|
العرفان
في مسلك التَّوحيد صَدَرَ
للباحث د. سامي مكارم كتابٌ جديد بعنوان العرفان
في مسلك التوحيد: الدرزية عن "مؤسَّسة
التراث الدرزي" بلندن. وقد جاء في تصدير
الكتاب: إنها
لمأثرة جديدة تضمُّها مؤسسةُ التراث الدرزي
إلى مآثرها الجمَّة، برعايتها نشر هذا
المؤلَّف المهم للپروفسور الدكتور سامي
مكارم حول العرفان في مسلك التوحيد.
والدكتور مكارم، كما هو معروف، نَذَرَ حياته
العلمية وجهده الفكري وإبداعه الفني والشعري
للإضاءة على الحقائق العرفانية. وهو في هذا
الكتاب يُظهِر اقتران هذه الحقائق بمعتقد
التوحيد، من حيث هو مسلك نحو المرتجى الأسمى،
وهو، كما يقول، "التحقق في الواحد الأحد". فبعد الحلاج في ما وراء
المعنى والخط واللون، والشيخ علي فارس،
وعاشقات الله، ومرآة على جبل قاف، وضوء
في مدينة الضباب، وقصائد حب على شاطئ مرآة،
– وهي بعض كتب د. مكارم التي تنوف على
العشرين، – يسير المؤلِّف بقارئ هذا الكتاب
في رحلة عرفانية تشدُّه إلى نشدان المزيد في
الطريق إلى الحق. وهو يسعى، في مثابرة وطول
أناة، إلى شرح المفاهيم العرفانية وفق عقيدة
التوحيد، مستندًا إلى القرآن الكريم والحديث
الشريف وتعاليم الأولياء الموحِّدين وأقوال
كبار أهل التصوف. وإنها لمُهمَّة عصيَّة، لأن
ما تتناوله هو خبرة أو خبرات روحية وعقلية
تقارب عالم الحبِّ المطلق، يكاد أن يتعذر
التعبير عنها بلغة المكان والزمان. غير أن
للمؤلِّف من الوضوح والعمق وسعة الفهم
والسلاسة والبلاغة في التعبير ما يجعل هذه
الرحلة العرفانية دعوةً فسيحةً إلى التمتع
بمناخ روحيٍّ صافٍ مفعم بحبِّ الله الذي هو
ذروة التوحيد: فالمعرفة،
في نظر الموحِّدين، لا تصح إلا إذا اقترن علمُ
التوحيد والعمل به بحبِّ الإنسان لله خاليًا
من كلِّ "أنا" وصافيًا من كلِّ غاية إلا
الله. (ص 35) وما ذلك إلا لأن العلم
والعمل والإيمان والعبادة [...]
إنما توصِل الموحِّد إلى الباب. أما الحب فهو
الذي يفتح الباب، فيدخل الموحِّد إلى الله. (ص
44) والخلاص من "الأنا"
الفردية شرط الزهد والتقوى وأساس الأخلاق.
فالزهد، كما ينقل المؤلِّف عن أحد الأولياء
الصالحين، "ليس ألا تملك شيئًا، بل الزهد
ألا يملكك شيء" (ص 179)، [...]
فتنعتق، بالتالي، من الرغبات والحاجات
والمطامع، وتُقبِل نحو الآخر بشغف ومحبة
واحترام وحُسْنِ معاملة – وهي أركان الخلق
القويم. يبقى أن نقول إن الكتاب
يُدرِج التوحيد الدرزي في رحاب الإسلام
الحنيف في تجلِّيه التاريخي المحمدي. وهذا
وإن صحَّ باعتبار "الإسلام" (بمعناه
الكوني) جوهر الأديان كافة فهو ليس صحيحًا من
الوجهة التاريخية، حيث إن للتوحيد "الدرزي"
سماتٍ خاصةً تميِّزه عن الإسلام المحمدي –
دون أن ننكر هضمَه لعناصر إسلامية لا ريب فيها. ***
*** *** |
|
|