للصِّغار

(2 من 3)

 

حياة أبو فاضل

 

وجه مِسّْ رانيا يزداد إصرارًا كلما خرجت من شفتيها كلمةٌ جديدة قاسية توجِّهها إلى رامي الصامت، الناظر إلى قدميها الكبيرتين، مطبق الفم، لا يصدر عنه أيُّ صوت. "أسبوع بكامله يا رامي ولا تحضِّر فرضًا من فروضك! قل لأمك إني أريد مقابلتها قبل دخولك الصف غدًا." ويعود رامي إلى كرسيه بوجه هادئ لا يحمل أثرًا للخوف أو للشيطنة. وفي فرصة الساعة العاشرة يخبر صديقه داني أنه لن ينجز فروضه لأيام بعد؛ فهو يطالع عند المساء. "تعلمتُ أشياء كثيرة وجديدة من كتاب أسئلة وإجابات للأولاد"، قال، "وقرأت قصة للصغار من جريدة والدي، ثم أنجزت في الصف كلَّ التمارين التي شرحتْها مِسّْ رانيا. سأقول لها ولوالدتي كلَّ هذا غدًا، وسأقرأ مساءً ما يحلو لي." ويسرع رامي إلى كافيتيريا المدرسة ليشتري منقوشة بالزعتر قبل جرس الحصة التالية.

*

كان القصاص قاسيًا. حُرِمَ من مصروفه ومن مشاهدة التلفزيون مدة أسبوع. ليته لم يمزق كتاب أخته. إلا أنه حزن كثيرًا حين سمع والدته تقول لها: "تدرسين وتساعدينني في أعمال البيت، ووليد يلعب ويلعب!" فمزق كتابها وكان القصاص. واليوم تقول والدته: "حبيبتي رنا، البسينة تأ

ضمَّتْه أمُّه إلى قلبها: "أنا دائما أحبك كثيرًا، كثيرًا، كثيرًا، كثيرًا!"

*

كل عشاءها. إنها ملاك، على عكس وليد." وتذكَّر الهرة الشقراء تأتي كلَّ مساء إلى مطبخهم لتأكل. وحين ملأتْ مالي صحنه بالبيض المقلي والجبن حمله إلى الهرة المنتظرة التي أكلت كلَّ ما فيه وغسلت يديها وفمها وأغمضت عينيها ونامت. فركض وليد إلى والدته قائلاً: "ماما، البسينة أكلت عشائي. فهل يمكنك أن تحبيني – ولو قليلا؟" و

سحبت يدها الصغيرة من تحت الشرشف الزهري وفتحت عينيها الرائعتين وارتدت فستانها الأبيض ثم سرَّحت شعرها الطويل وفتحت جناحيها وطارت. إنها جنية صغيرة بحجم حبة لوز، تسكن حيث لا أحد يعرف أين، وأحيانًا تطير لتنام داخل أزهار الربيع. وحين حطَّت في قلب زهرة غاردينيا، تذكَّرتْ حبيبَها الكنار بصوته الساحر، حبيبَها في زمن بعيد ولم تعد تراه. فتحت جناحيها، وحملها الهواء إلى نافذة قفص الكنار. لوَّحت بيديها الصغيرتين: "هاي"، همست. رآها وسمع صوتها، وكأنه لا رأى ولا سمع. ابتسمتْ، ولامس وجهُها الزجاج، فما فتح لها. وبعدما انتظرت قليلاً نفضت جناحيها وغادرت بلا فرح، بلا تغاريد. وأغمض الكنار عينيه واختبأ داخل ريشاته وقطع كلَّ كلام له مع خيوط الشمس.

*

دخل الهواءُ بين أغصان شجرة الخوخ حاملاً أوراقَها وخوخاتِها الخضراء غير الناضجة، فرقصت الأغصان وتماوجت الأوراق تحت خيوط الشمس. من وراء النافذة فتحت ناتالي عينيها الواسعتين على الشجرة الأرجوحة، ثم رأت ظلَّها الذي صنعتْه الشمس يرقص على أنغام أنشودة الهواء كأنه بحيرة. فتحتْ بابَ البيت وركضتْ إلى البحيرة كفراشة أو كبجعة رائعة، ورقصت. طار شعرها، طار فستانها، وأخذت تدور مع الأغصان مغمضة العينين. وحين نظرت إلى البحيرة تحت قدميها رأت خيالها معانقًا خيال شجرة الخوخ في رقصة واحدة نَسَجَ أنغامَها هواءُ الصباح.

