|
إيكولوجيا عميقة
ثمة حقل ألغام في الحركة البيئية الأمريكية، واسمه عدد السكان. ولأن التخويض في هذا الحقل خطر جدًّا فإن العديد من المجموعات البيئية والزعماء توقفوا عن محاولة عبوره. إنما سيكون إنكارًا للواقع تجاهُل عدد السكان كقضية مركزية في الوقت الذي نتحدث فيه في حرية عن التوسع العمراني العشوائي sprawl، وتلوث الماء والهواء، وخسران التنوع الحيوي والأراضي الزراعية وموائل الحيوانات، وعن الاحترار العالمي global warming والكثير من القضايا البيئية الحاسمة الأخرى. إن عدد السكان – والهجرة خصوصًا – ليسا من القضايا السهلة أبدًا. ففي الولايات المتحدة، على الأقل، يعادل النمو السكاني تقريبًا الهجرة. فإذا أسقطنا أعداد المهاجرين بعد العام 1990، فإن عدد سكان الولايات المتحدة سيكون في حدود 310 ملايين نسمة في العام 2050؛ أما مع معدلات الهجرة الحالية، فيقول «مكتب الإحصاء الرسمي» إنه قد يصل إلى 438 مليون نسمة. ويمكن لعدد السكان أن يتضاعف مرتين بحلول العام 2100؛ ويُعزى ثلثا ذلك النمو إلى الهجرة.
لعل التأثير القوي للأديان والتقاليد الروحية في سلوك البشر هو الذي دفع المفكرين للبحث في القضايا البيئية واستقصاء الصلات المحتملة بينها وبين الأديان وتعاليمها ونظراتها. فكيف تم عقد الصلة بين الدين، بما هو علاقة بالمقدّس، والإيكولوجيا، بما هي علاقة بـ "الأرضي"؟ وكيف يكتسب هذا الربط دلالة ومغزى؟ هل أسهمت بعض الأفكار الدينية في إحداث الأزمة البيئية؟ وهل لأفكار أخرى القدرة على تلمس الحلول لها؟ وهل ثمة تباينات بين الأديان يمكن رصدها في هذا الصدد؟ لقد ظهرت دراسات وبحوث تأخذ في منظورها هذه الأسئلة وتعبر عن السعي لإضفاء اللون الأخضر على الأديان.
في هذا الصدد، يؤكد عالم الأديان الروماني الشهير ميرتشيا إلياده، في كتابه البحثُ عن التاريخ والمعنى في الدين، أن البحث في الأصول كان يشكل «سرابًا» وهاجسًا عند العلماء الغربيين منذ القديم: فعالِم الطبيعيات كان همُّه البحث عن «أصل» الأنواع، والبيولوجي كان يهجس بالبحث عن «أصل» الحياة، والجيولوجي والفلكي يبحثان عن «أصل» الأرض والشمس والمجرات والكون، إلخ؛ أما علماء الدين ومؤرِّخوه فكان هاجسهم البحث عن «أصول» الفكر الديني وبداياته. كذلك الأمر فيما يخص علم النفس الحديث، وخصوصًا التحليل النفسي، الذي سُمِّي بـ«علم نفس الأعماق» Depth Psychology، وبالأخص مع فرويد الذي وصف تقنيات التحليل النفسي بأنها ضرب من «النزول إلى الأعماق» أو «النزول إلى تحت». ويبدو أن هذه الاستعارة الپسيكولوجية مستوحاة من علم دراسة المغاور والكهوف ومن الغوص في أعماق البحار لاكتشاف الكائنات العضوية المنقرضة منذ زمن بعيد إلخ. وهكذا كان على علم النفس، عمومًا، وعلى التحليل النفسي، خصوصًا، أن يذهبا عميقًا في البحث عن الحياة النفسية الدفينة، منقبَين عن دوافع الحياة النفسية «المدفونة حية» في غياهب ما يسمِّيه فرويد بـ«اللاوعي» unconscious. وهكذا يشترك محلِّل نفسي مثل فرويد، ويونغ من بعده، في اعتمادهما تقنية التحليل النفسي، مع سائر نظرائهما من العلماء في الوقوع في هاجس البحث عن «الأصل» نفسه وفي استكشاف المرحلة «الأولانية» من الحضارة والدين. |
|
|