|
تجديد الماركسيَّة أم
ولادة ما بعدها؟[1] تساعدُ الندوةُ التي ينظِّمها "المكتب
الفكري للحزب الشيوعي" على تنشيط الحوار
حول مستقبل الفكر الماركسي، ومن خلاله، على
إنضاج بعض أسُس ثقافتنا السياسية. وسعة
صدوركم تسمح لي بتجاوُز مقولات مثل "ديكتاتورية
الپروليتاريا"، "الحزب"، إلخ، لأحاول
مناقشة فحوى العنوان العريض: "بعض مسائل
الماركسية ومستجدات العصر"، بالتوافق مع
ما تثيره الورقةُ حول راهنية الماركسية، بل
أبعد قليلاً: دقة بعض مقولاتها التأسيسية و"علميتها"،
والعودة إلى دور النظرية ونقدها في تشكيل
المعرفة الإنسانية الصاعدة. يرغب
واضعو ورقة العمل في تقويم قدرة الماركسية،
المقروءة مجددًا، على إعطاء أجوبة عن أسئلة
التطور الحالي. الطريق تستمر "من الماركسية
إلى... الماركسية"، كما يراها مفكرون عرب
نقدِّرهم، مثل كريم مروة وعبد الإله بلقزيز،
بينما يعتقد آخرون أن تطبيق منهج الماركسية
النقدي وتحديث نصوصها يتيحان توفير إجابات عن
أسئلة العصر. هو مستوى آخر من الحوار، يتخطَّى
المؤمنين بأن [...] الأسُس النظرية الجذرية
للماركسية–اللينينية غير قابلة للمراجعة[2] أو
مَن يكتشفون، دومًا، في التطورات والأحداث
المتنوعة ما يؤكد مقولةَ لينين المطلقة: إن نظرية ماركس أقوى من كلِّ شيء،
لأنها صحيحة، [بل هي] نتيجة التطور الطويل للفكر
الفلسفي وقمَّته، وهي الوريثة الشرعية لأفضل
ما أُنشِئَ خلال طريق صياغة النظرية العلمية
المعقَّد المليء بالمتناقضات.[3] ولكنه
مستوى يتجاوز، جزئيًّا، وهم القراءة الخاطئة
للنظرية في أثناء الممارسة، ولا يحسب ما
عشناه "ضلالاً" امتدَّ على مدى أكثر من
قرن كامل بسبب انزياحنا عن [...] نظرية التطور الديالكتيكية التي
تدل على الطريق الصحيح للمعرفة، وبالتالي،
على الطريق الموثوق للسيطرة على قوانين
الطبيعة وقواها.[4] في
المقابل، يرفض الباحث الجاد عطية مسوح كون
الماركسية "نظرية": [...] فحين اعتُبِرَتْ نظريةً كفَّتْ
عن التطور. الماركسية منهج معرفي، على غرار
المناهج الأخرى، وهو باعتقادي أكثرها صحَّة
لأنه منهج مادي جدلي تاريخي.[5] يلفت
هنا تعريفُ الماركسية بوصفها "منهجًا"،
لا نظرية، إلى إمكانية تجددها. ويجدر سبر هذه
الإمكانية ومعرفة ماذا يسَّر تطورُها كـ"منهج
معرفي" وماذا أعاقه. يرى الباحث العراقي
فالح عبد الجبار أن الماركسية هي: نظرية تحليل النظام الرأسمالي ونقده. [فـ]ـمهمة نقد الرأسمالية وتحليل
أشكالها المتطورة، المتحولة باستمرار،
والبحث عن سُبُل تجاوزها، مهمةٌ راهنة، وهي
أساس استمرار الماركسية ما بعد ماركس [...
وهو يـ]ـقترح التخلِّي عن وهم وجود مادية
تاريخية، والتخلِّي أيضًا عن وهم آخر هو وجود
مادية ديالكتيكية كاملة ناجزة، هي الشكل
الوحيد والأرقى للمعرفة [... مشيرًا أن]
منهج دراسة الظواهر في تعمُّق مستمرٌّ بفضل
الإنجازات الجديدة في علوم المنهج [... وأن]
علم المنهج، الذي كان اختصاص الفلسفة وركنها
الأعز، انفصل عنها وبات لكلِّ علم منهجه [...
مؤكدًا أن] عبقرية ماركس تكمن في بناء نموذج
نظريٍّ لظاهرة تاريخية (تشكيلة اجتماعية-اقتصادية)
يستبق اكتمال هذه الظاهرة نفسها ونضجها في
الواقع.[6] لم
يصمَّم النموذجُ النظري إيَّاه خارج سياق
قوانين التطور الاجتماعي. لذا يوجَّه النقدُ
إلى بعض جوانبه المتعلقة بآفاق الرأسمالية،
أزماتها، تفسخها، آليات أفولها، وفحوى الدور
التغييري للطبقة العاملة، وهي حلقات حاسمة في
سير التاريخ المتنبأ به ماركسيًّا. وقد تناول
م. نشوان أتاسي (موقع معابر الإلكتروني)
أحد مقومات النموذج النظري للرأسمالية،
موضحًا أن [...] ماركس لم يتوقع أن تصبح الطبقة
العاملة، بسبب التطور التقاني الهائل الذي
طرأ على وسائل الإنتاج، خاصةً من خلال تطبيق
علم السيبرنتيكا في الصناعة، عبئًا على
تراكُم فائض القيمة [...] بمعنى أنه كلما
تناقص عدد العمال ازداد تراكم فائض القيمة [...]
لقد أصبح العقل البشري هو المنتِج لفائض
القيمة.[7] أهمية
النموذج الذي بناه ماركس للتشكيلة
الرأسمالية جليَّة، تمامًا كما أن نقده بات
ضروريًّا. فالنموذج ونقده يحفِّزان إعادةَ
دراسة التشكيلة في مرحلة "النضج والاكتمال"
بهدف بناء ما هو ألصق وأكثر تفصيلاً لها، في
خصائصها وعلاقاتها الراهنة، على المستوى
العالمي؛ لكنهما يستدعيان، على التوازي،
تحليل صيرورة النموذج الآخر (البديل المفترَض
لها): التجربة الاشتراكية، ظروف نشأتها،
مراحل تطورها، جمودها، ثم انهيارها، كما
وماهية علاقات الإنتاج الفعلية التي سادت بعد
إعلان ظفر الاشتراكية والتوجه نحو بناء
الشيوعية. هل كان متاحًا أن تقودنا الوقائعُ
الاقتصادية والسياسية والاجتماعية
والقانونية والثقافية، المترتبة عن ملكية
الدولة الشاملة لأدوات الإنتاج، إلى ملكية
عامة لهذه الأدوات؟ أم أنها تعيدنا، على
الأرجح، إلى علاقات الملكية الخاصة، حتى قبل
سلوك سبيل الخصخصة المعلنة؟ كيف تبدَّى دورُ
الطبقة العاملة التاريخي عندما استلم "حزبُها"
السلطة؟ هل حافظت الطبقة العاملة على خصالها
كقوة منتجة، أم أنها اكتسبت بعض سمات "طفيلية"
بسبب اندماجها مع الهيكلية البيروقراطية
للدولة؟ ما هي الفئات الاجتماعية التي نمت
وترعرعت، فسُدت وأفسدت، في ظل رأسمالية
الدولة المطلقة؟ هل ساعد نموذج الاشتراكية
"العلمية" النظري، الذي وجد بعض خطوطه
الأولية في الماركسية، على خلق شروط تطويره؟
أم كان ضروريًّا تجاوزُه، في وقت مبكر، إلى
أبعد من "النيب"، والالتفات، بمرونة
أكبر، إلى بناء نموذج آخر واقعي وقابل للعيش؟ لقد
عبرنا مرحلة الصدمة وانعدام الوزن، وغدا
ممكنًا إمعانُ الفكر والتحليل والتوصل إلى
استنتاجات علمية أهدأ وأجرأ مما صاغتْه ظروفُ
الصدمة، متخطِّين ما "أبدعناه"،
غريزيًّا، ونحن مذهولون و"دائخون":
سرعان ما كشفنا، بداهةً، "الخيانة" و"المؤامرة"،
ووجود حزبين داخل الحزب الشيوعي، وانعدام
الديموقراطية، وتسلط البيروقراطية، إلخ.
