إن
هدفي في هذا الفصل هو أن أقترح تحت تسمية "التقارب الانعكاسي" مشروعًا
بديلاً للتطور التاريخي للعلوم الفيزيائية. ولكن لا بدَّ قبل ذلك من
عرض المشروع الأكثر قبولاً، وهو مشروع الواقعية العلمية، وتحديد
بواعثه، وتفحُّص أساسه الجدلي، ثم إظهار الصعوبات التي يواجهها.
1. 1 الواقعية المتقاربة وتوفيقاتها
مما لا شكّ فيه كما يلاحظ فان فراسّن
Van Fraassen،
أن المفكِّر الواقعيَّ كان يودُّ لو يستطيع التأكيد على أن النظريات
العلمية المثبتة في عصره هي نظريات صحيحة، وأن الجواهر أو الكينونات
التي تسلِّم بها موجودة في الطبيعة، وأنها تقدِّم بذلك تمثيلاً دقيقًا
للعالم كما هو. مع ذلك، فإن تاريخ تقدُّم العلوم يجعل من هذا البيان
المتزامن للعلاقة بين التمثيل العلمي والواقع بيانًا غير مقنع. لقد
ارتدَّ بالتالي معظم المدافعين عن الواقعية العلمية إلى نسخة تطوُّرية
لموقفهم الخاص. ووفقهم، فإنه من الصحَّة بلا شك القول إن أية نظرية
علمية معطاة ليست صحيحة بشكل مطلق ولا دقيقة في كافة تفاصيلها بالنسبة
للارتباطات المفترضة للواقع بالأفراد والأنواع الطبيعية؛ بل إن
المتوالية التاريخية للنظريات تتلاقى على الأقل، بطريقة إما منتهية أو
متقاربة فقط، باتجاه بيان صحيح حرفيًا لما يشبهه العالم.