الميثولوجيا الأوغاريتية

 

بروس ساترفيلد*

 

آلهة البانتيون الأوغاريتي الرئيسة

إيل: هو كبير الآلهة في البانتيون الكنعاني. ومع ذلك، فإن دوره يميل لأن يكون أكثر سلبية في الميثولوجيا الإغريقية. فهو يعيش بعيدًا عن الآلهة الأخرى في "أقاصي الشمال". وبالرغم من الدور السلبي الذي يؤديه، فإن كلمته يجب أن تعطى قبل الانخراط في نشاطاتٍ محددة.

عشيرة: وهي زوجة/قرينة إيل. ولأسباب غير واضحة، يربطون عشيرة بالبحر، وغالبًا ما تدعى "عشيرة البحر". وثمة عدد من التلميحات في العهد القديم عن عشيرة، رغم أن اسمها في نسخة الملك جيمس غالبًا ما يُخفى عبر ترجمته إلى كلمة "بستان" بدلاً من عشيرة. وربما يكون الأمر أن لعشيرة وعناة دوران متعاكسان في الميثولوجيا التي يتَّبعها الكنعانيون في فلسطين. ومن الواضح أن الميثولوجيا الكنعانية لم تكن موحدةً في كل أنحاء أرض كنعان، بل كان للمجموعات المختلفة تقريبًا رواياتهم الخاصة لنفس القصص.

بعل: بعل هو إلى حد بعيد الإله الأكثر نشاطًا في البانتيون الأوغاريتي. وهو يعرف بالعديد من الأسماء: إله الأرض، الأبدي لجميع الأجيال، إله السماء، وفارس الغيوم. والنعت الأخير هو الأكثر تجسيدًا لبعل كونه إله المطر والعواصف. فصوته الرعد. وكان بالنسبة للكنعانيين إله خصوبة الأرض، تغدو الأرض بدونه جرداء قاحلة لا تصلح لشيء. وقد عثر في أوغاريت على مسلة كبيرة تصور بعل على أنه إله العواصف، يرفع فيها يده اليمنى حاملاً صاعقةً كأنها رمح، وهو يقف فوق الماء مصوَّرًا بخطوط متموجة، مبرهنًا تفوقه على مضمون الحياة.

عناة: كانت عناة زوجة بعل أو قرينته. وهي إلهة الحب والحرب، وكذلك الخصب. ويكاد لا يذكر شيئًا عن عناة (إلا في أسماء الأماكن فقط)، ويبدو ذلك أمرًا غريبًا كونها تحظى بمكانةٍ عاليةً في الميثولوجيا الأوغاريتية. بينما نجد ذكرًا متكررًا لعشتروت في أوغاريت وهي برفقة بعل على ندرة ذكرها في عشتروت. ولا سبب واضح لذلك، إلا أن رايت يقدِّم تفسيرًا معقولاً للغاية لذلك:

من المحتمل أن أوساط الكنعانيين لم تكن على اتفاقٍ بالإجماع حول من كانت زوجة بعل من بين الإلهات. في رأس شمرا كانت عناة زوجته. بيد أن العهد القديم يربط بصورةٍ متكررةٍ بين عشتروت وبعل، وبذلك يمكن أن نسلِّم بأن الكنعانيين الفلسطينيين كانوا يؤمنون أنها كانت زوجة بعل.

بيد أن إيزابيل الصورانية كان لديها فكرة أخرى، وهي أن زوجة بعل كانت عشيرة! بناءً على ذلك، فإنه لنا أن نجزم بذلك من خلال الربط بين بعل وعشتروت في عبادة إيزابيل.

يم: يم هو إله المياه: البحار والأنهار والبحيرات، وما إلى ذلك. وتشير الأساطير إليه على أنه إله البحر وأمير التيار. وكون يم حاكم المياه، فإنه صعب المراس ولا يمكن كبت جماحه. فهو يرغب بأن يهيمن على الأرض وعلى الآلهة كلها. وبالتالي، كان يم، بالنسبة للكنعانيين، يشكل تهديدًا لمحاصيلهم لأن الأمطار الغزيرة والمياه تأتي بالفيضانات التي تدمر الأرض والمحاصيل على حد سواء. فمن الجلي أن يم قوةٌ ينبغي مكافحتها.