ولكن التحليل الجدي والمسئول أخَّرتْه حالُ
الدفاع التي وجدتْ بقايا الأحزاب الشيوعية
نفسها فيها أمام هجوم لا يرحم شنَّتْه قوى
داخلية وخارجية شرسة. مثل هذا التحليل ضروري،
ليس لمستقبل الماركسية وحسب، بل ولاستيعاب
تلك التجربة التاريخية الإنسانية العظيمة
والبناء فوقها. هل
ننطلق من المنهج الماركسي في تحليل ما جرى؟ –
مستندين إلى ماركس، مجددًا، في "نقد
الرأسمالية". إننا نشهد كيف تستمر
الماركسية – تعريفها، راهنيتها، إعادة
قراءتها – مجالاً لاجتهادات كثيرة، متغيِّرة
ومتطورة ومتعارضة؛ اجتهاداتٍ أعمق من أن تحصر
هدفها في الاتفاق على المصطلحات. هل نعدُّ ذلك
دليل حيوية الماركسية وطاقاتها المتجددة، أم
دليل أزمتها، وأزمتنا معها أيضًا؟ إننا نعيد
تفسير النصوص، ولكن ماركس نصح للفلاسفة بأن
يعكفوا على تغيير العالم، لا على تفسيره.
ماذا في شأن نصوص هؤلاء الفلاسفة؟ أنفسِّرها
أم نغيِّرها أيضًا؟ هل
يجيء في وقته الملائم البحثُ في تعيين دقيق
لجوهر الماركسية ومداها: هل هي ما صاغه ماركس
وإنجلز وطوَّراه إبان حياتهما؟ أم تشمل،
أيضًا، ما أضافه إليه لاحقًا معتنقوها عبر
تجارب تطبيقها في بلدان وأقاليم متنوعة؟ أمن
الممكن ترسيم الحدود الصارمة للماركسية "الصافية"
بفصلها عن تلك التجارب الواقعية تحت إغراء
التنصل من مسؤولية بعض مسارات التطور الدرامي
الذي شهده القرن الماضي، أي بنفي الأصالة
الماركسية عن تلك "الإضافات" ونسبتها
إلى الماركسية السوڤييتية أو اللينينية أو
الستالينية أو الماوية أو غيرها؟ بيد أن هذا
الجهد يضفي على الماركسية، وعلى مؤسِّسَيها،
هالةَ القدسية ويسفِّه خبرات تطبيقها. ليست
محاولة تنزيهها من "عبث" دعاتها
ومنفذيها و"تشويهاتهم" محاولةً فريدةً
بين محاولات مريدي عقائد أخرى للتشبث بها
واستلهامها كلَّ حين. ماذا
كان بوسع ملايين الناس الذي شاركوا في صنع تلك
الخبرات سوى أن يفسِّروا ويجتهدوا ويحاولوا
ويخطئوا، وأن يتعلموا خصوصًا، محكومين
بالشروط الموضوعية المحيطة بتجاربهم؟ أليست
نتائج ممارساتهم العظيمة، وهم يختبرون
النظرية أو المنهج، الإضافةَ الأهم في خلق
معارف جديدة أدق وأعمق وأكثر علمية؟ من الماركسية إلى ما بعدها ما يتطلع إليه العلم هو التقدم
الممثَّل بالإطاحة حتى بأجمل نظرياته. ليس
المطلوب الانتصار للماركسية أو الانتصار
عليها. ففاعليتها التاريخية ليست مرهونةً
بتصنيفها نظريةً أو منهجًا. جدواها الراهنة
تستمر، كغيرها، في الخبرة المكتسبة من
تجريبها، بنجاحاته وعثراته، ومن مراكمة
مستويات جديدة للمعرفة أنضج وأعقد. أما
استحضار مفاهيم ونُظُم لإعادة تجريب دروب
للتطور سبق لها أن سُلِكَتْ – مسافات بالغة
الطول – فقد يشكِّل فعلاً إرادويًّا لا ينتسب
إلى السلوك العلمي ولا يعكس حاجاتِ التطور
الموضوعي لمعالجة مشكلات جديدة ومتجددة. توحي
مقولة "من الماركسية إلى الماركسية"
بوجود "قمة" أو "سقف" للفكر
الإنساني تمَّ بلوغه وانتهى الأمر. يُلزِمُنا
فهمٌ كهذا على استمرار البحث عن حلول ضمن
المرجعية الفكرية ذاتها التي يستعصي
تجاوزُها؛ وهو يتخطى الشروط التاريخية
لنشأتها، معطِّلاً فحوى الاعتراف بهذه
الشروط، لكنه قد يرينا الواقع على غير حقيقته
بعيون المرجعية. هذا الفهم هو جانب من أزمتنا
مع الماركسية. إن إحدى دلالات التقدم تكمن في
العثور على سياقات جديدة، تولِّد نظرياتٍ
جديدةً أرحب، تطلق وعيًا بديلاً خارج أسوار
النظرية المقدسة. سيكون من بؤس الفلسفة [...] أن لا تعرف فيلسوفًا واحدًا
تجاوَز الماركسية بعد ماركس.[8] تبشير،
من لون آخر، بنهاية التاريخ! ستُصاغ نظرياتٌ (مقاربات)
أخرى وأخرى، تستوعب وتنقد كلَّ ما في الفكر
الإنساني، أي تضم ما أضافتْه الماركسية
وتنقده أيضًا، دون أن تكون هي ذاتها
الماركسية مجددةً. السبيل إلى ذلك هو رؤية
وقائع العصر بعيون زماننا، كما فعل ماركس
في زمانه عندما انتقد نظريات هيغل وفويرباخ
وغيرهما. لن يقلقنا، إذن، مصيرُ الماركسية،
فلسفةً كانت أو نظريةً أو منهجًا. في العلم لا
يتم الانتماءُ انتماءً ثابتًا إلى أية نظرية
أو منهج أو فلسفة، ولا يُستمات في الدفاع
عنها، كما لا يُجرَّب إصلاحُها. يحدث هذا مع
العقائد السرمدية فقط. فهذا المستوى من "الانتماء"
هو عطالة إيماننا الفطري، لعقود طويلة، بأنها
(أي الماركسية) قوة مادية تمتلكها الجماهير
