|
المجموعة
الشمسيَّة من منظور مُعاصر رؤية
مستقبليَّة لكوكب الشَّمس ومصيره المحتوم
بالتلاشي حاول
المهندس فايز فوق العادة، رئيس الجمعية
الكونية السورية ومؤلِّف كتاب المجموعة
الشمسية من منظور معاصر·، مراجعة أحدث ما
خَلُصَ إليه العلماء في سياق أبحاثهم في خصوص
هذه الأسرة الكونية الصغيرة. إنها أسرة "مركزية"،
بمعنى أن جسمًا هائلاً هو الشمس يتوسط
الحيِّز من الفضاء الذي تشغله، وهو يضم معظم
مادة الأسرة. إن أي ناظر من بعيد لن يميز إلا
الشمس، بينما يغيب عنه بقيةُ أفراد الأسرة
الآخرين نظرًا لضآلتهم. إننا نقطن ركنًا
صغيرًا من أركان الأسرة الشمسية هو كوكب
الأرض. وقد تم تبويب الكتاب على
فصول سريعة، أشبه بـ"لقطات" تضع القارئ
عند التخوم مما توصَّل إليه العلم في بحثه
الدائب عن فهم أفضل لأسرتنا الشمسية. الأستاذ
فايز فوق العادة يشرح مسألة فلكية خلال إحدى
ليالي الرصد الفلكي على قمة "الشاروبيم"
في القلمون (التسعينيات). يستبق المؤلِّف الزمن الذي
ستموت الشمس فيه (مع العلم أن الشمس تطلق من
الطاقة في كلِّ ثانية ما يكفي الإنسانية مدة
200000 سنة!). يزداد الهليوم في باطن الشمس مع
تقدم الوقت، وهكذا يصبح دفع الطاقة خارج
الشمس أسهل. ويعني ذلك أن نجمنا سيزداد
إشعاعًا مع الوقت، وسترتفع درجة الحرارة على
الأرض من 50 إلى 60 درجة مئوية، فتبدأ المحيطات
بالتبخر، وتأخذ الأجناس الحية في الانقراض،
ولا يبقى من أنماط الحياة إلا أشكال معقدة في
قيعان المحيطات، لكنها تموت تدريجيًّا مع
استمرار التبخر. تزداد حرارة كوكب الزهرة في
أثناء ذلك حتى يأخذ في الانصهار. أما المريخ
فيفقد غلافه الجوي برمته. لن تتأثر الكواكب
الخارجية بهذه التطورات التي يُتوقع حدوثها
بعد 500 مليون سنة من الآن. ينفد الهيدروجين من
باطن الشمس في غضون 4000 مليون سنة؛ لكن
التفاعلات النووية الاندماجية تستمر في
الجزء المحيطي من الشمس، حيث توجد كميات أخرى
من الهيدروجين، ويبدأ مركز الشمس، تبعًا
لذلك، بالانكماش، ويتضاعف سطوع الشمس، كما
يزداد حجمها في سماء الأرض. تتفاقم الأحوال السيئة في
الكواكب القريبة من الشمس، فتصل درجة الحرارة
في كوكب الأرض إلى 300 درجة مئوية، وتتابع
درجات الحرارة في باطن الشمس ارتفاعها، فيكبر
حجمها بعد ذلك، ليغدو قطرُها مساويًا 60 ضعف
قطرها الحالي. ومع انخفاض درجة الحرارة على
سطحها إلى 3500 درجة مئوية يزداد سطوعها
بأربعمائة ضعف سطوعها الحالي. يتبخر عطارد
إثر ذلك، وتحترق الزهرة والأرض والمريخ
وتبتلعها الشمس. وفي مرحلة تالية، تجنح
الشمس إلى التقلص وتصبح نجمًا متغيرًا يخفت
ويسطع بدوره عدة ساعات. تبقى الشمس على هذه
الحال أكثر من مئة مليون سنة، تطلق في أثناءها
كميات كبيرة من مادتها، حتى تتقلص لتغدو في
حجم الأرض. ثم تموت الشمس فيما يصطلح الفلكيون
على تسميته بـ"القزم الأبيض"، إذ تغدو
كتلةً هامدة من إلكترونات لا تطلق من الطاقة
إلا النزر اليسير. ويشرح المؤلِّف الكثير من
التفاصيل المتعلقة بالبراكين والزلازل.