*

أخذتْها زهرةُ الغاردينيا بين وريقاتها البيضاء العطرة، وشربت دموعها، وأخذتْ عنها أوجاع قلبها الصغير. "هل للجنيات قلوب؟ – تلك التي بحجم حبة اللوز." لِمَ لم يفتح لها الكنار ولم يتذكر حتى اسمها. هي ما نسيت أغانيه ولا عينيه المفتوحتين على صوتها. نامت. ومع الضوء الأول استفاقت باكية، فوشوشتْها زهرة الغاردينيا: "سأغني حتى تختفي آخرُ نقطة ألم من عينيك." وغنَّت، وطار صوتُها بعيدًا، وعاد بكنار ترك قفصه وحطَّ على غصن قريب، وتحت جناحه غيتارُه الصغير الأبيض.

*

"وأنا أشتهي الفضاء والهواء"، قالت السمكة لطائر كبير وقف على شرفة البحر مشاهدًا لطائر غروب الشمس. "أعطني جناحيكَ!" وغطستْ تحت الماء لثوانٍ وعادت. "وماذا تعطينني أنتِ في المقابل؟" "لا أعطيكَ شيئًا. فأنت قبل أن تطير مررت بالماء المالح حيث بدأت الحياة. أعطني جناحيكَ!" "أعطني جلدكِ لأبلع قعر البحر ولا أختنق. أريد زيارة مدينة البحر"، قال الطائر. نظرت إليه السمكة الذهبية وهزَّت رأسها وانسحبت إلى ما تحت الموج. فمدَّ جناحيه وارتفع إلى قمة عالية، يلفُّه هواء بارد لذيذ، بينما تابعت السمكة انزلاقها داخل حياة دافئة، مطمئنة إلى بحر يحضنها ويمنحها كلَّ ما تحلم به... إلا الهواء.

*

مشت ماشا بين أقفاص كثيرة، وراء قضبانها من هو أكبر حجمًا منها بكثير. إنها هرة رمادية في حديقة حيوانات في الهند. وحين سمعت مواءً صاخبًا نظرت لترى هرة كبيرة تشبهها، لكنها بحجم رجلين ضخمتين. حاولت الدخول إلى قفص شبيهتها النمرة التي أخافتْها بأنيابها الظاهرة، فقوَّست ظهرها، ونفشت ذيلها، ونفخت متراجعة إلى الوراء، وهربت إلى قفص مَن يشبه إنسانًا في معطف من الفراء. وجهُه هادئ، جميل، باسم. مشت إليه متمهلة، ولم تعرف أنه قرد حكيم. ثم قفزت إلى حضنه وجلست، فمرَّ بيده على رأسها وظهرها. أخذت تهمدر، ثم أغمضت عينيها، وبدأت تحلم بجدها الذي أضاعتْه يوم كانت هرة صغيرة.

*

سمعها تقول لرندا: "سأذهب غدًا مع أمي لأشتري برداية لغرفة نومي. أريدها بألوان الغابة." أدار وجهه وتذكَّر النافذة العالية في غرفة نومهم جميعًا، هو وأخواه وأمه. والده ينام على فراش على أرض غرفة الطعام، ترتِّبه والدتُه قبل أن ينام بدقيقة. لا ستائر في بيتهم الصغير، وزجاج نوافذهم يلمع دائمًا، نظيف، ككلِّ ما في البيت. يذهب وأخواه إلى مدرسة هي قلب بلدته الجميلة. صوت لينا يدخل قلبَه كلما سمعها. ولن ينسى نظراتِها إلى قطعة من الصفوف بالدبس يأكلها في فرصة الساعة العاشرة. "خبزتْها أمي"، قال لها، ثم قسمها وأعطاها أكثر من نصفها. أكلتْها بشهية وشكرتْه. فهل ستسمح له بإلقاء نظرة على برداية غرفتها الجديدة، لو تجرأ وسألها؟