لبناء مجتمع العدالة المطلقة. أصبح "الدفاع
عن نقاوتها" ضد المحرِّفين (= تحصينها ضد
التطوير) جانبًا أساسيًّا في الصراع الطبقي،
إلى حدٍّ استوجب اقتحامَ دبابات حلف وارسو
شوارعَ براغ لقمع محاولة إدخال عناصر من
اقتصاد السوق إلى الاقتصاد التشيكوسلوفاكي
المأزوم! العلم يدقِّق مفاهيم جدل
الطبيعة نُجمِعُ
إذن على نسبية المعرفة. تقدِّم استعادةُ
المفاهيم السائدة في زمن معين خدماتٍ ثمينةً
لتأريخ المعرفة. فإلى جانب تأثير بيئة الثورة
الصناعية واتجاهات الفلسفة الغربية في القرن
التاسع عشر، ارتكز ماركس وإنجلز على قوانين
الفيزياء السائدة في زمانهما. تراجعتْ
الفلسفة الميتافيزيائية، وبدا العالم المادي
وكأنه موجود، موضوعيًّا، منذ الأزل ويستمر
سرمديًّا: تتحول المادة وحركتها باستمرار من
أشكال إلى أخرى، ولكنها لا تنشأ أبدًا من
العدم أو تنعدم.[9] ثمة
تغيرات عميقة في فهمنا لقوانين الطبيعة ذاتها:
تزعم فرضيات "الانفجار الكبير" Big Bang و"الثقوب السوداء" Black Holes، التي يختلف حولها العلماء، أن
ثمة بدايةً ونهايةً للأجرام في كوننا، وتذهب
فرضيات أخرى إلى أن الكون يتوسع. بيد أن حدَّه
اللانهائي، ماضيًا ومستقبلاً، لم يعد
يقينيًّا، بل هو يستمر موضوعًا للبحث العلمي
المتواصل نحو فهم أصْوَب لعلاقة المادة
بالزمن. ولكن علماء ماركسيين "رسميين"
ارتابوا بهذه الفرضية وصنَّفوا أصحابَها ضمن
"الفلكيين والفلاسفة المثاليين"[10]. لقد
قدَّم تطور الفيزياء الكوانتية، من جانبه،
إمكانية النظر إلى العالم عبر مفاهيم جديدة.
ففيها تظهر شواهد على أن [...] التوتر بين المتناقضات يشيِّد
وحدةً أوسع تشملها جميعًا[11][و...]
ما يبدو مفرَّقًا (موجة أو جسيم) هو، في مستوى
آخر للواقع، موحَّد (كوانتون)، وما يبدو
متناقضًا يُدرَك كغير متناقض.[12] وفي
ظاهرة "الحبس"، يتطلب الفصلُ بين كوارك
وكوارك مضاد فصلاً تامًّا طاقةً لانهائية. ولكن
العلماء السوڤييت، الذين وجدوا في تطور
علوم الذرة شواهد على حركة المادة وتحولاتها،
ارتابوا في بعض استنتاجات الفيزياء
الكوانتية واعتقدوا أن [المثاليين] يستغلون هذه الفرضيات [...]
للنضال ضد المادية [...] وليثبتوا أفكارهم
عن الكائنات التي هي خارج المكان والزمان.[13] وربما
يكون قد جرى حينذاك تقييد "كنسي" على
أبحاث علماء الفيزياء والفلك السوڤييت لكي
لا تمضي بعيدًا في اتجاهات "مثالية"! العثور
على ظواهر مادية تغلب فيها وحدة الأضداد
أو تعايُشها، وليس صراعها، أمر هام في العلوم
الطبيعية، كما في العلوم الاجتماعية
والفلسفية. صُنِّف ادعاءٌ كهذا حينذاك،
خصوصًا في المسألة الاجتماعية، بوصفه هرطقةً
انتهازيةً يمينيةً، ومازال يصنَّف كذلك! فهو
يرمي إلى "المهادنة الطبقية". لم نكن قد
اعتدنا التفكير في جواز أن يحمل الرأيُ الآخر
ما يجدر الإنصات إليه، قبل رجمه وإرسال صاحبه
إلى بئس المصير! قد
يقبل بعض العلماء آراء زملائهم بشأن مآل
قوانين الحتمية، المهتزَّة، حتى في مجال
الظواهر الطبيعية. ففي قلبها يتوضع الشواش،
كما يشير الفيزيائي الفرنسي بَسَراب
نيكولسكو. بيد أن أهل السلطة المطلقة يرفضون
ذلك، إذ هم يمارسون سلطة "الحتمية
التاريخية" وساديَّتها! تُدقَّق مفاهيمُ
"الضرورة" و"المصادفة" و"السببية"،
ويتبدى أكثر فأكثر التعقيد الذي يحكم
الظواهر الفيزيائية والمعرفة، أبعد مما ساد
في الفيزياء الكلاسيكية؛ تعقيدٌ ينبغي
التعامل معه بمسؤولية علمية رفيعة، لا
التعبير عنه بصياغة قوانين تبسيطية، معمَّمة
وشبه نهائية، قد تمسخ صورة الواقع في أذهاننا. يصعب
تخيُّل المستويات القادمة للمعرفة. لكن
المؤكد أنها ستستمر في تصويب فهمنا لقوانين
الطبيعة التي بنى عليها هيغل وفويرباخ، ثم
ماركس وإنجلز ولينين، وستجعلنا نتساءل، مرات
أخرى، عن صلاحية بعضها – بالضبط وفق ما حضَّت
الماركسية عليه: تدقيق مقولاتها عند كلِّ
تقدم علمي. بل لا نستطيع تجنب تدقيق المجالات
التي تصحُّ فيها أو لا تصح قوانينُ المادية
الديالكتيكية الثلاثة. لقد غدا التسليم
بفعلها المطلق والشامل محلَّ ارتياب في ضوء
منجزات العلوم الطبيعية، وخصوصًا في ضوء
الخبرة المجتمعية. لم
تعد ثنائيات السالب والموجب، الخير والشر،
الأسود والأبيض، الحلال والحرام، تتسع
لإدراك ظواهر الطبيعة والمجتمع. وكذلك شأن
ثنائيات الفلسفة: مادي/مثالي، ديالكتيكي/ميتافيزيقي.
