أنا
على حافة القبر. إنني أحتضر، وقبل أن أموت أريد – ليس بمعنى أريد، بل
لا بدَّ لي، إذ لن أموت مطمئنًا إذا لم أقل لكم، لكل البشر، إخواني
الأعزاء، إنكم تهلكون أنفسكم، ولا تهلكون أجسادكم فقط بل وأرواحكم
وأبناءكم.
لن أتحدث الآن عن جوهر العقيدة المسيحية، فقد تحدثت عن ذلك مرات كثيرة
في أماكن أخرى. سوف أتحدث فحسب عمَّا ينتج عن عدم اتِّباعكم إياها، عن
عذاباتكم المهولة، عن إفسادكم أنفسَكم وأبناءَكم فقط لأنكم لا
تتبعونها.
إنَّ نتيجة عدم الاتِّباع هذا هو أنكم تعيشون ضمن ما يسمَّى النظام
الدولتي. والنظام الدولتي ليس سوى نير يقوم البشر، في ظله، بتعذيب
وإهلاك أنفسهم، بإهلاك أرواحهم، معتبرين السيئ حسنًا والحسن سيئًا.
فما هي هذه – الدولة؟ ربما هي محتلٌّ مجرم متوحِّش ما، هجم عليكم،
وهيمن عليكم بالقوة. يجب أن يكون الأمر على هذا النحو لأنه يفعل بكم ما
قد يفعله فقط عدوٌّ كهذا. لكن لا وجود لهذا العدو؛ فهذا العدو هو أنتم
أنفسكم. هذا العدو هو ذلك النظام الدولتي الذي، في ظلِّه، أنتم أنفسكم
تُعذِّبون وتنهبون أنفسكم، جميعكم، لصالح حفنة من البشر الفاسدين
المستفيدين من هذه اللصوصية.
التعليم
المدرسي موجَّه إلى أطفال لم يختاروا، للوهلة الأولى، المجيءَ [إلى
المدْرسة]، وهم هنا، بمعنىً ما، "مُكرَهين ومجبَرين". مُذْ ذاك، تكاد
الحياة المدرسية أن يعيشها التلميذُ كـ "عنف" يكابده وكنظام يجب عليه
الخضوع له. التلميذ موجود هنا لـ "يتعلم"
"apprendre"،
أيْ لـ "يأخذَ" "prendre"
معرفةً تُعطى له. وعلى الطفل، حتى يكون "تلميذًا جيدًا"، أن "يتعلَّم
دروسَه" و"يؤديَ فروضَه". تُفرَض على التلميذ "فروضٌ لتحصيل "نتائج"
قلَّما تُفرَض على الراشدين. فلكي "ينجح" الطفلُ، ينبغي عليه أن
"يكدح"، أيْ أن "يبذل جهودًا" و"يتكبد مشقة". وهذا يعني أنه ينبغي عليه
أن "يتألم". وهو يعلم أنه إذا لم يَحْصلْ على نتائجَ جيدةٍ فسوف
يعاقَب. ليس الطفلُ، إذنْ، "مُجبَرًا" على التعلم والعمل فحسب، بل
مُلزَم بأن ينجح أيضًا. ألا يريد الأساتذةُ أن "يُلقِّنوه" معارفَ
نسمّيها "موادَّ"؟ وعليه، فإن التلقين
inculquer
[الترسيخ في الذهن] يعني "الإقحام"، ويعني بدقة أكبر "الإدخال بالدك
بعَقِب القدم" (من الفعل اللاتيني
inculcare،
المشتق من calx
وcalcis
عقِب القَدم). إن هذا التعليم، في جزء منه لا يُختزَل، يعيشه الطفلُ
على شكل إكراه.