موت: موت هو إله الجفاف والقحط والموت. ويعني اسمه بالضبط "الموت". وهو يقطن الصحاري التي تلفحها الشمس أو الأرض اليباب، وهي تمثل العالم السفلي. وينظر إلى موت على أنه سبب حرارة الصيف الحارقة. وهو العدوُّ الألدُّ لبعل.

أساطير عبادة الخصوبة

بعد أن تعرفنا على الآلهة الأوغاريتية، لنلق نظرةً على الأساطير التي شكَّلت أساس العبادة في طقوس الخصوبة. وإني أعتمد مصطلح "أسطورة" من خلال تعريف جون غراي الذي يعرف الأسطورة بأنها

الجزء المحكي من الطقوس، وغايتها جعل هذه الطقوس واضحة للمشاركين بهذه الشعائر كأعمال سحرٍ تقليدي لها أثرٌ مضاعف.

ولكن يجدر بنا أن نعلم أن ثمَّة جدل كبير بين العلماء حول كون أساطير أوغاريت استخدمت على أنها "النظير المحكي للشعائر" أو أنها كانت تستخدم بطريقةٍ أخرى. وعلى أي حال، توضح بعض الألواح بجلاء أن الأساطير كانت على الأقل تقرأ علنًا أو تستخدم بطريقةٍ احتفالية كمراجع تقدم إلى الهيئة المجتمعة بحيث يتوجب تكرار بعض الأسطر والمقاطع فيها عدة مرات من قبل "الرفاق ومن قبل منشدي الجماعة".

ثمة الكثير من الأساطير التي اكتشفت في أوغاريت، بيد أن أكثرها شهرةً هي تلك المدعوة "دورة الكرة". وأساس هذه الأسطورة خصوبة الأرض. وحسب غوردون، فإن قدماء الكنعانيين

لم يريدوا شيئًا (ولا حتى بعض النعم كالمطر والمحاصيل) خلال الموسم. بل إن ما كان يرعبهم هو توقف المطر وخسارة المحاصيل خلال الموسم. وكانوا يَنشدون حصاد الشعير والقمح والفاكهة وشجرة الزيتون والعنب، كلٌّ في أوانه. فخصوبة التربة أمر يسري على كامل السنة، وذلك دون وجود أي موسمٍ مجدب في كنعان. وإن الأجزاء المكونة للخصوبة الكنعانية (أي عمليات الحصاد المتتابعة) هي الموسمية فقط.

لم تستخدم الأسطورة "لتفسير العالم وكيفية عمله" فحسب، بل كانت تستخدم، كما سنرى، كوسيلةٍ لإرغام الآلهة المجسدة على كشف التنبؤات بالمواسم فيما يخص الأمطار وأوقات الحصاد. وبالنتيجة، تعدُّ دورة بعل وتُرتِّب لإظهار كيفية إنتاج المواسم المختلفة، أو إظهار كيف يمكن للمشاركين إقناع الآلهة المناسبة لإنتاجها.

يبدو أن دورة بعل تقسم إلى فصولٍ ثلاثة. ويتناول الفصل الأول إخضاع بعل للمياه الجامحة. وينظر الفصل الثاني في بناء بعل قصره (معبده) الخاص الذي يأتي منه المطر. أما الثالث، فيتناول عراك بعل مع الموت وخسارته المعركة، فيحيق الجفاف والقحط بالأرض. ومن الموت يعود بعل إلى الحياة جالبًا معه الأمطار والخصوبة. وستصف الصفحات القادمة هذه الأسطورة بالتفصيل.

الفصل الأول: معركة السيادة - دورة الخريف

يتركز الفصل الأول - دورة الخريف - حول الصراع بين بعل ويم. حيث ينشأ الصراع من رغبة كليهما في السيطرة على الأرض وامتلاكها. وفي فلسطين، نحو نهاية تشرين الأول، تفسح أشهر الصيف الجافة المجال للأشهر الباردة الماطرة. وتكون الأمطار الأولى "متواصلة وغزيرة حيث يبدو العالم كله وكأنه يتكشف عن اضطرابٍ مدمرٍ من المياه الهائجة". وفي العقلية الكنعانية، كان يم يسيطر على الأرض، وبدا الكل محكومًا بقدره. وبسبب الفيضانات، لن يكون ثمة محاصيل. وغياب المحاصيل يعني المجاعة. بيد أن بعل كان يملك القوة والقدرة على السيطرة على المياه من خلال إخضاع يم. وكون بعل "إله الأرض"، يعني وجود نظامٍ واتساقٍ في الأمطار والخصوبة. وكانت هذه الأسطورة محاولةً لتفسير هذه الظاهرة.