نحتاج إلى رؤية العالم، في بعض جوانبه
الجوهرية، من خلال تشارُك هذه الثنائيات،
فيما بينها ومع غيرها، وليس نبذها المتبادل
نبذًا دائمًا! قد يضيِّق هذا التشارك أحد
مصادر التطرف. ففي السياسة، تتمظهر الثنائيات
تمظهرًا أدهى وأقسى: قسوة الاختيار بين "طالبان"
والمحافظين الجدد! تلغي الثنائيات موضوع
الفكر وموضوع السياسة، ويغدو التعامل معهما
غريزيًّا. الدنيا "حمَّالة أوجُه"،
وفيها طيف واسع من الخيارات. أما الخياران
فهما، في حقيقتهما، خيار واحد أو لاخيار! أين تلتقي قوانينُ
الطبيعة والمجتمع والفكر وأين تفترق تكشف المادية الديالكتيكية الأساسَ
الشامل للظواهر والعمليات كلِّها. إنها
تعرِّف بتلك القوانين الشاملة التي تخضع لها
كلُّ حركة وتطور في أيِّ مجال من الظواهر كان:
في الطبيعة والمجتمع أو في التفكير الإنساني.[14] كيف
ساعدت مقولةُ "القوانين المادية المشتركة
للحركة في الطبيعة والمجتمع والفكر" على
إدراك أبعاد المعرفة الإنسانية وعلى استشراف
آليات تطور المجتمع؟ أيتماثل نطاقُ فعل
قوانين المادية الديالكتيكية في الطبيعة مع
فعلها في المادة الواعية التي يشكِّلها
المجتمع؟ أقرَّت الماركسية بأن قوانين
الطبيعة تختلف عنها في المجتمع وفي المعرفة،
بيد أنها وجدت، في أغلب الحالات، تماثُلاً
واسعًا في فعل قوانين مشتركة: إن أية وحدة بين المتضادات، كما يقول
لينين، هي أمر نسبي، مؤقت، عابر؛ أما صراع
المتضادات فشيء مطلق.[15] لقد
وصفت الأدبيات الماركسية [...] ميل هيغل إلى المسالمة بين
المتضادات بالطابع البرجوازي للفلسفة
الهيغلية.[16] يمكن
تلمُّس ماهية إقصائية تنتمي، على نحو ما، إلى
نزعة الفلسفة الكلاسيكية الألمانية إلى
تفسير مجريات الطبيعة والمجتمع بالفعل
الحاسم للصراع المؤدي إلى إزاحة الآخر كشرط
لبقاء الأصلح والتطور (نيتشه). ونتأمل، في
أسى، النتائج المأسوية لتلك النزعة على
المسرح العالمي إبان قرن دموي لم ينتهِ بعد.
إن رهن التطور رهنًا مطلقًا وشاملاً بصراع
المتناقضات (الداخلية أو الخارجية) الكاسر
لوحدتها هو، في أحد تداعياته الدرامية،
مغامرة مع مصير الإنسانية. وإذا حاولنا
تقصِّي احتمالات أخرى لتفسير بعض عوامل بقاء
الطبيعة وتقدم المجتمع خارج صراع الإلغاء،
تنتظرنا عندئذٍ مغامرةٌ أخرى مع "بديهياتنا
وثوابتنا الفكرية الأكيدة"! ثمة
متناقضات متصارعة حُلَّت، وتُحلُّ، وفق
المشهد الماركسي. بيد أن هناك ظواهر لا تحكمها
مثل هذه المتناقضات المتنازعة إلى حدِّ نفي
أحد قطبَي الصراع وتشكيل ظاهرة جديدة أكثر
تقدمًا، بل يحكمها ويخلق فرص تطورها تعايش
هذه المتناقضات. يتم الحكمُ على مستوى
الموثوقية العلمية بقياس درجة التعميم
واليقينية التي نسبغها على استنتاجاتنا؛
ويتم أيضًا عبر الخروج من رسوخ المسلَّمات
"العلمية"، من حيث هي منتجة للذهنية
التوتاليتارية ونتاج لها، إلى رحاب لن يفزعنا
فيها الجانبُ الآخر الموجود موضوعيًّا:
تعايُش "المتناقضات" وتكوينها، معًا،
لوحةَ الواقع المستمرة. في هذا التعايش لا
يضيرنا وجودُ الآخر، بل نتكامل معه لخلق
أسباب البقاء والتطور وفرصه سوية؛ وهو، على
المستوى المعرفي، قاعدة قبولنا تعددية
الفكر، قبول الآخر المتمايز عنَّا، دون أن
يكون عدوًّا حتمًا. أما على المستوى السياسي،
فقد يغلق أحد منابع الممارسة التوتاليتارية،
فيؤصِّل مفهومَ تداوُل السلطة وعدمَ الخوف من
وجود المعارضة وإدراكَ "الوحدة الوطنية"
بوصفها حقَّ المواطنين جميعًا في المشاركة
والتعبير وصنع السياسات عبر اختلافاتهم
الضرورية، أي عبر تمثُّلهم شعار الأمم
المتحدة "تعلَّموا الاختلاف"! يمكن
لنا مناقشة عوامل الانقسام الحاد الذي حصل في
صفوف الماركسيين إلى تيارين: شيوعي واشتراكي
ديموقراطي. ولكن انتماءنا إلى التيار الأول
يدفعنا الآن إلى مراجعة مساراته التاريخية.
ففيه استمرَّ الطابع العنفي للانتقال من
التشكيلة الرأسمالية إلى الاشتراكية، على
مستوى بلد بعينه وعلى المستوى العالمي،
خيارًا أكيدًا حتى ستينيات القرن الماضي.
جذور هذا الطابع العنفي ليست بعيدة عن ماركس.
وكان لينين مؤمنًا بضرورة مصارعة "العدو
الطبقي"، بيد أن ستالين لاحق ذلك العدو
ووجده بين رفاقه أيضًا! فالصراع الطبقي "يشتد"
في مرحلة بناء الاشتراكية. لا أريد أن أذكر
رقمًا لمجموع ما تمت تصفيته من "الأعداء"
من مواطني الاتحاد السوڤييتي خشية أن يصحح
لي أحدهم الرقم قائلاً: لا تبالغ! لقد كانوا
سبعمائة ألف فقط! هل استلهم ستالين قانون "وحدة
الأضداد وصراعها" وفهمه فهمًا خاطئًا؟ أم
أن الظرف التاريخي الروسي، إضافة إلى الشرط
الذاتي المتجسد في طبيعة ستالين الشخصية وبعض
رفاقه، كوَّنا هذا الفهم؟ أم أن أحد
الإمكانات والتجلِّيات الواقعية لهذا
القانون وَجَدتْ بيئتَها و"مُعادِلَها
الموضوعي" في التجربة الستالينية كما في
تجارب أخرى؟ الفهم
ذاته يقف وراء السمات العنفية في لغتنا: "تصفية
العدو"، "ضربه دون رحمة"! تسلَّلت "المشانق"
إلى بعض أناشيدنا الثورية، بينما بقيت لغتنا
فقيرة بمفردات التعددية والتعايش مع الآخر
والتسامح مع رأي مختلف. عندما
اقترح "المحرِّفون" إمكان الانتقال
السلمي إلى الاشتراكية انقسمت الحركة
الشيوعية! تكرَّر المشهد ذاته يوم صيغت
سياسةُ التعايش السلمي، التي فُسِّرتْ
بالسعي للانتصار على الرأسمالية من خلال
تنافُس النموذجين الاقتصاديين على الساحة
العالمية سلميًّا. ثمة مَن أصرَّ على وجوب
الإجهاز على أعلى مراحل الرأسمالية – فهي نمر
من ورق! كان العنف قد اكتسب قيمةً ثوريةً
مطلقةً ومقدَّسة، أداةً لتحقيق "القفزة"
نحو مجتمع العدالة ومقياسًا لـ"مبدئية"
الثوريين و"صلابتهم"! كان الطريق
الناجعة الوحيدة حينذاك لخلق حضارة أخرى –
إنسانية وعادلة! – طريق أدَّت إلى خلق وحدة
وصراع جديد "حضاري" بين العدالة والعنف،
بين تقدم الإنسانية واستمرار الحياة ذاتها!
كان، في جانب منه، طريقًا لحلِّ الصراع بين
الحياة والموت لصالح ثقافة الموت! هل ساعد
العنف "الثوري" في القضاء على العنف
اللاثوري؟ – عنف السلطة المستبدة في التاريخ.