فاليابسة تعاني من مليون زلزال كلَّ عام، مئة
زلزال منها محسوسة إحساسًا واضحًا وعشرة
زلازل منها كبيرة، بعضها كارثي. إن أسوأ زلزال
معروف كان ذاك الذي ضرب منطقة شنسي في الصين
وذهب ضحيته 830000 شخص. رأى أرسطو أن كتل الهواء
الحبيسة في القشرة الأرضية تحاول التحرر،
فيؤدي ذلك إلى حدوث الزلازل. بينما يرى
العلماء المعاصرون أن الزلازل إنما هي نتيجة
لتأثير الحرارة الجوفية على الإجهادات
الحبيسة في الصخور. مازال العلم عاجزًا عن
التنبؤ بالزلازل، ولا توجد منطقة على الكرة
الأرضية في منأى عن أخطارها، ومعالجتها هي
معالجة وقائية. قد يسبق الزلازل انضغاطُ
الصخور أو شد بعضها لبعض، الأمر الذي يؤدي إلى
نبذ الماء أو، على العكس، إلى تغلغله ضمن
الصخور. والنتيجة واحدة: تغيير منسوب المياه
الجوفية في منطقة معينة. هكذا رصد الصينيون
تغير منسوب الماء عبر شبكة من الآبار في مساحة
واسعة، وكان أن أخلوا مدينة كاملة يوم 4 شباط
1975، ونجا مليون إنسان من زلزال مدمِّر ألمَّ
بتلك المدينة. لكن الطريقة ذاتها فشلتْ في
التنبؤ بزلزال كارثي ألمَّ بمدينة صينية أخرى
في العام 1976 وذهب ضحيته الآلاف. إن أمتع فصول هذا الكتاب
القيم هو الفصل الخامس والعشرون الذي يتحدث
عن "الارتحال الأعظم". لقد أُطلِقَتْ
المركبة فويجير 1 من الأرض في 20 آب العام 1977،
وتبعتْها فويجير 2 في 5 أيلول من العام نفسه.
مرت فويجير 1 بالقرب من زحل في 12 تشرين الثاني
1980، وتوجهت بعد ذلك صوب الحدود الخارجية
لمجموعتنا الشمسية. أما فويجير 2 فقد اندفعت
نحو أورانوس ونپتون الذي بلغتْه يوم 25 آب من
العام 1989. تبحر المركبتان الآن بسرعة تصل إلى
مليوني كم في اليوم بهدف بلوغ نطاق الصمت
الشمسي. تُعتبَر مركبتا فويجير
رسالتان من حضارتنا، تعكس كلٌّ منهما السوية
التي استطاع علماء الجنس البشري بلوغها. لكن
العلماء لم يكتفوا بذلك؛ إذ لا بدَّ من إيضاح
خصائص هذا الجنس. وهكذا حمَّل العلماء كلاًّ
من المركبتين رسالةً في هيئة تسجيل مكثف على
قرص من الذهب الخالص، وُضِعَ في حاوية من
الذهب الخالص أيضًا. تضمَّن كل قرص تحيات
مكررة باستخدام 55 لغة من لغات البشر وإحدى
لغات الحيتان، وتسجيلاً مدَّته اثنتا عشرة
دقيقة لإرهاصات بشرية متباينة، منها صرخة
وليد. كما تم ترميزُ 116 صورة عن المدينة
المعاصرة وضغطُها على كلِّ قرص. احتوى كل قرص أيضًا على
تسجيل مرمَّز مدته 90 دقيقة لأهم الإنجازات
الموسيقية التي أبدعها الجنس البشري، فكانت
هناك مقطوعة موسيقية تعود إلى ثلاثة آلاف
سنة، وأخرى تمثل زفافًا شعبيًّا عند الشعوب
القديمة التي قطنت الپيرو، كما وُضِعَتْ على
كلِّ قرص مقطوعات لبيتهوفن وموتسارت
وسترافنسكي وسواهم. زبدة القول إنه إذا انتهى
الجنس البشري بانفجار الشمس فإن فويجير ستكون
الدليل القوى على أنه وُجِد. غدت فويجير 1 الآن على مسافة
70 وحدة فلكية عن الشمس (تساوي الوحدة الفلكية
متوسط بُعد الأرض عن الشمس، أي حوالى 150 مليون
كيلومتر). ومازالت أجهزة المركبتين تعمل بشكل
جيد وتتراسل مع الأرض على نحو فعال. ***
*** *** تنضيد:
نبيل سلامة · فايز فوق العادة، المجموعة
الشمسية من منظور معاصر، دار الفكر، دمشق
2002. |
|
|