|
نساء في
امرأة
سيرة لور مغيزل
وضاح
يوسف الحلو
الكاتبة
لور مغيزل مجموعة أوتار نغمية في وتر. حكاية
ثقافة وعشق للإنسان الكلِّياني، وانصباب
تركيزي على قضايا المرأة. رحلت عن الدنيا
باكرًا. أضنتْها مسيرةٌ نضالية مرهقة،
جمعتْها إيمان شمص شقير تحت عنوان نساء في
امرأة. إنها حكاية ثقافة
وفكر وعلم. اختارت لور الشابة لنفسها مشروع
حياة، فالتزمت به حتى الرمق الأخير. في دنياها
الجامعية ارتطمت الحقوقية باكرًا بمشاكل
المرأة حين لاحظت الإجحاف في حقِّها، فهالها
ما رأت، ولجأت إلى الحداثة القانونية لتطوير
الذهنيات. حصَّلت علومَها الحقوقية العالية
في منزل فَسَحَ مساحة لشعر لوي أراغون،
وجمالية نثر بول إيلوار، ووطنيات بابلو
نيرودا. وعندما كبرت لور أخذت تقتني مجموعات
الشعر العربية، مبدية إعجابها بأعمال ناديا
تويني ومحمود درويش. كانت مفرطة في طموحها
الثقافي، فاقتنت كتبًا لغاندي ومارتن لوثر
كنغ، إلى لوحات فنية لكبار الرسامين. على مدى خمسين عامًا
تصبَّب الكثير من العرق من جبهة لور مغيزل. لم
تعرف معنى الكلل أو الإحباط، حتى تحقَّق
بفضلها تعديلُ الكثير من القوانين، فضلاً عن
نضالات متنوعة. فمن مقر اللجنة الدولية لحقوق
الإنسان في الأمم المتحدة، إلى مقر "الجمعية
اللبنانية لحقوق الإنسان" في بيروت، إلى
"المجلس النسائي اللبناني"، إلى الحزب
الديمقراطي، إلى الاعتصامات الليلية ضد
العنف في لبنان، إلى خيمة التبرع بالدم... كل
ذلك وسواه حققته امرأة نحيفة أحبت بلادها يوم
تخلَّى عنها الجميع. تقول الزميلة سونيا
بيروتي: "كانت لور واثقة بأدائها عندما
استضفتُها في برنامجي التلفزيوني "نساء
عاشقات". تعرفت إلى إنسانة شغوفة بالعمل،
تقرن القول بالفعل، مثقفة إلى درجة الإشباع،
حقوقية رصينة." أدركت لور مغيزل، منذ
احتكاكها الأول بالعمل النسائي اللبناني، أن
هذا العمل مكتحل بالنزعة البورجوازية لا
النضالية، أنه حركة عائلات وصالونات وطوائف.
يومها، كان صَدَرَ للتوِّ قانونُ الانتخاب
الجديد للعام 1950 حارمًا النساء صراحةً من
حقِّ الانتخاب والترشُّح لمجلس النواب. وقد
ورد في متن المادة الخاصة: "لا يجوز أن
يَنتخِب ويُنتخَب للمجلس إلا من كان
لبنانيًّا مقيدًا في قائمة الناخبين الذكور."
في تلك المرحلة كانت ثمة جمعيتان نسائيتان
عاملتان: "جمعية التضامن النسائي" و"الاتحاد
النسائي اللبناني"؛ وكان بين الرائدات
السابقات على لور كلٌّ من إميلي فارس إبرهيم،
لور تابت، ابتهاج قدورة، ألين فرح، إفلين
بسترس، سلوى مومنة وأنيسة نجار. في كلِّ هذه
الأحداث كانت لور مغيزل محامية كلِّ تحرُّك –
ولم تكن تخرجت بعد من كلِّية الحقوق. وتروي أنيسة نجار أن
لور مغيزل كانت متجردة من كل نزعة فئوية حين
قالت كخطيبة: "إننا لم ولن نسلم بالمرسوم
الاشتراعي الذي اعترف للمرأة المتعلِّمة فقط
بحق الانتخاب [مرسوم تشرين الثاني 1952]."
وكانت لور تدرك أهمية مثل هذا المرسوم
للبورجوازية العليا ذات الغالبية المسيحية.
منذ هذا التاريخ بدأت تتخلَّى رويدًا عن
كتائبيَّتها لمصلحة الوضع الحقوقي للمرأة. تقدَّمتْ لور مغيزل
كلَّ المناضلات في سبيل حقوق المرأة حين
أطلقت في العام 1953 تحرُّكًا جديدًا هدفه
مساواة المرأة بالرجل في قضية الإرث – رغم
حساسية هذا الموضوع، وضرورة إقرار قانون مدني
موحَّد للأحوال الشخصية. واللافت أن هذا
القانون أُقِرَّ للطوائف المسيحية فقط، ولا
يزال يُعمَل به إلى هذا التاريخ. ورغم التطور
الحداثي العالمي فإن إقرار قانون موحَّد
للأحوال الشخصية وللإرث ما برح حلمًا بعيد
المنال إن لم تستجد صعوبات تعوق إرساء مثل هذا
القانون الضروري إذا أردنا لبنان كيانًا
نهائيًّا لعشائره الطوائفية. هذه الصعوبة
الاستثنائية في إقرار قانون موحَّد للأحوال
الشخصية تستدرج أختها في الوصول إلى كتاب
تاريخي موحَّد للبنان الكيان. في سنوات قليلة
تدرَّجت لور مغيزل من الموقع الكتائبي إلى
موقع أكثر انفتاحًا على الواقع العربي، ثم
العالمي. أدركت أهمية العمل على مختلف
الأصعدة، مع تركيزها على الصعيد الداخلي الذي
أدى، في بعض فصوله، إلى إحراز نتائج مهمة على
صعيد حقوق المرأة، منها ترشُّح إميلي فارس
إبرهيم نائبةً عن المتن، ولور تابت عن بيروت. من حاصبيا، طفلةً،
إلى لبنان والعالم، مثقفةً حقوقيةً، أحرقت
عمرها نضالاً فكريًا في سبيل الإنسان. العام
1949 كان عام جردة بكلِّ القوانين اللبنانية،
ثم العمل على تنزيه التشريع اللبناني من كلِّ
نصٍّ مجحف في حق المرأة. وكان العام 1953
للمناداة بالحقوق السياسية والمساواة في
الإرث، لكن للمسيحيات فحسب. كما ناضلت لور
مغيزل وحققت حرية تنقُّل المرأة، استعمال
وسائل منع الحمل، أهلية المرأة في الشهادة
لدى السجل العقاري، عقود التأمين على الحياة،
وإلغاء جميع أنواع التمييز ضد المرأة. وضعت لور مغيزل، من
خلال الحزب الديمقراطي، بالتعاون مع عبد الله
لحود وأوغست باخوس، قانونًا مدنيًّا
موحَّدًا للأحوال الشخصية عُرِضَ مرارًا على
اللجنة النيابية للإدارة والعدل من دون أن
يُبِتَّ فيه. حملت وزناتها
الفكرية والحقوقية ورحلت في العام 1997 بعدما
أرهقتْها الأيام، ورحل زوجها جوزف مغيزل.
حققت الكثير هذه المرأة؛ ومن الطبيعي أن يبقى
الأكثر، ومنه "جرائم الشرف". كل الاتفاقات
الحقوقية المتعلقة بحقوق الإنسان تشمل
النساء والرجال معًا. إننا في مرحلة تُداس
فيها حقوق الجميع المرأة على أساس الجنس،
والإنسان على أساس العنصر. صحيح أن العالم
أصبح قرية كونية (من وجهة العلم)، إلا أن حقوق
الإنسان كلَّها تتدهور (من وجهة القانون). لبنان الذي اهتمت به
لور مغيزل هو لبنان الحقوق الكاملة لكلِّ
أبنائه من الجنسين. *** *** *** عن
النهار، الثلثاء 26 تشرين الثاني 2002
|
|
|