أما ساهم في إعادة إنتاجه بحجوم مرعبة؟! في
مرحلة لاحقة، وأمام ضغط مأزق فلسفيٍّ وسياسي
واقعي، "اكتُشِفَتْ" تناقضاتٌ غير
تناحرية في المجتمع (وفي الطبيعة أيضًا). ففي
ظل الاشتراكية، [...] بفضل وحدة المجتمع، تميل
التناقضات التي تنشأ، لا إلى التفاقم والتحول
إلى أضداد متعادية قطبيًّا، بل تميل إلى
الانفراج المستمر والانحلال. [...] إن وحدة
المجتمع تساعد على حلِّ التناقضات، وحلُّ
التناقضات يزيد في توطيد وحدة المجتمع كلِّه.[17] عودة
نسبية إلى هيغل المسالم؟! ولكن ما مصير "صراع
الأضداد"، محرِّك التطور بوصفه فعلاً
ماديًّا طبيعيًّا خارج إرادتنا؟ فكل ما قام
به ماركس أو هيغل هو تظهير هذا الفعل الموضوعي
لحركة الطبيعة والمجتمع ليس إلا. لقد
اشتغل التاريخ على هواه. تعذَّر حشرُ وقائعه
ومنطقه في قوالب صاغتْها قوانين مفترَضة
للتطور الاجتماعي مماثلة للقوانين الإلهية.
كان التاريخ قاسيًا ورحيمًا في آن: انهارت
التجربة، وأصبح لزامًا علينا أن نتعلَّم منها
ونوسِّع أفقنا خارج تلك القوالب. تجلَّى في
سنوات لاحقة – حمدًا لله! – احتمالُ أن تكون الأولوية
للقيم الإنسانية الشاملة، تتقدم من أجلها
الوحدةُ على الصراع موضوعيًّا، وليس رؤيةً
ذاتية، ليستمر وجودُ الإنسان، فلا يتحول
النفي، ربما، إلى نفي للحياة ذاتها من على هذا
الكوكب الفريد والمنهك. فالحياة تدافع عن
بقائها بفعل قواها وأدواتها – ومنها وعي
الإنسان، الذي يشكِّل تطورُه الحر،
المتغلِّب على إغراء العقيدة وإرهابها،
محركًا أساسيًّا للاستمرار والتقدم. امتحان قوانين التطور
الاجتماعي والحتميَّة التاريخيَّة اليقين: قرار بعدم الحاجة إلى المعرفة. منحنا
الإيمانُ بأن مجيء الاشتراكية هو مرحلة أكيدة
في التطور التاريخي، وبأن هذه النبوءة تستند
إلى العلم، قوةً تبشيريةً عظيمة سلَّم بها
ملايين الناس طوال أكثر من قرن. ينبغي الإقرار
بفضل الماركسية الأساس في الزخم الهائل الذي
أعطتْه لحلم الإنسان بالعدالة عبر التاريخ.
وقد احتلَّ هذا الزخم مساحاتٍ واسعةً لم يعد
سهلاً الانسحابُ منها. من
جهة أخرى، نسأل: أية فرص واقعية لتحقيق هذا
الحلم وفَّرها تبشيرُنا المطلق بأن المشروع
الاشتراكي هو ذاته مشروع الحرية؟ كل حرية
خارج نموذج العدالة الاجتماعية الذي يمضي
التاريخُ نحوه حريةٌ مزيفة لا محالة! الحرية،
كالوعي، لازمان لفهم ضرورة هذا النموذج
ولتمكينه من التحقق. مفهوم الحرية الفردية لا
مكان له في هذه التوليفة. ومَن لا يعتقد بأن
"الحرية هي فهم الضرورة" (فعل قوانين
التطور) فهو، على الأغلب، مختل العقل! بذا
فهمنا لماذا كانوا يرسلون "المنشقِّين"
من أصحاب الرأي المخالف إلى المصحَّات
العقلية! لا
يمكن لنا، الآن، تجاهُل الحاجة العلمية إلى
تدقيق مقولات المادية التاريخية المختبَرة
في تجارب بناء الاشتراكية وما سبقها في رقعة
شاسعة من عالمنا. فهل يمكن لنا استلهامُ "قانون
الصراع/التطابق بين مستوى تطور القوى المنتجة
وبين مستوى علاقات الإنتاج" في توقُّع
مسارات مستقبلية أكيدة للتطور الاجتماعي؟
يرى الباحث فالح عبد الجبار أن [...] مفاهيم البنية الفوقية والتحتية
وتصادُم القوى المنتجة بعلاقات الإنتاج
ونشوء تشكيلة جديدة من رحم القديمة مفاهيم
تختص في نظر ماركس بنمط الإنتاج الرأسمالي
وحده، وليست معمَّمة على التاريخ كلِّه.[19] بينما
ينتقد المفكر اليوناني كاستورياديس في
مؤلَّفه تأسيس المجتمع تخيليًّا تعسف
الماركسية في تعميمها تصادُم القوى المنتجة
بعلاقات الإنتاج [...] على التاريخ بمجمله لسيرورة لم
تتحقق إلا خلال مرحلة واحدة من ذلك التاريخ،
هي مرحلة الثورة البرجوازية. إنها تصف، على
نحو تقريبي، ما حدث لحظة الانتقال من المجتمع
الإقطاعي.[20] ولكن
تصادُم القوى المنتجة بعلاقات الإنتاج،
المتجسد، خاصةً، بالتناقض الرئيس بين
الطبيعة الاجتماعية للإنتاج والملكية الخاصة
لأدواته، تتغيَّر ماهيته (بفعل استمرار
التقدم التقني المؤدي إلى تقلُّص الحاجة إلى
اليد العاملة، بدل "الپلترة" المتعاظمة،
المتخيَّلة ماركسيًّا)، مسببًا توتراتٍ
اجتماعيةً أخطر تخلقها البطالة، أي الحجم
المتضخم باستمرار من الناس العاجزين عن
التحول إلى قوة منتجة. أبعد
من ذلك، لم تثبت تجارب بناء الاشتراكية، في
أية مرحلة طبيعية من مراحل تطور الاتحاد
السوڤييتي وغيره من البلدان الاشتراكية،
قدرةَ علاقات الإنتاج الجديدة (الاشتراكية
الواقعية = رأسمالية الدولة) على إطلاق قوى
إنتاجية قادرة على تجاوُز تلك القوى التي
تحفِّزها قوانينُ اقتصاد السوق. لقد سقطت
توقعات فعل "قانون التبدلات النوعية
والكيفية" التي رأت [...] في الاقتصاد الاشتراكي وتائر