*

امتلأ رأسُه كلامًا عن الفرنكوفونية في المدرسة وفي البيت، وفهم أن من يتكلم الفرنسية كلغة أولى له أو ثانية هو "فرنكوفوني" من حيث لا يدري. هو يتكلم الفرنسية. تعلَّمها من أمِّه صغيرًا، ويتعلَّمُها اليوم في مدرسته. إلا أن هذه الكلمة الطويلة لا تعجبه، ولن يتكلم الفرنسية بعد اليوم، ولا العربية حتى. سيخترع لغة جديدة. وجاء بقلم وورقة وكتب أسماء جديدة لكلِّ ما يعرف. ونسي الأفعال والصفات وكلَّ ما يركِّب لغة. ثم أخبر جنان، أخته الصغيرة، بجديد اختراعه. خافت جنان وسألته: "كيف ستعرف الفراشة والعصفور والكلب والحصان أنك غيَّرتْ أسماءها؟" "لن تعرف"، قال رجاء، "لأن لها أسماء كثيرة بلغات كثيرة، وهي لا تعرفها، ولن تهتم بالأمر لأنها لا تتكلم. نحن فقط نعطي الأشياء أسماءها لأننا نحكي كثيرًا." ولم تفهم جنان، لكن إعجابها بأخيها الكبير ازداد وملأ كلَّ غرف البيت، وفاض إلى الحديقة والشارع الكبير.

*

عقدت ميني ماوس شريطًا أحمر منقطًا بالأبيض بين أذنيها، ولبستْ حذاءها الأصفر، وقفزت إلى رفِّ كتب في غرفة واسعة. أسندت ظهرها إلى كتاب شعر، والتفتت إلى اليسار، فرأت صورة لهرٍّ عيناه ذهبيتان وصوفُ ظهره ورأسُه أسود لامع، بينما بطنُه أبيض كالثلج. ابتسمتْ ساخرة من صورة هرٍّ بحجم حذائها الأصفر. لمعت عيناه ذهبًا وتطلع إليها. هو صورة، لكنه تمطَّى وخرج من الصورة بحجمه الصغير ومشى. خافت قليلاً، ثم وقفتْ وقفزت إلى الأرض، فوقع كتاب الشعر. قفز آرتشي بعدها بلحظة، وحين لامس الأرض انقلب هرًّا كبيرًا أرعبها، فتراجعت إلى أقصى الوراء، وسقطت داخل سلة فيها كتب ولعبة من صوف. دخل أنفَها الطويل أريجٌ شعرت معه بدوخة وبجوع: رائحة شوكولا. أخذتْه من السلة. وعند أول قضمة لها مدَّ آرتشي يده ليأخذ قطعة. قرَّبتْ اللوح من فمه. قضم وترك لها قطعة أخيرة أكلتْ نصفها وتركت له نصفها. وحين قفز إلى السلة أفسحتْ له، فجلس قربها ونسي أنه خرج من صورة صغيرة اختفت عن رفِّ كتب في غرفة واسعة.

*

لا أعرف الكلام، لكنني أفهم كلَّ ما أسمع، وأعرف كم يحب الجميع يمنى، وبي فرح كثير، ولكنني أخاف. أمِّي لا تعرف لِمَ، حين تحملني لتضعني في عربة ذات دوائر تدور لتمشي، أرفض الجلوس داخلها. أمدُّ رجليَّ كأنني واقفة ولا أطويهما. تدمع عيناي ولا أتكلم. "مشوار، يمنى"، تقول ماما محاولة إقناعي، وأخيرًا تنجح في القبض عليَّ داخل العربة، ويبدأ المشوار. كلُّ ما حولي مرتفع: الناس والأشياء والأصوات. وتلك العلب الكبيرة جدًّا، ذات الشبابيك الكثيرة، تحملها دوائر، أكبر من ماما، تسرع ويطير منها هواء ساخن ودخان أسود يدخل وجهي وفمي فأكاد اختنق، ويرعبني صوتها القوي. تمر كلُّها، ولا تنتهي إلا متى انتهى المشوار آخذًا معه كلَّ فرحي. "لا مشوار"، كلمتان أوليان سأقولهما حين أتعلم الكلام.

*

علَّقتْ ساندرا آخر لمبة حمراء على غصن شجرة عيد الميلاد، ورجعت إلى الوراء لترى ما يشبه السحر: ألوان وأضواء في رقصة فرح حقيقي. وبدأت تغني بالإنكليزية: "تعالوا إلى بيت لحم وانظروا، ولد ملك الملائكة." وعلى غصن منخفض وقف ملاكٌ أبيض صغير وحيد، كأنه لا ينتمي إلى الزمن الجديد. ملاك للزينة آتٍ من فلسطين حملتْه جدة ساندرا حين أُرغِمَتْ مع أهلها على مغادرة بيتهم في حيفا، وكانت صبية تأمل في أن يعودوا يومًا إلى أرضهم. حكاية تكرِّرها الجدة لأحفادها كلَّ عيد ميلاد للمسيح الذي تكلم كثيرًا عن الحب والسلام. لكن ساندرا ترى يوميًّا أطفالاً يُقتَلون في كلِّ فلسطين، وطن جدتها وموطن المسيح. فلا سلام بعد. لمست بشفتيها رأس الملاك الأبيض وركضت إلى جدتها: "تيتا، متى ولد المسيح؟" "من ألفي سنة." وأغمضت الصغيرة عينيها على ألم كبير كاد أن ينسيها جمال شجرة العيد.

*

للمرة الثانية، كما من ألفي سنة، أضاءت ليلةَ الميلاد نجمةٌ كبيرة جاءت تزور سماء فلسطين، فركض صغارُها ووقفوا في العراء. كثرٌ وقفوا على أنقاض بيوتهم التي هدمها جنودٌ إسرائيليون. ومنهم من وقف في حقول محروقة كانت تموج بالأخضر، لولا جنود الأعداء. ومنهم من دخل الكنائس والجوامع ليصلِّي. وركض من تجرأ من صغار إسرائيل ونظروا إلى السماء، فشاهدوا مع صغار فلسطين طائرة كبيرة تسحبُها عشرات الجياد العربية، وصرخوا معًا: "بابا نويل!" وركضوا إلى مطار بيت لحم حيث حطَّت الطائرة وأحاطت بها جيادها. ثم خرج بابا نويل وصاح بصوت عظيم: "هو، هو، هو!" وبدأ يُنزِل علب الهدايا الكثيرة من الطائرة. وحين تقدم منه الصغار قال لهم: "هذه المرة الهدايا للراشدين من الصهاينة. ها أنا ذا أحمل إليهم ألوف القلوب ليزرعوها في صدورهم الفارغة، علَّها تنبض ببعض الحبِّ بعد غرقهم آلاف السنين في الجهل والشر." عندئذٍ تقدَّم صغارُهم، وحملوا العلبَ المملوءة قلوبًا إلى آبائهم القساة، وعلا هتاف صغار فلسطين لبابا نويل في ليلة ميلاد مضيء.

*

فاجأتْه سائلة: "أتكذب؟!" وفاجأها قائلاً: "نعم." صبي في السادسة ينتظر مثلها. هي سيدة، كلما رآها تنظر إليه ينقل بصره. ثم سألته: "كيف تكذب؟!" "أقول لوالدي أني ذهبت إلى مكان بعيد بعيد، بينما أنا في الحديقة تحت البيت." "وحدك تحت البيت؟" "لا، هناك جدي وجدتي." لم تسأله لِمَ يذهب بخياله بعيدًا؛ فهي تعرف كيف تبدأ المغامرة من الخيال. ويخرج رُوْيْ من جيبه ما يشبه معجون الأسنان ويفرغه في فمه. "ما هذا؟" تسأله. "شوكولا"، يجيب من دون أن ينظر إليها – هي التي اقتحمت أفكاره فأخبرها أنه يكذب أحيانًا. وكأنها صغيرة لم تحاسبه، لم تقل له: "عيب، لا تكذب!" وهو لا يريد مشاركتها معجون الشوكولا بعدما عرف من صوتها أنها تودُّ لو تذوقه.

