|
كلمة
البابا أمام سفراء الدول الإسلاميَّة (النص
الحرفي[1]) يسعدني
أن أستضيفكم في هذا اللقاء لتدعيم روابط
الصداقة والتضامن بين الكرسي الرسولي
وجماعات مسلمين في العالم. أشكر الكاردينال
پول پوپارد، رئيس المجلس البابوي للحوار بين
الأديان، على كلماته وأشكركم جميعًا على
قبولكم دعوتي. إن الظروف التي حملت على عقد
هذا اللقاء واضحة لدى الجميع. ولقد أتيحت لي
الفرصة في الأسبوع الماضي لأتوقف عند هذه
المسألة. وفي هذا الإطار الخاص، أود اليوم
التأكيد مجددًا على التقدير والاحترام
العميق الذي أكنُّه للمؤمنين المسلمين،
وأذكِّر بأقوال المجمع الفاتيكاني الثاني
التي هي، بنظر الكنيسة، شرعة الحوار الإسلامي–المسيحي: تنظر
الكنيسة بعين الاعتبار أيضًا إلى المسلمين
الذين يعبدون الإله الواحد، الحي القيوم
الرحيم الضابط الكل، خالق السماء والأرض،
ويجتهدون في أن يخضعوا بكلِّيتهم حتى لأوامر
الله الخفية، كما خضع لها إبراهيم الذي
يُسنَد إليه بطيبة خاطر الإيمانُ الإسلامي. (تصريح
"في عصرنا"، رقم 3) وفي هذا التطلع، ومنذ بداية
حبريَّتي، أتيحت لي فرصةُ التعبير عن أمنيتي
بالاستمرار في إقامة جسور صداقة مع أتباع
جميع الديانات وعن تقديري الخاص لنموِّ
الحوار بين المسلمين والمسيحيين (من "خطاب
إلى ممثلي الكنائس المسيحية والديانات
الأخرى"، 25 نيسان 2005). وكما أكدتُ في كولْن في
السنة الفائتة، لا يمكن للحوار الديني
والثقافي المشترك بين المسيحيين والمسلمين
أن يقتصر على خيار عابر. إنه ضرورة حيوية
يتعلَّق به جزءٌ كبير من مستقبلنا. وفي عالم
يتميز بالنسبية ويستثني، في غالب الأحيان،
تعالي شمولية العقل، نحتاج إلى حوار أصيل
بين الديانات والثقافات قادر على مساعدتنا
كي نتخطى معًا كلَّ التوترات بروح تعاوُن
مثمر. ورغبةً مني في مواصلة العمل
الذي بدأه سلفي البابا يوحنا بولس الثاني،
آمل حقًّا أن تستمر علاقاتُ الثقة التي
نَمَتْ بين المسيحيين والمسلمين منذ سنوات
طويلة، لا بل أن تنمو بروح الحوار الصادق
والاحترام المتبادل على أساس المعرفة
المتبادلة والحقيقية التي تقر بفرح بالقيم
الدينية المشتركة بيننا والتي تحترم
الاختلافات في صدق. إن الحوار الديني
والثقافي المشترك ضرورة لنبني سوية عالم سلام
وأخوَّة يتوق إليه جميعُ البشر من ذوي
النوايا الطيبة. وفي هذا القطاع، ينتظر منا
معاصرونا شهادةً بليغة على قيم البُعد الديني
للوجود. وكذلك أيضًا، وأمانةً منهم
لتعاليمهم وتقاليدهم الدينية، فإن المسيحيين
والمسلمين مدعوون إلى العمل معًا، كما يحصل
في خبرات مشتركة مختلفة، لتحاشي أيِّ شكل من
أشكال عدم التسامح ولرفض العنف في مختلف
أشكاله. وتقع على عاتق السلطات الدينية
والسياسيين مسؤوليةُ إرشادهم وتشجيعهم في
هذا الاتجاه. في الواقع، وإذا
كانت نشأت على مرِّ القرون منازعاتٌ وعداواتٌ
كثيرة بين المسيحيين والمسلمين، فالمجمع
المقدس يحض الجميع على أن يتناسوا الماضي
وينصرفوا مخلصين إلى التفاهم المتبادل
ويصونوا ويعزِّزوا سوية العدالة الاجتماعية
والخيارات الأخلاقية والسلام والحرية لفائدة
جميع الناس. (تصريح
"في عصرنا"، رقم 3) يجب على خبرات الماضي أن
تساعدنا على البحث عن دروب المصالحة كي نعيش
ضمن احترام هوية كلِّ فرد وحريته في ضوء
تعاوُن مثمر في خدمة الإنسانية برمتها. وكما
قال البابا يوحنا بولس الثاني في خطابه إلى
الشبيبة في الدار البيضاء في المغرب: إن
الاحترام والحوار يقتضيان التبادلية في جميع
المرافق، ولاسيما فيما يتعلق بالحريات
الأساسية، وفي شكل خاص بالحرية الدينية.
إنهما يعزِّزان السلام والتفاهم بين الشعوب. (رقم
5) أيها الأصدقاء الأعزاء، إني
على اقتناع تامٍّ، في الوضع الذي يشهده
العالم اليوم، بضرورة أن يلتزم المسيحيون
والمسلمون سويةً مواجهةَ التحديات الكثيرة
أمام البشرية، وبخاصة فيما يتعلق بالدفاع عن
كرامة الشخص البشري وتعزيزها، وكذلك أيضًا عن
الحقوق المتأتية عنها. وفيما تزداد خطورةُ
التهديدات على الإنسان والسلام، ومع الإقرار
بميزة الشخص المركزية والعمل عملاً دؤوبًا من
أجل احترام حياة الشخص، يعبِّر المسيحيون
والمسلمون عن طاعتهم للخالق الذي يريد أن
يحيا الجميع في الكرامة التي منحهم إياها. أيها الأصدقاء، أتمنى من
كلِّ قلبي أن يقود الله الرحيم خطانا على دروب
التفاهم المتبادل والحق. وتزامنًا مع انطلاق
المسيرة الروحية للمسلمين مع بداية شهر رمضان
المبارك، أوجِّه لهم تمنياتي الودية، آملاً
أن يمنحهم الله الكلِّي القدرة حياةً هادئة
ومشرقة. فليمنحكم إله السلام والجماعات التي
تمثِّلونها فيضَ بركاته! ***
*** *** [1]
النص الحرفي المترجَم الذي نشره الفاتيكان
للكلمة التي ألقاها البابا بنديكتوس
السادس عشر بالفرنسية في 24/09/2006 خلال لقائه
سفراء الدول الإسلامية المعتمَدين لدى
الفاتيكان في كاستيل غاندولفو.
|
|
|