تطور لم تستطع الرأسمالية بلوغها، حتى في
عصرها الذهبي.[21] إننا
مضطرون للحكم على "تقدمية" أسلوب إنتاج
معين، بل وعلى البنية السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والروحية لمجتمع ما كلِّها،
وإنْ ليس حصرًا، من خلال طاقته المتجددة على
تطوير أدوات الإنتاج (ولا يبدو أن رصيد
الرأسمالية فيه يتراجع)، ولكن، قبل ذلك، من
خلال إتاحته فرصًا حقيقية أمام تطور
الإنسان، ماديًّا وروحيًّا. حاولت أدبيات
الماركسية البرهنة على [...] كون نشاط الناس يحدِّده مكانُهم
في الإنتاج وعلاقتهم مع وسائل الإنتاج، أي
تحدِّده علاقاتُ الإنتاج، التي تتكون لا
وفقًا لإرادة الناس وإدراكهم، بل وفقًا لطابع
القوى المنتجة وحالتها ومستوى تطورها. [ولكن]
لكي تتحقق مقتضيات قوانين التطور الاجتماعي
ينبغي أن يعكسها الناسُ، بشكل أو بآخر، ينبغي
أن تمرَّ عبر إدراكهم وتبرز بصورة بواعث
مثالية لنشاطهم.[22] يبدو
وكأن هناك مسارين: أحدهما لـ"نشاط" الناس
والآخر لـ"إدراكهم". فقوانين التطور لا
تتعلق بإرادتهم، ولكن ينبغي أن تمر "عبر"
إدراكهم. رسمت المادية التاريخية مسارًا
قسريًّا لإدراك الناس، يكتسب فحواه من تحقيق
مقتضيات القوانين الموضوعية. لم تظهر "قوانين
التطور الاجتماعي" موضوعيةً كما توقعناها،
بل جعلها هذا الأمر أقرب، من حيث المحصِّلة،
إلى الفلسفة المثالية، حيث تسبق الفكرةُ
الواقع وتحاول صياغته "على قدِّها"! أليس
في هذا شيء من الجبرية، ونحن نصمِّم مسارات
للتطور، فارضين على مئات ملايين الناس أسلوب
عيش وتفكير من وحي "قوانين" لم تتأكد "موضوعيتُها"
في التجربة التاريخية؟ وإذ ربطنا وعي الناس
بإدراكهم لتلك القوانين، كيما تتجسد في
الحياة، فإن أخشى ما نخشاه هو اقترابنا من رؤى
"غيبية" تحدِّد، هي الأخرى، دور الناس
ومستقبلهم في سياق تحكمُه "قوانين
ماورائية"، قوانين انتزع قادةُ الحزب
والدولة "ولاية الفقه" بها وصايةً على
العقول والأنفاس! معرفة ووعي منفتحان: في
سبيل أنْسَنَة العلاقات الاجتماعية يعكس
تفكيرُ الإنسان، بحسب الرؤية الماركسية،
الواقعَ الماديَّ الذي يعيشه. علاقة تبسيطية،
تمسح هامش الاستقلالية لآلية التفكير لدى
الذات الإنسانية، علاقة تصنِّع أنماطًا
فكرية تخدم السلطة السياسية. يتعين إذ ذاك
دمجُ تأثير الواقع المادي بالبواعث الروحية
للفكر، وبخاصة المخزون الثقافي، الجمعي
والفردي. إننا شهود على المدى البعيد لتأثير
هذا المخزون. وهو ما لم نتبصَّر له كفايةً، بل
جابهناه بتدابير إدارية، أوامرية، وعنفية،
تدابير افتقدت العقلانية والمسؤولية. غدت
الفكرة عيِّنةً لسبر "الجينات الطبقية"
لصاحبها، وتولَّت بعض الأجهزة مهمةَ الكشف عن
"السر" وراء تفكير لا يتفق مع رؤانا "العلمية".
أصبح في استطاعتنا أن نكشف "المؤامرة" عن
طريق الفكرة "المشبوهة"! لكن
تدفق منجزات الثقافة والفنون والتقانة
والعلوم وسائر عطايا العقل الإنساني يتيح
لنا، أبعد من القبض على "المؤامرة"،
التقاطَ إشارات عن حياة ما في كوكب يبعد عن
أرضنا عشرين مليون سنة ضوئية. ربما كنا ندنو
من لحظة فرح عظيم: فنحن لن نقاسي، بعدُ،
الوحدة والتفرد في هذا الكون! إن
الدور المتعاظم الذي يلعبه العلم بامتياز،
وليس كقوة إنتاج وحسب، يؤسِّس لأشكال جديدة،
غير متوقعة، للمادة وللحياة. يولِّد هذا
التغيير، المفتوح على اللانهاية، في الواقع
المادي والروحي محفِّزاتٍ فكريةً ليس
متوقَّعًا، ولا مطلوبًا، أن يحيط بها فكرُ
الثورة الصناعية، بل أن يعطي فرصةً لنمو
العقل البشري إلى حدود دون نهايات، بحيث يصبح
نتاجُه المبدع، بكلِّ أشكاله، أقدر على توجيه
أنماط الفاعلية الإنسانية كلِّها، ومنها
الفاعلية الإنتاجية. يعزِّز الفهمُ العميق
للواقع المادي فرصةَ لجم النزعات التدميرية
الموجودة فيه وإطلاق عوامل تطوره العقلاني.
هذا الفهم تعبِّر عنه ثقافاتٌ عابرة لعلاقات
الإنتاج المادية. يتوحد
النشاط الإنتاجي مع التطور العلمي، فيحصل هذا
التقدم الهائل في المعلوماتية والأتمتة
والاتصالات وعلوم الفضاء وغيرها. فكيف ينعكس
هذا التغير الكيفي الجديد للقوى المنتجة على
ماهية وحدود الدور الذي يلعبه وعيُ الناس
وإدراكُهم؟ تصعب
البرهنة على أن النشاط الإبداعي في مختلف
مجالات العلوم والفنون هو انعكاس شبه آلي
لمستوى تطور القوى المنتجة. يمكن لنا افتراض
أن إرادة الناس وإدراكهم الاجتماعي قد
يديران، موضوعيًّا، علاقاتِهم الماديةَ
والروحيةَ بعضهم ببعض وبالطبيعة، بما في ذلك
تحديد محتوى علاقات الإنتاج وأشكالها،
خصوصًا من حيث تأثير تطور هذه القوى على بيئة
الأرض ودرجة حرارتها وكلِّ ما يهدد بفنائها.