*

أهي الكنبة الزرقاء؟! كلما جلس إليها والدا نسرين يبدأ حوار بينهما يشبه الشجار لأن أمام الكنبة المريحة جهاز التلفزيون وشاشته الكبيرة. والد نسرين عراقي، يريد أن يسمع أخبار وطنه الشاسع الغنيِّ وذاك الأمريكي الذي ينتهي اسمه بحرف الشين، وهو يستعدُّ، كما في أفلام الكرتون، لغزو العراق. أما والدة نسرين اللبنانية فتريد أن تسمع توقعات ماغي للعام الجديد. وكالعادة، تنتصر الماما، وتظهر ماغي الحلوة حاملة أخبار الفضاء والكواكب والأبراج. ولا تفهم نسرين ما تعني الأبراج، وإن كانت من بنات برج القوس. وحين يحدِّق والدُها مصغيًا بانتباه إلى خبر أربعة كواكب تجتمع لتشكل مربعًا يعلن حصول حرب، كما في الحروب العالمية السابقة، تسأل نسرين بصوت عالٍ يزعج والديها: "من يصنع الحروب، الكواكب في السماء أم الناس على الأرض؟" وتُسكِتُها والدتُها لتسمع ما يحمل إليها برج الحوت.

*

أنا لا أقول "بونجور"، ولا "هاي"، أقول "السلام عليكم". "وعليك السلام يا محمود." هكذا دخل الصبي الأسمر الوسيم بسنواته الخمس، وبعينيه السوداوين المتوقفتين عند سيارة حمراء صغيرة على رفٍّ في محلات رويدا، وبيده خمسمئة ليرة معدنية. "أريد أن أشتري هذي السيارة"، قال. "لا تكفي نقودك لشراء سيارة. هل تقبل أن أشاركك في توفير ثمنها؟" سألتْه بخجل، فابتسم ولم يجب. أعطتْه بعض النقود. أخذها شاكرًا وسألها عن اسمها. وحين قالت له "حياة"، قال: "اسمك جميل، أنتِ مثلنا أم مثلهم؟" وأشار بعينيه إلى رويدا وأمل وأنطوانيت. وفهمت حياة وقالت: "كلنا واحد يا محمود، لا فرق بيننا. أنت مثلنا ونحن مثلك، لا فرق!" ودخل اطمئنانٌ إلى وجهه ويديه التواقتين إلى ضمِّ السيارة الحمراء اللامعة يومًا ما.

*

أخذ غيتاره الصغير من تحت ريشات جناحه الأصفر، وبمنقاره حكَّ الأوتار التي رقصت وأرسلت أنغامًا زرقاء وبيضاء دخلتْ قلب الجنية المنتظرة داخل زهرة غاردينيا. الأنغام الزرقاء همست لها أنه حافظٌ كلَّ حكاياها، لونَ عينيها، رائحةَ شعرها، وصوتَها المسحور. والأنغام البيضاء قالت: "ولو أنتِ بعيدة نحن معًا، نفرح معًا، نحزن معًا، ننتظر معًا، الآن ودائمًا." وحين امتزجت الأنغام الزرقاء والبيضاء، أضاء نورُها قلبَ الجنية التي بحجم حبة لوز، وعرفتْ أنها حتى لو بعدت، لو لم تره، لم تسمع صوته، هما في لقاء مستمر، لأنه اختار أن يأتي كنارًا أصفر، واختارت أن تأتي جنية صغيرة ليختبرا أسطورة الحب. وأقسمت أنها لن تنسى ذلك أبدًا أبدًا أبدًا.

*

تعرف آنجي الشقراء أشياء كثيرة، رغم سنواتها الأربع. تعرف أن شعرها النازل إلى تحت كتفيها خواتم ذهب يُسمَح لها بأن تكبر لتصير باربي كما تشتهي، أو عروسًا بيضاء تجتذب الإعجاب من حولها. إلا أنها لا تفهم لماذا لا يمكنها أن تلفظ شتائم تسمعُها غالبًا من الكبار. "علينا ألا ننطق بكلمات معيبة، مثل إيلي الصبي في صفي"، تقول. وتتسع عيناها وتدعوك سرًّا من غير كلام أن تسألها عما يقول إيلي، فتسألها، وتكرج من فمها الساحر شتائم متتالية لا تفهم معناها، آتية من عالم الكبار، تخصُّهم. فتقتحم آنجي أسوارهم، تأخذها وتنشرها على لسان زميلها الصغير، ثم توصيك في حزم أن لا تردِّدها أنت لأنها غير لائقة!

***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود