاية، وخرجت في العام 1958 سافرةً إلى الشوارع عن بكرة أبيها، بنسائها ورجالها، مطالبةً بالوحدة مع مصر جمال عبد الناصر – وجدت أحلامها القومية تتبدَّد تباعًا على وَقْع الانقلابات العسكرية المنتسبة إلى القومية العربية، وخرجت من تعدُّدها الثقافي والسياسي إلى قفص الحزب الواحد، ورأت انفتاحها الاجتماعي الناشئ يتحول انغلاقًا على وَقْع فشل مشروع التحديث وإجهاض أفكار الحداثة، واستعادت حجابها مسيَّسًا وغادرت سفورها النهضوي، وعاشت تحوُّلها من مدينة واعدة إلى قرية كبيرة يغيب عنها التمدن والمدنية. سيقول بعضهم إنها هزيمة 1967 المدوية وفشل مشروع التحديث الدولاني! ويشير آخرون إلى أنها الصحوة الإسلامية والثورة الإيرانية! وستدَّعي فئة أخرى أنها الطفرة النفطية والفكر الوهابي! حقيقة، لست أدري! – عدا أن لا شيء آخر يفسِّر انكسار المدينة وهوانها، في حجابها كما في سفورها، سوى المأساة التي حدثت في شوارعها في العام 1981، عندما قرَّر رفعت الأسد، من دون سابق إنذار، نشر وحدات من النساء المظلِّيات برفقة قوات "سرايا الدفاع" في شوارع دمشق لإجبار النساء – كلِّ النساء ومن جميع الأعمار –، بقوة السلاح، على نزع حجابهن أمام الملأ وفرض منعه في الشوارع! وإذا كانت السلطة، ممثلةً بالرئيس السوري حافظ الأسد، قد تراجعت في اليوم التالي عن هذا القرار وأبقتْه ساريًا على طالبات المدارس داخل حَرَم مؤسَّساتهن التعليمية، وذلك قبل أن يتم إلغاؤه نهائيًّا في بداية عهد الرئيس بشار الأسد، فإن هذا الحدث الجلل أخرج الحجاب نهائيًّا من إطار الحرية الشخصية وأَدخله في سياق التوظيف السياسي وفي سؤال الهوية في علاقتها مع الآخر. لقد خرجت السلطة أقوى من صراعها المدمِّر في الثمانينيات مع "جماعة الإخوان المسلمين". وكان ثمن المواجهة مع العنف الإسلامي المسلح مصادرة المجتمع، بقضِّه وقضيضه، وإلغاء الحريات بالكامل. في المقابل، تم السماح لمجموعة من علماء الدين، المتحدِّرة عائلاتهم من الطرُق الصوفية، بالأخص من الطريقتين النقشبندية والشاذلية، بأن ينشطوا في دمشق ويوسعوا من حلقات المريدين ويقيموا الجمعيات والمعاهد، ويروِّجوا لفهم معيَّن للإسلام يبتعد ظاهريًّا عن السياسة، لكنه غاية في الشراسة والتخلف على المستويين الاجتماعي والثقافي. هناك اليوم في دمشق آلاف الجوامع التي تشرف عليها مباشرةً "دارُ الإفتاء". ويوجد، إلى جانب كلية الشريعة التي تضم في حدود 9 آلاف طالب من أصل 50 ألفًا في جامعة دمشق، العديد من "معاهد الأسد لتحفيظ القرآن"، هذا بالإضافة إلى "مجمَّع أبو النور"، التابع لنجل المفتي السابق الشيخ أحمد كفتارو، الذي يضم في مبناه الضخم "المعهد الشرعي للدعوة والإرشاد" وأربع كليات دينية مرتبطة بجامعات إسلامية خارجية. وهناك "معهد الفتح الإسلامي" التابع للشيخ حسام الدين فرفور. وقفت الدولة موقف غضِّ النظر عن هذه المعاهد: فلا هي منعتْها، ولا هي اعترفتْ بها! وقد مضت هذه المعاهد، مع ذلك، في سبيلها وتطورت، فتحولت إلى كليات، والكليات إلى جامعات؛ وهي تمنح اليوم درجات التخريج حتى الدكتوراه – هذا في وقت تضنُّ الدولة بالسماح ليس فقط للمنتديات السياسية ولكن لأيِّ نشاط ثقافي أو فكري تنويري خارج عن إشرافها المباشر! لم ينقص مدينة دمشق سوى ظاهرة "القبيسيات"، وهي طريقة صوفية نسائية شديدة الهرمية تنتسب إلى مؤسِّستها "الآنسة" منيرة القبيسي المقيمة في دمشق. وقد انتشرت هذه الطريقة بدايةً في الأوساط المتميزة اجتماعيًّا واقتصاديًّا، وقامت أساسًا على تأطير الفتيات المدينيات وتحجيبهن، وعلى إعطاء دروس دينية في المنازل، تتخلَّلها أحيانًا حفلات ذكر ومولد نبوي. وقدَّر مراسل جريدة الحياة في دمشق إبراهيم حميدي أتباع هذه الطريقة بنحو 75 ألف فتاة (الحياة 03/05/2006)، مشيرًا إلى وجود حوالى 40 مدرسة ذات طابع ديني تدور في فلك الشيخة منيرة القبيسي، وهي مدارس تدرِّس المناهج التربوية المعتمَدة رسميًّا في عموم المدارس السورية، تُضاف إليها خدماتُ تدريس دينية. المفجع في هذا كلِّه أن الآباء البيولوجيين أو الروحيين لهؤلاء المشايخ (كان الشيخ طاهر الجزائري وتلميذه كرد علي يسميانهم بـ"الحشويين")، الذين وقفوا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن المنصرم ضد سفور المرأة وتعليمها وخروجها من المنزل، من دون أن ينجحوا في تحقيق غاياتهم – نجد ورثتهم في دمشق اليوم، الذين يبزُّونهم محافظةً وانغلاقًا، ينشطون تحت رعاية الدولة، وبتمويل منها، ليس فقط في بثِّ أفكارهم "الحشوية" (وهذا حقهم المشروع)، ولكن في تحريض الدولة لكي تضرب بيد من حديد على كلِّ مَن يتجرأ ويحاول أن يفتح للفكر المتنور نافذةً يطل منها على الشام! يكفي، في هذا السياق، أن نذكر أنه بعد قرن من الزمن على كتاب تحرير المرأة لقاسم أمين فإن الشيخين محمد سعيد رمضان البوطي ومحمد راتب النابلسي، اللذين لا ينفك الناس يسمعوهما من على أثير إذاعة دمشق أو يرونهما من خلال شاشة التلفزيون السوري، لا يزالان يفتيان بأن الأكمل والأستر والأحوط للمرأة المسلمة هو التنقب وستر الوجه – هذا في وقت تقبع فيه الناشطة المعارضة الدكتورة فداء الحوراني سافرةً في سجن النساء في دوما! أما لماذا تقبع الدكتورة فداء في السجن فالجواب بسيط، ونستطيع أن نجده في فتاوى كلٍّ من الشيخين البوطي والنابلسي. يقول البوطي في واحدة من فتاواه جوابًا عن سؤال حول الديموقراطية: إنْ كنتَ تعني بالديموقراطية الشورى التي يجب أن تسري بين رجال السلطة وفئات الشعب فهذا جزء أساسي من أحكام الدولة في الإسلام؛ وإنْ كنتَ تعني بها أن يحكم الشعب نفسه، فهذا مخالف لحكم الإسلام، لأن الحاكم في الشريعة الإسلامية هو الله. أما النابلسي فيقولها صريحةً وجارحةً في بساطتها: أما الديموقراطية فنسيج غريب عن الإسلام. *** *** *** عن موقع كلنا شركاء، 22/09/2008
|
|
|