عند ذاك ستغيب من مخيلتنا تصوراتٌ مأسوية
وخرقاء عن [...] نضال المجتمع ضد الطبيعة، من حيث
هو نضال المتناقضات[23] فنتَّجه
أكثر للنضال ضد ما نسبِّبه، نحن، من أذى
للطبيعة! العلاقة بين الإنسان والطبيعة هي علاقة
احتضان وتوحد، مداها حياة كوكبنا، لا علاقة
صراع "جدلي"! يحتاج
الناس، خلال نشاطهم العقلاني، إلى ضبط علاقة
النزاع بين بعض المصالح الآنية للمجتمع، من
جهة، وبين تطور تقني يخلق جموحُه مزيجًا من
الأمل والرعب في القلوب، من جهة أخرى. وإذ لن
يستطيع أحدٌ إيقافَ هذا التطور، فإنما يجب
إدارته بمسؤولية إنسانية رفيعة. يعود
الدور، جلُّه، إلى وعي الناس الاجتماعي
ونشاطهم في خلق علاقات إنسانية شاملة
وعادلة، أبعد وأعمق من أن تكون علاقات
إنتاج، علاقات تكون، قبل أيِّ شيء آخر،
علاقات على مستوى كلِّ بلد، وعلى مستوى
الأقاليم المختلفة، وعلى مستوى العالم
كلِّه، علاقات تتيح للجميع الاستمرار في
العيش على سطح الكوكب. بيد
أن التربة الصحِّية لنمو وعي الناس وإدراكهم
المسئول لا يخلقها وضعُهم في مجابهة الشروط
التي تصوغها القوانينُ الناجزة للتطور
الاجتماعي، بكلِّ التعسف الذي خلقه فهمُنا
المطلق لها. ومن العسير أن لا يؤدي الاتكاء
عليها إلى ممارسات استبدادية. تزداد
حدة المواجهة مع العقائد التي تحرم الناس
حريةَ الكشف المتجدد عن الأسباب التي تجعل
حياتهم تسير وتتطور، على نحو وحشيٍّ وسحري في
آنٍ واحد؛ كشف ينبثق من شراكة الحضارات
والمناهج، لا من تصادُمها وإلغاء واحدها
الآخر، في إبداع سُبُل ضمان الحياة الإنسانية
وإغنائها، ومنها إنتاج مشروع ديموقراطي (سياسيًّا
واجتماعيًّا) للعدالة، خارج الفعل المتخيَّل
لقوانين التطور التي تفرضها حاجاتُ تطور
الإنتاج وأدواته، أي دون انتظار أفول
الرأسمالية بسبب عجزها عن تحقيق هذه الحاجات؛
مشروع قابل للتنقيح والإنضاج، يتحرر فيه
الإنسان من الاستغلال والقمع معًا، مشروع لا
يكتفي بتوفير الخبز، بل يتيح للفرد التمتع
بحقوقه كإنسان وكمواطن، بما في ذلك حقه في
التعبير الحرِّ عن آرائه، سبيلاً لرفع سوية
مسؤوليته تجاه مواطنيه والناس أجمعين. يستمر
حلم العدالة الاجتماعية ويتجدد مشروعًا
إنسانيًّا، حضاريًّا وعقلانيًّا
وأخلاقيًّا، يمتزج امتزاجًا عضويًّا بهدف
حماية كوكبنا. تدلنا عليه المعرفة، في
تقدمها المتواصل وتأثيرها على وعي الناس
ومجمل خصالهم الروحية وسُبُل إدارتهم
الديموقراطية لشؤونهم السياسية والاجتماعية.
ولكن مستقبلنا لا يحكمُه مشروع حتمي كهذا. إنه
"مشروع" مفتوح على آفاق مجهولة، لا
يساعدنا الفكرُ اليقيني على حسن الاستعداد
لملاقاتها. إننا محكومون ليس بالأمل وحده،
وإنما بالقلق أيضًا! ثقافة سياسية جديدة الحوار
حول مستقبل الماركسية ليس هدفًا بذاته
معزولاً عن بلورة مفاهيم جديدة لاستيعاب
مسائل التطور الراهن في بلدنا ومنطقتنا وعلى
المستوى العالمي. مراجعة الفكر والممارسة لا
تستوجبها التحولاتُ العالمية فقط، بل
التجربة السياسية الوطنية أيضًا. غالبًا ما
نتفق على فشل بعض تجارب تطبيق الماركسية على
المستوى العالمي، لكننا لا ننقد، في عمق
كافٍ، تجربتنا الماركسية المحلِّية. وكجزء من
دراسة هذه التجربة، نسأل: ما هو محتوى الدور
الحالي للحزب الشيوعي كأحد روافد اليسار
السوري؟ على
النقيض من الحاجة إلى إدراك الشروط الخاصة
ببنية المجتمع السوري، شكَّلتْ قوانين
التطور الاجتماعي سكة حديدية لثقافتنا
وعملنا السياسيين. كنا نرى في ما يحصل في
بلادنا تباشيرَ الفعل القادم للتاريخ، وعلى
غرار الراسخين عقائديًّا، تحوَّل نشاطنا
السياسي إلى سلوك إيماني. هذه التربة تولِّد
"فقهاء العقيدة" المفسِّرين، بفهمهم
وفتاواهم، عملَ قوانين التطور. لقد ضيَّق هذا
إدراكَنا لعوامل تشكُّل الوعي الاجتماعي
والسياسي والثقافي والروحي في وطننا، كما
وأفق رؤيتنا لاحتمالات التطور كلِّها،
المفتوحة ليس على ما تدلُّنا عليه "الحتمية
التاريخية" فقط. لم نبصر، بالسعة الكافية،
دور القوى الفاعلة، وزنها الحقيقي،
وإمكاناتِ نموِّ تأثيرها في البلاد أو تراجعه.
اعتقدنا أن الدور المتنامي للطبقة العاملة
العالمية، المتمثل بنجاحات المعسكر
الاشتراكي، يزيد في وزن طبقتنا العاملة
الوطنية وحزبها الشيوعي. غدت سمةُ العصر،
المتمثلة بالانتقال نحو الاشتراكية
والارتباط المتين بمقوِّماته وفحواه، سجنًا
إيديولوجيًّا لعقلنا السياسي. أصبح دور
الاتحاد السوڤييتي على الساحة العالمية
مرتكَزًا لخطتنا السياسية الوطنية التي
تكمِّل ذلك الدور. كان الحديث عن "نحن
والاتحاد السوڤييتي" فصلاً ثابتًا في
التقارير المقدمة لمؤتمرات الحزب وفي
أدبياتنا كافة. لم يعد تغليبُ "الشروط
العامة للمعركة العالمية ضد الإمبريالية"،
بوصفها "الحلقة الأساس" في صوغ سياسة
تغطِّي بجدارة وكفاية الوقائع والأهداف
المحلِّية، السببَ الجوهري لوجود أيِّ حزب
على أرض بعينها. لقد
ناقشنا سياسة الحزب في ضوء الماركسية. المهم
الآن هو أن نناقشها استنادًا إلى نقد
الماركسية واستيعاب تجاربنا الوطنية
والعالمية معها. مرَّ عقدان تقريبًا على
انهيار الاتحاد السوڤييتي، حدثت تبدلات
عالمية عميقة، كما حدثت تحولات جذرية في
البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في
بلادنا؛ لكن التكوينات والمفاهيم الفكرية
والسياسية صمدت في وجه ضرورات التكيف مع تلك
التحولات. إن عملية عميقة وشاملة لدراسة خبرة
السنوات الثمانين من عمر الحزب، ومن عمر
الوطن، تتعارض تمامًا مع ادِّعائنا امتلاك
الحقيقة[24].
