جاءت الريح
ثلاث قصص قصيرة
عبد الغني عبده
1
جاءت الريح. لم يكتفِ بإحكام إغلاق الباب. "ما الذي يمنعني من إتباع
النص؟" سأل نفسه؛ وأردف: النص لم يقل: "أغلق الباب"... أنا أتذكره
جيدًا لقد قال: "سده واستريح". من الحكمة "اتباع" الحكمة. لابد أن
الأقدمين الذين أطلقوها لهم تجارب دعتهم إلى النصح بضرورة "سد الباب".
لذلك؛ شيد حائطًا منيعًا خلف الباب!!
أيام وهو ينصت من الجدران لصوت الريح المزمجرة. عندما توقف الصوت تلفت
حوله عن مخرج فلم يجد! لم يكن ثمة إلا الباب الذي سده. "ماذا أفعل
الآن؟!" سأل... حاول أن يتذكر أي بقية للنص يمكن اتباعها لتوفر له
مخرجًا؛ فلم يجد. لقد "سكت" النص. يشعر بضيق في أنفاسه. أوشك الأوكسجين
على النفاد!
رغم خوار قوته، أمسك معولاً وحاول هدم الجدار الذي سد به الباب... لم
يهمله القدر، فسكن في "راحة أبدية".
2
جاءت الريح. فتح الباب وخرج مسرعًا، ولم ينس أحدث موبايل "مستورد"
اشتراه. "كيف لإنسان أن يفوت هذه اللحظات الاستثنائية؟" سأل نفسه،
وأردف: سوف أحقق أفضل سبق بتصوير ما تفعله الريح. فتح الكاميرا وأخذ
يلتقط صورًا لعربدة الريح بالأشجار والسيارات بل بالبيوت!! سجل مقاطع
فيديو لمشاهد رهيبة؛ أناس يتطايرون في الهواء وأسلاك كهرباء تنهار
فتشعل حرائق هنا وهناك... منبهر بما يراه، مستغرق في تسجيل المشاهد،
حالم بشهرة كبيرة عند نشر ما سجله.
حانت منه التفاتة للوراء، فوجد منزله أثرًا بعد عين!... لم يمهله القدر
حتى لاستكمال شعوره بالذعر، موجة عاتية من الرياح قذفت به إلى الموت.
3
جاءت الريح. كان يدرك أنها سوف تأتي؛ ليست المرة الأولى التي تضرب
العواصف الصرصر هذه المنطقة. مع أنه لم يكن على يقين من موعد مجيئها،
سأل نفسه: ماذا يمكن أفعل حتى أتحاشى مخاطر الريح؟ بل ماذا عساي أن
أفعل لأحاول ترويضها والاستفادة من قوتها؟! ليس لي من مكان آخر لأذهب
إليه، هنا أعيش ومن هنا أتكسب رزقي.
بحث عن تجارب الآخرين؛ التي لم تخل من مثالب... طوَّر طريقة جديدة
لمصدات الرياح، ونصب محطة لتوليد الكهرباء من الرياح... اطلع على سجلات
قديمة احتوت على بيانات عن قوة العواصف السابقة التي ضربت المنطقة فحدد
القوة المضادة اللازم توفيرها فيما يقوم ببنائه من مصدات ومنشآت.
عندما جاءت الريح كان قد مات؛ ولكن الأجيال المتعاقبة ما زالت تستفيد
من تجربته.
القاهرة في 17 سبتمبر 2015
*** *** ***