نجد في المشهد الافتتاحي كل الآلهة مجتمعةً معًا على مأدبة كبيرة ويبدو إيل هو المهيمن. ومن الواضح من خلال النصوص أن إيل "يفضِّل الأمير يم" في معركة السيادة، لأن إيل يخشى قوة يم. يرسل يم إلى مجمع الآلهة رسولين، يقولان:

إيل، سلموا إلي ذاك الذي تؤوون
ذاك الذي تؤويه الجموع
سلموا إلي بعل وأنصاره
ابن داجون، حتى أرث ملكه.

طأطأ كل الآلهة المجتمعون، بمن فيهم إيل "رؤوسهم حتى ركبهم على مقاعدهم الملكية". يوبخ بعل "الواقف بحذاء إيل" المجمع على جبنه ويقول "سأجيب رسولي يم". بعد ذلك، يواجه بعل يم في معركةٍ مفتوحة. "ولكن بعل لا يذهب دون حماية. فبمساعدة إله الحِرَف اليدوية "كوثر-حاسيس"، الذي يصنع لبعل هراوتين، يضرب بعل يم بين عينيه.

فخرَّ يم وتضعضع
وتهاوى ساقطًا
تخاذلت مفاصله؛
وهوت قامته

وأخيرًا يقول يم "ها أنا ذا بمثابة الميت! إن بعل هو الملك حتمًا". لقد فتح بعل المياه الجامحة وأصبح "إله كل الأرض".

الفصل الثاني: بناء قصرٍ لبعل - دورة الشتاء

الآن، وبعد أن ظفر بعل بـ"مملكته الخالدة"، لا بد أن يكون له قصر خاص به ليحلَّ فيه. يحصل بعل على إذنٍ من إيل لبناء قصرٍ يسود منه. وبعد أن يعطي إيل إذنه تصدح عشيرة:

هو ذا بعل الآن سيبتدئ موسم الأمطار،
موسم الوديان التي يغمرها فيض الثلج
سوف تردد الغيوم جلجلة صوته،
ويضيء الأرض ببرقه.

يكلَّف كوثر-حاسيس ببناء القصر. ويجتمع بعل وكوثر لمناقشة الخطط الخاصة بهذا القصر، ويحاول كوثر إقناع بعل بوضعِ نافذةٍ للقصر. يمانع بعل في البداية لكنه بعد مأدبةٍ كبيرةٍ وحملةٍ عسكريةٍ ناجحة يغير رأيه:

وقال بعل الفاتح:
"سأفعلها يا كوثر، يا ابن البحر"
كوثر ابن المجمع:
"اسمح بفتح نافذة في القصر
شباك في القصر
وبذلك يمكن فتح شقٍّ في الغيوم
كما قال كوثر"
وبعد تركيب النافذة،
ثم فتح بعل فتحةً في الغيوم
وأصدر بعل صوته المقدس
جلجل بعل من شفتيه...
فاهتزت قصور الأرض المنيفة
ثم يقول كوثر ذلك من هذه اللحظة فصاعدًا
عند فتح النافذة في القصر،
الشباك في القصر،
سيفتح (مثل ذلك) شق في الغيوم.

يشقُّ عبر فتحة النافذة طريقٌ إلى السماء ليتيح للمطر الهبوط إلى الأرض لإعطائها الخصوبة. لقد انتصر بعل على المياه الجامحة وأصبح بطل الأرض. ولكن ما الوجه الآخر للعملة؟ "الجفاف، وهو مصيبة محتملة في أي وقت، يتربص بكلٍ موسمٍ جديد". وفي هذه اللحظة، يدرك بعل أنه ربما انتصر على يم وأصبح بذلك "إله الأرض" لكنه ليس إله العالم السفلي، ولا حتى موت، الموت، جالب الجفاف والمجاعة والقحط. لكن بعل يشعر بأنه يستطيع الفوز على موت في معركة. ويصدح بعل بكلماتٍ ملؤها الغطرسة:

ليس لأحدٍ، ملكًا كان أم سواه
أن يبسط سلطته على الأرض.
لن أشيد بموت ابن إيل
لن أحيي محبوب إيل، البطل.
ليبكِ موت على نفسه،
ليشتكِ المحبوب في سريرته؛
لأني وحدي سأسود على الآلهة؛
أنا وحدي من سيشبع الآلهة والبشر،
أنا وحدي من سيعيل جموع الأرض.