لقد صادر هذا الادعاء عقولنا وعقول الناس،
وهو لن يدفعهم يومًا إلى صفوف الحزب. ربما
نخرج، تدريجيًّا، من حالة الاسترخاء الذهني
والدور الباهت التي وَضَعَنا فيها ضعفُ
المراجعة النقدية لنتائج مشاركتنا في السلطة:
الطقوس الموسمية لانتخابات مجلس الشعب
والإدارة المحلِّية والاجتماعات السنوية لـ"الجبهة
الوطنية التقدمية". علينا أن نذهب، أبعد،
نحو تدقيق الأسُس الفكرية لـ"السياسة
الثابتة" التي يمارسها الحزب الشيوعي، منذ
ستينيات القرن الماضي، استنادًا إلى رؤيته
الماركسية–اللينينية: كيف ساهمت في تطوير
مشروع بناء الدولة، تداوُل السلطة،
الديموقراطية السياسية، دور الأحزاب
وتحالفاتها، تحليل طبيعة دور الدولة وحدوده
في إدارة الاقتصاد، تحليل السمات التي
يكتسبها الجهاز البيروقراطي وهو يحول الدولة
إلى "دولة الموظفين" (فالح عبد الجبار)،
لا دولة المواطنين، والعلاقة بين
السياسات الاقتصادية والاجتماعية وبين
الأوضاع الداخلية والخارجية. المسألة
الأساس التي تجابهنا هي تحديث بناء الدولة،
بكلِّ معالمها السياسية والاجتماعية
والقانونية، أي العودة إلى ما هو مطروح
ومتعثر في آنٍ واحد منذ النصف الأول من القرن
الماضي. هل أسهمنا بقسطنا في إنجاح هذا البناء
من خلال الدعوة إلى نموذج الدولة ذات
المحتوى الاجتماعي، الدولة الوطنية
الديموقراطية أو الاشتراكية، بينما بشَّر
غيرنا بنموذجها القومي (الدولة العربية
الواحدة) أو بدولة الأمة الإسلامية إلخ. إننا
نتحمل مسؤولية تاريخية عن نشر نموذج الدولة–الحزب،
وليس الدولة–المواطن. ينبغي الاعتراف بهذا
كلِّه، بكلِّ قوة، ونبذه تمامًا. هل
نعيد النظر أيضًا في مسألة اعتلاء سدَّة
السلطة؟ كان الوصول إليها هو الهدف الرئيس:
فنحن لسنا ناديًا رياضيًّا، بل مناضلون من
أجل برنامج يتطلب تنفيذُه حيازة السلطة. حركة
ثورية أخرى ذات رسالة تاريخية وعلمية، هدفها
أيضًا تحويل المجتمع عن طريق بسط وصاية عاتية
عليه، وصاية تنظيمية وسياسية وثقافية
واجتماعية. تحوَّل الأمر من فعل "ثوري"
مفترَض إلى هوس سلطوي لدى الأفراد/القادة
الباحثين، غريزيًّا، عن أدوار شخصية قد لا
تلبِّي، في كثير من الأحيان، حاجاتِ
مجتمعاتهم ومواطنيهم وأحزابهم؛ هوس يكتسح
كلَّ ما يقف في طريقه، خصوصًا مَن يعجز عن
تلمُّس تلك الدوافع "الإنسانية" النبيلة
المزعومة إلى اعتلاء سدَّة السلطة. أصبح
الاقتتال على البقاء في السلطة قانونًا أكثر
وضوحًا وصدقية في الممارسة الفعلية! خدعتنا
المناصبُ الحزبية والحكومية وساهمت في صناعة
نموذج المواطن اللاهث وراء مكانة اجتماعية
مزيفة، بما توفِّره من مكاسب شخصية، مسوِّقًا
ما "يقدِّمه" لشعبه من "خدمات جليلة"،
موقنًا أن وجوده في هذه المناصب هو دور نضالي،
بل مقياس لتقدم بلادنا! والدولة البيروقراطية
تشجع انتشار هذا النموذج الفاقد، تدريجيًّا،
فكرَه الحرَّ وإحساسَه السياسي ومناعتَه
الخلقية. يتبين
لنا الآن أن الكثير من الحركات المدنية
تمارس تأثيرًا هامًّا، في بلدانها وعلى
الساحة العالمية، من خلال برامجها ذاتها وعبر
اقتناع الناس بتلك البرامج. ليس ضروريًّا أن
نجعل وجودنا في السلطة، كليًّا أو جزئيًّا،
شرطًا لازمًا لنتمكن من الإسهام في خلق ثقافة
سياسية جديدة. مثل هذه الثقافة لا ينتجها مَن
هم في السلطة فقط، وإنما مَن هم خارجها
أيضًا، أو مَن يمتلكون مساحةً رحبةً مستقلة
عنها، حتى لو استمروا داخلها. هؤلاء يصنعونها
صناعةً أوسع وأعمق. صياغة مثل هذه الثقافة
تحتاج إلى تحرر من تبعات الشراكات السياسية
وعوائقها لتكوين فاعلية أصيلة للحزب، تبرِّر
استمراره، بل وتضفي معنًى مجديًا على تحالف
سياسيٍّ لا تقيِّده خطوطُ المرجعية. ينبغي
نقد التجربة السياسية الوطنية في جوانبها
المختلفة، حتى لو ظهرت قريبة، كما يراها
بعضهم، من النموذج الذي دعا إليه الشيوعيون
في مراحل من نشاطهم السياسي أو مطابقةً لهذا
النموذج. بسبب هذه القرابة، ندرك أكثر حجم
مسؤوليتنا في نقد التجربة، وليس في الترويج
لبقائها دون تغيير. فليجد
بعضُنا في الماركسية، عبر قراءته الجديدة
لها، طريقًا موثوقة لإنجاز بناء الدولة
الحديثة، مبرهِنًا على قدرة المنهج الماركسي
راهنًا – شرط أن يظهر هذا جليًّا في السياسات
المتبناة والمطبَّقة تطبيقًا ملموسًا: مسعًى
له مثل هذا الهدف النبيل يجدر الاحتفاء به! ها
نحن ندخل نطاق "الفلتان الفكري" الذي
شبَّهته جريدة النور بالفلتان الأمني[25]
– والعياذ بالله! بيد أن إنضاج الثقافة
السياسية المتراجعة في بلادنا لن يحصل بلا
حوار رحب، صبور، دون خوف ودون تكفير! *** *** *** [1]
مداخلة
قدَّمها م. صريح البني في الندوة التي
نظَّمها "المكتب الفكري للحزب الشيوعي
السوري"، جناح يوسف فيصل، حول "بعض
مسائل الماركسية ومستجدات العصر". [2]
أوليغ شينين، نضال الشعب، العدد 687. [3]
المادية
الديالكتيكية، دار الجماهير، ص 40. [4]
المصدر
السابق، صفحة 180. [5]
الماركسية:
من فلسفة للتغيير إلى فلسفة للتبرير، ص 41. [6]
راجع
مساهمة
فالح عبد الجبار في كتاب الفكر العربي
وتحولات العصر. [7]
راجع
مداخلة نشوان الأتاسي بعنوان: "تعليق على
مقال الاتفاق والاختلاف فوق أرض واحدة
لصريح البني"، معابر إصدار آذار 2007،
"المرصد". [8]
النور، 27/04/2005. [9]
المادية
الديالكتيكية، ص8. [10]
المادية
الديالكتيكية، ص 109. [11]
بسراب
نيكولسكو، العبرمناهجية: بيان، بترجمة ديمتري أڤييرينوس، ص 41. [12]
المرجع
نفسه،
ص 39. [13]
المادية
الديالكتيكية، ص 113. [14]
المصدر
السابق، ص 23. [15]
المصدر
السابق، ص 268. [16]
المصدر
السابق، ص 264. [17]
المصدر
السابق، ص 283. [18]
المصدر
السابق، ص 285. [19]
في الفكر العربي وتحولات العصر، ص 353-358. [20]
كورنيليوس
كاستورياديس، تأسيس المجتمع تخيليًّا،
ص 27. [21]
المادية
الديالكتيكية، ص 337. [22]
المادية
التاريخية، دار الجماهير، ص
78. [23]
المادية
الديالكتيكية، ص273. [24]
راجع:
النور، العدد 289. [25]
النور، العدد 164. |
|
|