التحليل النفسي بوصفه منهجًا تأويليًّا:
لقد اكتسى التحليل النفسي منذ نشأته - كتيار وصفي تفسيري تأويلي للإنسان -
طابعًا فلسفيًا، اختلفت منهجياته قربًا أو بعدًا عن التصورات الميتافيزيقية،
حسب مدارسه المتنوعة وتفرعاتها الفكرية.
وأحد مصادر حيوية التحليل النفسي تكمن في أنه شكَّل نوعًا من النظريات
الشمولية، وإذا ما استخدمنا المصطلح الأرسطي نقول إن التحليل النفسي تشكل
"نظرية مفتاح" استطاعت أن تلج أبوابًا كثيرة، فلم تقتصر على دراسة الأحلام،
والغرائز، والأمراض النفسية، والانحرافات وحسب، وإنما دخلت أبواب الحضارة،
والدين، والفن، والاجتماع، والميثولوجيات، والتطور، وحتى الميتافيزيقا.
إذ أعاد التحليل النفسي النظر في الكثير من المعتقدات السائدة التي يعتمدها
الإنسان منذ عهد الفلاسفة اليونان، عندما درس السلوك دراسة وصفية، ليس فقط من
حيث الشرح الوضعي، وإنما من حيث المعنى أيضًا. وكان من نتائج هذه القفزة، حسب
الدكتور مصطفى زيور:
أن الإنسان المعاصر لم يقتصر على إعادة النظر فيما كان مسلمًا به
سابقًا، لكن تعدى ذلك إلى العمل الفكري في عقلانيته حسب المفهوم الديكارتي،
الذي اعتمد العقل كوسيلة وحيدة لاستكشاف الواقع، فالباحث أو العالم منذ أن عرف
مكامن رغباته، لم يعد يعتبر نفسه مستقلاً ومتحررًا من علمه أو اكتشافاته، فما
يصدر عنه ليس إلا وليد الهوام، الذي كان يرافقه طيلة حياته على غير علم منه
كمادة مكبوتة، وما إنتاجه إلا عودة للمكبوت.