يبدو بعل منتصرًا، للوقت الراهن على الأقل. فالأمطار المطلوبة ستعطى إلى الأرض وفق مجراها المناسب. كل شيءٍ يبدو على ما يرام. يستغرق بعل وقتًا لتحضير مأدبة. ولم ترسل الدعوة إلى موت. يرسل بعل إلهين إلى موت بغية طرده إلى العالم السفلي حيث "يمكن أن يكون قويًا هناك فقط". كل شيءٍ في هذه اللحظة على ما يرام.

الفصل الثالث: موت بعل وعودته إلى الحياة - دورة الصيف

نرى في هذه الحلقة اقتراب انتهاء الشتاء، حيث يأتي وقت الحصاد. ومع قدوم وقت الحصاد يأتي الصيف الجاف. ويجب على بعل أن يهزم من قبل موت لموسمٍ واحد.

يدعو موت، الذي حجب عن الوليمة، بعل إلى العالم السفلي لإرواء عطشه الناتج عن عطش الصيف الذي نفي إليه موت.

يجب على بعل أن يدخل في جوفه،
هابطًا إليه من فمه،
مثل كعكة الزيتون،
ونتاج الأرض،
وثمر الشجر.

يرفض بعل بدايةً الدعوة لكنه يدرك أنه بصفته بطل الآلهة عليه أن يذهب إلى العالم السفلي ليخفف عطش موت. "لكنه إن ذهب سيمر بالجفاف والموت". وأخيرًا يوافق بعل على الذهاب إلى قدره. يصطحب معه الغيوم والرياح والأمطار. يموت بعل.

حين سمع إيل اللطيف الرحيم بموت بعل
نزل من عرشه
وجلس إلى كرسيه
ثم هبط من كرسيه
وجلس على الأرض
سكب الأرض على رأسه كعلامة حِداد
وعلى جمجمته الغبار الذي تدحرج فيه
غطى عورته بالخيش
جرح جلده بسكين
وشقَّ شقوقًا بشفرة
جرح خديه وذقنه
ومشط ذراعيه بمشط
حرث صدره وكأنه حديقة
ومشط ظهره وكأنه وادٍ.

تنضم عناة أيضًا إلى هذه الطقوس الغريبة من الحداد. وبعد إتمامها، تقدم عناة العديد من الأضحيات والقرابين إلى بعل، وتضم هذه الأضحيات الثيران والغزلان والماعز الجبلي وغيرها. ولكن في النهاية يطرح السؤال نفسه: من سيحل مكان بعل؟ يطلب إيل من عشيرا أن تأتي بأحد أبنائها ليتبوأ مكان بعل. وتقترح أحدهم، لكن إيل نفسه يرفض "لأن الولد لا يستطيع مجاراة بعل". فتعرض ولدًا آخر لتبوء المكان، لكنه يلقى الرفض أيضًا لأنه ليس بالحجم الكافي ليجلس على عرش بعل. "فلا قدماه تصلان إلى مسند القدمين ولا رأسه يصل إلى قمة العرش".

وأخيرًا يرى أيل رؤيا تعود فيها خصوبة الأرض. يرى السماء "تمطر زيتًا والوديان تسيل بالعسل". فيدرك أن بعل حيٌّ حقًا لكنه فقط في براثن موت، الموت نفسه. يأتي الخبر إلى عناة. وفي حالةٍ من الغضب العارم:

تقبض على الإله موت
وتشقه بشفرة
وتهوي عليه بمجرفة
وتحرقه بالنار
وتطحنه بحجر الرحى

يتبادر من خلال الأفعال المستخدمة في المقطع الأخير "يشق ويحرق ويهوي ويطحن" أنه بموت موت يعود النماء والخصوبة إلى الأرض". وفي الحقيقة، فإن هذه الحالة تسود مدةً وجيزةً بعد عودة بعل إلى الحياة. "أمطرت السماء زيتًا وسالت الوديان عسلاً". ومع عودة خصوبة الأرض، تختتم دورة بعل.

ترجمة: محمد الطبل

*** *** ***


 

horizontal rule

* قسم التعليم الديني، جامعة بريغهام يونغ - أيداهو

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني